معادلة بناء الصداقة
لقد تعلمت أن الناس ينسون ما قلته، وينسون ما فعلته، إنا أنهم لن ينسوا أبدا كيف جعلتهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم.
مايا أنجيلو
عملية "سيجل'ا
سيجل هو الاسم الرمزي.
وهو اسم لشخص دبلوماسي أجنبي رفيع المستوى.
وقد يكون هذا الشخص ذا قيمة كبيرة إذا أصبح جاسوساً يعمل لصالح الولايات المتحدة.
إلا أن المشكلة كانت تكمن في كيفية إقناع هذا الشخص لمبايعة بلد منافس للعمل لصالحها؟ كانت الإجابة هي إقامة علاقة صداقة مع سيجل وتقديم عرض مغر جدا لا يستطيع مقاومته بالرفض، تتضمن الطرق الرئيسة لهذه الإستراتيجية الصبر وجمع المعلومات الاستخباراتية بجميع الطرق حتى إن كانت شاقة حول جميع نواحي حياة ’سيجل ، وإيجاد وسيلة لتعزيز العلاقة مع شخص أمريكي يمكنه الوثوق به.
كشفت التحقيقات التي أجريت حول سيجل أنه تم تجاهل ترقيته عدة مرات، وكان يقول لزوجته إنه يحب العيش في أمريكا، ويرغب أن يتقاعد فيها إذا كان ذلك ممكنا ٠ أبدى سيجل قلقه أيضا بشأن المعاش الصغير الذي سيتقاضاه من بلاده والذي لن يكون كافيا لتوفير حياة مريحة بعد التقاعد، وعند ورود هذه المعلومات اعتقد المحللون الأمنيون أصحاب الخبرة أن
سيجل قد يتخلى عن ولائه لبلاده مقابل حافز مالي مناسب. أصبح التحدي الآن يكمن في كيفية الاقتراب من سيجل بشكل كاف لتقديم العرض المالي له وعقد اتفاق معه بدون أن يشعر بالقلق، وتم إسناد المهمة إلى العميل السري لمكتب التحقيقات الفيدرالي ’تشارلز وأخبر بإقامة علاقة صداقة مع سيجل بشكل بطيء وممنهج ، مثل المشروب الفاخر الذي يخرج أفضل نكهاته، وتم إبلاغ العميل أنه إذا تسرع في القيام بذلك فمن المرجح أن يصده سيجل ويمنعه من إتمام مهمته، بدلاً من ذلك تلقى العميل تعليمات بتنظيم أسلوبه واستخدام الإستراتيجيات السلوكية التي تهدف إلى إقامة 
الصداقات، وكانت الخطوة الأولى هي جعل سيجل يحب تشارلز قبل إجراء أي حديث بينهم. الطريقة الثانية كانت استخدام الحافز اللفظي لترجمة هذه النيات الحسنة إلى صداقة دائمة.
بدأ التحضير لأول لقاء حاسم مع سيجل قبل عدة أشهر من اللقاء الفعلي، وأظهرت المراقبة أن سيجل يغادر مجمع سفارته مرة واحدة في الأسبوع ويسير إلى متجر البقالة الذي يقع على بعد مبنيين من السفارة للتسوق، وبمجرد الحصول على هذه المعلومات، أصدرت تعليمات للعميل ’تشارلز لمتابعة سيجل في المواقع المتنوعة على طول الطريق للمتجر، وتم تحذيره من الاقتراب من سيجل أو تهديده بأي شكل من الأشكال، ولكن بدلاً من ذلك، كل ما هو مطلوب منه هو أن يتواجد في الأماكن التي يذهب إليها سيجل ليتمكن من رؤيته.
وطبقاً لتدريب مكتب الاستخبارات، لم يمر وقت طويل قبل أن يلاحظ سيجل عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي، والذي بدوره لم يبذل أي جهد لإخفاء هويته. ونظرا لأن تشارلز لم يقدم على اتخاذ أية خطوة لاعتراض أو التحدث مع هدفه، لم يشعر سيجل بالتهديد، وأصبح معتادا رؤية العميل الأمريكي في رحلته إلى المتجر.
وبعد مرور عدة أسابيع على وجودهما معاً في المنطقة نفسها بدأ سيجل في التواصل البصري مع العميل الأمريكي من خلال النظر إليه مباشرة، وأومأ العميل ’ لسيجل  برأسه حتى يدرك وجوده، إلا أن سيجل لم يظهر أي اهتمام.
بعد مرور أسابيع أخرى، وبناء على التعليمات زاد تشارلز طرق التواصل الشفهية التي يتبعها مع ’سيجل من خلال زيادة التواصل البصري عن طريق النظر إليه ورفع حاجبه وإمالة رأسه وبروز ذقنه له والتي تعتبر كلها علامات شفهية، اكتشفها العلماء ويفسرها المخ البشري على أنها "علامات الصداقة”.
انقضى شهران قبل أن يقدم تشارلز على خطوته التالية. لقد تعقب سيجل إلى متجر البقالة المتعود على زيارته بشكل روتيني، لكنه ظل بعيدا عن الدبلوماسي الأجنبي، ومع كل زيارة جديدة للمتجر يواصل تشارلز دخول متجر البقالة أيضا، مع الحفاظ على المسافة بينه وبين سيجل ، ولكنه زاد عدد مرات مروره أمام الدبلوماسي في الممرات وزيادة مدة الاتصال
البصري معه، لقد لاحظ أن سيجل يقوم بشراء علبة من البازلاء في كل مرة يقوم فيها بالتسوق،، ومع هذه المعلومة الجديدة انتظر تشارلز بضعة أسابيع أخرى، وانتهز الفرصة، وتعقب دخول سيجل للمخزن كعادته، لكن هذه المرة قرر تقديم نفسه د سيجل وبمجرد وصول الدبلوماسي الأجنبي إلى مكان الحصول على علبة البازلاء، وصل تشارلز إلى العلبة المجاورة، ثم التفت إليه وقال: مرحبا، أنا اسمي تشارلز وأنا عميل خاص بمكتب التحقيقات الفيدرالي. ابتسم سيجل وقال: اعتقدت ذلك .ومنذ بداية هذا اللقاء الودي، تطورت صداقة تشارلز وسيجل بشكل وثيق. ووافق سيجل أخيرا على مساعدة صديقه الجديد عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي وتزويده بمعلومات سرية بشكل منتظم.
قد يتساءل المراقب العادي عن سبب استغراق العميل الفيدرالي وقتاً طويلاً استمر عدة أشهر في التودد إلى سيجل قبل اللقاء الأول. لم يكن الأمر مجرد مصادفة. في الواقع، كانت إستراتيجية تجنيد سيجل بأكملها عملية نفسية تم تصميمها بعناية ؛ حيث كانت تهدف إلى إقامة علاقة صداقة بين رجلين لن يفكرا أبدا، في ظل الظروف العادية، أن يقيما مثل هذه العلاقة. 
وبصفتي عضوا في برنامج تحليل السلوك التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي، تم تكليفي أنا وزملائي، بمهمة تصميم سيناريو إعادة تجنيد سيجل . كان هدفنا هو جعل سيجل يشعر بالراحة الكافية لعميل مكتب التحقيقات الفيدرالي تشارلز ، ولذلك تم اللقاء الأول، وكنا نأمل أن تعقبه لقاءات عديدة متتالية إذا ترك تشارلز انطباعا جيدا لدى سيجل . لقد كانت مهمتنا أكثر صعوبة؛ لأن سيجل كان مسئولا ومدربا تدريبا عالياً على يد مكتب مخابرات بلاده، والذي من شأنه أن يكون دائما في حالة تأهب لأي شخص قد يثير شكوكه، والذي قد ينتج ذلك تجنبه لهذا الشخص بأي ثمن.
اعتمد نجاح اللقاء الأول المباشر لـ تشارلز مع سيجل على شعور العميل الأجنبي بالراحة النفسية لنظيره الأمريكي، ولحدوث ذلك اضطر تشارلز لاتباع خطوات محددة، اتضح فيما بعد أنها حققت النجاح، وهذه الخطوات التي اتبعها تشارلز والتي كانت لازمة لنجاح مهمته مع سيجل ، هي الخطوات نفسها التي يجب القيام بها إذا رغبت في تطوير علاقات طويلة أو
قصيرة الأجل. 
وباستخدام حالة سيجل كمثال، دعنا ندرس الخطوات الناجحة التي ساعدت تشارلز على تجنيد هدفه، وذلك باستخدام معادلة بناء الصداقة.
تتكون معادلة بناء الصداقة من أربعة عوامل أساسية: التقارب، والتكرار، المدة، وشدة العلاقة. ويمكن التعبير عن العناصر الأربعة باستخدام المعادلة الحسابية التالية
الصداقة = التقارب + التكرار + المدة الزمنية + شدة العلاقة
التقارب هو المسافة بينك وبين شخص أخر والتي من خلالها يمكن أن تظهر نفسك لهذا الشخص بمرور الوقت. في حالة سيجل لم يذهب تشارلز إلى سيجل وقدم نفسه. قد يؤدي هذا السلوك إلى مغادرة سيجل بسرعة المكان. ولذلك تطلبت ظروف حالة ’سيجل طرئا أكثر توازنا، وإحدى هذه الطرق هي إعطاء سيجل مدة كافية للتعود على ’تشارلز وعدم اعتبار أنه يمثل تهديدا له، ولتحقيق هذه الغاية كان يجب استخدام عامل الصداقة الأساسي وهو التقارب . يعمل التقارب كعنصر أساسي في جميع العلاقات الشخصية، فمجرد أن تكون في المنطقة نفسها التي يتواجد فيها الهدف المراد تجنيده يعد أمرا بالغ الأهمية لتطوير العلاقات الشخصية. يمهد لك التقارب الطريق لكي يجعل الهدف الذي تحاول تجنيده يعجب بك، ويشجع على التجاذب المتبادل؛ لأن الأشخاص الذين يشتركون في حيز مادي واحد هم أكثر عرضة لينجذب أحدهما للآخر، حتى بدون تبادل الحديث.
المفتاح الرئيسي لقوة التقارب، هو أن يتم في بيئة خالية من التهديد. إذا شعر شخص بالتهديد من شخص قريب جدا منه، فسوف يهرب ويتخذ إجراءات مراوغة للابتعاد عن هذا الشخص. في سيناريو سيجل كان ’تشارلز يتقرب لهدفه، لكنه على مسافة آمنة لمنعه من التصور بأن تشارلز يمثل تهديدا محتملاً له، وبالتالي يتسبب في رد فعل متمثل إما بالهجوم أو
سرب.
التكرار هو عدد مرات تواصلك مع الشخص الآخر بمرور الوقت، والمدة هي طول المدة التي تقضيها مع شخص آخر بمرور الوقت .
مع مرور الوقت، استخدم تشارلز عاملي الصداقة الثاني والثالث وهما: التكرار والمدة. وقام بذلك عن طريق وضع نفسه في طريق ذهاب سيجل للتسوق بطريقة تسمح بزيادة عدد مرات (تكرار) رؤية الدبلوماسي الأجنبي له. بعد مرور عدة أشهر، أضاف تشارلز المدة الزمنية إلى معادلة بناء الصداقة عن طريق قضاء فترات زمنية أطول حول سيجل . وقام بذلك عن طريق تعقب هدفه في متجر البقالة، وبالتالي إطالة مدة التواصل بينهما. قوة العلاقة، هي الكيفية التي بها تكون قادراً وبقوة على تلبية الاحتياجات النفسية والبدنية لشخص أخر من خلال استخدام السلوكيات اللفظية والشفهية . يتحقق العامل الأخير من معادلة بناء الصداقة، وهو قوة العلاقة تدريجياً بمرور الوقت، وحدث ذلك عندما أصبح سيجل أكثر إدراكاً ووعدا بوجود تشارلز ومحاولة عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي التقرب منه بدون مبرر. وهذا يدخل نوعا آخر من شدة
العلاقة على العناصر وهو، الفضول. عند تقديم حافز جديد في بيئة الشخص (في هذه الحالة دخل شخص غريب عالم سيجل )، يقوم المخ بتحديد ما إذا كان هذا الحافز يمثل تهديدا حقيقيا أو تهديدا محتملاً. فغي حالة نظر المخ إلى هذا الحافز الجديد على أنه يمثل تهديدا، سيحاول الشخص القضاء عليه أو الابتعاد عنه من خلال استخدام رد الفعل المتمثل في الكر أو الفر . من ناحية أخرى، إذا كان الحافز الجديد لم ينظر إليه على أنه يمثل تهديدا، فسوف يصبح هدفاً للفضول. سيرغب الشخص في معرفة المزيد عن الحافز الجديد: ماذا يكون؟ ولماذا يتواجد هنا؟ وكيف يمكنني استخدامه للاستفادة
هنه؟ أجرى تشارلز أنشطته على بعد مسافة آمنة من الهدف، وبمرور الوقت، أصبح هدفا لفضول سيجل. هذا الفضول حث سيجل على معرفة من يكون تشارلز ، وماذا يريد.
وفي وقت لاحق، أخبر سيجل بأنه يعرف أن تشارلز عميل لمكتب التحقيقات الفيدرالي منذ أول مرة رآه. وسواء كان ذلك حقيقة أم لا، فقد تلقى سيجل إشارات صداقة شفهية أرسلها إليه عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي.
بمجرد أن علم سيجل أن تشارلز عميل بمكتب التحقيقات الفيدرالي، زاد فضوله. لقد كان يعرف بالتأكيد أنه هدف للتجنيد، ولكنه لا يعرف ما الغرض منه وما ثمن ذلك؟ ونظراً لأن سيجل مستاء من عدم ترقيته الوظيفية
وتقاعده الذي بدأ يلوح في الأفق، فلا شك أنه فكر في سيناريو مختلف ومتعلق د تشارلز ، بما في ذك العمل كجاسوس لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي.
لم يتخذ سيجل قراره ليصبح .جاسوساً بين ليلة وضحاها، الجواسيس المحتملون يحتاجون لمدة كافية لوضع إستراتيجية لترشيدهم وأيضا فترة من الوقت ليعتادوا الوضع الجديد لكي يحولوا ولاءهم. احتاجت إستراتيجية تجنيد ’سيجل فترة طويلة لإنبات بذور الخيانة التي زرعناها. قدم خيال سيجل العناصر الضرورية اللازمة للفكرة حتى تنمو وتنضج. هذه الفترة الطويلة وفرت أيضا الوقت اللازم لـ سيجل لكي يقنع زوجته بالانضمام إليه. وعندما اقترب ’تشارلز فعليا من سيجل ، لم ينظر الدبلوماسي الأجنبي عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي على أنه تهديد منتظر، بل نظر إليه بوصفه رمزاً للأمل لحياة أفضل في السنوات القادمة. وبمجرد أن حسم سيجل أمره لمساعدة مكتب التحقيقات، اضطر لانتظار "تشارلز" حتى يقترب منه. بعد ذلك قال "سيجل" لـ "تشارلز" إن الانتظار كان مؤلما. لقد بلغ فضوله ذروته. وتساءل: لماذا لم يقدم العميل الأمريكي
على هذه الخطوة حتى الآن؟ . في الواقع كان الشيء الثاني الذي قاله "سيجل" لـ "تشارلز" عندما قدم له نفسه أخيرا في متجر البقالة: "لماذا
استغرقت هذا الوقت الطويل؟
المدة الزمنية وتكرار اللقاءات يمتلك عنصر المدة الزمنية ميزة فريدة من نوعها؛ حيث إنه كلما زاد الوقت الذي تقضيه مع أشخاص ما، زاد تأثيرهم في أفكارك وأفعالك، فالمدربون الذين يقضون كثيرا من الأوقات مع المتدربين في أثناء ممارسة التمارين الرياضية يؤثرون فيهم تأثيرا إيجابيا، والأشخاص الذين لديهم نية سيئة يؤثرون بشكل سلبي في الأشخاص الذين يمضون وقتا معهم. وأفضل مثال يشير إلى قوة عنصر المدة الزمنية هو العلاقة بين الآباء وأبنائهم. فكلما قضى الآباء أوقاتاً أطول وأكثر مع أبنائهم، زادت قدرة تأثيرهم في الأبناء. وعلى العكس من ذلك، في حالة انشغال الآباء وعدم قضاء وقت مع أبنائهم، فإن الأبناء سيتجهون لقضاء المزيد من الأوقات مع أصدقائهم، والذين قد يكونون في أسوأ الأحوال أعضاء لعصابة إجرامية.
العلاقة بين عنصر المدة الزمنية وعنصر التكرار هي علاقة عكسية، فإذا كنت ترى أحد الأصدقاء بشكل متكرر، فإن مدة اللقاء بينكما ستكون أقصر. وعلى العكس، إذا كنت لم تر صديقك بشكل مستمر، فإن المدة الزمنية لزيارتك له عادة ما تطول بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، إذا كنت ترى صديقك كل يوم، فسوف تكون مدة زيارتك قصيرة؛ لأنه يمكنك مواكبة ما يحدث له حسب تطور الأحداث. ولكن، إذا كنت ترى صديقك مرتين فقط في العام، فإن مدة زيارتك له ستكون أطول. عد بذاكرتك إلى الوقت الذي تناولت فيه العشاء في أحد المطاعم مع صديق لك لم تره منذ فترة طويلة، ربما ستقضون ساعات طويلة تتجاذبون الحديث حول مواضيع الحياة المختلفة. في المقابل، فإن المدة التي تمضيها في تناول العشاء نفسه ولكن مع صديق تراه بصفة منتظمة ستكون أقصر بشكل ملحوظ. على العكس من ذلك، في العلاقات الرومانسية تصبح المدة الزمنية وتكرار اللقاءات مرتفعة للغاية؛ لأن كلا الطرفين - وخاصة المرتبطين حديثاً - يرغب في قضاء وقت أطول مع الطرف الآخر بقدر الإمكان. وبالتالي ستصبح قوة العلاقة مرتفعة للغاية.