تجنيد الجواسيس باستخدام الأساليب الخفية
تخيل أنك عالم، ومعك ترخيص عالي السرية للعمل بوزارة الدفاع. وفي أحد الأيام، وبدون أي أسباب، تلقيت اتصالاً هاتفاً من مسئول حكومي بالسفارة الصينية، قام بدعوتك للمجيء إلى الصين وإلقاء محاضرات عن بعض أبحاثك غير السرية، وسيتم دفع جميع النفقات من قبل الحكومة الصينية. بعد ذلك أبلغت مكتبك الأمني بهذه الدعوة، والذي أخبرك بأنه بإمكانك إلقاء محاضرات ما دمت لم تناقش أو تتحدث عن المعلومات السرية، وقمت بالاتصال بالسفارة الصينية لتأكيد حضورك، ثم دعاك المسئول الصيني أن تأتي قبل أسبوع حتى تتمكن من زيارة بعض المعالم السياحية، ووافقت على ذلك. وكنت متحمسا جدا لأن هذه الزيارة بمثابة فرصة عمرك الوحيدة.
قابلت في المطار ممثلا عن الحكومة الصينية، وأخبرك بأنه سيكون مرشداً ومترجماً لك طوال رحلتك. في كل صباح تقابل المترجم في الفندق ويتناول معك الإفطار. قضى هذا المترجم معك طوال اليوم في أثناء زيارتك للمعالم السياحية للمدينة، يشتري لك المترجم جميع الوجبات الغذائية ويقوم بتنظيم بعض النشاطات الاجتماعية المسائية، وكان هذا المترجم شخصاً ودودا، وكان قد تناول معك الحديث حول بعض معلومات عن عائلته والنشاطات الاجتماعية التي يقوم بها، ثم تبادلت معه الحديث وأخبرته ببعض المعلومات عن أسرتك، مجرد أشياء غير مهمة، مثل اسم زوجتك وأطفالك، تواريخ ميلادهم والذكرى السنوية لزفافك، وطرق قضائك أنت وأسرتك لأيام العطلات. ومع مرور الأيام، شعرت بالدهشة لأنك والمترجم لديكما الكثير من الأمور المشتركة على الرغم من الاختلاف الثقافي شديد الوضوح.
جاء موعد إلقاء المحاضرة، وامتلأت قاعة المحاضرة عن آخرها، ولاقت محاضرتك استحسانا واستقبالاً حافلاً من الحاضرين، وفى نهاية المحاضرة اقترب منك أحد المشاركين وقال لك إنه مهتم جدا ببحثك، وأخبرك أيضاً بأن بحثك رائع ومبتكر، وطرح عليك أسئلة متعلقة بعمل يقوم به ويرتبط بالبحث الذي تجريه، وتطلبت الإجابة الكشف عن معلومات حساسة لكنها غير سرية، ولكنك بكل سرور قدمت له المعلومات بتفصيل دقيق وطويل على الرغم من أنها تدخل حيز المعلومات السرية.
وبينما كنت تنتظر على متن الطائرة العائدة بك إلى الولايات المتحدة، أخبرك مترجمك بأن محاضرتك لاقت نجاحاً باهراً، وترغب الحكومة الصينية في دعوتك مرة أخرى العام القادم لإلقاء محاضرة أخرى. ونظراً لأن قاعة المحاضرات الصغيرة امتلأت بالكامل، فسوف تلقي المحاضرة في قاعة المحاضرات الكبرى العام القادم قدم المترجم الصيني فرصة لجعل العالم يغتر بنفسه ، والذي يعد أقوى أشكال الإطراء. سوف نناقش أسلوب الإطراء في وقت لاحق. (بالمناسبة، تم تقديم دعوة لزوجتك لتصطحبها معك، وسيتم دفع جميع التكاليف) .
وبصفتي عميلا بمكتب التحقيقات الفيدرالي لمكافحة التجسس، طلب مني استجواب علماء سافروا للخارج لتحديد إذا ما اقترب منهم أو تعرض لهم ضابط مخابرات أجنبي يسعى للحصول على معلومات سرية. أجريت مقابلات مع العديد من العلماء الذين سردوا لي قصصاً مشابهة للقصة المذكورة أعلاه. ذكر جميع العلماء أن الصينيين كانوا مضيفين لا تشوبهم
شائبة، ولم يطلبوا منهم أو يسألوهم عن أية معلومات سرية. وأغلقت القضية الأمر الوحيد الذي ضايقني هو أن جميع العلماء لاحظوا أنهم يمتلكون الكثير من الأمور المشتركة بينهم وبين المترجمين الذين رافقوهم- وبصرف النظر عن الاختلافات الثقافية، إلا أن هذا الأمر فضولي، أنا أعلم أن الادعاء بوجود أمور مشتركة يعد أسرع الطرق لإقامة علاقة. (سوف نتحدث عن أسلوب "الأمور المشتركة" 

استخدمت بعد ذلك عوامل تكوين الصداقات لزيادة تقييم رحلة العلماء إلى الصين. بالتأكيد، كان عنصر التقارب حاضراً، لكن التكرار كان منخفضاً بالنسبة للعلماء الذين ذهبوا للصين مرة واحدة في العام. إذا كان عنصر التكرار منخفضا، فلا بد أن يكون عنصر المدة الزمنية مرتفعا من أجل تطوير العلاقة الشخصية. كان عنصر المدة الزمنية مرتفعا. يقابل العلماء المترجم نفسه صباح كل يوم ويقضي معهم كل أوقات النهار والمساء، وبناء على الموضوعات التي يطرحها المترجم للنقاش مع العلماء، كان عنصر قوة العلاقة مرتفعا. لقد اتضح لي الأمر أخيرا. تم تجنيد العلماء لكنهم لا يعلمون ذلك،
ولا أنا حتى تلك اللحظة. لم يلاحظ العلماء، وأيضا أنا لفترة من الوقت أي جهود للتجنيد. استخدم الصينيون سواء بوعي أم بدون وعي، معادلة بناء الصداقة، التي تصف الأسلوب الذي يستخدمه الناس بشكل طبيعي لتطوير صداقاتهم. ونظرا لأن
ذلك عملية طبيعية، لم يتمكن العقل من اكتشاف هذا الأسلوب الخفي البارع. ومنذ ذلك الوقت، أجريت مقابلات مع العلماء باستخدام معادلة بناء الصداقات لتحديد إذا ما أجريت محاولات لتجنيدهم من قبل أجهزة مخابرات أجنبية، وطلبت من العلماء على وجه التحديد وصف محاولات التقرب إليهم، وعدد تكرار المقابلات، والفترة التي قضوها، وقوة العلاقة التي تربطهم بأي شخص قابلوه خلال رحلاتهم. استجوبت العلماء أيضاً قبل ذهابهم إلى الصين لكي يكونوا على بينة ووعي بالأساليب الخفية التي يستخدمها الصينيون لسرقة أسرارنا .