مبدأ العقل المدبر هو أساس كل الإنجازات العظيمة، وهو حجر الأساس     ذو الأهمية الكبرى في كل تقدم بشري، سواء أكان فردياً أم جماعياً. وهو يقدم المفتاح لنيل القوة الشخصية العظيمة. ويُعرَّف مبدأ العقل المدبر بأنه تحالف بين عقلين أو أكثر، ممزوجين بروح من الانسجام والتعاون التام لتحقيق غاية محددة. ومفتاح قوته يكمن في كلمة "انسجام". فبدون ذلك العنصر، قد تشكل الجهود الجماعية تعاوناً فيما بينها، ولكنها ستفتقر إلى القوة التي يمنحها الانسجام من خلال تنسيق الجهود.

والقواعد ذات الأهمية الرئيسية المتصلة بمبدأ العقل المدبر هي:

الافتراض الأول

مبدأ العقل المدبر هو الوسط الذي يُمكِّن المرء من الحصول على المنفعة التامة من الخبرات والتدريب، والتعليم، والمعرفة المتخصصة، والقدرات الفطرية التي توجد لدى الآخرين كما لو كانت عقولهم هي عقله هو.

الافتراض الثاني

إن التحالف بين عقلين أو أكثر، والممزوجين بروح من الانسجام والتعاون التام التحقيق غاية محددة، يحفز عقل كل فرد بدرجة عالية من الإلهام، وقد يتحول إلى

العقل المدبر

تلك الحالة العقلية المعروفة باسم الإيمان (ويمكن معايشة شكل من أشكال هذا التحفيز وقوته في علاقات الصداقة الحميمة والحُب).

الافتراضي الثالث

كل عقل بشري بعد محطة بث واستقبال للذبذبات الفكرية، والتأثير المحفز لمبدأ العقل المدبر يحث على تفعيل التفكير - وذلك من خلال ما شاع تسميته بالتخاطر - وتشغيله عبر الحاسة السادسة.

     وعلى هذا النحو، تترجم العديد من التحالفات التجارية والمهنية إلى واقع، ونادراً ما امتلك شخص ما منزلة عالية أو قوة دائمة دون تطبيق مبدأ العقل المدبر الذي ينال من خلاله المنفعة من عقول أخرى.

وهذه الحقيقة وحدها تعد دليلاً كافياً على سلامة مبدأ العقل المدبر وأهميته، وهي حقيقة قد يراها الجميع دون استخدام قواهم في الملاحظة، أو إرهاق سرعتهم في التصديق.

الافتراض الرابع

إن مبدأ العقل المدبر - حينما يطبق بفاعلية - يربط بين المرء وعقله الباطن، وبينه وبين العقول الباطنة لحلفائه، وهذه حقيقة قد تفسر عديداً من النتائج التي تبدو إعجازاً والتي تُحَصِّلُ من خلال العقل المدبر.

الافتراض الخامس

أهم العلاقات الإنسانية التي تنتفع بتطبيق مبدأ العقل المدبر هي العلاقات التي تقام

في الزواج

في الدين

في وظيفة، أو مهنة، أو حرفة

الفصل السابع

وقد مكن مبدأ العقل المدبر "توماس إديسون" من أن يصبح مخترعاً عظيماً رغم عدم امتلاكه الثقافة أو المعرفة بالعلوم، وهو ظرف يمنح الأمل لكل من يعتقدون بأنفسهم خطأ أنهم عاجزون بسبب عدم حصولهم على تعليم رسمي.

وبمساعدة مبدأ العقل المدبر، يمكن للمرء فهم تاريخ هذه الأرض التي نحيا عليها وبنيتها من خلال معرفة علماء الجيولوجيا المهرة.

ومن خلال معرفة علماء الكيمياء وخبرتهم، يمكن للمرء تحقيق استفادة عملية من الكيمياء دون أن يكون عالم كيمياء مدرب.

وبمساعدة العلماء، والتقنيين، والفيزيائيين، والميكانيكيين الممارسين، يمكن للمرء أن يصبح مخترعاً ناجحاً دون الحصول على تدريب شخصي في أي من هذه المجالات، مثل "إديسون".

أهمية التحالفات

هناك نوعان عامان من تحالفات العقل المدبر، هما:

  1. التحالف لأسباب اجتماعية أو شخصية خالصة - مع الأقارب، والواعظين الدينيين، والأصدقاء، حيث لا يوجد كسب مادي أو هدف يسعى المرء لتحقيقه. وأهم تحالف من هذا النوع هو التحالف بين الزوج وزوجته.
  2. التحالف التجاري، أو الوظيفي، أو من أجل التقدم الاقتصادي، والذي يتكون من أفراد لديهم دوافع شخصية تتصل بالغاية من ذلك التحالف.

والآن، فلنتأمل بعض النماذج الأكثر أهمية من القوة التي تم تحصيلها من خلال تطبيق مبدأ العقل المدبر.

ونموذج الحكومة الأمريكية - مثلما دون في الدستور - لا بد أن يحظى بأول تحليل، لأنه نموذج للقوة التي تؤثر بصورة حيوية على كل مواطن في بلدنا، وتؤثر بدرجة كبيرة على العالم كله.

وتشتهر بلدنا بثلاث حقائق واضحة هي:

العقل المدبر

1. أنها أثرى بلد في العالم.

2. أقوى أمة في العالم.

3. تقدم لمواطنيها حرية شخصية أكبر مما تقدمه أية دولة أخرى.

الثروات، والحرية، والقوة! يا له من مزيج شديد الإلهام من الحقائق !

ولا يصعب تحديد مصدر هذه المنافع، لأنه يتركز في دستور بلدنا وفي نظام الاقتصاد الحر الأمريكي، وهذان الأمران تم تنسيقهما بانسجام شديد لدرجة     أنهما يمدان الناس بالقوة الروحانية والاقتصادية التي لم يشهد العالم لها مثيلاً من قبل.

ونموذج حكومتنا يعد تحالف عقل مدبر رائعاً يتكون من علاقات منسجمة بين كل أبناء الأمة، ويفعل في خمسين مجموعة منفصلة تشتهر باسم الولايات. وجوهر العقل المدبر الأمريكي يمكن رؤيته بسهولة من خلال تقسيم نموذج حكومتنا وفحص مكوناته، والتي تخضع جميعها للتحكم المباشر لأغلبية الشعب.

وهذه المكونات هي

1. الفرع التنفيذي من حكومتنا (يتولاه الرئيس).

2. الفرع القضائي ( تتولاه المحكمة العليا ).

3. الفرع التشريعي (يتولاه الكونجرس).

وقد تم تشكيل دستورنا بحكمة تجعل القوة الموجهة لهذه الأفرع الثلاثة في يد الشعب. وهي قوة لا يمكن حرمان الشعب منها إلا بامتناعه هو عن استخدامها.

وحكومتنا تمثل قوتنا السياسية. ويتم الحفاظ على قوتنا الاقتصادية والتعبير عنها من خلال نظام الاقتصاد الحر الخاص بنا. ومجموع هاتين القوتين دائماً ما يتناسب مع درجة الانسجام في التنسيق بينهما. والقوة المتحصل عليها على هذا النحو تكون ملكاً للشعب كله. وهذه هي القوة التي قدمت للشعب أعلى مستويات المعيشة التي توصلت إليها الحضارة، والتي جعلت أمتنا بحق الأمة الأكثر ثراءً، وحرية، وقوة في العالم.

ونحن نطلق على هذه القوة اسم "أسلوب الحياة الأمريكي".

  وثمة أمثلة أخرى على تطبيق مبدأ العقل المدبر في الصناعة نجدها في النظامين الأمريكيين العظيمين: نظام المواصلات ونظام الاتصالات. ومن

الفصل السابع

يديرون أنظمة السكك الحديدية وخطوط الطيران، وأنظمة الهواتف والاتصال عن بعد قد أنشأوا خدمات لا نظير لها في أي بلد أخر. وكفاءتها والقوة الناتجة عنها تكمن بشكل تام في تطبيق مبدأ العقل المدبر أو التنسيق المنسجم للجهود.

وما زال هناك مثال آخر للقوة المحصلة من خلال مبدأ العقل المدبر يمكن رؤيته بملاحظة علاقات قواتنا المسلحة - أي الجيش، والبحرية، والقوات الجوية، والمارينز، وحرس السواحل. ومفتاح قوتنا هنا أيضاً يكمن في تنسيق الجهود بانسجام

والفرق الرياضية تعد مثالاً رائعاً على القوة المحصلة من انسجام الجهود .

ونظام التجارة الأمريكي العظيم هو مثال آخر على القوة الاقتصادية المحصلة من تطبيق مبدأ العقل المدبر.

وكل صناعة ناجحة هي نتاج تطبيق مبدأ العقل المدبر، ونظام الاقتصاد الحر الأمريكي في مجمله يعد تفسيرا رائعا للقوة الاقتصادية الناتجة عن جهود منسقة بود وانسجام.

وقد اعترف "أندرو كارنيجي" بأنه جمع ثروته كلها بتطبيق هذا المبدأ، والذي نسق من خلاله واحدة من أعظم المؤسسات الصناعية التي شهدتها هذه الأمة. ولنتذكر أن عقله المدبر يتكون من جميع العاملين المتعاونين في مؤسسته، بداية من أقلهم منزلة إلى أعظمهم شأناً.

   والعمال الرئيسيون في عقله المدبر - أي طاقم المديرين والمشرفين - تم انتقاؤهم من بين عماله، وقد فهم مبدأ العقل المدبر فهماً متعمقاً جداً لدرجة أنه كان يلهم كل عامل أن يحسن الاستفادة من فرصته هذه باستهداف الوصول إلى منصب أعلى.

    والرجل الذي وثق به وعهد إليه بتكوين فلسفة الإنجاز الفردي قد انتفع به من خلال مساعدة السيد "كارنيجي"- بتحالف العقل المدبر، والذي ساعده على تنفيذ ما عهد إليه به.

وذلك التحالف ضم أكثر من خمسمائة قائد من قادة الصناعة الذين يحتلون مكانة كمكانة السيد "كارنيجي"، وقد استمر فترة تزيد على العشرين عاماً، وخلالها قام كل فرد من أفراد التحالف بتقديم عصارة خبراته الصناعية إلى مؤلف الفلسفة.

العقل المدبر

 وقد قدم هذا التحالف للعالم أجمع وصفاً مذهلاً للقوة التي يمكن اكتسابها من خلال المبادئ الثلاثة الأولى من الفلسفة، وهي: (1) عادة بذل المزيد من الجهد، و(2) الغاية المحددة، و(3) العقل المدبر.

وكانت الغاية المحددة التي ألهمت تأليف هذا العمل هي إمداد الجميع بفلسفة عملية مبنية على خبرات من حققوا نجاحاً مادياً. وكانت تلك غاية لا تتسم بالأنانية؛ لأنها كانت موجهة بالكامل إلى نفع الآخرين.

ومن كانوا وراء تلك الغاية هم أشخاص ناجحين بالفعل، ولكنهم أدركوا مزايا مشاركة الآخرين معرفتهم، وأدركوا أيضاً عيوب النظام الاقتصادي الذي يجلب المنافع للقليلين على حساب الكثيرين.

وأظهر كل فرد من أفراد ذلك التحالف تفهماً لمبدأ بذل المزيد من الجهد. وجسدوه من خلال الإسهام بوقتهم وخبراتهم، دون الحصول على مال ودون ثمن، من أجل أن يتمتع الشعب بمنافع فلسفة تعرف بأنها الأساس الأولى لأسلوب الحياة الأمريكي العظيم

ولكي تفهم قوة هذا التحالف الخاص للعقل المدبر فهماً شاملاً ومنافعه، فتخيل ما يعنيه لك أن تحصل على ميزة اختيار خمسمائة قائد أمريكي من قادة الصناعة يعملون كموجهين ومعلمين لك لمدة عشرين عاما، دون تكلفة أو إلزام.

وسوف تحصل، من خلال تعاون مجموعة ضخمة من القادة الناجحين، على المنفعة الكاملة من كل المعارف والخبرات التي نتجت عن تطور نظام الاقتصاد الحر الأمريكي. وإذا أحسنت الاستفادة من هذه المعارف، فسوف يكون نجاحك محتوماً!

وأقل الناس منزلة يمكنه الانتفاع بهذا المبدأ من خلال إنشاء تحالف منسجم مع أي شخص يختاره. وأعمق تطبيق - أو ربما الأكثر نفا - لهذا المبدأ والذي يمكن لأي أحد أن يقوم به هو تحالف العقل المدبر في الزواج، شريطة أن يكون الدافع من وراء هذا التحالف هو الحب. وهذا النوع من التحالف لا ينسق بين عقلي الزوج والزوجة وحسب، بل يمزج بين الصفات الروحانية لروحيهما أيضا. ومنافع هذا التحالف تجلب السرور والسعادة لكلا الزوجين، اللذين سينعمان على أبنائهما بشخصية سليمة ويمنحانهم أسس الحياة الناجحة.

الفصل السابع

أعظم مثال على مبدأ العقل المدبر

لنراجع صفحات الزمن السابقة لقرابة نصف قرن ونلق نظرة على عائلة نتج عن تفعيل العقل المدبر فيها بناء إمبراطورية صناعية عظيمة، والتي توفر الآن فرصاً مربحة لملايين الرجال والنساء

ويفتتح المشهد بصورة المطبخ في بيتهم المتواضع.

   قام الزوج بتصميم نموذج لمحرك قوي يدار بالبنزين. وكانت زوجته تضع البنزين في المحرك قطرة قطرة بمساعدة قطارة العينين. وكان الزوج يستخدم شمعة إشعال وهو يأمل أن يتمكن من إشعال الوقود. وبعد عدة أسابيع من الجهود غير المضنية - غير مضنية لأنها مدعومة بالحب - اشتعل الوقود وبدأ دولاب الموازنة في المحرك الجديد في العمل.

ولم يكن هناك عائد مالي من وراء هذه التجربة، لا شيء من وراءها سوى غاية محددة لدى شخصين أقاما تحالف عقل مدبر من أجل تحقيق تلك الغاية.

ولم يكن هناك وعد بتعويض مالي فوري أو مباشر بعد إجراء التجربة. وقد أجريت من خلال تطبيق مبدأ بذل المزيد من الجهد.

ولكن نتيجة لذلك الجهد، اكتمل النموذج، وأصبحت أول سيارة ذاتية الاندفاع تصنع في أمريكاً واقعاً.

ثم امتد تحالف العقل المدبر ليشمل ميكانيكيين مهرة وبضعة أصدقاء ومعارف أسهموا بقدر قليل من رأسمالهم المتداول في إنتاج السيارات.

واليوم، بلغت صناعة السيارات نسباً رائعة مقارنة ببدايتها المتواضعة، والتي تعد نتاج شراكة ذلك العقل المدبر الثنائي.

والرجل الذي كان وراء تلك الصناعة واحد من الخمسمائة شخص الذين صيفت من خبراتهم الحياتية فلسفة الإنجاز الفردي، وليس هناك من بحاجة لأن نخبره بأن هذا الرجل هو "هنري فورد".

ومع نمو صناعة "فورد"، زاد عقله المدبر إلى أن شمل جيشاً حقيقياً من الميكانيكيين، والمهندسين، والكيميائيين، والباحثين، والخبراء الماليين، ومندوبي المبيعات، وغيرهم من العمال المهرة، والذين يعد جميعهم أساسيين لمثل هذا العمل واسع الانتشار.

العقل المدبر

ومن خلال تحالف العقل المدبر الخاص به، ضاعف "هنري فورد" من عقله الخاص بالاستعانة بعدة آلاف من العقول. وبدون ذلك التحالف، ما كان ليستطيع تنفيذ أنشطته الصناعية الواسعة الانتشار. وسوف يدوم هذا التحالف؛ لأن القوة التي يقدمها تجلب منافع لكل من يؤثر فيه.

ودعنا ننوه هنا إلى أنه لا يمكن لأي تحالف عقل مدبر أن يدوم ما لم يجلب منافع لكل من يؤثر فيهم.

ولتمعن النظر في الغاية من وراء تحالف عقلك المدير قبل أن تبدأ في إنشائه يا من ترى أن نيل القوة يتحقق من خلال التعاون بين المساعي الإنسانية. وإذا أردت امتلاك قوة دائمة، فاحرص على استخدامها لتحقيق غايات تدر النفع على كل من يتأثر بها.

  وقد تكون القوة خطيرة جداً، أو قد تستغل في تبجيل أشخاص معينين، وفقاً الطريقة استخدامها. والعقل المدبر هو السبيل لنيل قوة عظيمة، وكبقية أنواع القوی، تخضع هذه القوة إما لتطبيق إيجابي أو سلبي من قبل من يستخدمونها.

    وليست هذه مجرد جملة مقتبسة من حقيقة بديهية واضحة، لأن سجلات قتلى الجنس البشري كلها تشهد على صحتها. وكل فيلسوف عظيم - بداية من عصر أفلاطون، وأرسطو، وسقراط ووصولاً إلى عصر ويليام جيمس ورالف والدو إمیرسون - يدركها أيضاً وينتبه لها.

فسوف تؤدي الكهرباء العمل الذي نطلبه منها، شريطة أن نكيف أنفسنا وفق طبيعتها، ولكنها قد تقضي على حياتنا إذا استخدمناها لهذه الغاية. ولا يمكننا  تخيل أي خير لا يمكن تحويله إلى غايات مدمرة، فالغذاء ضروري للحفاظ على الحياة ، ويكون نافعا عندما يستخدم على النحو الصحيح. ولكن الاستخدام الخطأ للغذاء - أو الإفراط في تناوله - يلحق ضرراً لا يقل عن ضرر أشد السموم فتكاً.