مقدمه كتاب الطيران بلا شبكة أمان
ذات مساء في أوائل التسعينيات جلست على مقعد في محطة جراند سنترال أحاول أن أكتشف ما إذا كانت لدي الطاقة أو الرغبة لكي أركب قطار مترو نورث لكي أعود لمنزلي فكرت ملياً هل كان علي أن أنقل أسرتنا من جبال روكي إلي نيويورك لأتولى وظيفة كانت تبدو أكبر من أي قدرات تخيلت أنني أمتلكها انتابني القلق بشأن ما إن كان من الممكن إحداث التغييرات التي كان مديري يريدها وتحتاجها المؤسسة تساءلت إن كان في وسعي أن أسهل عمل فريق الإدراة العليا بطريقة يمكنهم بها العمل معاً بفاعلية أكثر .
اعتراني القلق أيضاً إن كان بوسعنا بدء العمل بعدد المكاتب الضخم الذي خططنا لأنشائها في الشهور المقبلة تصارعت مع فكرة إن كان من الممكن على الإطلاق جعل المضاربين والمصرفين الاستثماريين يدعمون بعضهم البعض أثناء تواجدهم في نفس الغرفة أو نفس المبني وساورتني شكوك جادة حول إن كان بوسعي تقديم التقييم الضروري للرئيس التنفيذي لكي أستطيع مساعدته في تحسين أدائه عالي المستوى بالفعل .
عندما نظرت إلى ساعتي وأدركت أنها كانت ال10 مساءً وأنني ظللت جالساً على المقعد لساعتين تيقنت من أن الأمور لن تستمر بهذه الطريقة بعدما استطعت النهوض من على المقعد وركوب القطار والتوجه للمنزل بدأت أفكر في المخاوف والمصائد التي تزعج المهنيين الذين بحاجة شديدة إلى تحقيق إنجازات وأنا عضو رسمي في هذه المجموعة منذ أن انتهيت من دراساتي لنيل درجة الدكتوراه في شتاء عام 1979 ظللت أمعن التفكير في هذا الموضوع وفي كيف يكون الأشخاص الطموحون والمحفزون أسوأ الأعداء لأنفسهم في أغلب الأحيان كأستاذ في كلية هارفارد لإدارة الأعمال وتنفيذي سابق في مورجان ستانلى كانت لدي فرص لا حصر لها للتفاعل مع مهنيين بحاجة شديدة لتحقيق إنجازات ودراستهم .
لعل الحاجة الشديدة لتحقيق الإنجازات مصطلح غير مألوف لكنك تعرف هذا النوع من الناس محفز طموح موجه نحو الأهداف مركز على النجاح بقصر نظر إلى آخره في جميع أجزاء هذا الكتاب سأستخدم هذا المصطلح ومصطلحات أخرى بشكل متبادل لإشارة إلى النوع الذي بحاجة شديدة إلى تحقيق أنجازات .
توافق اهتمامي بهؤلاء المهنيين مع ما لي من استشارات وكتابات متعلقة بعملية التغير بينما استمعت وتعلمت وجربت تطبيق مبادئ نظرية التغيير لمواقف تشتمل على مهنيين متعطشين للإنجازات بدأت أطور عملية تغيير لهذه المجموعة عملية تساعدهم على التعلم والنمو بدلاً من الركود.
لقد تصارعت لثلاثين عاماً مع كيفية مساعدة أولئك الملتصقين بمقعد محطة جراند سنترال أو من عليهم على الأرجح أن يتوقفوا ويمنعوا التفكير في الحياة وألفت هذا الكتاب مع وضع هؤلاء الأفراد في الاعتبار كما سترى هو ليس كتاباً أكاديمياً تقليدياً فهو لا يحتوي على الكثير من الهوامش ولا يكتظ بدراسات الحالة وإشارات إلى أعمال عملية أخرى بدلاً من ذلك هو سهل الاستخدام ومحفز وكما أرجو ممتع للغاية في قراءته وكما قد تخمن من بداية هذه المقدمة وفي القصص الشخصية التي أرويها في فصول تالية هو الكتاب الذي كنت أتمنى لو كان معي عندما بدأت رحلتي بوضع الأوقات التي نعيشها في الاعتبار أعتقد أنه سيكون له صلة وثيقة باهتماماتك.
في الوقت الحاضر يواجه كل من الأفراد والمؤسسات تهديدات من جميع النواحي فالاقتصاد المتقلب وتأثير التقنيات الجديدة والشكل والثقافات المتغيرة للشركات الكبري والتحديات المتزايدة التي تواجه العائلات والمتطلبات المضافة إلى وقتنا وطاقتنا كل هذه تزيد بشكل متصاعد من مخاوف كل شخص رغم ذلك المهنيون الذين بحاجة شديدة إلى تحقيق إنجازات يتفاعلون بشدة مع هذه التهديدات فنحن يتكون لدينا اقتناع بأننا لم نعد من المفضلين لدي المدير وبأن مشروعنا سوف يفشل وبأننا لن يتم اختيارنا لترقية وبأننا سوف نستبعد من الوظيفة وبأننا سنصبح موظفين درجة ثانية رغم أننا كنا دائما نظن أنفسنا موظفين درجة أولى .
وبوضع بيئتنا الغامضة والتي لا يمكن التنبؤ بها في الاعتبار يصاب حتى الأكثر ذكاءً من بيننا بالقلق واستجابة لهذا تظل قابعين في أماكننا مانعين أي تحديات جديدة من الوصول إلينا ونصبح مسجونين بداخل ممارساتنا الاعتيادية مركزين على المهام التي نعلم إجادتنا لها ومتجاهلين التحديات والفرص التي قد تزيد من قدراتنا نعلم أن رد الفعل هذا يؤذينا يؤذي مؤسساتنا لكننا نخشى جعل أنفسنا أكثر ضعفاً بارتكاب الأخطاء أثناء تعلم شيء جديد أو تجربة منهج جديد .
تمتلئ المؤسسات بأشخاص أذكياء وطموحين أقل إنتاجية وأقل إحساساً بالرضا مما يجب أن يكونوا عليه يجد أطباء ومحامون ومعلمون ومهندسون ومصرفيون وكبار رجال أعمال ومديروهم أنهم غير قادرين على  تحقيق الأهداف التي يضعونها أو إيجاد المعنى الذي يبحثون عنه إلا أن بعض هؤلاء المهنيين ذوي الدوافع العالية يتغلبون على مخاوفهم ويتبنون سلوكيات جديدة ويعيشون حياة عامرة بالنجاح والرضا لكن هؤلاء أقلية لسوء الحظ .
ماذا يحدث ؟ لماذا يواجه الأفضل والأكثر ذكاءً في كل المجموعات العمرية وفي كافة المهن صعاباً كما لم يحدث من قبل قط ؟ والسؤال الأهم: ما الذي يمكنك فعله حيال هذا الأمر إذا كنت بحاجة شديدة إلى تحقيق إنجازات؟ كيف تفر من هذا الشعور بالضيق وتصبح أكثر فعالية ونجاحاً ورضا؟ 
تعلم أن تطير بلا شبكة أمان بعبارة أخرى اكتشف كيف تجتاز المخاوف التي تحول دون اتخاذ الإجرءات ابدأ تدريجياً في الوثوق بقدرتك على التعلم والنمو والتغير ولاحظ أن هذه القدرة ستساعدك في مهنتك المختارة لا يتم الطيران بلا شبكة  أمان بين عشية وضحاها إنها عملية تبدأ بالوعي بالقوى  التي تزيد من مخاوفك وتعمل كمصائد وتتسبب في لجوئك لسلوكيات غير مثمرة بحثاً عن الراحة تتضمن العملية أيضاً تبني ممارسات معارضة للحدس تعطيك الشجاعة لكي تؤدي الأمور الصائبة بشكل سيىء قبل تأديتها بشكل جيد  وهي عملية تتطلب منك أن تكون في موع ضعف وهو موضع لا يحب المهنيون المحفزون أن يكونوا فيه رغم ذلك لكي تحقق المزيد وتكتسب قدراً أكبر من الرضا من عملك عليك أن تكون مستعداً لكي تتقبل معرفة وخبرات جديدة قد تجعلك تشعر بالريبة في أفضل الحالات وبعدم الكفاءة في أسوئها هذه المشاعر مؤقتة وهي تمهيد لعمق واتساع أكبر في حياتك المهنية والشخصية .
دعني أخبرك بالقليل عما يمكنك أن تنتظره من هذا الكتاب أولاً ستجد الكثير من القصص عن مهنيين بحاجة شديدة إلى تحقيق إنجازات مثلك تصف بعض القصص أشخاصاً تحاصرهم مخاوفهم وبعضها عن أفراد يتجنبون ويفرون من هذه المصائد ويتغيرون بطرق مثمرة بشكل كبير . ثانياً ستقابل قدراً كبيراً من الإرشادات حول ماذا تفعل إن كنت تريد أن تكون أقل قلقاً وتحقق المزيد ولكنك تتخبط قوائم تحقق وأسئلة وتدريبات كمهني محفز إحدى نقاط قوتك هي توجهك نحو المهام لذا لا بد أن تنسجم هذه العناصر التوجيهية مع الطريقة التي تعيش بها ثالثاً ستجد إطار عمل يضع كافة نصائح ومفاهيم الكتاب في سياق مقنع وهناك بعض الرسومات المهمة التي توضح إطار العمل هذا وتوفر الإرشاد أثناء اكتشافك لكيفية تجاوز مخاوفك وإيجاد الشجاعة للتغير وتجربة سلوكيات جديدة .
كنت أخاطب مجموعة من مديري المدارس الثانوية وبعد الخطاب اقترب أحدهم وشكرني ثم قال "أستاذ ديلونج أنا أبلغ من العمر ثلاثا وأربعين سنة وأرى وظيفتي محبطة وغير ممتعة عل الإطلاق هناك القليل الذي يجعلني أريد الاستيقاظ للعمل في الصباح لكن الخبر الجيد هو أنني لم يتبق لي سوى اثنتي عشرة سنه حتى التقاعد" لم أدر كيف أجيب لكنني الآن أعرف وهذا الكتاب هو الرد أريده أن يفهم أنه إن كان سيصبح قائداً فعالاً يلهم ويرشد طلابه أثناء فترة مهمة في العمر عليه أن يتجاوز مخاوفه وما يسبب له الإحباط ويتجاوز ممارساته الاعتيادية وشعائره بدلاً من أن يعلق ببواعث قلقه حول مجلس المدرسة وسخرية الإعلام عليه أن يكون أكثر جرأة بدلا من  أمن يكون أكثر تحفظاً ومستعداً أكثر تجربة بدلاً من الحفاظ على الوضع الراهن وأن يكون متفتحاً أكثر للأفكار الجديدة والتقنيات التعليمية الحديثة بدلاً من التقيد بالخوف والفشل كمحفزات إن استطاع فعل هذه الاشياء لن يصبح فقط مديراً أفضل لطلابه بل لن يكره النهوض في الصباح قبل المدرسة مرة أخرى سوف يتلذذ بالتحديات وبشجاعته في معالجتها .
كان لدي عدد من الأشخاص في ذهني إلى جانب هذا المدير عندما قررت تأليف هذا الكتاب إليك قائمة جزئية لهؤلاء الأفراد فلتر إن كنت من بينهم :
من أجل من تصيبهم مخاوفهم بالشلل لدرجة أنهم يرفضون تعلم أو تجربة أي شيء جديد
من أجل من يبدو عليهم النجاح بكل المقاييس الخارجية لكنهم يشعرون بأنهم غير مثيرين للاهتمام ويشعرون بأنهم غير مدفوعين ويشعرون بأنهم يتحملون كل يوم بشق الأنفس .
من أجل من استسلموا وينتظرون حدوث شيء ما لهم بدلاً من الإتيان بتصرف يقربهم من أحلامهم 
من أجل من يتعرضون للإساءة اللفظية من آخرين بسبب محاولتهم التغير 
من اجل من يعرقلون أنفسهم بأنفسهم عندما يحتاجون إلى التغيير صانعين حواجز تتواجد بالكامل في عقولهم وليس في بيئاتهم 
من أجلي بما أنني كنت أحتاج تذكرة مملوسة بأن الخوف قد يغلبني في أوقات لا أتوقعه فيها مطلقاً 
البعد عن الانكشاف وعن الإحساس بالضعف كان النموذج القديم للشخصيات التي بحاجة شديدة لتحقيق إنجازات أن يكونوا مبهمين ومنعزلين عاطفياً وكارهين للمجازفة وتحليليين دون مشاعر سوف يقدم هذا الكتاب نموذجاً جديداً يقر بالضعف ويقدم توجيهاً لمهنيين الذين أصبحوا لا يعرفون إلى أي طريق يتجهون .
وهذا الكتاب لمن هم في موقف صعب إن كنت تشعر وكأنك تتخلف وتحتاج إلى مساعدة فسوف يقدم هذا الكتاب تلك المساعدة إن كنت تشعر بأنك لا تستخدم مواهبك بطرق ذات اهمية إذا كنت تجد نفسك منفصلاً عن مجالك أو مؤسستك أو فريقك أو نصفك الآخر أو ذاتك فسوف يقترح هذا الكتاب سبلاً نحو إعادة الوصل 
إن كنت مثل الكثير من المهنيين الذين بحاجة شديدة إلى تحقيق إنجازات ممن أعرفهم فأنت تشعر وكأن زمناً طويلاً قد مضي منذ أن كانت لديك سيطرة على حياتك العملية وحريه فيها أنت مرتاب فيما إن كان من الممكن التحكم في إدمانك على العمل وتحقيق الإنجازات .
أنا هنا لأخبرك بأنه من الممكن التحكم فيها وأن هذا الكتاب يقدم المعلومات والإلهام والعملية اللازمة للقيام بذلك أدرك أنك مضطر في هذه اللحظة لتصديق هذه العبارة دون دليل لكن كما أخبرني أحد الأشخاص ممن أجريت معهم مقابلات من أجل هذا الكتاب "هناك أوقات ببساطة يجب أن تثق فيها بنفسك وبالآخرين "
لا أطلب منك أن تثق بحاجتك الإنجازات فقط وإنما بقدرتك على التغير. 
مع تلك الفكرة الخاطر اسمح لي بتقديم الفصل التالي وتقديمك لنفسك : المهني الذي بحاجة شديدة لتحقيق إنجازات .