لماذا تنتشر المنتجات والأفكار والسلوكيات؟
هناك أمثلة كثيرة على أشياء انتشرت. الأساور الصفراء المكتوب عليها عش قويا. الزبادي اليوناني منزوع الدسم. استراتيجية 6 سيجما لإدارة الأعمال.
حظر التدخين. الأنظمة الغذائية منخفضة الدهون. ثم حمية أتكنز وحمية الشاطئ الجنوبي وجنون الحميات منخفضة الكربوهيدرات. نفس الديناميكية تحدث على نطاق أصغر على المستوى المحلي. حيث تصبح إحدى الصالات الرياضية مقصدا شائعا. أو يصبح مكانا جديدا رائجا. أو يدعم الجميع استفتاء مدرسيا جديدا.
هذه جميعها أمثلة على أوبئة اجتماعية. حالات انتشرت فيها المنتجات والأفكار والسلوكيات عبر قطاع من الناس. إنها تبدأ بمجموعة صغيرة من الأفراد أو المنظمات وتنتشر، غاليا من شخص لآخر، على نحو أشبه بالفيروس. أو في حالة شطيرة اللحم والجين البالغ ثمنها مائة دولار، فهو فيروس باهظ التكلفة، مبالغ فيه.
لكن بينما يسهل العثور على أمثلة على العدوى الاجتماعية، ففي الواقع جعل شيء ما ينتشر أمر أصعب بكثير. حتى مع كل الأموال التي تنفق على التسويق والدعاية، قلة من المنتجات هي التي تكتسب شعبية. تخفق أغلب المطاعم، وتنهار أغلب المشروعات، وتفشل أغلب الحركات الاجتماعية في اكتساب ثقل. لماذا تنجح بعض المنتجات والأفكار والسلوكيات بينما يفشل غيرها؟
 
أحد أسباب اكتساب بعض المنتجات والأفكار شعبية هو أنها ببساطة أفضل على نحو واضح. نحن نفضل المواقع الإلكترونية الأسهل في استخدامها، والعقاقير الأكثر فاعلية، والنظريات العلمية المرجح أن تكون صائبة وليس العكس. لذا عندما يطرأ شيء يوفر أداء أعلى أو يقوم بعمل أفضل، يميل الناس للتبديل إليه. هل تذكر مدى ضخامة شاشات التلفاز والكمبيوتر في الماضي؟ لقد كانت ثقيلة وضخمة للغاية لدرجة أنه كان عليك طلب مساعدة بعض الأصدقاء (أو المجازفة بإصابة ظهرك) لحمل إحداها إلى أعلى الدرج. أحد أسباب نجاح الشاشات المسطحة هو أنها كانت أفضل. فلم توفر
شاشات أكبر قياسا فحسب، بل كانت أقل وزنا أيضا. لا عجب أنها اكتسبت شعبية .
السبب الآخر وراء انتشار المنتجات هو السعر الجذاب. ليس من المدهش أن أغلب الناس يفضلون دفع مبالغ أقل وليس العكس. لذلك إذا تنافس منتجان متشابهان كثيرا، فعلى الأرجح سيفوز المنتج الأرخص بالمنافسة. وذا خفضت إحدى الشركات أسعارها إلى النصف، سيفيد ذلك المبيعات. تلعب الدعاية دورا أيضا. حيث يحتاج العملاء لمعرفة الشيء قبل شرائه. لذا يعتقد الناس أنهم كلما أنفقوا أكثر على الدعاية، زادت احتمالات اكتساب الشيء شعبية. هل تريد أن تجعل الناس يتناولون خضراوات أكثر؟ إنفاق المزيد من المال على الإعلانات سيزيد من عدد الناس الذين يسمعون رسالتك ويشترون البروكلي.
لكن رغم مساهمة الجودة والسعر والدعاية في نجاح المنتجات والأفكار، فإنها لا تفسر القصة بأكملها.
انظر إلى اسمي أوليفيا وروزالي- كلاهما اسم رائع للنساء- اسم أوليفيا يعني "شجرة زيتون" في اللاتينية وذلك مرتبط بالإثمار والجمال والسلام. اسم روزالي له أصول لاتينية وفرنسية، وهو مشتق من كلمة أزهار . كل منهما بنفس الطول تقرييا، وينتهي بحرف من حروف العلة، وله كنيات سهلة ولطيفة. في الواقع، آلاف الأطفال تسمى أوليفيا أو روزالي كل عام- لكن فكر للحظة كم امرأة تعرفها تحمل اسما منهما. كم امرأة قابلتها تسمى أوليفيا وكم امرأة قابلتها تسمى روزالي.
اجزم أنك تعرف على الأقل أوليفيا واحدة، لكن ربما لا تعرف أية روزالي. في الحقيقة، إذا كنت تعرف امرأة اسمها روزالي، فأنا أجزم أنك تعرف عدة نساء اسمهن أوليفيا.
كيف عرفت ذلك؟ اسم أوليفيا أشهر بكثير. عام 2010، على سبيل المثال، ولدت 17.000 أوليفيا تقريبا في الولايات المتحدة و492 روزالي فقط. في الحقيقة، بينما كان اسم روزالي شائعا إلى حد ما في العشرينيات من القرن العشرين، لم يصل أبدا إلى الشعبية الهائلة التي حققها اسم أوليفيا مؤخرا. عند محاولة تفسير سبب انتشار اسم أوليفيا أكثر من روزالي، لا يصلح
استخدام التفسيرات المألوفة كالجودة والسعر والدعاية. ليس الأمر كما لو أن أحد الاسمين "أفضل" حقا من الآخر، كما أن كليهما مجاني، لذلك ليس هناك اختلاف في السعر. وليست هناك حملة دعائية تحاول إقناع الجميع بتسمية أطفالهم أوليفيا، ولم تقرر أية شركة جعل ذلك الاسم الأكثر جاذبية منذ لعبة بوكيمون.
يمكن قول الشيء ذاته عن مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب. لا فرق في السعر (جميعها متاحة مجانا للمشاهدة)، وقليل منها يتلقى دفعة تسويقية أو إعلانية. ورغم أن بعض مقاطع الفيديو تتمتع بقيم إنتاجية أعلى، فإن معظم المقاطع التي تنتشر انتشارا فيروسيا تكون مشوشة وغير واضحة؛ صورها أحد الهواة بكاميرا رخيصة الثمن أو هاتف خلوي.
*عندما أستخدم كلمة "فيروسي" في هذا الكتاب، أعني بها شيئا من الأرجح أن ينتشر من شخص لآخر. التشابه بينه وبين الأمراض يخدم المقصود، لكن إلى حد معين. الأمراض تنتشر أيضا من شخص لآخر، لكن الاختلاف الأساسي هو الطول المتوقع لسلسلة انتقال العدوى. يمكن لشخص واحد أن يكون ببساطة نقطة البداية لمرض ينتشر لبضعة أشخاص، ومنهم
لمجموعة أكبر، وهلم جرا، حتى يصاب عدد كبير من الناس بالعدوى، بسبب ذلك الفرد الأول وحده. لكن مثل هذه السلاسل الطويلة قد تكون أقل شيوعا في حالة المنتجات والأفكار (جويل، وواتس، وجولدشتاين 2012). غالبا ما يشارك الناس المنتجات والأفكار مع الآخرين، لكن احتمال بدء شخص واحد لسلسة طويلة للغاية قد يكون ضعيفا. لذلك عندما أقول إن فعل كذا سيجعل الفكرة أكثر فيروسية، على سبيل المثال، أعني بذلك أنه سيزداد احتمال انتشارها من شخص لآخر، بصرف النظر عما إذا كانت ستنشئ في النهاية سلسلة طويلة أو تعدي أمة بأكملها.
فإن كانت الجودة والسعر والدعاية لا تفسر سبب انتشار أحد الاسمين أكثر من الآخر، أو سبب حصول أحد مقاطع فيديو يوتيوب على مشاهدات أكثر، فماذا يفسره؟