ما هي تلك الجبال الى تلفظ النار والتي قد تصحو من رقادها بعد ألف سنة فتدفن مدناً بأكملها وتخفيها عن الأنظار؟

إنا نسميها جبالاً: فنقول: جبل فيزوف، وجبل إتنا، وجبل بيليه، وجبل لاسن، وجبل هكلا. ولكن البراكين ليست جبالا عادية. إنها لا تتكون من تأثير عمليات الانثناء والتجعد، ولا تنشأ من عمليات الرفع والتجوية "أي تأثير الجو"، بل تتكون بسبب تدفق مواد حارة تنبعث من باطن الأرض. وتتكون البراكين من الأحجار التي تنبعث من مراكزها نفسها.

وفي بعض الأحيان تنفجر هذه الأحجار في صورة رماد، وفي معظم الأحيان تخرج على صورة سائل، متوهج، يطلق عليه اسم الحمر، أو اللافا، أو اللابا.

وتدل آخر الإحصائيات على أنه يوجد بالعالم ما يقرب من 500 بركان نشط. ولكننا نعلم جميعاً أن البراكين لا توجد في كل مكان، ففي الولايات المتحدة كلها لا يوجد غير بركان نشط واحد.

إن البراكين لا تظهر إلا في أماكن خاصة، فما هي إلا بثور أو قرع في القشرة الأرضية. فهي لا تنش إلا حيث تكون هذه القشرة ضعيفة فتحدث فيها فتحة، فهل معنى ذلك أنن نفترض أن الصخور التي تقع تحت القشرة الأرضية في حالة سائلة؟ وأنها تبتي هنالك تترقب الفرصة لكي تخرج إلى السطح؟ 

إننا لا نستطيع أن ننظر خلال القشرة الأرضية، ولا نستطيع أن نتأكد مما يجري هنالك في أعماق الأرض. إن أعمق حفرة حفرها الإنسان لا يزيد عمقه عن أربعة أميال، وهي لا تعدو أن تكون مجرد خدش سطحي في أديم الأرض.

كما أن أعمق المناجم لا يزيد عمقه على نصف هذا القدر من العمق. حقيقة أن الحبال قد تتعرض وتكشف لنا عن صخور كانت في وقت من الأوقات واقعة ل تحت هذه الجبال المندثرة بما يقرب من خمسة أميال أو أكثر، وأن بعض الوديات العميقة تنحت في صخور تكون قد ارتفعت عالية في الهواء.

وفي هذا القدر الذي انكشف لنا من القشرة الأرضية يمكننا القول إننا نعرف كنه هذه القشرة في الخمسية أو السنة الأميال العليا منها.. ولكن ماذا تحت ذلك؟ إننا لا نستطيع أن نلجأ إلى الحدس، فنقول بأن الأميال الخمسة والأربعين التالية من القشرة الأرضية تشبه في طبيعتها إلى حد كبير أعمق الصخور التي تعلوها والتي شاهدناها قرب السطح.

ونستطيع أن نقول - ونحن على ثقة ـ بأن الأرض الصلبة تستمر إلى مسافة تقرب من خمسين ميلا. كما نستطيع أن نجزم كذلك بشيء آخر: ذلك أنه بالرغم من أن صخور القشرة الأرضية صلبة، فإنها ليستا جميعاً في درجة حرارة واحدة. فكلما تعمقنا ميلا في القشرة الأرضية، وجدنا درجة الحرارة أكثر ارتفاعاً بقليل، ولا بد أن تكون هذه الحرارة عالية قرب قاعا القشرة بقدر يجعلها تتوهج. لقد عرفنا ذلك مما تعلمناه من المناجم والأنفاق والآبار العميقة.

إذ تبين لنا أنه كلما تعمقنا داخل الأرض، ازدادت درجة الحرارة ارتفاعاً. وكان لزاماً علينا أن نستخدم وسائل تكييف الهواء في مناجمنا العميقة. وعلى المعدل الذي ترتفع به درجة الحرارة بالنسبة للعمق، فإنه على عمق ثلاثين أو أربعين ميلا داخل القشرة الأرضية قد تكون درجة الحرارة مرتفعة إلى ألفي درجة..

فكيف نستطيع إذن أن نفترض أن الصخور الموجودة على عمق 50 ميلاً داخل الأرض تكون صلبة؟

منذ وقت مضى - ليس ببعيد - كان رجال العلوم يظنون أن هذه الصخور ليست صلبة. كانوا يؤكدون أن باطن الأرض تحت القشرة لابد أن يكون سائلا. ألم تدل على ذلك تلك الحمم الساخنة التي تندفع من أفواه البراكين في درجة الغليان؟

وهل من الممكن أن تكون الصخور الواقعة تحت القشرة الأرضية في هذه الدرجة المرتفعة من الحرارة، في حالة غير سائلة؟

ولكن العلماء لا يؤمنون الآن بذلك. فقد غير السيزموجراف، وهو الآلة التي تسجل الهزات الأرضية، أفكارهم عن باطن الأرض. فلقد أبان السيزموجراف أن بعض الموجات الاهتزازية تمر خلال الأميال الثمانمائة والألف الأولى من سطح الأرض، كما لو كانت جامدة. إنها لا تمر خلالها كما لو كانت تمرفي سائل، بل في كرة من الصلب، وفي هذا حل للمشكلة. فالصخور تحت القشرة الأرضية لا يمكن أن تكون سائلة. إنها على درجة من الحرارة تكني ولا شك لانصهارها، لكنها لا تنصهر.

فلماذا؟

لأنه لا يوجد هناك متسع لديها تنصهر فيه. فالقشرة الأرضية لثقل وزنها تسد أمامها كل منفذ. فلابد | للصخور الحارة لكي تنصهر من أن تتمدد. ولكن خمسين أو ستين ميلا من الطبقات التي تعلوها والتي هي أبرد منها تضغطها إلى أسفل بدرجة من القوة تمنعها من التمدد. وعلى ذلك فإنها تبقى حيث هي في درجة من الحرارة كافية الانصهارها، ولكنها مع ذلك غير قادرة على الانصهار.

فكيف نفسر إذن خروج الحمم المنصهرة؟ إنها ولا شك صخور سائلة تخرج من باطن الأرض.. وتفسير اندفاع هذه الحمم أمر ليس باليسير.

ولربما كان خروجها راجعاً إلى انخفاض ضغط القشرة الأرضية في أجزاء معينة لسبب من الأسباب.

وقد يرجع إلى انضغاط في القشرة وتقوسها قليلا إلى أعلى بسبب حدوث بعض الانكماش في باطن الأرض وما يؤدي إليه ذلك من تجعد في قشرتها وما يتسبب عنه من انخفاض في الضغط يسمح للصخور الحارة الواقعة على عمق 50 ميلا أن تتمدد وتصبح مادة سائلة.

وربما كان راجعا إلى ارتفاع فوق المعتاد في درجة حرارة الصخور في منطقة من المناطق.

وقد يكون وجود بعض العناصر المشعة السبب الكامن وراء نشوء الحمر. فقد كشف لنا العلم جديثا أن بعض العناصر تتحطم وتتحول إلى مواد أخرى.  ويصحب هذا

التحول ارتفاع في الحرارة. فاذا لم تتسرب هذه الحرارة خلال القشرة الأرضية بسرعة معادلة السرعة تكوينها، أدى ذلك إلى ارتفاع مستمر في درجة حرارة الصخور في هذه المنطقة وقد تصل هذه الحرارة بمضي الزمن إلى الحد الذي يكنى لا نصهارها بالرغم من ضغط الطبقة الصلبة التي تعلوها.

ومهما قلبنا الأمر على جوانبه فلا معدي عن الاعتراف بأننا لا نعرف على وجه التحديد أسباب البراكين. إننا لا نستطيع أن نعلم علم اليقين ما الذي يعطي الصخور الفرصة للانصهار. إننا نعلم أنه توجد في بعض الأماكن صخور منصهرة تسمي "الماجما" أو الصهارة، وهو الاسم الذي يطلق على الحمم المنصهرة عندما تكون تحت القشرة الأرضية. ولكننا نخمن فقط أسباب القوى التي تتألف لتكوين هذه الصهارة.

كما أننا لا نستطيع أن نكشف عن الأسباب التي ترفع الحمم إلى أعلى: إننا نعلم أنها تنفجر من الأماكن الضعيفة في سطح الأرض. وهي التي يوجد بهاشق من الشقوق. ولكن الحرارة وحدها لا تكفي لاندفاع الحمم، بل لابد من عامل آخر لرفعها، وربما كان هذا العامل هو وجود غاز وقد يشبه مسلك الحمم مسلك ماء الصودا في زجاجة.

فإننا نشاهد الفقاعات تخرج من ماء الصودا وتندفع نحو قمة الزجاجة عند رفع غطائها. وتبدأ هذه الفقاعات صغيرة عند القاع، ثم تكبر تدريجيًا خلال صعودها. وعندما تصل إلى السطح وتنفجر، قد يتناثر قليل من ماء الصودا خارج الزجاجة.

وربما سلكت الغازات الموجودة في الحمم نفس المسلك: فنحن نعلم أن الحمم تحتوي على قدر كبير من الغاز. فغالب الاشتعالات النارية المنبعثة من البراكين تتسبب عن هذا الغاز.

وترجع الانفجارات التى تقذف بالصخور من أفواه البراكين إلى انطلاق الغاز من الحمم. وتبلغ كميات الغاز المحبوس في الحمم قدراً من الضخامة لا يجعلها تستطيع الخروج منها دفعة واحدة، وعندما تتدفق الحمم يستمر تصاعد الغاز منها في هدوء. وحتى بعد أن يقف تدفقها، قد يستمر خروج الأبخرة منها شهوراً عديدة.

فلابد أن هذه الغازات في الحمم تلعب دوراً كبيراً في صد نودها. ولكن وجود الغازات ليس هو العامل الوحيد، ولا يمكن أن يقوم بذلك وحده، بل لا بد أولا من وجود منطقة ضعيفة في القشرة تيسر اندفاع الحمم: فإذا توافر المكان الضعيف أمكننا أن نفترض أن وجود الغازات بالحمم بيسر عليها شق طريقها إلى أعلى.

ربما كان ذلك كله تفسيراً لنشأة الجبال التي تنفس النار وتلفظها.