لا يمكن أن تكون الشيخوخة مرحلة مثالية للإنسان بعد أن ذهب الشباب بحيويته وحل محله الوهن والضعف، واقتربت الرحلة من نهايتها، إذن فالمشكلات النفسية في الشيخوخة قائمة لا محالة، لكنها تتراوح بين مشاعر الملل والعزلة والفراغ الى الإضطرابات النفسية والعقلية الشديدة كالعته (خرن الشيخوخة) والاكتئاب النفسي الشديد الذي يدفع الى التفكير في الانتحار في بعض الأحيان.

الاكتئاب مع تقدم السن ..لماذا

ويصيب الملل عادة كبار السن بسبب ما آل اليه وضعهم وحالتهم الصحية والاجتماعية وهم دائما ما يشكون من الأمراض التي أصابتهم ويتحدثون عنها طويلا، وهذا من شأنه أن يبعث على الملل في صغار السن الذين لا يحبون بالاستماع إلى هذه الأحاديث، كما أن الملل الذي يعاني منه المسنين من نمط حياتهم يدفعهم الى الاحتجاج والأمتعاص من كل شيء حولهم، وهم يحاولون البحث ع ن دور ما يجعلهم عادة يصطدمون بالآخرين من حولهم لأنهم يريدون أن يطبقوا مفاهيمهم القديمة في زمن مختلف .

ويكون الفراغ الذي يحدث عقب التقاعد من العمل أسوأ الأثر في الحالة النفسية لكبار السن، فالحرمان من العائد المادي والأدبي للعمل قد يكون البداية للتدهور العقلي والنفسي وقد تأتي مع ذلك المشكلات الصحية وكأن كل هذه الأشياء يجر بعضها بعضا، وقد لوحظ أن المسنين الذين يعيشون داخل دور الرعاية التي تقدم لهم خدمات كاملة ويقوم على خدمتهم أعداد كبيرة من العاملين يشعرون أكثر من غيرهم بوطأة الفراغ القاتل الذي يؤدي الى تدهور صحتهم البدنية وقدراتهم العقلية!

ويشكو المسنون من انفضاض الناس من حولهم مما يجعلهم يعيشون في عزلة قاتلة وتضيق دائرة علاقاتهم في محيط الأسرة والأصدقاء، والحقيقة أن الناس ينفضون بالفعل من حول المسن لأنه دائم الشكوى، وكثير الانتقاد، ولا يكف عن توجيه النصائح المتتالية، كما أن الكثير من المسنين لديهم شك زائد فيمن حولهم ويعتقدون انهم سوف يسلبون أموالهم وقد يتهمونهم بذلك في بعض الأحيان، كذلك يلاحظ على البعض من المسنن المبالغة في البخل وفي الإنفاق فهم لا يدفعون الا مكافآت قليلة لمن يقدم لهم الخدمة كما أنهم عادة ما يقدمون هدايا رخيصة الثمن، ويشكون من غلاء الأسعار رغم أنهم في الغالب أغنياء، إن النتيجة النهائية لكل ذلك هو العزلة التي يعاني منها المسنون وتؤثر سلبيا على حالتهم النفسية .

اكتئاب الشيخوخة .. كيف يحدث ؟

تزيد الاصابة بمرض الإكتئاب النفسي في كبار السن حيث تبدو مظاهره على نسبة كبيرة من المسنين، وهناك أسباب كثيرة وراء الإكتئاب في الشيخوخة فمجرد أن ينظر الإنسان إلى حالة في هذه المرحلة وقد أصابه الضعف وتراكمت عليه العلل والأمراض، ثم العزلة التي يعيش فيها وتفرضها عليه ظرون التقاعد عن العمل والبعد عن المجتمع، وقد يزيد الأمر سوءا حين يفقد ش ريك حياته او عزيزا لديه، إضافة إلى ما يجول بخاطر المسنين من شعور بالإستغناء عنهم وعدم الحاجة اليهم، وأنه لم يعد مرغوبا في وجودهم بعد أن أدوا وظيفتهم في الحياة ولم يعد لديهم ما يفعلونه، كل ما تقدم أو بعضه يكون سببا كافيا لحدوث الاكتئاب ل دى كبار السن، وذلك بالإضافة إلى فكرة الموت وانتظار النهاية التي تسيطر على البعض منهم وتحول دون استمتاعهم بالحياة في أيامهم الأخيرة.

ويمكن استنتاج الإصابة بالاكتتاب في أي من المسنين حين تبدو عليه علامات التبلد، والانسحاب من الحياة وفقدان الاهتمام بكل ما حوله، وافتقاد الهدوء والحزن دون سبب واضح، كما أنه لا يرغب في الطعام، ويضطرب النوم لديه فيصيبه الأرق، وإذا تحدث كان الاحباط ومشاعر القلق واضحه في حديثه، إضافة إلى اشارات اليأس والتشاؤم وقد تسيطر عليه أفكار اصابته بمرض عضال لا يشفى دون وجود لما يؤيد ذلك، أو فكرة الفقر الذي يتهدده هو وأسرته رغم أنه في بحبوحة من العيش، أو يعبر عن مشاعر قاتلة بالندم على أمور بسيطة حدثت في شبابه وصباه او لم تحدث أصلا!

الاستدلال على الاكتئاب بالقياس :

يمكن التأكد من وجود الاكتتاب باستخدام مقياس نفسي يتكون من مجموعة من الأسئلة توجه إلى المسنين ويطلب إليهم الإجابة عليها بالنفي أو الايجاب ( لا أو نعم )، وقد تم تصميم هذا المقياس للمسنين حيث يختلف عن غيره مما يستخدم في صغار السن لنفس الغرض .

وهذا المقياس يتألف من 15 سؤالا يتم الإجابة عليها بالنفي أو الاثبات ( لا أو نعم )، وهو مصمم خصيصا ليطبق على المسنين لقياس وجود الاكتئاب . وهذه هي الأسئلة :

  1. هل أنت راض عن حياتك ؟                                             ( نعم – لا )
  2. هل تخليت عن كثير من اهتماماتك وانشطتك ؟                        ( نعم – لا )
  3. هل تحس أن هناك فراغا في حياتك ؟                                  ( نعم – لا )
  4. هل تشعر غالبا بالملل ؟                                                 ( نعم – لا )
  5. هل روحك المعنوية عالية معظم الوقت ؟                              ( نعم – لا )
  6. هل تخشى أن شيئا ما سيئا سوف يحدث لك ؟                          ( نعم – لا )
  7. هل تشعر بأنك سعيد معظم الوقت ؟                                     ( نعم – لا )
  8. هل تشعر غالبا أنك عاجز ؟                                             ( نعم – لا )
  9. هل تفضل البقاء بالبيت على الخروج لعمل بعض الأشياء ؟          ( نعم – لا )
  10. هل تشعر بأن لديك مشكلة : الذاكرة أكثر من ذي قبل ؟        ( نعم – لا )
  11. هل تظن أن وجودك على قيد الحياة الآن شئ رائع ؟           ( نعم – لا )
  12. هل تشعر بان وجودك الآن عديم القيمة إلى حد ما ؟            ( نعم – لا )
  13. هل تشعر أنك تفيض حيوية ؟                                     ( نعم – لا )
  14. هل تشعر بان وضعك يائس ؟                                     ( نعم – لا )
  15. هل تشعر أن معظم الناس أحسن حالا منك ؟                     ( نعم – لا )

ولمعرفة إذا ما كان المسن يعاني من الاكتئاب، يتم وضع درجة واحدة لكل إجابة إذا كانت داخل الدائرة، ولا يجب أن ندع المريض يعلم ما تعني هذه الدائرة حيث تدل على وجود الاكتتاب، بعد ذلك يتم جمع الدرجات فإذا كان المجموع الكلي أكثر من 5 درجات كان ذلك دليلا على الاكتتاب.

حالة طريفة تشبه الاكتئاب ..

ثمة أمر لا يخلو من الطرافة يتعلق بما تتحدث عنه، فقد وجد أن نسبة من كبار السن ممن ينتمون إلى الطبقات العليا أو المتوسطة في المجتمع، ولا يعانون من الفقر يفضلون العيش بمفردهم، ويتجهون إلى اهمال ملابسهم ونظافتهم الشخصية بل أكثر من ذلك يجمعون القمامة والقاذورات ويحتفظون بها دون دعى كما أن المكان الذي يعيشون فيه يكون في حالة من الفوضى الشاملة، ورغم أن هؤلاء الناس لا يعانون من مرض العته أو خرف الشيخوخة ولا من الاكتئاب أو التخلف العقلي فإنهم يختارون الاستمرار في الحياة بهذه الطريقة، والزهد في كل شئ في الحياة رغم امكانية توفر بدائل أفضل لهم، ويعتبر ذلك لونا من التطرف في ملوك هؤلاء المسنين قد يعرضهم للإصابة بالأمراض أو الهلاك من برد الشتاء، وقد أطلق علي هذه الحالات مرض " ديوجينز " نسبة إلى الفيلسوف الذي أسس المبدا القائم على فلسفة الزهد في الحياة وأطلق عليه المذهب "الكلبي" أو الساخر .