في عام ٠ ٠ ٠ ٢ ، كتب "فريد أندروز" في جريدة نيويورك تايمز عن مؤسسة بيتر إف. دراكر للإدارة غير الهادفة للربح " والتي أصبحت الآن تحمل اسم معهد فرانسيس هيسلبين للقيادة: بالقليل من المال، أصبح المعهد بمثابة نهر من الحكمة الإدارية متاح لكل من يختار أن ينهل منه. ونحن نحتفل حاليا بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس المعهد. لم يختلف عملنا اليوم كثيراً عن عملنا في عام ١٩٩٠ أو عام ٢٠٠٠؛ فنحن مستمرون في نشر أكثر المطبوعات حداثة عن الإدارة والقيادة، وتقديم موارد وثيقة الصلة بالقيادة، بجانب المشورة والإلهام، وكذلك في الشروع في شراكات شاملة في عدة قطاعات بحيث تتيح الفرص للتعلم والتطور؛ مع دعم القادة من الطلاب والمهنيين حول العالم.

لقد حفزتني رسالة المستقبل المشرق التي يبعثها القادة في مختلف القطاعات ممن يستخدمون هذا الكتاب - والذين يعملون داخل مؤسساتهم وخارجها مع عملائهم ومجتمعهم، مؤكدين قيمهم، ومعيدين تقييم مهامهم.

منذ أن نشرنا هذا الكتاب لأول مرة، قابلت العديد ممن يسيرون على الدرب نفسه - وهم مهنيون عاملون، ومديرون تنفيذيون رفيعو المستوى، ومتدربون، وأساتذة جامعيون، وطلاب - وهم من أخبروني بأن مصادر الإلهام والقيادة التي نقدمها، تلك المتجذرة في العمل القيادي لبيتر دراكر، هي التي جعلتهم يعبرون عن فلسفتنا القيادية بأن خدمة الناس هي الحياة، وجعلتهم كذلك يتشاركون نموذجنا القيادي المبني على القيم والمتمحور حول المهام مع غيرهم من الأشخاص في هذا المجتمع الأوسع. وأدرك هؤلاء القادة أن الأسئلة البسيطة أحيانا ما تكون هي الأسئلة الأصعب. إن أسئلة بيتر دراكر عميقة، وتتطلب إجابتها منا أن تكون تقييماتنا الذاتية قوية ونزيهة.

لو كان بيتر يستطيع التواجد معك ومع مؤسستك في يومنا هذا، لكان من المرجح أنه سيطرح الأسئلة الخمسة ذاتها التي وضعها حين بدأت رحلتنا عن التقييم الذاتي معه: ١

١ . ما مهمتنا؟

٢ . من عميلنا ؟

٣. ما الذي يقدره عميلنا؟

٤ . ما نتائجنا؟

ه . ما خطتنا؟ هذه الأسئلة المعقدة والدامغة هي أسئلة جوهرية ومقصودة، ويمكن تطبيقها في أية مؤسسة اليوم. وهذا الكتاب مخصص للتقييم الذاتي الإستراتيجي والمؤسسي ، وليس لتقييم البرامج أو تقييم أداء الفرد؛ فهو يبدأ بالسؤال الرئيسي: ما مهمتنا؟ ، كما يتناول سبب وجود المؤسسة، أي هدفها لا كيفية وجودها. والمهمة تبعث على الإلهام؛ فهي تتمثل في الطريقة التي تريد أن يتذكر الناس بها مؤسستك. ثم ترشدك هذه الأسئلة عبر عملية تقييم مدى جودة ما تفعله، انتهاء بوضع خطة إستراتيجية ترتكز إلى النتائج ويمكن قياسها لتعزيز المهمة ولتحقيق أهداف المؤسسة، مسترشدة بالرؤية.

إن المستفيدين الرئيسيين من هذه العملية البسيطة للغاية هم الأشخاص أو العملاء المتأثرون بشركتك وبالآخرين، فهم مثلك اتخذوا قرارا شجاعا بالنظر إلى داخلهم وداخل مؤسساتهم، وتحديد نقاط القوى والتحديات، واعتناق فكرة التغيير، وتعزيز الابتكار، وتقبل تعليقات العملاء والرد عليها، والنظر إلى ما هو أبعد من مجرد نطاق المؤسسة للبحث عن الاتجاهات والفرص وتشجيع فكرة الابتعاد بشكل مدروس عن اتباع إستراتيجية بعينها، والمطالبة بنتائج قابلة للقياس. استندت بعض المؤسسات في الماضي إلى المشاريع الناجحة وحدها، أما المؤسسات في المستقبل فهي وثيقة الصلة بمجتمعها وتحافظ على بيئتها وفي الوقت نفسه تحصد أرباحا ملموسة.

إن ذلك النموذج الخاص بتقييم الذات يتميز بالمرونة والقابلية للتكيف. وعليك أن تجلبه معك إلى أية غرفة اجتماعات أو إلى مكتب الرئيس التنفيذي، وأن تستخدمه في أي قطاع سواء كان عاماً أو خاصاً أو اجتماعياً؛ فلا يهم ما إذا كانت المؤسسة من الشركات متعددة الجنسيات مذكورة في قائمة فورشن ٠ ٠ ه أو شركة ناشئة صغيرة، أو وكالة حكومية محلية كبيرة، أو وكالة تخدم قريتك الصغيرة أو موطنك الإقليمي، أو مؤسسة غير هادفة للربح برأس مال قدره مليارات الدولارات، أو مأوى للمشردين تكلفته ١٠٠٠٠٠ دولار. ما يهم هو الالتزام بالمهمة والعميل والمستقبل والابتكار؛ فاكتشاف النفس هو رحلة متعمقة وجريئة تمنح المؤسسات والقادة الطاقة والشجاعة للنمو.

في تلك النسخة المنقحة للكتاب الذي لا غنى عنه، وضعنا في الاعتبار الزمن الحالي، وظهور المؤسسات الهادفة للربح عن طريق إيجاد منفعة عامة لمجتمعها؛ وهو ما سيسمح لها بأن تفسر السبب وراء الالتزام الذي تقوم به تجاه عملائها وموظفيها بشكل خاص والبيئة والمجتمع بشكل عام، وهو التأثير الذي نراه لدى جيل الألفية، فهو جيل لا يتعجب من الفلسفة التي تقول إن خدمة الآخرين هي الحياة . وقد اجتمعنا بقادة المستقبل، الخبراء منهم والناشئين، ممن يقدمون لنا أفكارا جديدة تجيب عن هذه الأسئلة الخمسة