أريد أن أوضح لك بالضبط لماذا يعتبر الإطراء إجراء ثمينا في جعل أحد الأشخاص يشعر بأهميته ، وسنوضح لك أيضا لماذا يعتبر الانتقاد طريقة غير ناجحة أو غير مجدية . لقد قام فريق من علماء النفس في إحدى الجامعات الغربية المعروفة بدراسة مفصلة لمعرفة الفوائد والمزايا لهذين الأسلوبين .

قام هذا الفريق بإجراء اختبارات على المجندين الجدد في الجيش في أحد مراكز التدريب الرئيسية في كاليفورنيا ، فقد كان هناك ثلاثة آلاف شاب ، مستجدون من مختلف الطبقات الاجتماعية ، وتم اختبارهم في الثماني وأربعين ساعة الأولى أثناء تواجدهم في مركز الاستقبال قبل إرسالهم إلى الوحدات التدريبية ليتم تلقينهم أعراف وإجراءات الجيش من قبل ضباط النظام الأشداء وقام الفريق باختبار حوالي 60 شابا في كل يوم لمدة عشرة أسابيع ، وإليك الطريقة التي أجريت بها هذه الاختبارات :

في كل صباح كان يتم تقسيم ستين من المتطوعين إلى 6 فرق، كل فرقة مكونة من عشرة رجال ، وتم تكليف هذه الفرق بنفس المهام الصعبة لإنجازها ، وعندما أنهت كل فرقة عملها ، تم تقييم أداء كل فرقة منها، ولكن كانت تراجع نتائج كل فرقة بطرق مختلفة من قبل فريق العلماء .

وكانت الفرقة الأولى قد تم الإطراء عليها على الملأ قبل بقية الفرق الأخرى ، وتم الإطراء أيضا على الفرقة الثانية ولكن سرا ، أي بحضور أعضاء الفرقة فقط وليس بقية زملائهم في الفرق الأخرى ، وتم توجيه النقد للفرقة الثالثة سرا أي بحضور أعضاء هذه الفرقة فقط ، وتم انتقاد الفرقة الرابعة أمام جميع الفرق الأخرى ، كما تمت السخرية من الفرقة الخامسة سرا بحضور أعضاء هذه الفرقة فقط ، ولكن تمت السخرية من الفرقة السادسة أمام جميع المتطوعين البالغ عددهم ستين متطوعة .

ثم كلفت هذه الفرق بإنجاز ما عملته مرة ثانية ، وتم مراجعة أدائهم للمرة الثانية للمقارنة بأدائهم في المرة الأولى ، وكانت نتائج المرة الثانية كما هی موضحة في الجدول كالآتي :

رقم الفرقة

طريقة النقد

إيضاح مستوى التحسن في الاختبار الثاني بالنسبة المئوية

1

الإطراء أمام الآخرين

90 %

2

الإطراء سرا

75 %

3

الانتقاد سرا

49 %

4

الانتقاد أمام الآخرين

31 %

5

السخرية سرا

19 %

6

السخرية أمام الآخرين

10 %

تعتبر النتائج واضحة ، فكما هو واضح فإن الإطراء يعتبر أداة أفضل بكثير من الانتقاد أو السخرية، إذا أردت لشخص ما أن يرقي بمستوى أدائه ، فعندما تمدح الناس أمام الغير ، فإن نسبة تحسنهم تعادل تسع درجات من عشر درجات: لأنك منحتهم التقدير والعرفان اللذين يحتاجون إليهما بشدة ، فلقد جعلتهم يشعرون بمزيد من الأهمية أمام الآخرين ، والإطراء على الناس سرا ( أي بينك وبينهم فقط دون وجود شهود على ذلك ) لن يحقق نفس النتائج المرجوة مثل التي يحققها الإطراء أمام الغير ، ولكن سيستجيب إليك الأشخاص الذين تقدر نسبتهم بما يعادل ثلاث درجات من أربع درجات .

ومع ذلك ، إذا انتقدت غيرك أملا في حدوث بعض التطور ، فإنك ستفشل دائمة ، حتى عندما تنتقد الغير سرا ، فسوف يتحسن أداء نصف عدد الأشخاص في العمل ، وإذا انتقدت الغير على الملا ، أمام الآخرين ، فإن التحسن في الأداء  العملي لن يزيد عن ثلث نسبة الأشخاص المراد تطوير أدائهم في العمل ، فلا أحد يريد الاعتراض عليه أو انتقاد عيوبه ، واعتبرني من ضمن هؤلاء .

إذن ، فإذا طلب منك أحد مرؤوسيك إلقاء نظرة على عمله وإبلاغه بأخطائه ، فلا تضل الطريق الصحيح ، فليس هذا هو كل ما يريده منك . إنه يريدك أن تخبره بالعمل الجيد الذي ينجزه ، يريدك أن تربت على ظهره وتخبره بأنه لم يرتكب أي أخطاء ، يريدك أن تطري عليه ، لا أن تنتقده . اقرأ ما بين السطور ، استمع إلى ما يقوله لك بالفعل ، تذكر أن هذه الرغبات الأساسية يمتلكها كل شخص ، واعلم أنه لا يوجد بينها الرغبة في أن ينتقدك الآخرون .

لن يساعدك انتقاد الغير في اكتساب السلطة المطلقة في تعاملك مع الناس . في الواقع ، فسوف يحدث ذلك العكس تماما ، لأن انتقادك لغيرك سوف يتسبب في زيادة سوء الشخص المنتقد ، فإن الانتقاد يدمر رغبته في التحسن ، فكما يقول جوش بيلينجس أحد الظرفاء الأمريكيين : (لكي تكون ناقدا ، فإن ذلك يتطلب عقولا أكثر من التي يمتلكها الناس، إنك لن تستطيع انتقاد أحد الأشخاص دون أن تهين كبرياءه وتحطم شعوره بالأهمية ؛ لأن الانتقاد يشوه ويشل الحالة النفسية لدى الآخرين. إن أفضل شيء تستطيع فعله بالنسبة لانتقاد الغير هو أن تنسى هذا الأسلوب).

تعتبر السخرية، سواء سرا أو على الملا إهدارا للوقت كما ترى في النسبتين الأخيرتين في الجدول البياني السابق ، ومع ذلك فإني أريد حقا أن نستغرق بعض الوقت هنا لأخبرك بالضبط عن سبب عدم جدوی استخدام أسلوب السخرية، التي لن تجعلك أبدا تفوز بالسلطة المطلقة في تعاملك مع الآخرين .

أترى ، يمكن للإنسان أن يتسامح أو يغفر أي إهانة أو هزيمة أو جرح وأن يقبل كل ذلك ويعفو عنه ، فيمكنك أن تختلس وظيفته أو أمواله ، وبالرغم من كراهيته لك لفعل ذلك ، فإنه من الممكن أن يسامحك ويعفو عنك ويعاملك ككائن متحضر .

ولكنك إذا استهترت به وإذا قللت من شأنه وسخرت منه - خاصة أمام بقية زملائه - فإنك بذلك تكون قد صنعت عدوا لك طوال حياتك ، فلن ينسى أبدا ما فعلته به ولن يسامحك أبدا على ذلك : لأنك دمرت تماما إحساسه باحترامه لنفسه ، وكرامته ، وتقييم الذات . لقد دمرت غروره وجرحت كبرياه .

كما تكون أيضا قد قضيت على إمكانية الاعتراف بمجهوداته بالسخرية منه بدلا من الإطراء عليه : لقد حطمته أمام زملائه وحرمته من أن يكون الأخرين رايا حسنا فيه ، وحطمت رغبته في تحقيق شيء جدير بالاهتمام، ومستحق للعناء المبذول في سبيله ، وحرمته من الشعور بالأمان العاطفي ، هل تستطيع الآن أن تلومه على كراهيته لك، انظر إلى كم الأذى الذي تسببت له فيه عندما سخرت منه واستهزأت به .