مقدمة
 

اليوم، ومفهوم العقلية .
العقد النفسي - ما الذي يعنيه، ولماذا يعتبر غاية في الأهمية؟

يتعين على كل مدير أن يدرك مفهوم العقد النفسي؛ إذ يتمتع هذا العقد غير المكتوب بقدرته على تعزيز أي شيء تقوم به أو تدميره، فالأمر برمته يتعلق بالموظفين، وبالنسبة إليك كمدير، فكل شيء تفعله يجب أن يكون متصلاً بالموظفين!

ولكي نعي جيداً مفهوم العقد النفسي، دعونا ننظر أولاً إلى ما تعنيه كلمة عقد
العقد ببساطة هو اتفاق مبرم بين طرفين، والعقود عادة ما تكون رسمية، وتتطلب توقيعاً، وتذكر بوضوح ما يلزم القيام به أو المتفق عليه؛ وعلى سبيل  المثال: يسرد عقد التوظيف الأهداف والتوقعات لكل من الموظف وصاحب العمل؛ لأنه وثيقة رسمية موقعة. ويهتم العقد النفسي بالأهداف والتوقعات بين الأطراف أيضاً، ولكنه ليس عقدا رسمياً، حيث إنه يستند إلى تصورات الموظفين التي تتعلق عادة بالأخذ والعطاء (أو مفاوضات غير رسمية) بين طرفين، كالمسائل التي تتعلق بالأمور الصحيحة، والأمور الخاطئة، والكيفية التي ينبغي أن يعمل بها الموظفون بعضهم مع بعض، و الإجراءات العادلة، والظالمة، ومفهوم كل من الولاء والثقة.

ويعتبر العقد النفسي أقوى كثيراً من عقد العمل؛ حيث إن عقد العمل لا يفتح الأفق أمام الإمكانات والأداء العالي، بينما يفي العقد النفسي بهذا الغرض تماماً؛ حيث إنه يستند إلى الأفكار والمشاعر والانفعالات، وفي كثير من الأحيان يستند إلى الرغبة في تجاوز التوقعات، وغالباً ما يشار إليه باسم الجهد التقديري. ونجد أن مفهوم التعاقد - كما صاغته دينيس روسو - هو مفهوم ضمني، ينطوي على معتقدات الموظف عن مفهوم التبادلية بين الطرفين فيما يتعلق بالثقة والولاء، وتحقيق الرفاهية لجميع الأطراف المعنية.
ومن المهم كذلك أن نذكر أن العقد النفسي يعتمد على التزام كلا الطرفين؛ حيث إنه يعتمد على سلوكيات بشرية مهمة للغاية يمكنها أن تساعد على بناء علاقة أو هدمها في لحظة.
وعادة ما تركز العقود النفسية على ضمان تبادل التفاهم بين الموظف والمؤسسة، حتى يتمكنا من العمل معاً لتحقيق الأهداف المشتركة، ومن أجل تحقيق ذلك يحتاج المديرون إلى فهم تصورات فرقهم وأفكارها عنهم فيما يتعلق بالتزامها تجاههم، وسلوكياتهم الشخصية، وكيفية تعاملهم مع الموظفين وغيرهم، وجودة عملهم- والهدف الأساسي هنا هو أن المديرين لا بد أن يتقبلوا أن الحقيقة في حد ذاتها ليست كافية؛ بل يجب أن يوضحوها لموظفيهم، ويتأكدوا من إدراكهم
إياها.
وعلى سبيل المثال، قد يظن بعض المديرين أن تعاملهم مع موظفيهم يتسم بالعدل والإنصاف، وقد يكون الأمر كذلك بالتأكيد، لكن معظم المديرين ليسوا واعين بضرورة أن ينظر إليهم موظفوهم باعتبارهم عادلين، وتصبح غاية أملهم أن يراهم الآخرون كذلك.
وعلى المدير أن يعي أن تكون انطباع العدل لدى معظم الموظفين في مكان العمل أمر شديد الأهمية؛ فعلى سبيل المثال، عندما يشعر الموظفون بأن مديرهم غير عادل في تعامله معهم، فإن ذلك يؤدي في أغلب الأحيان إلى خرق العقد النفسي؛ ما يؤدي بدوره إلى قتل رغبة الموظف في أن يبذل قصارى جهده في العمل ليفوق التوقعات، ما يعطل دور الجهد التقديري الذي غالباً ما يكون أكثر شيء مطلوب لتحقيق الاداء العالي المستدام. وفي كثير من الأحيان، عندما يتم خرق العقد النفسي، يتضح عدم وجود علاقة لذلك بالمهمات، أو الكفاءة، أو التكنولوجيا، أو السياسات، أو الإجراءات، أو المنتجات، ومع ذلك تنفق معظم المؤسسات الكثير من الوقت في التركين على المهمات، وخلاصة القول هي أن الموظفين قد يشعرون بعدم الراحة في العمل، لكن يمكنهم التعايش مع هذه الأشياء حال كانت العلاقات
الإنسانية سليمة.
وعندما يتم التغاضي عن المعاملات الإنسانية مع الموظفين، يزداد شعورهم بعدم الارتياح وتقل قدرتهم على التحلي بالمرونة؛ ما يثير لديهم استجابات متفاوتة من عدم الانخراط في العمل والعزلة، كما أن عدم الانتباه إلى هذا الأمر قد يؤدي إلى حدوث أعمال عدوانية، أو انسحاب سلبي أو نشط، أو أعمال تخريبية، مثل القيام بسرقة صغيرة، أو تشكيل تحالفات فيما بين الفرق، وكل ذلك بمقدوره إضعاف مكانة المدير أو المؤسسة. وهناك العديد من العقود النفسية الموجودة في حياتنا؛ فلدينا عقود نفسية خارج نطاق العمل مبرمة مع آبائنا، وأشقائنا، وأصدقائنا، وفي كل حالة من هذه الحالات تكون هناك توقعات ضمنية، واتفاق ضمني بالأخذ والعطاء، وبالمثل، فإننا نرتبط في العمل بعقود نفسية مع العملاء والأقران والأقسام الأخرى والموردين والموظفين.
وعليك أن تعي أن قوة العقد النفسي تتحدد من خلال جودة العلاقة التي تربط بينك وبين الموظفين، وفي بعض الأحيان سيكون ذلك أكثر أهمية من أي عقد رسمي مكتوب.
هذه هي الخطوة الأولى المهمة لفهم العوامل المحفزة للموظفين على العمل. الإدارة اليوم - كيف تغيرت؟
تختلف العوامل التي كانت تعزز عقلية الأداء العالي منذ عشرين عاماً اختلافاً كبيرا عن العوامل اليوم، ومعظم المديرين ليسوا على دراية بذلك، ناهيك عن قدرتهم على وصف طبيعة الاختلاف وأسبابه. وعندما سألنا عن محور تركيز المديرين، واهتماماتهم اليومية، فإن أقل من ٠ ١/ منهم لم يذكروا أي شيء يتعلق بكيفية تفكير موظفيهم وشعورهم، بل إن معظمهم أعربوا عن شعورهم بالإحباط العميق إزاء اتهامهم بمسئوليتهم عن تشكيل تفكير فرقهم وشعورها، حيث يقول معظمهم: لماذا لا يؤدي الموظفون أعمالهم فحسب، ويلتزمون بالطاعة العمياء؟
ولكن دعونا نلق نظرة فاحصة على هذا الأمر.
أولاً: السبب وراء استمرار العمل بتقنيات الإدارة نفسها منذ عشرين عاماً حتى اليوم هو أن العديد من الموظفين الذين يعملون الآن" جيل طفرة المواليد  وجيل ما بعد الطفرة السكانية الأكبر سنا - كانوا قد مروا في هذه الأثناء بسنوات العمل التكوينية خلال هذا الوقت، وهذا يعني أن عقلياتهم قد تشكلت (وكما يقول البعض تكونت ) خلال وقت مختلف تماماً، وهنا تكمن المشكلة. ويتمتع أولئك الموظفون الذين دخلوا سوق العمل في القرن الحادي والعشرين بعقلية مختلفة؛ ومجموعة متنوعة من المعتقدات المتعلقة بالعمل؛ حيث إن المفهوم الذي يحملونه عن العمل هو الذي يجعلهم لا يطيعون أوامر مديريهم طاعة عمياء.
إننا الآن عالقون بين حقبتين من العمل والإدارة مختلفتين إحداهما عن الأخرى بشكل كبير. كان يتم خلال الحقبة الأولى، التي انتهت تقريبا في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، توجيه العامل لما يفعله، وكان يطيع تلك الأوامر طاعة عمياء دون أن يسمح له بتوجيه أي سؤال، وبقدر قليل من التعاون، إن وجد؛ حيث يصدر المدير الأوامر فحسب، وعلى الموظف إبداء
الاحترام كما هو متوقع منه، وكان اللقب الوظيفي والمنصب أمرين رسميين ومهمين، كما كان عالم العمل في هذه الحقبة يركز على المهمات ، وكان استبداديا يعتمد على التسلسل الوظيفي، ولا يركز على الموظفين بشكل خاص، كما اتسمت تلك الحقبة بعدم تبادل المعلومات بشكل صريح.

أما في الحقبة الثانية، التي نعمل فيها الآن، فقد أصبح كل من التواصل مع  المديرين والتعاون بينهم وبين الموظفين هما القاعدة؛ فكل شيء مفتوح للتساؤل والمناقشة، وتؤخذ جميع الآراء بعين الاعتبار، وأصبح التسلسل الوظيفي محدودا، وأصبح المنصب أقل أهمية، وصارت الحياة العملية تتداخل مع الأسرية، ولا يوجد شيء دائم، ولا توجد ضمانات، كما أن ردود الأفعال متوقعة.
ووجود التوتر وسوء التفاهم بين الأجيال ليس بالأمر المثير للدهشة، ويحظى جيل الألفية جيل واي بسمعة سيئة! والمفارقة هنا أن المديرين الذين يجدون صعوبة في التعامل مع جيل الألفية في العمل هم من الجيل الذي رباهم، أي أنهم هم أنفسهم الذين علموهم أن يسألوا عن كل شيء، وأنهم يستطيعون فعل أي شيء!
وما يجب أن نفهمه هو أن تلبية الاحتياجات الأساسية لمعظم الموظفين في العالم الغربي اليوم (الأكثر ثراء)، ورغبتهم في تلبية الاحتياجات الأخرى، والمزيد من الاحتياجات الفردية، قد جعل الإدارة أكثر تعقيدا؛ حيث يحتاج الموظفون اليوم إلى فهم المزيد فيما يتعلق بسبب وكيفية تلبية العمل احتياجاتهم وملاءمته لقيمهم ونظم معتقداتهم.
وتعد هذه الفكرة جديدة للغاية بالنسبة إلى معظم المديرين، وتتطلب تغيير  عقلياتهم وتنقيتها مما قد مروا به من تجارب، أو ما لاحظوه أو تعلموه سابقاً. وفي الواقع لقد اتحدت أدوار المديرين والقادة؛ حيث توضح الأبحاث أن المديرين وقادة الفرق الذين يديرون فرقاً منتجة وفعالة يقومون بشكل متزايد بعمل القادة أيضاً، وهذا لم يعد كافياً لضمان إنجاز الوظائف، فأصبحت مسئولية المديرين الآن على جميع مستوياتهم الإدارية أكبر من مجرد إظهار تلك السمات المرتبطة سابقاً بالقادة فحسب.
وتشمل هذه السمات الحصول على دعم الموظفين والترويج لقيم الشركة ورؤاها والتواصل والاتصال مع الموظفين بطريقة لم يعهدوها من المديرين من قبل، وبالنسبة إلى الذين ينصب تركيزهم الإداري بشكل صارم على المهمة والإستراتيجية والتنفيذ، فإن هذا يمثل لهم تغييرا كبيرا في كيفية تفكيرهم وتشغيلهم.
لذلك إذا اتحدت أدوار المديرين والقادة، فإنه من المنطقي إذن أن يتحول التأثير داخل المؤسسات ويتغير كذلك. اسأل نفسك من لديه التأثير الأكبر داخل مكان العمل اليوم؛ هل هو المدير التنفيذي أم فريق كبار الموظفين الإداريين، أم الإدارة الوسطى، أم فريق الموارد البشرية، أم قسم الموظفين؟
والآن اطرح على نفسك تلك الأسئلة:
من الأكثر تأثيراً في التعامل مع العملاء بشكل مباشر؟
من الأكثر تأثيرا في معظم الموظفين؟
من يتحدث أكثر إلى الموظفين الذين يتعاملون بشكل مباشر مع العملاء؟
من الأكثر تأثيرا في تجربة العملاء؟
في النهاية، من الذي لا يزال يقدم الخدمة إلى العملاء بشكل مباشر؟
أظهرت أبحاثنا أن العقلية عالية الأداء تتكون لدى الموظفين الذين يعملون مع
العملاء بشكل مباشر من أصحاب المناصب الإدارية الأقل.
قائد الفريق
قد يتسبب السلوك الواعي أو اللاواعي الصادر عن قادة الفرق لديك في إطلاق أو تقييد عقلية الأداء العالي لموظفيك، بالإضافة إلى الأداء المؤسسي والإمكانات، ومع ذلك فهم عادة ما يكونون المجموعة التي تمنح أقل دعم واستثمار داخل مؤسستك.
وينبغي أن يكون الرئيس التنفيذي، وفريق القيادة العليا، والإدارة الوسطى، والموارد البشرية بمنزلة فريق دعم لهم، ويجب أن تركز تلك المجموعات على توفير الادوات وسبل الدعم والتوجيه والتدريب والإرشاد وفرص النمو التي يحتاج إليها قادة الفريق.
والحقيقة هي أن كبار المديرين يحصلون على هذا المستوى من الدعم، وقد يحصل عليه أيضا المديرون المتوسطون، إذا كانوا محظوظين، ولكن قادة الفريق لا يحصلون عليه، على الرغم من أنهم هم الأقرب إلى الموظفين والأكثر
تأثيرا فيهم، والأقرب إلى الإجراءات التي ينتج عنها بالفعل معظم إنجازات المؤسسة.