خصص وقتاً للتفكير

 

من حسن حظي أنني بصفة مستمرة أقابل أشخاصاً ممتعين من مختلف الطبقات وشتی الاتجاهات، وهذا راجع إلى طبيعة عملي. فأنا أقابل مخرجين سينمائيين، وشعراء، وطلاب جامعيين متميزين، ومدرسين واسعي الثقافة والاطلاع، ورجال أعمال ذوي نظرة ثاقبة للمستقبل. وكل إنسان صادفته علمني شيئاً، وساهم في تشكيل منظوري في الحياة. وقد تناولت العشاء مؤخراً مع واحد من أنجح الرؤساء التنفيذيين في آسيا. ولما سألته عن سر نجاحه الفذ، ابتسم وقال: "السر هو أنني أخصص وقتاً للتفكير". في كل صباح، يقضي هذا الرجل 45 دقيقة على الأقل مغلقاً عينيه، ومستغرقاً في تفكير عميق. وليست هذه جلسة تأمل، ولكنها جلسة تفكير.

أحياناً يحلل تحديات العمل. وأحياناً يفكر في أسواق جديدة. وأحياناً أخرى ينهمك في استكشاف معنى حياته، والغاية منها. وتجده في أغلب الأوقات يفكر في طرق جديدة تمكنه من التطور والنمو على المستويين الشخصي والمهني. ومن آن لآخر تجده يقضي ما بين ست إلى ثماني ساعات في القيام بذلك. يجلس في صمت وهدوء. ويغلق عينيه. ويفكر.

وتخصيص الوقت الكافي للتفكير هو استراتيجية ممتازة للنجاح في القيادة وفي الحياة. كثيرون يقضون أفضل ساعات أيامهم منهمكين في العمل، ومستغرقين في أداء الجانب الإجرائي من الأشياء. أخبرني أحد عملائي مؤخراً قائلاً: "أحياناً أجدني مشغولاً جداً لدرجة أنني لا أعرف حتى فيما كل هذا الانشغال". ولكن ماذا لو أنه مشغول بالأشياء التي لا تستحق الانشغال؟ إن من الأشياء ما تشعر بعد العمل عليها بالإحباط وخيبة الأمل، كما لو كنت قد أضعت وقتك وطاقتك وقدراتك في تسلق جبل ما، لتكتشف بمجرد وصولك إلى قمته أنه ليس الجبل المقصود. والتفكير هو ما يضمن لك أن تتسلق الجبل الصحيح. وقد عبر بيتر دراکر، خبير الإدارة، عن هذه الفكرة ببراعة قائلاً: "لا شيء أقل نفعاً من أن تتفنن في أداء ما لا يجب أداؤه على الإطلاق".

 

عبر بيتر دراکر، خبير الإدارة،

عن هذه الفكرة ببراعة قائلاً:

"لا شيء أقل نفعاً من أن تتفنن في

أداء ما لا يجب أداؤه على الإطلاق".

 

إن التفكير المتعمق وبطريقة استراتيجية هو أول خطواتك على الطريق نحو العظمة.

والوضوح يسبق النجاح. وعن طريق الاستغراق في التفكير، ستتشكل لديك رؤية أفضل لأولوياتك ولا يجب التركيز عليه. وستصبح أفعالك حاسمة ومتروية ومتعمدة أكثر. وستصبح قادرة على اتخاذ قرارات أفضل، والاختيار بمزيد من الحكمة والتعقل. كما أن قضاء وقت أطول في التفكير سيقلل من سرعة تأثرك بالأحداث واستجابتك للمثيرات. وستصبح أكثر وعياً بأفضل الطرق التي يمكن أن تستغل وقتك بها (وهذا بدوره سوف يوفر لك الوقت). كما أن الوقت الذي ستقضيه في التفكير سوف يجعلك تتوصل إلى بعض الأفكار المذهلة، وسيلهمك بعض الأحلام الضخمة. وقد تناول لويس كارول هذه النقطة تناولاً جميلاً في قصته الرائعة "أليس في بلاد العجائب" عندما كتب يقول:

"قالت أليس: لا فائدة من المحاولة ، فلا يمكن لأحد أن يصدق أشياء مستحيلة".

فقالت الملكة: يمكنني أن أقول إنك لم تتدربي كثيراً. فعندما كنت في مثل سنك، كنت أفعل ذلك نصف ساعة كل يوم. وهذا هو السبب في أنني كنت أصدق أحياناً ما يقرب من ستة أشياء مستحيلة قبل إفطاري".