أنت ومعادلة بناء الصداقة
طوال الجزء المتبقي من الكتاب سوف نستخدم معادلة بناء الصداقات كالأساس الذي يبني عليه الصداقات. وبصرف النظر عن نوع الصداقة التي ترغب في تكوينها (قصيرة الأجل، أو طويلة الأجل، ضعيفة أو قوية) سوف تخضع وتتأثر بالعوامل الأربعة: التقارب، والتكرار، والمدة الزمنية، وقوة العلاقة. تعد معادلة بناء الصداقة بمثابة أساس خراساني مثل الذي تبنى عليه المنازل، ويمكن أن يكون للمنازل أشكال مختلفة، مثل الصداقات، لكن الأساس يبقى متشابهاً .
تطبيق معادلة بناء الصداقة في الحياة اليومية قابلت فيليب ابن صديقي الحميم في مقهى محلي، كان قد تخرج مؤخرا
في كلية في مدينة صغيرة، وحصل على وظيفة في لوس أنجلوس، وهو شاب أعزب يريد أن ينشئ صداقات جديدة. لقد عاش طوال حياته في مدن صغيرة ولكنه وجد نفسه فجأة يعيش في مدينة كبيرة؛ حيث يكون تكوين الصداقات على ما يبدو مهمة شاقة.
نصحته بأن يذهب إلى أحد المشارب بجوار شقته بشكل روتيني ومتكرر، ويعرض إشارات الصداقة كلما دخل ويرسلها كرسالة تدل على أنه لا يمثل تهديدا لأحد (سوف نعرض إشارات الصداقة في الفصل القادم)، ويجلس منفردا على المائدة، أو الطاولة، أو المقصورة.
زيارته اليومية إلى المشرب ستتيح لعنصر التقارب أن يزيد، وقد يسمح ظهوره المستمر بتوليد عنصر التكرار والمدة والزمنية، ومع كل زيارة، قد يزيد تدريجياً العامل الأخير من معادلة بناء الصداقة وهو شدة العلاقة، وذلك من
خلال إطالة النظر قليلاً إلى الزبائن الآخرين مع رسم ابتسامة على وجهه، فيليب بحاجة إلى خطاف الفضول لجذب الناس إليه. أخبرني فيليب بأنه كان يعمل جامعا لتحف وقطع الرخام، أمرته بجلب عدسة مكبرة وحقيبة من قطع الرخام معه في كل مرة يذهب فيها للمشرب. وأمرته أيضا بأن يضع قطع الرخام على المشرب ويفحص كل واحدة بعناية باستخدام العدسة المكبرة، وقد يكون هذا النشاط بمثابة خطاف الفضول، ثم أخبرته بأن يقيم علاقة جيدة مع النادل ومقدمي الخدمات لأنهم سيكونون سفراءه إلى الزبائن الذين يترددون على طاولة المشرب، حينما يتعامل النادل ومقدمو الخدمات
بشكل مباشر مع فيليب ، سوف يسألهم الزبائن الآخرون بشكل طبيعي عن الشخص الجديد، عندئذ سيقولون أشياء جيدة عن فيليب والتي بدورها يمكن أن تشكل عامل تصفية أولية والتي من خلالها سيهتم الزبائن الآخرون بـ فيليب (التصفيات الأولية ستتم مناقشتها في الفصل القادم) .
وبعد عدة أسابيع، اتصل بي فيليب هاتفيا وأخبرني بأنني كنت على صواب، في أول زيارة له للمشرب طلب شراباً، ووضع قطع الرخام أمامه وبدأ في فحصها الواحدة تلو الأخرى بالعدسة المكبرة، وبعد عدة دقائق قليلة، قدم النادل الشراب ل "فيليب"، وسأله عن نشاطه المعتاد. أخبر "فيليب" النادل بإيجاز عن جمعه قطع الرخام وتحف الرخام، ولاحظ الاختلاف في الحجم واللون والملمس لكل قطعة رخام. بعد عدة زيارات للمشرب، أصبح فيليب والنادل أكثر قرباً.
أحب النادل فيليب وقدم له العديد من الأشخاص الذين اهتموا بشكل واضح بهوايته الغريبة. لقد كانت قطع الرخام بمثابة بداية لإجراء المحادثات  وتبادل الحديث، وأدت بسهولة إلى التحول للحديث عن موضوعات أخرى. تبدو معادلة بناء الصداقة مثل السحر، ولكنها ليست سحراً، فهي فقط تعكس أسلوب الناس لبناء العلاقات، ومعرفة العناصر الأساسية لتنمية الصداقة تجعل من السهل بناء الصداقات.
كيف تأثر "فلاديمير" بمعادلة بناء الصداقة؟
تذكر أن فلاديمير تعهد في البداية بعدم التحدث معي. وكان أول شيء قمت به هو إثبات عنصر التقارب. كنت أذهب إليه كل يوم وأجلس معه وأقرأ الصحيفة، بدون أن أتفوه بكلمة، في تجاهل واضح له. أثبت هذا النشاط الصامت عنصر التقارب، لكن الأهم من ذلك، أنه لم يشكل تهديداً له. وبمجرد أن أدرك فلاديمير أنني لا أشكل تهديدا له، أصبح فضوليا. وتساءل: لماذا يأتي هذا العميل كل يوم؟ وما غرضه من ذلك؟ لم لم يقل أي شيء لي؟ لقد كانت زياراتي اليومية ونشاط القراءة الصامتة بمثابة خطاف للفضول.
وللتغلب على هذا الفضول، كسر فلاديمير صمته في نهاية المطاف وقام بأول خطوة للتواصل. لم تعد الرغبة في الحديث فكرتي، ولكنها أصبحت فكرته. اتخذ فلاديمير زمام المبادرة. وحتى ذلك الحين، لم أبدأ في الحديث معه على الفور، ولكن بدلاً من ذلك، قمت بتذكيره بأول لقائنا لنا، وتعهده بعدم  التحدث إلى الإطلاق. بالإضافة إلى معادلة بناء الصداقة، أظهر ذلك الموقف مبدأين من المبادئ النفسية والتي ستتم مناقشتها في وقت لاحق في هذا الكتاب وهما مبدأ الندرة والمبدأ الذي ينص على أن زيادة ضبط النفس تزيد التحفيز .
بتعبير بسيط، لم أجعل نفسي متاحا لـ فلاديمير ، وهو ما زاد فضوله، ما تسبب في زيادة دوافعه للتحدث. بمجرد أن شعر فلاديمير بأنه غير مهدد شخصياً أو نفسياً، أصبحت قادراً على استخدام أساليب بناء العلاقة والتي تمت مناقشتها في هذا الكتاب لتوصيله إلى مرحلة تجعله يقدم لي المعلومات عن طيب خاطر.
ومن أجل الاستخدام الفعال لمعادلة بناء الصداقة، يجب عليك أن تأخذ في الاعتبار نوع العلاقة التي تتطلع إلى إقامتها والوقت الذي تحتاج أن تقضيه مع الشخص الذي تهتم به، ومن الواضح أن معادلة بناء الصداقة لن تلعب دوراً مهماً لجذب الشخص الذي أعجبك إذا ذهبت لرؤيته مرة واحدة أو بشكل متقطع. ولتوضيح ذلك، نفترض أنك سافرت إلى مدينة كليفلاند، بأوهايو، لحضور مؤتمر سيستمر لمدة يوم واحد، وقابلت شخصاً جذاباً، امرأة أورجلاً (اختر ما يناسبك) وتريد أن تقضي سهرتك معه أو معها، وعند إعطاء إشارات الصداقة لهذا الشخص، لم يبادلك إياها ولم يستجب  لك؛ في الواقع هذا الشخص قد يكون محصنا . في هذه الحالة، لن تذهب مع هذا الشخص لأي مكان هذه الليلة على أية حال. ولكن، طبقاً لمعادلة بناء الصداقة، إذا انتهى بك الأمر بقضاء وقت في كليفلاند، فربما ما زالت لديك القدرة على استخدام عوامل بناء الصداقة المتمثلة في التقارب، والتكرار، والمدة الزمنية، وقوة العلاقة لتطوير العلاقة.