محتويات

حركة القشرة الأرضية:

لو أن الناس سمعوا منذ قرنين من الزمان أن معظم الزلازل تحدث تحت قاع البحر لاستولت عليهم الدهشة مما سمعوا.

ولا شك أن دهشتهم كانت تزداد لو أنهم علموا، أن الإنسان لا يشعر بمعظم الزلازل التي تقع على سطح الأرض بسبب بعدها عن الأماكن الآهلة بالسكان أو بسبب ضعفها الشديد بحيث يتعذر على الإنسان أن يحس بها. لا شك أن أسلافنا لم يكونوا ليصدقوا شيئاً من ذلك بسبب عدم حيازتهم لآلات حساسة تثبت ذلك لهم.

ولكن يوجد لدينا الآن آلات تمكننا من الإحساس بأضعف الهزات الأرضية وتسجيلها، وتسمى هذه الآلات بآلات وتسجيل الزلازل أو رصدها، أو آلات "السيزموجراف".

وقد اشتق هذا الاسم من كلمة "سيزمو"، ومعناها باليونانية الزلزال. ويطلق على العلماء الذين يستخدمون هذه الآلات ويدرسون الزلازل «السيزمولوجيون» ومعناها علماء الزلازل.

وسوف نرى بعد قليل كيف يعمل "السيزموجراف"، وكيف يعمل علماء الزلازل. ولكننا سوف نكتني الآن بأن نذكر أنهم يستطيعون فيما بينهم، أن يحددوا كثيراً من الأمور الهامة حول الزلزال. فهم يستطيعون تحديد المركز الحقيقي للزلزال.

أي أن يعرفوا العمق الذي تحدث عنده حركة الصخور داخل الأرض. كما يستطيعون أن يحددوا المركز السطحي للزلزال وهو ذلك المكان من سطح الأرض الذي يقع تماماً فوق المركز الحقيقي للزلزال، كما يستطيعون أن يحددوا شدة الزلزال.

أسباب الزلازل:

ولعلك تتساءل في هذا المقام: لماذا تتحرك الصخور إطلاقاً؟ وما الذي يسبب للقشرة الأرضية تلك الحركة المفاجئة التي تسبب الاهتزازات التي نسميها الزلازل؟ ولبيان ذلك ينبغي ألا يتطرق إلى أذهاننا أن الصخور جامدة كل الجمود.

فطبقات الصخور في القشرة الأرضية مرنة ومن الممكن أن تنثي: بلا إنها تنشي فعلا بصورة مستمرة بسبب ما يقع عليها من الضغوط الشديد.

وفي بعض الأحيان تحدث عملية الانثناء ببطء شديد وعلى مدى عصور بالغة الطول من الزمان بحيث يؤدي ذلك إلى انبعاج الصخور أو التوائها أو انثنائها.

وقد يحدث في بعض الأحيان أن يتزايد توتر الصخر بصورة مطردة، حتى حين الوقت الذي لا يحتمل فيه مزيد منه، وعندئذ تكون مثل هذه الزيادة في الضغط والتوتر كمثل القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ تتصدع الصخور وتغير من أوضاعها لكي تتلاءم مع ذلك الضغط الواقع عليها. وقد تكون الطبقة التي يصيبها التصدع قريبة من السطح أو عميقة داخل الأرض.

وبرغم أن القشرة العميقة قد تصيبها كسور متشعبة فقلما تصل هذه الكسور إلى السطح.

أما فيما يتعلق بمدننا، فيجب ألا نخشى إلا الزلازل السطحية، وهي تلك التي تقع على أعماق تتراوح بين خمسة أميال وعشرين ملا تحت سطح الأرض. فتلك هي التي تنال السطح بأشد الضربات، وهي التي تظهر فعلا على السطح

في صورة شقوق وتؤدي إلى تحرك الأرض جانبيا وإلى تغيير معالم سطحها.

وهي أيضاً أكثر الأنواع شيوعاً. وقلما ترجع تصدعات الصخور السطحية إلى أحداث يزيد عمقها على عشرين ميلا داخل الأرض.

فإذا كانت الأعماق أكثر من ذلك فقلما يصل تأثيرها إلى السطح بقوة تكفي لإحداث أي ضرر. ومع ذلك فهي تحدث فيما ندر.

في عام ۱۹۳۹ وقع زلزال على عمق 43 ميلا تحت السطح وظهر أثره بالقرب من شيلان (في شيلى) فتسبب في أضرار جسيمة ومات بسببه ۲۰٬۰۰۰ شخص.

وعندما يكون مركز الزلزال على عمق يزيد على ۲۰ ميلا، فإنه يسمى زلزالا عميق البؤرة أو زلزالا جوفيّا. وهنالك كثير من الأمور التي نجهلها عن هذا النوع من الزلازل وبخاصة تلك التي تقع مراكزها على بعد مئات الأميال تحت السطح.

وقيل إن أحد الزلازل الجوفية كان مركزه يقع على عمق 435 ميلا تحت السطح وهو عمق يزيد على عشر المسافة إلى مركز الأرض. وليس من السهل أن يسلم جميع العلماء بهذا الرقم. وليس ذلك عجباً، فمن الصعب أن نتصور

كيف أن الصخور التي ينبغي أن تكون على هذه الأعماق سائلة أو لدنة على الأقل يمكن أن تكون هشة إلى الحد الذي يجعلها تنكسر فجأة وتسبب الهزات التي تكون الزلزال.

وقد حاول علماء الزلازل على مدى سنوات أن يفسروا الزلازل الجوفية على أنها انعكاسات لبعض الزلازل السطحية. ولكن جميع الآراء متفقة الآن على أن هنالك زلازل عميقة فعلا. ففي عام ۱۹۲۸ وجد أن زلزالا أحس به الناس في اليابان قد بدأ على عمق ۲۵4 ميلا تحت قاع المحيط الهادي. وقد أجمع معظم العلماء على هذا، بل إنهم أجمعوا على أن الزلازل ذات المراكز العميقة هي أقوى الزلازل أثراً في رفع الجبال والإبقاء على القارات مرتفعة.

وقد كان الناس في زمن من الأزمان يعتقدون أن جميع الزلازل تنشأ عن البراكين، أو على الأقل ترتبط بها بطريقة ما. وليس هذا عجيباً كل العجب.

أوليست الأرض تهتز كلما ثار بركان؟ إنها تهتز قبل الثوران وفي أثنائه وبعده. ثم أليست معظم الزلازل تقع في نفس المناطق التي تحدث بها البراكين؟

لقد اتسعت معلوماتنا في الوقت الحاضر عن هذه الأمور. فنحن نعلم أن الزلازل البركانية تكون بذاتها قسماً صغيراً من أنواع الزلازل. كما نعلم أنه ليس بين هذا النوع من الزلازل وبين الزلازل والتكتونية» (التي تتسبب عن الحركات الأرضية) أو «البنائية» (التي تتسبب في بناء القارات) علاقة.

تحركات الصهارة تحت القشرة الأرضية:

إن الزلازل البركانية لها علاقة بتحركات الصهارة تحت القشرة الأرضية وهي شديدة الصلة بثوران البراكين، وقد تنشأ عن انفجارات في فوهة أحد البراكين، أو عن انكسار في الصخور بالقرب من البركان، أو قد تكون ناشئة عن مجرد الضغط الذي تسببه الغازات في الحمم. ومثل هذه الزلازل البركانية محلية إلى أقصى حد، وهي أيضاً سطحية جدا.

وقد تكون بالغة العنف بالقرب من البركان ولكن شدتها تخفت على بعد مسافة قصيرة منه. وفي بعض الأحيان تخفق آلة حساسة لرصد الزلازل في تسجيل زلزال بركاني يقع على مسافة أميال قليلة منها، مما يوضح إلى أي مدى يعد هذا النوع من الزلازل قريباً من السطح، أما الزلازل البنائية التي تكون من الضعف بحيث لا يشعر بها الناس في المنطقة التي تقع فوق مركزها مباشرة، فمن الممكن تسجيلها باستخدام آلات السيزموجراف الدقيقة على بعد ألف ميل منها.

والزلازل البنائية هي التي تهمنا أكثر من غيرها، لأنها تؤثر فينا أشد التأثير. ويوجد في بعض الولايات المتحدة ثلاثة أنواع نشيطة منها.

أحدها يؤثر في الشاطئ الغربي في منطقة من الحزام الذي تبني فيه الجبال حول المحيط الهادي كما سبق الذكر، حيث تستمر عملية انثناء الصخور على طول المنطقة المحيطة خوافه.

وقد يرجع ذلك إلى أن القارات كما رأينا من قبل قد تكون آخذة في الانزلاق نحو قاعدة المحيط الأشد قوة. ومهما يكن سببها، فإنها تؤدي ببطء إلى تكوين سلاسل من الجبال الصخرية العالية خلال ملايين عديدة من السنين. وقد كان الزلزال الذي حدث في سان فرانسيسكو عام 1906 ومجموعة كاملة من الزلازل الأخرى جزءاً من هذه العملية.

فكم من آلاف الزلازل تبني جبلا من الجبال؟ ذلك ما لا نعرفه، ولكننا | نعلم أن الطبيعة ليست متعجلة، كما نعلم أن كل زلزال مهما صغر له أثره في عملية البناء هذه.

وقد قيست فعلا ارتفاعات جبال كاليفورنيا بعد وقوع الزلازل فوجد أنها قد زادت في الارتفاع. وهذا ينطبق على أي مكان آخر. ويقدر العلماء أن أربعة زلازل قد سببت ارتفاع الأرض في مكان غير بعيد عن طوكيو بمقدار 45 قدماً في مدى قرون من الزمان. وفي آلاسكا وقعت سلسلة من الزلازل عام ۱۸۹۹ نتج عنها ارتفاع قدره 50 قدماً دفعة واحدة..

وتحدث زلازل كثيرة في كاليفورنيا على طول خط يسمى شق أو أخدود أو فالق سان أندريا. ويمثل هذا الخط منطقة ضعف في القشرة الأرضية حدثت بسبب تشقق القشرة وتحركها وصحب ذلك حدوث زلازل متكررة على مدى سنوات لا يحصيها العد.

والأخدود مشهور لسكان كاليفورنيا، إذ عندما يقرأون عن هزة جديدة في الجرائد يقولون: رها هو ذا أخدود سان أندريا ينزلق مرة أخرى. ويعد هذا الأخدود أطول الأخاديد المعروفة في العالم كله. فهو يمتد من الشمال إلى الجنوب المسافة تزيد على 600 ميل.

وينهي طرفة الشمالي في المحيط وطرفه الجنوبي في صحراء كولورادو. ومن الممكن أن يتتبع الإنسان هذا الأخدود بوضوح تام من الطائرة. وهو يبدو في بعض الأماكن على هيئة سلسلة من المرتفعات والمنخفضات، وفي بعض الأماكن الأخرى في صورة جرف يختلف ارتفاعه من بضع أقدام إلى مائة قدم.

ويظهر في بعض الأماكن دلائل على حدوث تحركات جانبية على طول الفالق. فعندما حدث زلزال سان فرانسيسكو انكسر جزء من الفالق يبلغ طوله ۲۷۰ ميلا ثم تحرك الجانب القريب من الشاطئ نحو الشمال الغربي، وقد بلغت مسافة هذه الحركة الجانبية في أحد الأماكن ۲۱ قدماً..

ويبلغ الأخدود درجة كبيرة من القدم، حتى إن دلائل حركته قد أوشكت أن تندثر تماماً. ومع ذلك فيمكن رؤية آثار الحركات الجانبية التي حدثت في بعض أجزائه في الماضي. ويلاحظ أنها أكبر من تلك التي حدثت في الوقت الحاضر، إذ بلغت هذه الحركات القديمة في أحد الوديان ۱۰۰ قدماً.

فهل يدل ذلك على أنه لم يحدث بكاليفورنيا في العصور الحديثة، أي من الحركات الأرضية العظمى على طول أخدود سان أندريا؟ أم هل يدل ذلك على أن ما نعتبره حركة كبرى ليس في واقع الأمر إلا مجموعة من الحركات الصغرى؟

ولربما لم تكن هنالك في يوم من الأيام حركة كبرى، بل مجموعة من الحركات الصغيرة تراكمت لتبدو كما لو كانت حركة كبرى واحدة. ذلك ما لا يمكن الحزم به. فهنالك كثير من الأمور ما زلنا نجهلها حول الزلازل.

وفي الجزء السفلي من وادي المسيسبي نجد نوعاً مختلفاً من الزلازل التكتونية أو البنائية. ففي كل مرة يحدث زلزال هنالك تغوص القشرة الأرضية.

ولا نستطيع أن نجد لذلك إلا تفسيراً واحداً. فهر المسيسبي يجلب سنويا كميات ضخمة من الطمي والرواسب التي تتراكم سنة بعد أخرى لدرجة تنوء القشرة بحملها فتتكيف نتيجة لهذا الحمل بأن تغوص قليلا وأما في نيوانجلاند ونيويورك فيحدث عكس ذلك تماماً.

فالقشرة هناك ترتفع بدلا من أن تغوص. إذ أنها تعوض ما حدث لها في عصر الجليد من ضغوط. فمنذ عشرين ألف سنة كانت المنطقة تغطى بطبقة من الجليد سمكها ميل تضغط عليها إلى أسفل. والآن وقد زال الجليد فقد أخذت الأرض تعود مرة أخرى إلى حالتها الأصلية بأن ترتفع.

ويحدث أشد الارتفاع حاليا في الشمال | حيث لبث الجليد أطول فترة وبلغ أقصى سمك. ولم ينته كل رد الفعل. فالمنطقة لم تعد حتى الآن إلى ما كانت عليه قبل عصر الجليد. إذ تحدث كل بضع سنوات هزة أرضية صغيرة. وما الزلازل التي ينشر عنها في نيوهامبشير إلا إحدى تلك الهزات.

ونحاول الآن الإجابة على تساؤل أخير. فقد ذكرنا أن الزلازل إنما هي ذبذبات تنشأ عن تصدع الصخور على سطح الأرض، أو على أعماق كبيرة في داخلها. وذكرنا أن الصخور تتصدع بسبب عجزها عن تحمل الضغط الواقع عليها. ولابد لنا أن نتساءل الآن عما يسبب هذا الضغط وعما يبدأ عملية بناء الجبال التي تلعب الزلازل دوراً فيها.

وينبغي أن نعترف منذ البداية أننا لا نستطيع الإجابة عن هذا السؤال: إننا لا نعرف سوى أجزاء صغيرة متناثرة من الإجابة، ولكننا لا نعرف كيف تربط أجزاء هذه الإجابة بعضها إلى بعض لنحصل على إجابة سليمة. وبالإضافة إلى ذلك فإن كثيراً من هذه الأجزاء لا يزال غائباً عنا كلية.

فنحن نعلم مثلا أن الجبال تنشأ على طول المناطق الضعيفة في القشرة الأرضية، كما نعلم أن البراكين والزلازل تنشأ هي الأخرى في هذه الأماكن ذاتها. كما نعلم أن كلا منهما يقوم بدوره في بناء الأرض، ولكننا لا نعرف السبب في ارتفاع الصهارة إلى أعلى، كما لا نعلم مصدر القوة التي تدفع بالصخور إلى أعلى. وقد ترجع هاتان الظاهرتان إلى سبب واحد. وربما كان للعناصر المشعة التي تنطلق منها الحرارة علاقة بهذا الأمر. أو لربما كان هنالك عامل آخر هو الذي يسبب ارتفاع الحرارة ويجعل الصخور في باطن الأرض تأخذ في الارتفاع وتدفع أمامها ما فوقها من الصخور.

إننا لا نستطيع أن نصل إلى رأي قاطع حول هذه الأمور، لأننا لا نستطيع أن نصل إلى أعماق الأرض لكي نرى ما يحدث هنالك. إن كل ما نستطيعه هو مشاهدة ما يحدث على السطح ثم استخدامه في الاستدلال على ما يحدث في الباطن.

فهنالك أثقال تتراكم في بعض الأماكن وتجعل الأرض تغوص تحتها. فالقاعدة الصخرية تحت جرينلاند مثلا قد انثنت مكونة ما يشبه الوعاء بسبب ثقل الجليد عليها. وهنالك أماكن أخرى ترتفع بسبب زوال بعض ما عليها من الأثقال.

فنيو انجلاند آخذة في الارتفاع وإسكندينافيا ترتفع بمعدل نصف بوصة كل عام، وفي بعض الأماكن الأخرى تتعرض الحبال للتآكل عند قممها بسبب الأمطار والرياح والجليد والصقيع. وكأنما تحاول الجبال أن تعوض ما يعتريها من نقص بأن ترتفع من جذورها.

وواقع الأمر أننا نعيش على كوكب دائم التغير، وما دامت هنالك حرارة باقية داخل الأرض فإن الأرض سوف تتغير باستمرار، في حين أن القمرة ثابت لا يتغير، لأنه عالم بارد ميت. أما الأرض فلم تخب حرارتها بعد ولا تزال بعيدة كل البعد عن فقدان هذه الحرارة.

وسوف تقوم الزلازل بدورها في تعديل المعالم الجغرافية لسطحها ما عاش الناس على سطحها، بل ولربما بعد أن تنتهي حياتهم عليها بآماد طويلة، فالأماكن العالية سوف تنحت وتآكل وسوف تملأ المواد الناتجة منها وهاد الأرض ومنخفضاتها وسوف تضغط الصخور الصلبة للقشرة إلى أسفل في بعض البقاع وتطفو إلى أعلى في البعض الآخر.

وسوف ينشأ عن كل ذلك توتر في الصخور ينتج عنه تصدع في القشرة ليمحو أثره. وسوف ترتفع صخور وتهبط أخرى، وسوف تهتر الأرض تبعاً لذلك مراراً وتكراراً.