اكتشاف الناقلات العصبية - Neurotransmitters

سنة الاكتشاف: 1921م

ما هذا الاكتشاف؟

  • مواد كيميائية تنقل النبضات العصبية بين الألياف العصبية المنفردة

من هو مكتشف الناقلات العصبية؟

  • أوتو ليفي Otto Loewi

أهمية اكتشاف الناقلات العصبية؟

على غرار فك الشفرة الوراثية وصناعة القنبلة الذرية، يُعد اكتشاف الطريقة التي يتواصل بها نظام الخلايا العصبية للدماغ واحداً من التطورات الجوهرية للعلم خلال القرن العشرين.

تٌرسل الأعصاب إشارات حسية إلى الدماغ، والدماغ بدوره يومض بأوامر إلى العضلات والأعضاء من خلال الأعصاب. لكن كيف؟ أحدث اكتشاف أوتو ليفي للناقلات العصبية (المواد الكيميائية التي تجعل من هذا التواصل ممكناً) ثورة في طريقة تفكير العلماء عن الدماغ وحتى ما يعنيه هذا التركيب المعقد للإنسان.

تسيطر الناقلات العصبية على الذاكرة، التعلم، التفكير، السلوك، النوم، الحركة، وكذلك جميع الوظائف الحسية. كان هذا الاكتشاف مفتاحاً من مفاتيح فهم وظيفة الدماغ ومنظومته.

كيف جاء اكتشاف الناقلات العصبية؟

 في عام 1888م، كان عالم التشريح الألماني هاینریش فالدر-هارتز Heinrich Walder - Hartz أول من Yفترض بأن الجهاز العصبي مؤلف من شبكة منفصلة من الخلايا، سماها neurons «العبات أو الخلايا العصبية».       

كما استنتج أن نفايات الخلايا العصبية المنفردة تقترب من بعضها البعض ولكن دون أن تتلامس فعلياً. وفي عام 1893م، إتّبع العالم الإيطالي كامیللو کولجي Camillo Colgi طريقة جديدة لصبغ الخلايا أظهرت أدق التفاصيل تحت الميكروسكوب، فأثبت على ضوئها صواب فالدر-هارتز في دعواه.

أحدث اكتشاف فالدر-هارتز، على أية حال، جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية. إذا لم تتلامس الخلايا العصبية حقاً، فكيف تتواصل مع بعض؟ ذهب بعض العلماء بالقول أن الإشارات لا بد أن تُرسل كهربائياً، طالما أن هنالك تيارات كهربائية في الدماغ، في حين جادلهم فریق ثانِ بأن الإشارات العصبية لا بد مرسلّة كيميائياً طالما لم يعثر على ارتباطات كهربائية متينة بين الخلايا العصبية المنفردة.

وما زاد من الطين بلة، أن أحداً من الفريقين لم يقدر على إثبات موقفه.

ولد أوتو ليفي Otto Loewi في فرانكفورت بألمانيا عام 1873م. أراد أن يصبح مؤرخاً فنياً إلا أنه لم يجد بدا من الرضوخ إلى ضغط عائلته فدخل كلية الطب. بعد نجاحه في اختباره الطبي بشق الأنفس، عمل ليفي في مستشفى المدينة بفرانکفورت. إلا أنه أصيب بنوبة من الكآبة وهو يرى كل تلك الأعداد التي لا حصر لها من حالات الوفاة، وهول المعاناة التي عاشها مرضى السل وذات الرئة ممن ضجت بهم أروقة المستشفى، فيلقون حتفهم تباعاً دون علاج شافِ وفعّال.

ترك ليفي الممارسة العملية الطبية وتحول إلى مجال البحث الدوائي (دراسة العقاقير والأدوية وتأثيراتها على أعضاء الجسم البشري)، دارساً الكيفية التي إستجابت بها الأعضاء البشرية المختلفة (بما فيها الكلى والبنكرياس والكبد والدماغ للمحفزات الكهربائية والكيميائية، ومضمنا إياها في بحوث ومقالات قدمها على مر خمس وعشرين سنة تالية ( 1895 - 1920 م).

في عام 1920م، ركز ليفي معظم إهتمامه على دراسة الأعصاب. فقد إقتنع بنقل المواد الكيميائية للإشارات بين الألياف العصبية، ولكن شأنه شأن غيره من فريقه من الباحثين، لم يستطع أن يثبت اقتناعه هذا. ثم حدث ما حدث، وجاءه الجواب في الحلم - كما صرح بذلك لاحقاً.

كانت ليلة ما قبل عيد الفصح من عام 1921م قد شارفت على الانتصاف، عندما هب ليفي من نومه مجفلاً، فنتناول ورقة خربش عليها بعض الملاحظات عن فكرة حلمه، وإستكمل نومه من جديد. لدى إستيقاظه صبيحة اليوم التالي، وجد ليفي نفسه عاجزاً عن قراءة ملاحظته المطلسمة، والأسوأ أنه نسي ما رآه في منامه أيضاً. كل ما تذكره أن حلمه وملاحظاته كانت مهمة للغاية.

في الليلة التالية، إستيقظ ليفي من نفس الحلم ثانية حوالي الساعة الثالثة صباحاً، متذكّراً إياه بوضوح هذه المرة. فلم يجرؤ على الخلود للنوم مجدداً، بل نهض وإتجه إلى مختبره، وشرع بإجراء تجربته البسيطة التي جاءته في المنام - والتي ذاع صيتها بعد ذلك، وخرجت من حلم صاحبها لتدخل التاريخ إلى الأبد.

أزال ليفي قلبي كلبين جراحياً وهما لا زالاً في حالة خفقان، ووضع كلاً منهما في وعائه الخاص من محلول السلاین (ملح)، مبقياً على العصب الذاتي (العصب التائه Vagus nerve) لأحد القلبين دون الآخر.

فعندما سلط ليفي تياراً كهربائياً صغيراً على العصب التائه للقلب الأول، تباطأ عن الخفقان. وعندما سمح ببعض السلاين بالتدفق من الوعاء الأول إلى الوعاء الثاني، تباطأ القلب الموضوع في الوعاء الأخير ليتناسب مع السرعة البطيئة للقلب الأول. .

لم تكن الكهرباء ما أثر في القلب الثاني، بل لا بد أن تكون مادة كيمائية تحررت من العصب التائه للقلب الأول إلى محلول السلاين، الذي تواصل بعد ذلك مع القلب الثاني وسيطر عليه. اكتشف ليرفي أن الخلايا العصبية تتواصل مع بعضها بمواد كيمائية، وأطلق على هذه المادة الكيميائية بالذات vagusstoff «فيغستوف»ª..

كان صديق ليفي، الإنجليزي هنري ديل Henry Dale، أول من عزل وفك تركيب هذه المادة الكيميائية، التي نعرفها الآن بإسم acetylcholine «أسيتایلکولین». كما إبتكر ديل اسم neurotransmitters أو «الناقلات العصبية» لوصف هذه المجموعة من المواد الكيميائية التي تتداولها الأعصاب في التواصل مع بعضها البعضªª.

حقائق طريفة: أطول خلية عصبية في الجسم، العصب الوركي sciatic nerve، تمتد من أسفل منطقة العمود الفقري إلى القدم- حوالي قدمين إلى ثلاثة أقدام طولاً!

الهوامش المرجعية:

ª دُعي ليرفي أبا لعلم الأعصاب neuroscience.

ªª تقاسم الصديقان جائزة نوبل في الطب (أو الفسلجة) عام 1936م عن جدارة واستحقاق.