كيف ينمو جسم  الإنسان وكيف تقوم الخلايا الحية بوظائفها؟

لم يكن أحد يدري حتى وقت قريب كيف ينمو أي جسم حي. كان هذا أمراً غامضاً لم يستطع تفسيره حتى أكثر الأطباء ثقافة وعلماً . كان يبدو وكأن نصل النجيل ، أو القطة الصغيرة ، أو الطفل يزداد استطالة يوماً بعد آخر حتى يتم نموه .

وقد استكشف منذ حوالي مائة وعشرين عاماً كشف عجيب، ذلك أن عالمين ألمانيين يدعيان «شليدن وشوان»، أسهما في إثبات أن كل الكائنات الحية تتكون من وحدات دقيقة تسمى «الخلايا » كما يتكون الحائط من وحدات نسميها «الطوب» ، ولربما كان هذا الكشف أهم حدث في علم الحياة ، فلقد ساعد على تفسير كثير من الغموض الذي كان يحيط بالجسم البشري ، وبخاصة تفسير الكيفية التي تنمو بها ، وكيف ينمو الجلد الحديد فوق الجرح.

إن جسمك كله يتكون من خلايا غاية في الدقة يبلغ تعدادها ثلاثين ألف مليون مليون. ومثال ذلك دمك ، الذي يوجد به عدد هائل من الخلايا الحمراء التي تكسبه اللون الأحمر . ومع أن هذه الخلايا الحمراء تعد من أكبر خلايا الجسم ، فإن قطر الواحدة منها يبلغ جزءاً واحداً من ثلاثة آلاف جزء من البوصة فقط .

إنك لا تستطيع رؤية الخلية إلا بالمجهر، وهو أداة تجعل الأجسام الدقيقة تبدو كبيرة .

ويستعمل العلماء في الوقت الحاضر أنواعاً منها غاية في الدقة تمكنهم من استجلاء أدق تفاصيل أصغر الخلايا.

كما أن لديهم آلات عجيبة تسمى ( المشرح الدقيق ) micro manipulators مزودة بإبرة دقيقة . فإذا ما أضيفت هذه الآلة إلى المجهر تمكن الباحث من فصل أجزاء الخلية بعضها عن بعض ، وبذلك يعرف الشيء الكثير عن طريقة تركيبها.

ولنفترض أنك في معمل حديث، وأنك تنظر من خلال مجهر قوى مزود بمشرح دقيق إلى خلية واحدة. والخلايا البشرية متعددة الأشكال، ولنفرض أن الخلية التي اخترتها للفحص خلية مستديرة، لسوف ترى أن هذه الخلية محاطة بغشاء يشبه الجلد يسمى (غشاء الخلية) . وإذا لمست ذلك الغشاء ببطء بإحدى إبر المشرع الدقيق لرأيته ينبعج بسهولة ، ولكنه يعود إلى حالته الطبيعية بمجرد إبعاد الإبرة.

ومعنى هذا أن الخلية تستطيع تشكيل نفسها على أي شكل من الأشكال، كما أن غشاء الخلية به مسام خاصة تسمح للمواد الكيماوية اللازمة للخلية بالوصول إلى داخلها ، كما تسمح لمخلفات النشاط الحلوى غير المرغوب فيها بالخروج من الخلية .

وتتكون الخلايا من مادة تسمى «الهيولا- بروتوبلازم». وإذا ما نظرت داخل الخلية فإنك سترى مادة بيضاء داكنة الوسط .. ولهذا الجزء من البروتوبلازم اسم خاص به هو و السيتوبلازم » ومعناه « مادة جسم الخلية ،. والسيتوبلازم مادة غروية مائية لينة تستطيع الإبرة المجهرية النفاذ فيها دون حدوث اضطراب بذكر.

ويمكنك الآن فحص الجسم الداكن الموجود في وسط الخلية. ويسمى هذا الجسم « النواة ، ويحتوي على أعظم وأروع سر للحياة .

تهيمن النواة على الخلية ، فإذا نزعتها منها توقفت الخلايا عن التكاثر وسرعان ما تموت .. وإذا قسمت الخلية إلى قسمين غير متساويين، فإن ذلك الجزء الذي يحتوي على النواة يستطيع إعادة تركيب الخلية الطبيعي ويستمر حيا حياة طبيعية .

وإذا أمعنت النظر في داخل نواة على وشك الانقسام ، فلسوف ترى أكثر جزيئات أجسامنا غموضاً ، إنها شبكة من لخيوط الدقيقة تسمى الصبغيات كروموسومات، وعددها 48 . وهذا العدد واحد في جميع الأجسام البشرية، ولكنه يختلف اختلاف أجناس الحيوانات ؛ فمثلا يبلغ عدد الصبغيات في الكلاب 52 في كل نواة ، وفي الخيول 60. وتحمل الصبغيات بطريقة ، مازالت مجهولة من العلماء ، جزيئات أدق منها تسمى « أمشاجاً ، ( جينات ) .

وتهيمن هذه الجزيئات أو الأمشاج على نموك وشخصيتك منذ وقت ولادتك .. فهذه الجزيئات هي التي تقرر ماذا ترث عن أبويك من صفات ، مثل : لون عينيك ، وشعرك ، وغير ذلك .

إن كل خلايا جسمك قد تولدت من بويضة: 

إن كل خلايا جسمك قد تولدت عن خلية من نوع خاص تسمى البويضة، هي خلية الأنثي . وتحتوي نواة البويضة على أربع وعشرين صبغية فقط ، أي نصف العدد المعتاد في الخلايا الأخرى ، فهي بذلك ليست خلية كاملة . فإذا ما اتحدت بخلية الذكر ، التي تحتوي أيضاً على أربع وعشرين صبغية ، أصبحت خلية كاملة تحتوي على ثمان وأربعين صبغية . ومن هذه الخلية الكاملة أو المخصبة تتولد جميع خلايا جسمك.

والطريقة التي تتوالد بها الخلايا طريقة طريفة ؛ ذلك أن الخلية تكبر قليلاً في الحجم ثم تظهر تغيرات داخل النواة التي يختفي غشاؤها بعد ذلك ، ثم تنقسم كل صبغية إلى نصفين ، وبذلك يتضاعف عددها فيصبح 96 صبغية تتجمع في مجموعتين كل منهما تحتوي على 48 صبغية ، تتجه كل مجموعة إلى واحد من قطى الخلية المتقابلين . وفي أثناء هذه العملية تتمدد الخلية و يتكور القطبان على مجموعتى الصبغيات . وفي النهاية تنقسم الخلية إلى قسمين متساويين يحتوى كل قسم منهما على نواة مستقلة بها 48 صبغية ، وبهذا يصبح لدينا خليتان بدلا من واحدة .

إلا أن الجسم في حاجة إلى خلايا متعددة الأنواع ، ولذلك فإنه حالما تتكون بضع عشرات من الخلايا ، فإنها تبدأ في التحور ويتغير شكلها استعداداً للعمل الذي سوف تقوم به عندما يتم تكوين الجسم، وتتجمع الخلايا المتشابهة بعضها مع بعض ، مكونة بذلك الأنسجة المختلفة في الجسم مثل الجلد والعضلات والأعصاب والعظام وغير ذلك من الأنسجة المتينة التي تربط الحسم بعضه بعض. وأعضاء الجسم المختلفة مثل القلب والمعدة تتكون من أنواع عديدة من الأنسجة.

ولكن لا يغرب عن بالنا أن الوحدة التي تتكون منها الأعضاء والأنسجة المختلفة هي الخلية ، فهي الأحجار الصغيرة التي يبني منها الجسم.

مما سبق تستطيع معرفة ما سيحدث عندما يندمل جرح إصبعك . إن الخلايا الجلدية التي في حواف القطع تتوالد بسرعة أكثر ، وتستمر في هذا التوالد حتى تغطى ثم تحل محل النسيج الليفي الذي تتكون منه الندبة ، وعندما تعود الحالة إلى أصلها يتوقف التوالد .

لا نعرف حتى الآن كيف تقوم الخلية بأعمالها ووظائفها ، فإننا لا نعرف على وجه الدقة ماذا يحدث عندما تنقسم الخلية ، ولا العوامل التي تتحكم في تكاثرالخلايا عند بناء الجسم .

ويجتهد الباحثون من العلماء في شتى أنحاء العالم محاولين التوصل إلى الإجابة الصحيحة عن هذه المعضلات الغامضة .