ذات مرة أخبرني أحدهم بأن حوالي عشرة آلاف كتاب جديد في الأعمال تصدر كل عام، وهذا عدد بالغ الضخامة من الكتب. ولست فوق مستوى البشر، فقد اعتدت القراءة قدر استطاعتي منها، سواء كانت عن إدارة الجودة الكلية، أو عن مفهوم سيكس سيجما، أو عن الإدارة بالأهداف. كنت طيلة خمسة عشر عاما أبحث عن إجابات وأفكار لإدارة أفضل للأعمال، وفي كل عام كانت تبرز ممارسات تطبيقية أفضل غير التي كانت في العام الماضي، ورغم توافر القيمة التي يمكنك اكتسابها من تلك العمليات، فإن أيا منها لم يطرح الحل الكامل.

يقيني هو أن لدي هذه القناعة بعد أن قرأت كتاب Beyond Perfo manee Management ستيف بلاير وجيريمي هوب، فلم أندهش  كثيرا حين علمت أن ٠ ٣ % فقط من برامج التغيير، حسب المؤلفين، تحقق النجاح، وتشمل هذه البرامج وثيقة التقييم المتوازنة، والمقارنة، وبرامج إدارة العلاقة مع العملاء؛ وخصص المؤلفان فصلا كاملا للإدارة بأسلوب إدارة

الكتاب المفتوح، وكما سبق أن قلت، فإنه حتى الإدارة بأسلوب الكتاب المفتوح ليست غاية في حد ذاتها. وحين انخرطت في عملية اقتراض لرأس المال، حينها أدركت أن العنصر المالي لا ينفك عنا مطلقا. إن الاوضاع المالية للشركة تكون معنا منذ بداية التأسيس، لكن قلة فقط من الناس هم من يستطيعون قراءتها أو فهمها اليوم. وفي الوقت الذي كنا نحن المديرين نبحث عن نظم تساعدنا، كانت الإجابة أمام أعيننا مباشرة: لن تستطيع أبدا أن تكون لديك شركة قوية إذا لم يكن لديك واقع مالي قوي - كيف فاتتنا فكرة بديهية على هذا النحو؟ كان ذلك هو ما جعلنا في سبرينجفيلد نعلن الحالة المالية بدلا من إخفائها، والأفضل من ذلك أننا وجدنا سبيلا من خلال لعبة الأعمال لجعل الأرقام جزءا من نمط حياة وثقافة الشركة.

إنه مما يفطر قلبي أن يقرأ الناس هذا الكتاب أو يأتوا لزيارتنا في سبرينجفيلد ويغادرونا فقط بنسخة من أسلوب لعبة الأعمال الكبرى. إن بعضنا من المديرين يحبون برامج المكافآت المالية الخاصة بنا؛ وآخرون تعجبهم طريقة إدارتنا للمجاميع أوفلسفة الكتاب المفتوح، فيأخذون ما أحبوا
معهم لتطبيقه مباشرة في شركاتهم، وحين يفعلون، تأتيهم النتائج - لكن لفترة، وبعد فترة قصيرة، يمل الناس ويعودون إلى إدارة الأمور على النحو

الذي كان في السابق، والفكرة أنك لن تملك برنامج حوافز مالية فعالا إن لم يكن لديك نظام تنبؤ يندفع الناس به قدما إلى حيث تريد، ولن تستطيع
ببساطة الحفاظ على النتائج، فأنت بحاجة إلى إدماج الأفراد في العملية، وتشبه هذه الحالة من قرأ الكتاب ثم استخرج منه ما أعجبه من عناصر دون
أن يدرك أن كل عنصر من عناصر لعبة الأعمال وضع بحيث يكون مجديا في إطار نظام متكامل، لكن حين تجمع بين كل الخطوات يمكنك الحصول على استدامة في النتائج.

ما أدركناه في شركة سبرينجفيلد منذ أوائل الثمانينات أننا بحاجة للتوقف عن محاولة رتق الثغرات بنظام المعالجات المؤقتة، وأن علينا أن نضع لأنفسنا
نظام تشغيل كاملأ وجديدا تماما لشركتنا، وهذا هو ما يقوم عليه نظام لعبة الأعمال الكبرى، وسوف أكون أول من يعترف بأن تطبيق ولعب لعبة الأعمال
ليس بالأمر الهين - خاصة إن كنت غير جديد في عالم الأعمال، إذ إن الأمر يتطلب شجاعة حقيقية لكي تنحي جانبا كل ما تعلمته أو التحرر من جميع
العادات السيئة التي انغمست فيها.

كذلك ردد المشككون على مدى السنوات أن نظامنا يضع كل التركيز على الأرقام والنتائج دون تركيز كاف على الجانب الأكثر نعومة من إدارة
الأعمال، كتقديم خدمة عملاء رائعة أو بناء ثقافة مؤسسية مميزة. دعني إذن أقل لك شيئا في هذا: إن لدينا نوعية عملاء هي الأكبر حجما والأصعب
مراسا على الإطلاق، لكنهم لا يحبون منتجنا وخدماتنا فقط - بل يحبوننا كذلك. حين تضع تركيزك على بناء شركة عظيمة، عليك أن تقدم للناس
منتجات وخدمات رائعة كي تصنع العلاقة مع العملاء، ونحن لدينا نظام يعفينا من داء الغرور؛ كونه يدفعنا للخروج إلى السوق والبحث عما يحتاج
إليه العملاء منا، وهو ما يمكننا تقديمه لهم بشكل عصري مع الاهتمام بالجودة، وبهذه الطريقة نحظى بسعادة عملائنا.

بمعدل مرتين كل عام ننخرط في تنفيذ عملية نسميها خطة الاندماج الكامل، وفيها نطلب من كل فرد في المؤسسة أن يضع توقيعه بالموافقة على الاتجاه
الذي تسير فيه المؤسسة “ وهي العملية التي سنناقشها بالتفصيل في الفصل الثامن، ونبحث خلالها في حال الاقتصاد والصناعة والمنافسة، ونضع حالةالسوق أمام قومنا حتى يتسنى لهم اتخاذ القرارات الصعبة، فسوف يصوتون جميعا على الخطة السنوية، وستكون الموافقة على الخطة فقط إن هم آمنوا بما جاء فيها . إن خطتنا لا تخرج من غرفة مجلس الإدارة وإنما من لدن كل فرد في الشركة.

وبمجرد أن تنال موافقة أحدهم على قرار ما، سيكون من الصعوبة بمكان أن يعترض عليه أو يتكاسل في تنفيذه، فإن أراد الأفراد في الشركة أفضل خطة تأمين صحي، فلا بأس بذلك أبدا؛ لأنهم يدركون تماما تأثير اختيارهم هذا على ناتجهم النهائي وسعر سهم الشركة - وهو شيء أضمنه لدرجة أن كل فرد في مؤسستنا سوف يكرره لك نصا. كذلك نجري استبيانا للعاملين كل ستة أشهر وعلى مدار ثلاثين سنة عن مدى رضا كل منهم عن وظيفته وعن الشركة بشكل عام. في البدايات، كانت التقديرات التي نتلقاها تقول إن هناك بعض العمل الذي لا يزال علينا القيام ، أما الآن، فالتقديرات التي تمنح للإدارة في هذا الاستبيان تصل في متوسطها إلى ٨٥% وال ١٥% المتبقية تدفعنا للتوقف والتفكير.

من الرائع كذلك، وما يزيد الثقة في منهجنا، أن نسمع آراء شركات أخرى تتبع أسلوب لعبة الأعمال الكبرى في أدائنا، فأن تحظى بفرصة التواصل مع
مديرين وموظفين يمارسون لعبة الأعمال من كل أنحاء العالم تقريبا هو إحدى أعظم الفوائد التي نحققها من خلال مؤتمرنا السنوي. لا أحصي عدد
القصص التي سمعتها عن أصحاب أعمال تحولوا إلى تطبيق لعبة الأعمال الكبرى كملاذ أخير، بعد أن استنفدوا كل سبل الإصلاح السريع الأخرى،
فأقبلت عليهم النتائج الإيجابية إقبالا.

إن أول تشبيه أفكر فيه لأصف به ما يجري هو التالي: أتصور أن كل واحد منا يملك داخل دماغه عجلات تدوير، وإحدى هذه العجلات هي الجانب الإبداعي في المخ، حيث تخرج الأفكار العظيمة لمشروع ما (أو لكتاب ما)، وتدور هذه العجلة باستمرار على سرعة ٦٠٠٠ دورة في الدقيقة، وعلى الجانب الآخر، لدينا العجلة المالية، وبالنسبة لمعظم الناس، تدور هذه العجلة بسرعة ٦٠ دورة في الدقيقة، لكن لكي نجني النجاح علينا أن نحث عجلة المال على الدوران بسرعة أكبر، وحين تتمكن من ذلك، يمكنك حينها جني النتائج.

لماذا ألفنا كتابا آخر؟

العمل على وضع طبعة محدثة من هذا الكتاب هو كالعمل على إجراء توازن بين إثارة الفوضى في شيء ما وبين تنظيفه. فحين حشي ريتش آرمسترونج وستيف بيكر، الرئيس ونائب رئيس لعبة الأعمال الكبرى على التوالي - حين حثاني على إصدار طبعة بمناسبة الذكرى العشرين للكتاب الأول، شعرت بانسحاب الدم من وجهي. إن تأليف الكتاب الأصلي وملحقه (الذي نشر في عام٢٠٠١)، بالمشاركة مع بو بيرلنجهام، كان عملا شديد الصعوبة - وبقدر صعوبة العمل كان تقديره العميق، عملا أتصور عدم قدرتي على إعادة الإقدام عليه مجددا.

لكن ريتش وستيف تغلبا على ترددي، لماذا؟ لأنني رأيت أن عالم الأعمال الذي أحببته يتعرض للهجوم حاليا، فبينما أنا أؤلف كتابي هذا، لا تقتصر المأساة
على معاناة رواد الأعمال وأصحاب الأعمال الصغيرة وعدم قدرتهم على التعافي من أحدث حالة ركود تعرضت لها الأمة، لكنها كذلك ماثلة في تخطبنا
في بيئة التخبط السياسي حيث لا يعرف أحدهم كيف يخلق الوظائف للناس.

في ثمانينات القرن العشرين، كان رجال الإعلام يقولون لنا إن المنافسة العالمية ستكون بمثابة سقوط للولايات المتحدة، ولا تزال هذه الدعاية تطاردني
إلى الآن، حيث لا يزال الساسة ورجال الإعلام ينتهزون كل فرصة متاحة لإخبارنا بمدى ما نفقد من فرص لصالح منافسينا في الصين والهند .

لكنني لا أتفق مطلقا مع هذه الانتقادات، فالحقيقة أنك إن ألقيت نظرة موضوعية على حال الاقتصاد على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، فسوف تجد أننا عشنا طفرة هائلة في حجم الإنتاجية، لأن كثيرا من الناس حاولوا جادين في هذه الفترة تحقيق النجاح - على الأقل حتى عام ٢٠٠٨ حين تعثر الجميع، وقد كان السبب في تلك العثرة، جزئيا، هو جهل مجتمعنا بمبادئ الاقتصاد والشفافية، فلو كنا جميعا متمتعين بالمعرفة الاقتصادية الأساسية والحد الأدنى من الشفافية، ما كانت أحداث عام ٢٠٠٨ لتقع أبدا: اسمع، لقد كنا محظوظين للغاية في سبرينجفيلد بأن بقينا على الحال نفسها التي كنا عليها على مدى ثلاثين سنة، ونحن ندين بالكثير في هذا النجاح إلى ذلك النظام الذي ظللنا نعدل ونحسن فيه على مدار الوقت، وأظن أن النتائج التي ذكرتها سابقا تتحدث عن نفسها.

إن كنت تملك مشروعا أو كنت رائد أعمال تبحث عن إجابات عن كيفية الصمود أمام آخر عاصفة، أو عن الاستعداد للعاصفة التي تليها بتطوير
أعمالك وخلق الوظائف، فلماذا تفعل ذلك وحدك؟ لم لا تسعى إلى الاستفادة من مستويات التفكير العليا لدى شركاء عملك بتجربة النظام الذي ترسمه
لعبة الأعمال الكبرى؟

ما يشعرني بالرضا الشديد أنه في الوقت الذي كانت فيه لعبة الأعمال الكبرى أساسا لنا لحفظ الوظائف وخلق وظائف أخرى جديدة، فإننا الآن نصنع لأطفالنا في العمل مستقبلا، فالثقافة ذاتها قائمة والحماسة لا تزال مشتعلة، فبعد ثلاثين عاما لدينا الآن شركاء في العمل لا يعرفون أي أسلوب لإدارة الشركات سوى ذاك المتبع، فمنذ زمن بعيد ونحن نطبقه على جميع المستويات. إننا نريد أن نواصل تفريخنا لقادة قادرين على بناء شركات عظيمة، ونحن بحاجة إلى خبراء استراتيجيين قادرين على صنع التغيير، والبدء بتوظيف الأموال، ثم البيع. نحن بحاجة إلى عناصر تغيير بمهارات قيادة مميزة. نحن بحاجة إلى أناس قادرين على بناء العلاقات، وبحاجة كذلك إلى أناس تواقين لتطوير مواهبهم.

من المثير حقا والمحطم للأعصاب في آن واحد أن ترى الجيل التالي من اللاعبين وهم يخرجون للدنيا بخطط وأحلام جديدة بشأن المستقبل، وهذا الأمر مثير؛ لأنهم يدركون فعليا ما يعنيه بناء وتطوير مشروع أعمال جديد، ولأنهم يطبقون النظام الذي وضعناه نحن، وهو كذلك محطم للأعصاب، ولأنه رغم أني قد أكون أفضل معرفة، فإن علي تركهم يتعلمون من خلال ارتكاب الأخطاء في هذه الأثناء - ربما أتدخل فقط إن كانوا على وشك السقوط من شفا جرف هار.

ما الجديد؟

في هذه الطبعة المنقحة والمزيدة، حاولنا أن ندعم كتابنا الأصلي بعرض للنظام ووصف أفضل لتطبيق العملية، وبتقديم للدليل التفاعلي انخرط في اللعبة ،
والذي أوردناه في نهاية الكتاب، ومع توافر الأدوات والمصادر الإلكترونية سوف نتمكن من المحافظة على دينامية المحتوى وبقائه محدثا. خلال السنوات
الثلاثين الماضية تعلمنا الكثير عن مساعدة الناس في غرس مبادئ لعبة الأعمال في جوهر مؤسساتهم، وكانت النتيجة أن صار لدينا تجمع هائل من
اللاعبين في سوق العمل، مع كم هائل من المصادر التي يمكنك دخولها طلبا للمساعدة على تعلم مبادئ لعبة الأعمال الكبرى، فلست مضطرا للقيام بهذا
التحول وحدك.

لقد كانت السنوات الثلاثون الماضية رحلة شاقة، وأنا حقا شديد التقدير أمام كل العمل والعرق الذي بذله كل فرد في شركة سبرينجفيلد على امتداد تلك

الفترة الطويلة، وأتذكر هنا أن ثاني أسوأ خطأ ارتكبته بعد تأليف كتاب في الأعمال كان وضعي لصورتي الشخصية على غلاف الإصدار الأصلي، ليس
فقط لكونها تنغص على عيشي (كأنك تشاهد تقدمك في السن أمام مرآة)، لكن أيضا لأنها لم تمنح الفضل الواجب لكل شخص ساعد الشركة على
الوصول إلى ما وصلت إليه من نجاح، ولهذا حرصت على ألا تكون صورتي على غلاف الطبعة الجديدة من الكتاب، ولذلك أيضا أهدي نسخة الذكرى العشرين لهذا الكتاب إلى جميع لاعبيها: أينما كنتم، لقد فعلتموها بحق، بارك الله لكم.

جاك ستاك