أعتقد أن غالبية الناس يريدون في مكنون صدورهم أن يؤلفوا كتاباً. ومعظم الناس قادرون على فعل ذلك، لكن ثمة نصيحة في هذا الصدد: لا تؤلف كتاباً
في مجال إدارة الأعمال، فلك أن تكتب رواية رومانسية أو عن الغرب الأمريكي، أو أي شيء عدا أن تكتب في مجال الأعمال، لماذا؟ لأن قلة قليلة من
الناس سيحتفظون بروايتك، ولكنهم سيقرأون كتابك ثم يتخلصون منه، فنادرا ما تجد أحدا يميز إحدى الصفحات بطي طرفها، أو يضع بها قصاصات
ملاحظات، أو إشارات، أو علامات، أو يحدد سطورا، أو يضع خطوطا تحت السطور. ويبدو الأمر كأن الزمن يتوقف فجأة حين تكتب كتابا في مجال
الأعمال، فنادرا ما تجد أحدهم يعود إليك بعد عشرين عاما بروايتك التي كتبتها في الرومانسية أو الغموض ليسألك عما قصدته بكلامك في الصفحة
١٢١ أو ما إذا كنت لا تزال تطبق فعلا ما ذكرت في صفحة ٦٧. ولكن حين تكتب في مجال الأعمال، وتعترف بأنك تطبق على نفسك ما تنصح به في
كتابك، فقد وضعت حينها سمعتك، وبشكل دائم، على المحك، وفوق هذا، قد يفعل بعض قرائك شيئا أو أشياء بناء على نصائح أوردتها في كتابك، حينها
ستكون مسئولية عليك أن تتعايش معها للأبد.

قبل عشرين عاما، ألفت أنا وبو بيرلنجهام كتابا سميناه لعبة الأعمال الرائعة. ولم نحاول في هذا الكتاب أكثر من عمل توثيق للطريقة التي أدرنا بها الأعمال في شركة سبرينجفيلد ريمانيفكتشرنج، في سبرينجفيلد بولاية ميسوري، والتي تركزت في ذلك الوقت على إعادة تصنيع محركات الشاحنات والسيارات. كانت شركتنا عبارة عن متجر سيارات أنيق لكن ما ميزها على نحو خاص أن أعمالنا لم تكن تدار على نحو تقليدي, وكانت تعتمد على الهرمية وأسلوب القيادة والسيطرة الذي كانت (ولا تزال) تسير وفقه معظم الشركات. لقد أسسنا نظامنا قابلاً للتكرار مكن شركاءنا من إدارة
الشركة - نظام الأعمال لكل صاحب أعمال، كما أحب أن أسميه، وفيه يحظى الجميع بفرصة النجاح والتقدم إن أراد هو ذلك لنفسه.

ما سر التسمية؟

كان الاسم الذي اخترناه لنظامنا في القيادة - لعبة الأعمال الرائعة (وتعرف كذلك باسم اللعبة الرائعة، أو اللعبة) - قد سبب على مدى سنوات قدرا كبيرا
من سوء الفهم، خاصة من قبل أولئك الذين رأوا أننا نهون من قدر الأعمال حين نشبهها باللعبة، وهم يقولون إن الأعمال نشاط جاد، تكون فيه حياة الناس - ناهيك عن مدخرات حياتهم - على المحك، وهم محقون في قولهم. 

لقد استخدمنا كلمة لعبة لتسمية النظام الذي ابتكرناه؛ لأننا أردنا إيجاد طريقة لجعلها أكثر قربا وأقل رهبة في قلوب شركائنا الذين يعملون ميدانيا أو في المكاتب، فالأعمال ليست فنا أو علما، بل هي منافسة تجري بقواعد، وفيها فائزون وخاسرون، وطرق لتسجيل النقاط، وجميع العناصر الأخرى من
حظ وموهبة، ويجب ألا تكون أداة استغلال، أو أداة جشع. ولست أيضا بحاجة للحصول على ماجستير إدارة الأعمال لكي تفهم تفاصيله، وبناء على
ذلك، رأينا أنه ما من سبب يمنعنا من تأسيس شركتنا على نحو يمكن كل من فيها من ممارسة اللعبة معا والاشتراك فيما يتحقق من أرباح. لقد أردنا نزع
الغموض والالغاز عن مجال الأعمال.

الحقيقة أننا حين كنا لا نزال نعمل لدى شركة هارفستر إنترناشونال، كنا رائعين في بناء المنتجات كالمحركات والآلات الزراعية، لكن أحدا لم يعلمنا
كيف نبني شركة، ولن أنسى ما حييت رجلا كان يعمل في ساحة المصنع يقوم على تشغيل مثقاب رأسي، كانت وظيفته هي التأكد من عمل الثقب
المناسب تماما بتصحيح قياسات تقدر بالمليمترات، لا أكثر ولا أقل، ولك أن تتخيل قدر دهشتي حين علمت أن مشغل المثقاب هذا هو مليونير عصامي
بنى ثروته من الاستثمار في مجال العقارات الفخمة. لقد كان لدينا رائد أعمال مبهر يعمل تحت إمرتنا، وكل ما كان على الرجل فعله في مصنعنا هو
أن يصنع ثقوبا، فيا لها من فرصة ضائعة! لقد شغلني هذا النموذج لفترة طويلة، ولقد فوتنا على أنفسنا لفترة طويلة إمكانية الاستغلال الكامل لمواهب هذا الرجل المثقاب، فلم نطلب منه أكثر من عمل ثقوب دقيقة بمثقابه العمودي، ولم نسأله رأيه قط في كيفية بناء شركة جيدة. 

وعلى مدار ثلاثة وثلاثين عاما، أبقينا الرجل منكبا على خرائط التحكم، والقياسات، وكميات المنتج. لقد منحنا الرجل مهاراته، لكننا خسرنا فرصة
الاستفادة من قدراته الذهنية بكاملها، وما لم ندركه في ذلك الوقت أن الفشل في الاستفادة بمواطن قوة كل فرد في الشركة، كان يعني الذهاب إلى طريق
مسدود بتحجيم قدرات أفرادنا. 

وكانت لحظة استفاقتنا. حين أخبرتنا شركة إنترناشونال هارفستر بأنها سوف تغلق مصنعنا، وحين واتتنا الفرصة لشراء الشركة لصالحنا في عام ١٩٨٣، أدركنا أننا بحاجة إلى طريقة أذكى لإدارة الأعمال، فلم تعد الطريقة القديمة تجدي نفعا، لقد كنا بحاجة إلى طريقة تكون مناقضة تماما لأسلوب التحكم والسيطرة الذي تربينا عليه والذي كان الأسلوب المتبع طيلة سنوات، وإذا كان مقدرا لنا ولو معشار فرصة لإدارة الأمر على طريقتنا، فنحن بحاجة
إلى طريقة تمكننا من الاستفادة بقدرات جميع العاملين في الشركة.

في تلك الفترة المبكرة من مشوارنا لم نكن نعرف أي شيء عن الأعمال، وكان من الصعب جدا في حينها أن نتحرر من العمل بتلك الطرق القديمة، وحتى
مع تملكنا للشركة، ظلت ثقافة نحن وهم قائمة بين المديرين والعمال. لقد ظل لدينا أناس يشيرون بأصابعهم ويصدرون الأوامر، وكان لدينا العديد من الوظائف التي تعينك على معرفة حجم وقياسات وأدوات صنع الثقب المثالي، لكن ما من مسمى وظيفي واحد مرتبط في عمله بنجاح الشركة ككل، وهذا
فعلا ما كان ينقصنا.

وحتى مع كوننا الملاك، فإن شيئا في الواقع لم يتغير، فقد كنا لا نزال نعاني تأثير دوار الثورة الصناعية، ولم نكن في حال تقدم بأية حال، بل كنا في
تراجع مستمر. كانت الحال مثالا حيا لمدى التأثير المدمر الذي يحدثه أسلوب القيادة والسيطرة.

ظلت الحال على ما هي عليه حتى استنهضنا في كل فرد روحه التنافسية، وحينها شاهدنا التغيير يسري في المكان. إن قانون الطبيعة يقضي بأنك إن
استفتيت أية مجموعة من الناس وسألتهم رأيهم في كل شيء فإنك نادرا ما تحصل منهم على موافقة، إلا إذا كان استفتاؤك لهم بشأن الفوز، فكل إنسان
يحب أن يفوز – ولا أحد يحب الخسارة، كان ذلك هو السبب في محاولتنا إعادة تقديم الأعمال للناس مستخدمين في ذلك تشبيهها بالألعاب “ أشياء
تثير اهتمام الناس ويستمتعون بأدائهم لها. فالعمل ممل، لكن الناس يحبون فكرة اللعب أو التنافس في مباراة - سمها طعما إن أردت. كان مولد هذا
التوجه ناشئا من إحباطنا من محاولات إيجاد سبل لتعليم الناس مقاييس الأعمال، لقد أردنا إيجاد سبيل لتمكين الناس من تطبيق المهارات التي يستخدمونها في صنع حراثة زراعية جيدة في أن يبنوا بها كذلك شركة مثالية - لقد كنا بحاجة إلى تحويل موضع تركيزنا لتصبح الشركة هي منتجنا .

أصبحت لعبة الأعمال الرائعة عملية تعلم متسارعة استخدمناها لكي نحدث تحولا ثقافيا وسلوكيا ولكى نزيل جدرانًا بناها عبر الزمن أسلوب القيادة والسيطرة، وحين أضاءت مصابيح الأفكار، وبدأنا فعليا في التفكيرفي كيفية بناء شركة عظيمة معا، صار التحول مذهلا.

وبحلول وقت إصدارنا لكتابنا الأصلي في عام ١٩٩٢، كانت النتائج قد بدأت بالفعل في التتابع على نحو مذهل، فنمت العائدات السنوية من ١٦ مليون دولار لتصبح ٨٣ مليون دولار، وتصاعدت قيمة الشركة بشكل مذهل من ١٠٠ ألف دولار لتصبح قيمتها السوقية25مليون دولار، وعلى القدر ذاته من الأهمية، تطور لدينا برنامج تمليك الأسهم للموظفين، حتى صار العمال الذين كانوا بالشركة منذ البداية يحملون سندات مالية قيمتها ه٣ ألف دولار، لكن بخلاف أية أهداف أو نتائج رقمية، كان تركيزنا الأهم في كتابنا الأول حول هدفنا بأن نتيح لكل فرد في هذا المصنع الفرصة لشراء منزل خاص به.

كان ذلك هدفا كبيرا للغاية بالنسبة لثلة من الفتيان والفتيات يملأ الشحم أظافرهم وينضح العرق عند حواجبهم، كذلك سلط هذا الهدف الأنظار علينا لسنوات عديدة، ولا يمكنني أن أحصي لكم كم مرة أتاني أحد قرأ الكتاب الأول ليسألني عن الكيفية التي سار بها مشروع منزل لكل عامل، وأمتلئ فخرا وأنا أخبركم بأن متوسط حساب الأسهم المملوكة للموظفين الخاص بعمالنا الأصليين في الشركة بلغ ٤٠٠ ألف دولار في عام ٢٠١٢.

وفي سبرينجفيلد، بولاية ميسوري، كان هذا يمثل منزلاً يطل على بحيرة، مع قارب، وشاحنة بيك أب. إن أهم ما لدينا أن موظفينا يعرفون كيف يحققون أحلامهم، وهذا هو السر الحقيقي في لعبة الأعمال الرائعة. 

وعلى هذا النحو لم نتوقف قط عن التقدم للأمام، وكنا في حال دائمة من التوسع وزيادة القوة منذ أن قمنا بإصدار كتابنا الأول الأصلي. لقد بدأنا عمليتنا هذه قبل زمن بعيد، لكننا لم ننته قط، فكلما مارسنا اللعبة، زادت معرفتنا، وكلما أصلحنا مسارنا، صرنا أفضل، إنها عملية أشبه بالحياة في معمل.

من العوامل الحيوية التي شكلت نجاحنا أننا كنا كلما علمنا أفرادنا، علمون بدورهم، وكلما فتحنا الأمور أمامهم، زادت رغبتهم في المعرفة. إنه شعور معد وفي نموذج التحكم والسيطرة لا يطرح الناس أسئلة لأنهم لا يعرفون  ماذا يسألون، لكنك حين تحاول بشكل جماعي بناء شركة عظيمة، يكون عليك

طرح الأسئلة الصعبة، وحين يحترم الجميع من يطرح هذه الأسئلة، تصير أقوى، لأنك تضطر للعمل بجهد أكبر حتى تخرج بإجابات عن هذه الأسئلة، 
ولا يزال يذهلني ذاك التحول الهائل الذي كان يحصل حين تضيء الأفكار الجديدة في رأس أحدهم ويصل إلى إجابات.
بفضل أسلوب لعبة الأعمال الرائعة واصل العاملون في الشركة تحقيق أرباح منذ أن كانت بدايتنا معهم في عام ١٩٨٣، فقد نمت العوائد المجمعة لشركة
سبرينجفيلد ريمانيفكاتشر كوربوريشن لأكثر من ٤٥٠ مليون دولار. أيضا، وبقدر لا يقل أهمية، استطاعت الشركة توفير الآلاف من فرص العمل من
خلال تأسيسها لأكثر من ستين مشروع أعمال جديدا متنوعا على مدار الثلاثين عاما الماضية، ومعظم منتجات شركاتنا في إعادة التصنيع هي
لصالح السوق الزراعية والصناعية وسوق البناء والشحن والسوق البحرية والمركبات، وقد نوعنا أنشطتنا لتشمل الإدارة، وتحليل الفشل، والهندسة
العكسية، والدعم اللوجستي، والتجميع والتعبئة، والتخزين، والتوزيع. ينصحك الناس في الغالب بأن تبقى في إطار قدرتك الأساسية ؛ لكن على
العكس، لقد ذهبنا للعمل في البنوك والأثاث والتكنولوجيا الحيوية والملابس وتجارة التجزئة والبرمجيات، وقد ساعدنا هذا النمو والتنويع في الأنشطة
على رفع سعر السهم لشركتنا من ١٠ دولارات في عام ١٩٨٣ إلى ٣٤٨ دولارا في يومنا هذا - وهو معدل نمو قدره ٣٤٨/ . إن كنت تحسب، فلنطرح
هذا النمو بطريقة أخرى: لو كنت قد وضعت ١٠٠٠ دولار في صندوق استثماري لدى ستاندرد أند بورز في عام ١٩٨٣ ، لكان معك اليوم حوالي ٨٤٣٤ دولاراً، ولو كنت قد استثمرت ألف دولار في شركة بيركشاير هاثاواي، شركة وارين بافيت، على مدار فترة من الزمن، فسهمك اليوم كان سيساوي
١١٣ ألف دولار، وهو عائد جيد على مالك، لكنك إن كنت قد استثمرت هذه الألف دولار في العاملين بشركة سبرينجفيلد عام ١٩٨٣ ، فستكون قيمة
استثمارك اليوم ما حجمه ٤ .٣ مليون دولار ، وهذا مذهل بحق. تغير الرؤية التأثيرات المتراكمة لأسلوب لعبة الأعمال الرائعة لم تتوقف عند ارتفاع سعر سهم الشركة، فما لاحظته خلال السنوات المتتالية أنه حين تسير الأمور على نحو طيب، وحين يشعر الناس بالرضا حيال أنفسهم، يبدأ شعورهم كذلك بالتحسن حيال الآخرين، فالمسألة هنا تراكمية معدية؛ حيث تبدأ بالعمل الإيجابي داخل بيتك، ثم في محيطك الذي تحيا فيه لضمان ألا تفقد هذا
الشعور الطيب، ثم تبدأ بعد ذلك في التقدم بهذه الحالة إلى مستوى أعلى، وهو ما تتناساه وسائل الإعلام حين تبدأ بمهاجمة أحد رجال الأعمال
الناجحين.
وكمثال لما أعنيه بكلامي، فقد سبق أن طلبت من فريق العلاقات العامة في شركتنا أن يعرفوا لنا كم واحدا من شركائنا يتطوع بالخدمة في مؤسسات تطوعية في سبرينجفيلد، بولاية ميسوري، وحين أخبروني بأن أكثر من 115 من رجالنا يخدمون في مجموعة من المناصب التنفيذية التي تشمل كل شيء، من العضوية في مجلس المقاطعة المدرسي، إلى العمل كمنظم في مؤسسة يونايتد واي، شعرت بالذهول، وهذا الرقم لا يشمل أشخاصا من قبيل ملك مسابقة الطهي المحلية ومن يدرب فريق الكرة وفرق مسابقة ليتل ليج الخيرية، فكل فرد آخر يقدم خدمة للمجتمع على طريقته الخاصة. 
إنك بذلك تبني الثروة، وتقوم بتوزيعها، ثم تعيد باستمرار تدويرها من جيل إلى الذي يليه داخل المجتمع، وحين نضيف كل هذا إلى بعضه، ألا ترى فيه وجه الرأسمالية المشرق؟
إنني أرى أن الأشخاص الذين يستثمرون وقتهم في بناء وتنمية الأعمال، هم بأهمية أولئك الذين يستثمرون المال، وهذا ليس اعتقادا شائعا وسط مجتمع
الأعمال بحسب ظني، فكثير من الناس سيقولون إنني ما دمت خاطرت بكل شيء فأنا من سيجني ويستحق الفوائد كافة. إن المستثمر الذي ينفق ألف
دولار يجني ٢٠٩ مليون دولار، لكن العامل الذي يقضي ثلاثا وثلاثين ساعة من وقته على خط الإنتاج يحصل على راتبه فقط؛ وهذا بالضبط هو الوجه
المظلم للرأسمالية. ما يميز أسلوب لعبة الأعمال الرائعة أنه يمنح العاملين الشركاء الفرصة لحيازة الفوائد هم أيضا لا أن يبقوا في صراع بائس على الأجور وحسب، وأولئك الأشخاص الذين يبذلون وقتهم يجب أن يحصلوا هم أيضا على الفرص لجني المكاسب تماما مثل أولئك الذين يستثمرون بأموالهم. إن أسلوب لعبة الأعمال الرائعة يعزف على فكرة أنك كلما بقيت في الشركة، وكلما زاد الوقت الذي استثمرته فيها، زادت فرصك في جني المكاسب إذا كان العمل ناجحا