البراكين ليست جميعها متشابهة

بعد بركان "باريكوتين" مخروطاً من الرماد. وغالب الظن أن حياته لم تكن تختلف حياة آلاف من أمثاله من مخروطات الرماد الأخرى الموجودة في العالم.

دينا اليوم معلومات وفيرة عن أمثال هذه البراكين، إنها أكثر أنواع البراكين شاراً. وحينما تطالعنا الصحف بأنباء ظهور بركان جديد في مكان ما، فمن جرح أن يكون مخروطا آخر من الرماد.

وكثيراً ما حدث ذلك في الولايات حدة.. ونحن نعلم أن ثوران هذا النوع من البراكين لا يستمر فترة طويلة، نعلم أنها عندما تخمد في النهاية فإنها لا تعود إلى الثوران مرة أخرى.

ولدينا في أريزونا مخروط من الرماد كامل الشكل إنه بركان صغير ميل. ومن الأمور المغرية إلى أقصى الحدود أن يتسلق الإنسان بضع مئات من الأمتار على سفحه لكي يصل إلى قمته، ويدعى البركان «سنست كريتر، أي فوهة غروب الشمس».

ولكن تسلقه ليس بالأمر اليسير، فإن من يحاول تسلقه يرتد إلى الوراء قدماً كلما تقدم ۱۳ بوصة إلى الأمام. ذلك أن جوانبه ليست إلا مواد مفككة من الحصى الأسمر. ولا يحتاج الإنسان إلى أن يكون خبيراً بأمور البراكين لكي يحكم بأن هذا البركان حديث العهد إلى درجة كبيرة. فهو يبدو كما لو كان قد ثار منذ سنوات قليلة. وفي واقع الأمر تتحد أسطورة للهنود عن الزمن الذي كان هذا البركان نشطاً فيه. ولكن ذلك كان في

الغالب قبل أن يصل الرجل الأبيض إلى غرب الولايات المتحدة. إن البراكين الصغيرة من أمثال وسنست كريتر، تبدو جميعاً كما لو  كانت أكواماً من الرماد المفكك.

وهذا هو السبب في تسميتها بمخروطات الرماد. وفي بعض أجزاء من العالم يوجد عدد كبير منها. ويبدو بعضها حديث مثل بركان «سنست كريتر» بينما يكشف البعض الآخر الذي قد يكون قريباً منها عن قدم عمره بما يغطى جوانبه من أشجار وبمجاري المياه العميقة التي نحتت ف سفحه. ويوجد هنا وهناك بين مخاريط الرماد هذه، جبال كبيرة من الحمم وأخريا من الرماد المفكك.

وهذا هو الذي يدعو العلماء إلى التساؤل: هل كانت كل هذه البراكين الكبيرة مخروطات رماد في وقت من الأوقات؟ وهل إذا استمر ثوران مخروط الرماد الصغير فترة كافية يحول إلى بركان كبير؟ إنه من الصعب أن نجيب عن هذه الأسئلة، إذ أنه لم يسبق لأحد أن رأى في حياته مخروط الرمال يتحول إلى بركان كبير.

وتوجد مخروطات الرماد في جميع المناطق البركانية الحديثة تقريباً. ويبدو أنها تتكون في البقاع التي يكون أحد الجيوب الصغيرة من الحمم قد شق طريق فيها إلى السطح.

ومن المحتمل أن تكون الحمم في مثل هذه الجيوب الصغير محتوية على قدر كبير من الغازات. وهذا هو السبب في أن مخروطات الرمال شديدة الانفجار. فالغازات التي بالحمم تنفجر في عنف وتقذف بالحمم عالياً في الهواء، مما يجعلها تنفصل إلى قطع صغيرة تهبط على هيئة وابل من الأحجار الصلبة التي تتراكم حول فوهة البركان.

وبعض المخروطات المحترقة لا يخرج منها كلية أي طفح من الحمم بينما | تتدفق الحمم من بعضها الآخر. ولكن خروجها من مخروط الرماد لا يكون من قمته. فقد توصل العلماء من مشاهدتهم لباريكوتين إلى أن الحمم تتدفق غالباً من أحد الجوانب.

فمخروط الرماد إلا كومة من الصخور المفككة التي لا تقوى على حمل بركة من الحمم، لأنها تكون سائلة. وهي كأي سائل آخر تحاول أن تنتشر بمجرد تدفقها من فتحة في الأرض.

فإذا صادفها مخروط صغير من الرماد في طريقها فإنها تشق طريقها في أدنى جوانبه وتفيض إلى الخارج، ولا يمكنها أن تخترقه إلى القمة.

ومخروطات الرماد أقل أنواع البراكين خطورة. ولا يستمر نشاطها فترة طويلة من الزمن. ويلوح أن ثوران الأنواع الحديثة التي تعرفها منها لم يستمر أكثر من سنوات قليلة أو أشهر أو أسابيع قليلة ثم توقفت. وفي أثناء هذه الفترة يتم البركان بناء مخروطه بأكمله. ولا تستطيع هذه البراكين أن تنمو في خلال فترة ثورانها إلى أكثر من ألف قدم أو ألف وخمسمائة قدم.

ولم يزد باريكوتين كما رأينا عن ذلك كثيراً. فكيف نفسر مخروطات الرماد؟ ولماذا يكون عمرها قصيراً؟ إننا لا نستطيع أن نقدم تفسيراً لنشأنها أفضل مما قدمناه في حالة انبر كين الكبرى. ولكن هنالك حقيقة واضحة، وهي أن مخروطات الرماد والبراكين الكبرى تعتبر جميعاً جزءاً من عملية واحدة. فنحن نجدها جميعاً في نفس المنطقة.

إن بعض المناطق البركانية تنتشر بها مخروطات الرماد بكثرة. ذلك أن جيوباً صغيرة من الحمم تشق طريقها إلى السطح. ويحدث ذلك في بادئ الأمر في مكان معين، ثم يحدث بعد سنوات في مكان آخر.

وقد يستمر ذلك لمئات ومئات من السنين. وقد تكون مخروطات الرماد متباعدة يفصلها بعضها عن بعض أميال عديدة، كما قد تكون متقاربة إلى حد كبير. وليس من اليسير | علينا أن نخمن أين ومتى ينشأ البركان التالي.

أما البركان الكبير فإنه يستغرق في تكوينه بطبيعة الحال زمناً أطول. وقد يصل هذا الزمن إلى قرون عديدة. ولكنه مع ذلك يسلك نفس مسلك مخروط | الرماد، ولكن على نطاق أوسع. إن هنالك فرقاً واحداً كبيراً بينهما، ذلك أنه إذا خمد مخروط الرماد أو توقف عن الثوران فتلك هي نهايته. أما البركان الكبير | فمن الممكن أن يخمد ألف سنة ثم تدب فيه الحياة من جديد.

فلابد أن الحمل في حالة البركان الكبير تكون لنفسها عنقاً متسعاً خلال القشرة الأرضية، فعلى خلاف العنق الضيق لمخروط الرماد نجد أن الحمم التي تملأ العنق العظيم للبركان الكبير لا تتجمد حتى القاع بعد توقف ثورانه، وهذا صحيح - على الأقل – إلى أن يخمد البركان خمودا تاما.

 وفي البركان الكبير تتدفق الحمم فوق القمة، ويرجع ذلك فيما يرجع إليه إلى أن الحمر عندما تصل إلى الفوهة تكون محتوية على قدر قليل من الغازات، وعلى ذلك فإنها تكون أقل إز باداً وأقل قابلية للانفجار.

كما يرجع ذلك أيضاً إلى أن بناء المخروط الكبير أشد قوة ومتانة. فالمخروط في حالة البركان الكبير لا يكون مجرد كومة من الصخور المفككة. وإنما يتم بناؤه من تراكم طفح من الحمم فوق آخر، فهو صخر صلب. وعلى ذلك فإنه يستطيع أن يتحمل بركة من الحمم.

وبعد انقضاء سنين عديدة يبدو البركان القديم الحامد كما لو كان جبلا هادئاً آمناً، وتنمو الأشجار في فوهته وتغطى الكروم قمته، وتتكون على منحدراته طبقة من التربة التي تنمو بها أشجار البن والكروم نموا ممتازاً.

ويطمئن الناس إلى البركان ويعدونه صديقاً. إنه لم يثر منذ أمد طويل حتى حسب الناس أنه قد خمد، وتقوم المدن العامرة عند قدمه. وفجأة قد يصحو العملاق من نومه، فتهتز المنازل وتندفع الأحجار الصغيرة من الأرض وقد تنفرج فتحة ينبعث منها البخار.

وعندئذ قد تكون الفرصة سانحة للفرار، فربما تعود الحياة إلى البركان بانفجار يدمر أميالا عديدة من الأراضي التي حوله. ويحدثنا التاريخ عن كثير من ثورات البراكين المدمرة مثل ثورة بركان فيزوف سنة ۷۹ قبل الميلاد. وسوف يحدث كثير من أمثالها في السنوات المقبلة.

ومن اليسير أن نتعرف إلى بركان مثل بركان فوجياما الياباني. فلهذا البركان مخروط ضخم لا يقل كمالا عن مخروط بركان «سنست كريتر. ولكن على سطح الأرض براكين أخرى ليس لها ذلك الشكل المخروطي، ويسمى هذا النوع من البراكين بالبراكين ذات الدرع أو ذات القباء.

والصخور المنصهرة التي تبني هذا النوع من البراكين، لا تحتوي إلا على قدر ضئيل من الغاز. وعلى ذلك فإن حمر هذه البراكين لا تنفجر بعنف بل تتدفق في هدوء وتسيل بسرعة بعيداً عنها. وهذا هو السبب في أنها لا تبني مخروطات.

ومن الطبيعي أن تكوين القباء العالية في مثل هذه البراكين يستغرق زمناً طويلاً: وتستطيع أن تتصور الزمن الطويل الذي لزم لتكوين جزر هاواي وهي من أفضل الأمثلة لدينا للبراكين ذات القياء..

وليس لثوران البراكين ذات القباء خطورة بالغة فلا تصاحب هذا النوع | من البراكين أخطار شديدة بسبب عدم وجود انفجارات عنيفة. وينتج | أشد أخطارها عن التدفق السريع لحممها. ولكن قليلا من الناس أصابهم الضررا من جرائها ولم يتمكنوا من الفرار بعيداً عن طريقها. ومع ذلك فإن هذا النوع من البراكين يعد أقل صداقة للإنسان من البراكين العظمى.

فمنحدرات الأقبية تكون في الغالب صخوراً جرداء، لأن حممها ذات القوام المائي تترك سطحاً أملس يستغرق تحويله إلى تربة بعوامل التعرية زمناً طويلا. كما أن القرية التي تتكون في هذه الحالات ليست من النوع الجيد على أي حال بسبب فقر هذا النوع من الحمم في المواد الغذائية التي يحتاج إليها النبات. والحمر ذات السيولة الشديدة لا تكون دائماً براكين ذات قباء، ففي بعض الأحيان لا تكون براكين مطلقاً.

فقد تتصاعد الحمر من شقوق القشرة على هيئة سدود وتنتشر أفقيا إلى مسافات بعيدة. وبمضي الزمن وتعاقب طفح فوق آخر قد تتكون منها هضبة كبرى.

وخروج الطفح من الشقوق (ويعرف بثورات الشقوق) يعد من الأمور النادرة التي لم نشاهدها كثيراً في حياتنا، وقد ظهر أعظم هذه الطفوح في العصور الحديثة في أيسلندة منذ مائي سنة. فقد تدفقت كميات ضخمة من الحمم خلال ۲۲ فتحة تمتد على خط طوله عشرة أميال.

وسالت في مجرى أحد الأنهار، محدثة فيضانات كبرى مات بسببها تسعة آلاف من الرجال و۲۳۰٫۰۰۰ من الخيل والأبقار. ولكن كثيراً من طفوح الشقوق حدثت في الماضي البعيد وكانت منتشرة على نطاق واسع، ففي واشنطون وأوريجون وايداهوانتشرت الحمم على هيئة بحر بلغ سمكه مئات الأقدام، فغطت بذلك مساحة تزيد على مساحة نيوانجلاند بأكملها. كما بنت هذه البراكين هضاباً عظميفي الهند وجنوب البرازيل وأورجواي.

ويستغرق بناء الهضاب التي تكونها الحمم زمناً طويلا، ذلك أنه قد تنقضي الاف السنين بين طفح وآخر. وربما كانت عملية بناء السهول المتكومة من الحم لا تزال قائمة حتى اليوم على سطح الأرض دون أن نشعر بها بسبب احتياجها إلى أزمنة بالغة الطول. وربما كان طفح أيسلندة مجرد حلقة واحدة في سلسلة كاملة، ولربما بنت الحمر في يوم من الأيام سهلا ضخماً هنالك.

ولا نزال نجهل كثيراً من الأمور حول ثوران البراكين. فالبراكين التي من النوع المعروف بالكالديرا، أي براكين أحواض الهبوط أو البراكين المركبة لا تزال الغزاً غامضاً علينا.

ولا نستطيع إلا أن نلجأ إلى الحدس حول طريقة تكوينها لأننا لم يسبق لنا مشاهدة واحد منها في دور التكوين. إنه بركان داخل بركان... ويوجد على سطح القمر فوهات من هذا النوع - فوهات ينتثر فيها عدد من المخروطات الصغيرة.

وفي الولايات المتحدة لا يوجد سوى بركان واحد من هذا النوع يعرف «كريترليك، أي بحيرة الفوهة. وتشبه جوانب هذا البركان جوانب جبل بالغ الكبر والضخامة. أما قمته فإنها نحتت نحتاً أفقيًا. فبدلاً من وجود رأس مدبب لهذا البركان، توجد فجوة كبيرة ممتلئة بالماء، تظهر فيها جزيرة.

وقد كان العلماء يظنون أن رأس هذا البركان لابد أن يكون قد نسف في إحدى الثورات المروعة. غير أنه لا يوجد هنالك حول البركان من الصخور المفككة ما يرجح صحة هذه النظرية.

ويعتقد الآن أنه بينما كانت الغازات تحاول الاندفاع نحو الخارج أخذت معها جميع الحمم التي اعترضت سبيله من الجيب الأصلي للحمم تاركة وراءها فجوة كبيرة خالية تحت الجبل فازداد ضغط القمة على سطح هذه الفجوة وسقطت القمة داخلها ثم تسربا ما تبقى من الغازات والحمم خلال الجبل الذي تقوض، مكوناً بركاناً من نو مخاريط الرماد وسط الفجوة. ويكون هذا المخروط جزيرة «ويزرد» اكريترليك،

ولم تتكون براكين الكالديرا (براكين أحواض الهبوط) في العصور التاريخية ولكننا لسنا واثقين أنها لم تحدث إلا في الماضي.. فالنشاط البركاني – بكا تأكيد - ليس في سبيل الزوال برغم ما قد يبدو لنا من ظواهر تدلنا على ضعف هذه الظاهرة: فنحن نرى حولنا صخوراً بركانية قديمة في أماكن لا يحدث فيها أي ثوران بركاني في الوقت الحاضر.

ولعلنا نقول: ما كان أعظم النشاط البركاني في العصور الغابرة». ولكن هذا الحكم لا يقوم على أساس سليم. ومن المحتمل أن يكون عدد الثورات البركانية التي تحدث الآن خلال عام واحد معادلا | لما حدث منها منذ أن جمدت القشرة الأولى للأرض وأصبحت سميكة حقا.