أوه، کم نحب موسيقى الثناء العذبة! إن معظم الناس مستعدون لفعل أي شيء من أجل سماعه. إنهم مستعدون للتخلي عن أموالهم، والعمل لساعات طويلة، وتحمل الأذى الجسدي أو الذهني، وكل ذلك من أجل كلمة استحسان واحدة. إنهم مستعدون لعمل أي شيء كان للحصول عليه تماماً كالمدمن الذي يحتاج إلى جرعة من المخدر، وبينما ينتقلون من شخص يثني عليهم إلى آخر، يصبحون مدمنين للاستحسان والثناء. وكلما زاد إدمانهم، زاد تنازلهم لغيرهم عن توجيه مسار حياتهم.

والتماس الثناء يعني أنه يجب عليك دائماً إثبات قيمتك وجدارتك. ففي كل مرة ترتكب فيها خطأ أو تفعل شيئاً تعتقد أنه لا يفي بمعاییر شخص آخر، تشعر بأنك "أقل من الآخرين. وبعد ذلك تلوم نفسك وتشعر بالذنب لعدم قيامك بما تظن أنه "يجب عليك القيام به. وتداوم على سؤال نفسك: "هل أديت بشكل جيد بما يكفي؟". ولكن الشخص الذي يعيش الحياة محاولاً أن يؤدي "بشكل جيد بما يكفي" ينمي الحاجة القهرية إلى أن يكون أو يفعل ما هو أفضل من الآخرين، وهكذا تتراكم الأخطاء خطأ فوق آخر. وبغض النظر عن جدية وشدة محاولتك أن تكون أفضل من شخص آخر في أي مجال معين، فإنك ستشعر بعدم الكفاءة لأنه دائماً ما سيكون هناك من هم أفضل منك وأعظم، من وجهة نظرك. سيكون هناك أولئك الذين يملكون المزيد من المال، أو منازل أكبر، أو منزلة أرفع، أو سمات جسدية أفضل... إلخ. إنها لعبة لا يمكن أبدأ أن تفوز فيها.

    ما ذلك الأمر بشأن الثناء الذي يجعلنا نتصرف كالذباب الذي يتجمع حول إناء به سكر؟ إنه إعادة الاتكال الذي تعودنا عليه في مرحلة الطفولة حيث كان القدر الأعظم من وجودنا يعتمد على القبول الأبوي. كان الثناء واللوم هما وسيلة السيطرة. فإذا کنا مطيعين        وخاضعين، كنا نحصل على مكافأة الثناء. وإذا قاومنا، كنا نعاقب باللوم والتقريع.

إن نظام الثواب والعقاب مغروس بعمق شديد في عقولنا اللاواعية وأجهزتنا العصبية المركزية إلى حد أننا نستجيب بتلقائية لأي شكل من أشكال الثناء أو اللوم. وتماماً كما قضينا الجزء الأكبر من مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة في محاولة إرضاء آبائنا، فإننا كذلك -كأشخاص ناضجين -سوف نقضي القدر الأكبر من بقية عمرنا في محاولة إرضاء الآخرين.

    والقوة الأشد تدميراً للثناء تكمن في قدرته على جعلك متوحداً مع أفعالك وتصرفاتك. فالثناء في الأساس يعني أنك شخص "طيب" بسبب أفعالك "الطيبة"، وشخص "سيئ" إذا ارتكبت خطأ أو تصرفت بشكل "سيئ ". وفي أي وقت لا تفي فيه بمعايير الشخص الذي يثني عليك، تعتقد أنك خذلته وتشعر بالذنب لذلك. ونتيجة لذلك، يمكن لأولئك الذين يقدمون لك الثناء والمديح أن يتعاملوا معك بحيث يكونون في موقع يسمح لهم بالتحكم في معظم حياتك. وطالما كنت تخدم أغراضهم، فإنهم يشبعون احتياجاتك، ولكن عندما يريدون منك أكثر مما أنت مستعد أو قادر على منحه، فإنهم يحبسون عنك الثناء الذي تلتمسه وينخسونك من خلال الشعور بالذنب. إنهم يعلمون أنهم إذا استطاعوا أن يجعلوك تشعر بالذنب، فإنك ستفعل أي شيء لكي تستعيد قبولهم واستحسانهم. إذا كنت ترغب في أن تكون حراً تماماً وواثقاً بنفسك، يجب أن تتوقف عن الوقوع في مصيدة التماس الثناء والقبول والتخلص من تلك العادة المدمرة يتطلب منك أن تكف عن وضع الآخرين أعلى منك. لا تتطلع لأي شخص باعتباره أعلى منك شأناً لأي سبب كان. إذا توقفت عن النظر للناس باعتبارهم أعلى منك، فلن تكون بحاجة أبداً إلى التماس قبولهم واستحسانهم، ولن يعود الثناء يغريك ولا اللوم يفزعك.

التقدير

هناك فارق هائل بين الثناء والتقدير. فالتقدير، بالمعنى الذي سنستخدمه هنا، هو ملاحظة للحقائق الواقعية. إنه ليس مجاملة، ولا حكم على القيمة، إنه ببساطة ما يوحي به اسمه، تقدير لبذل المرء قصارى جهده في ظل مستوى وعيه الحالي.

    والفارق الرئيسي بين الثناء والتقدير هو أن الثناء يمثل حكماً على القيمة. فإذا قلت لشخص ما إنه "شخص                                          رائع " لأنه قام بشيء ما من أجلك، فإنك تعني أيضاً أنه "لا يكون شخصاً رائعاً" ما لم يلب رغباتك. على سبيل المثال، إذا أحضر لك ابنك بعض الزهور، لا ينبغي أن تقول له حينها: "أنت "فتی رائع" لأنك أحضرت لي تلك الزهور". إذا قلت هذا، فإنك تعني ضمنية أنه لو لم يحضر الزهور لكان "فتی سيئاً". وبدلاً من ذلك، قل: "أشكرك على الزهور، أقدر لك هذا بشدة"، بهذه الطريقة تمنح الطفل التقدير على تصرفه دون أن تصدر أي حكم بالقيمة عليه كشخص.

الكبار، والشباب، والأطفال خاصة يستجيبون للتقدير بشكل أكثر إيجابية من استجابتهم لحديث الثناء العذب. إنهم يحتاجون إلى معرفة أنهم يشغلون مكانة خاصة في حياة من حولهم. ويرغبون في أن تتم معاملتهم كأشخاص، وأن يتم قبولهم كما هم، وليس كما يعتقد شخص آخر أنهم يجب أن يكونوا. وإذا تم منحهم التقدير على ما يفعلونه بناءً على قدراتهم، فإنهم سيشعرون أنهم يتلقون التقدير كأفراد ولا يتم تقييمهم على أساس أفعالهم وتصرفاتهم. سوف يشعرون أنهم متفردون وذوو شأن وقيمة سواء كانوا يقون بمعايير الآخرين أو لا.

الفارق بين الثناء والتقدير قد يكون دقيقة وخفية، ولكنه شديد الأهمية فيما يتعلق ببناء وتطوير الثقة التامة بالنفس. وإذا لم يتم منح الناس التقدير الذي يحتاجون إليه لكي يشعروا بأنهم مقبولون بحق كما هم كأشخاص متفردين ومتميزين، فإنهم سيلجئون إلى التماس الثناء ويصبحون سجناء له.