طبيعة الحرارة - The Nature of Heat

سنة الاكتشاف : 1790م

ما هذا الاكتشاف؟ ؟

  • تأتي الحرارة من الاحتكاك، لا من خاصية كيميائية داخلية ما لكل مادة

من المكتشف؟

  • الكونت رمفورد Count Rumford
  •  

لماذا يعد هذا الاكتشاف ضمن المائة العظمى للإكتشافات؟

آمن العلماء بأن الحرارة عبارة عن سائل غير مرئي عديم الوزن يدعی Caloric "السعري". فالأشياء الحارة محشوة بالسعري، وينتقل السعري من البارد للحار. كما وآمنوا بوجود مادة غير مرئية أخرى تدعى phlogiston «الفلوجستون» مسؤولة عن عملية الاحتراق، وتدخل في تكوين المواد القابلة للاحتراق. فبحرقها، يتحرر الفلوجستون إلى الهواء، وينتهي الحريق بفقدان جميع معينها من الفلوجستون.

حالت هذه المعتقدات الخاطئة دون فهم العلماء لطبيعة الحرارة والأكسدة (بضمنها عملية الاحتراق)، و عطلت تقدم علوم الفيزياء كثيراً، حتى جاء الفرج على يد بينجامين ثومسون، الذي أسمى نفسه الكونت رمفورد، فحطم هذه الخرافات واكتشف مبدأ الاحتكاك الذي أدى إلى فهم صحيح لطبيعة الحرارة.

كيف جاء هذا الاكتشاف؟

في عام 1790م كان الكونت رمفورد Count Rumford (37 عاما) يعمل في خدمة ملك بافاريا" كمستشار عسكري. وكجزء من واجباته، كان مسؤولاً عن صنع السلاح المدفعي الملكي.

من مواليد ماساشوسيتس باسم بنجامین تومسون Benjamin Thomson، عمل رمفورد جاسوساً بريطانياً خلال حرب التحرير الأمريكية، ثم تجسس على البريطانيين لصالح البروسيين، وأخيراً، فر إلى بافارياª عام 1790م مغيراً أسمه إلى الكونت رمفورد"ªª.

كان مصنع المدافع مكان كثير الصخب، دائم الضجيج. فهنا طرق أطر العجلات المعدنية وأقواس الامتطاء، وهناك تصدر الخزانات الكبيرة صفيراً حاداً وبخاراً كثيفاً منبعثاً من الصفائح المعدنية المتوهجة أثناء تبريدها في المياه اللزجة داخلها.

و في أحد أجنحة المصنع، كانت المدافع الكبيرة طرق وتلحم، كما وكانت المعادن المذابة تُصب في قوالب عملاقة - الكثير منها بطول 12 قدماً وعرض 4 أقدام. في حين عملت الخامات الكبيرة على قلع لب سبطانات المدافع الواحدة تلو الأخرى

لما كانت حديدة الخامات تسخن بشكل خطير أثناء عملها، فإن المصنع كان مزوداً بجداول من الماء لتبريدها ومنع تلفها وإذابتها. فيصدر صفير خاص وينبعث بخار متموج من سبطانات المدافع باتجاه السقف العلوي للمصنع، حيث كان يتكثف ويتقطر على العمال من تحت.

 بإحدى زياراته، أدرك رمفورد أن كميات كبيرة من الحرارة قد تسربت إلى الهواء والماء من سبطانات المدافع. وكان العلماء يعتقدون حينذاك بأنه كلما ازدادت المادة سخونة، يزداد محتواها من السعري. فقد تحرر السعري إذن إلى كل مكان بالمصنع ليسخن كل ما يلامسه.

 تعجب رمفورد كيف لهذه الكمية الهائلة من السعري (الحرارة أن تنبعث من معدن سبطانة مدفع واحد- خصوصاً وأن سبطانات المدافع بدت باردة فعلاً عند بدأ عملية خرمها!

قرر رمفورد أن يستطلع كم من السعري احتوته كل سبطانة وأين يخزن. فصمم جرناً  كبيراً لجمع كل الماء المُنصب من سبطانة المدفع خلال تخريمها، بغية قياس الزيادة في حرارتها.

أمر رمفورد باستعمال خراطيم المياه الإضافية أيضاًً لرش الخرامات أثناء عملها تلافياً لتكوين البخار - إذ لم يرد أن يفلت أي جزء من السعري على شكل بخار لا يقدر علی حصره وقياسه.

 بدأت عملية التخريم بزعقات مدوية. وبينما بدأت خراطيم المياه في رش حدیدة الخامات مؤدية إلى توهجه، انساب وابل من المياه الساخنة بعمق ثماني إنشات خلال الجرن الضيق ماراً  أمام الكونت ومحاريره.

جفل الكونت في مكانه. لقد إنسابت كمية من السعري من سبطانة المدفع تلك أكثر مما يمكن أن يتخيله حتى في أغرب أحلامه. بل لا تزال تجري أمامه بدرجة تفوق الخمسين على المقياس السيليزي.

و أخيراً انقبضت أسارير الكونت أمام شيء ما خاطئ يحدث ذلك اليوم. لقد فقدت سبطانة المدفع تواً كمية من السعري (الحرارة تكفي أن تحوله إلى جحيم من المعدن السائل بآلاف الدرجات السيليزية. لقد بداً له مستحيلاً أن يحتفظ هذا المعدن بكل هذا المخزون من السعري.

راقب رمفورد العمال وهم يعودون إلى تشغيل خاماتهم والعمل مجدداً، وأدرك بأن ما شاهده عبارة عن «حركة». فأثناء حركة حديدة الخّرامة على معدن السبطانة، تتولد الحرارة. تتحول الحركة إلى حرارة، إذن!

نسميه اليوم الاحتكاك friction ونعرف أنه من المصادر الأولية للحرارة. ولكن في عام 1790م، لم يصدق أحد بنظرية الكونت رمفورد الجديدة عن حرارة الاحتكاك وتزمتوا بمفهوم السعري لخمسين سنة أخرى.

حقائق طريفة: يعزى للاحتكاك مع جسيمات الهواء احتراق الشهب والنيازك لدى دخولها الغلاف الجوي. وهو الاحتكاك ذاته الذي أجبر الناسا على تبليط قاع كل مكوك فضاء بمئات من البلاط السيراميكية العازلة للحرارة. وكان فشل إحدى هذه البلاط سبباً لانفجار مكوك كولومبيا Columbia عام 2004م.

الهوامش المرجعيّة

ª هي أكبر ولايات ألمانيا و تضم العاصمة ميونيخ.

ªª حياة الكونت رمفورد مليئة بالتناقضات في الحقيقة، لعل آخرها رحيله من بافاريا إلى فرنسا و زواجه المفاجئ من أرملة العالم أنطوان لافوازية، السيدة ماري لافوازية، و الذي لم يدم طويلا بسبب إلحاح الأخيرة على التمسك باسم زوجها الأول، أغلب الظن.