المخ لايزال لغزا
في أثناء جلوسي لكتابة هذا الفصل، كانت أمامي ورقة بحثية تعلن أنه طبقاً لجريدة نيويورك تايمز: هناك خريطة مذهلة جديدة للمخ توضح ما يقرب من ١٠٠ منطقة جديدة لم تكتشف من قبل. وبما أن المناطق المعروفة كان عددها ٨٣ منطقة، فإن هذا يعني أننا لا نعرف سوى أقل القليل عن أمخاخنا، وقد ذكر العلماء أن الأمر قد يستغرق عقودا حتى نعرف وظيفة كل منطقة بالتفصيل.
إننا لا نعرف سوى القليل عن المخ، لذا لا يفاجئني أننا لا نعرف سوى القليل  عن الذاكرة، وقد استخدم بعض العلماء تشبيهات واستعارات تصف ذلك: المخ يشبه العضلة؛ كلما مرنته صار أقوى. والذاكرة تشبه ذاكرتي الحاسوب العشوائية والدائمة، أو خزانة ملفات ضخمة، أو مكتبة كبيرة مملؤة بصفوف من رفوف كتب الذاكرة. حسنا....ليس تماماً.
بقدر علمي، ليست هناك منطقة - أو بنية - بعينها في المخ هي موضع الذاكرة، وكذا فإن أنواع الذاكرة المختلفة ليست مخزنة في منطقة أو مناطق معينة في المخ. بالطبع فإن الذاكرة نفسها" أو أنواعها المختلفة" قد يكون موضعها العديد من المناطق بالمخ، وربما بعدة أشكال مختلفة. لقد افترض أن الذاكرة التي يود المرء استعادتها قد يحتاج إلى إعادة تجميعها ، ما قد يساعد على تفسير لماذا نتذكر في الواقع بعض الأمور بطريقة مختلفة في أوقات مختلفة أو في ظروف مختلفة.
كيف تعمل الذاكرة إذن؟ كيف ولماذا نتذكر بعض الأشياء بينما ننسى بعضها الآخر؟ هل ننساها فعلا أم وضعناها في موضع مختلف فحسب ؟
الذاكرتان طويلة المدى وقصيرة المدى دعنا نتحدث عما نعرفه فعلا. هناك نوعان من الذاكرة: قصيرة المدى وطويلة
المدى، وحين نتحدث عن تقوية الذاكرة , فإننا في الواقع نتحدث عن الذاكرة طويلة المدى.
إن الذاكرة قصيرة المدى لها سعة محدودة كما أن لها مدى محدوداً. إنها تشبه مفكرة مايكروسوفت؛ فما فيها يبقى لمدة بسيطة ثم يختفي (أو، كي أكون دقيقا، تخزن فوقه ذكريات جديدة). ومن السهل للغاية أن تتشوش، فكل منا قد نهض في وقت أو آخر وذهب إلى الغرفة المجاورة ثم نسى لم فعل ذلك. وإن أعرنا انتباهنا فلن يشكل استرجاع ما نسيناه مشكلة، ولكن المعلومات المسجلة في ذاكرتنا لا تكفي بحيث نسترجعها، وفي أوقات عديدة خلال اليوم نتخذ القرار الخاص بتحديد ما يتم نقله إلى الذاكرة طويلة المدى وما يتم تجاهله.
أما الذاكرة طويلة المدى فهي مستودع هائل لتخزين الذكريات (ولا تفكر فيهاباعتبارها مكانا ماديا)، والتي يراها بعض العلماء ذات قدرة غير محدودة (أو على الأقل هائلة للغاية). في مقال نشر بمجلة ساينتيفيك أميريكان عام ٢٠١٦، أعلن أن المخ البشري لديه سعة تقدر د ه .٢ بيتا بايت (أي  ٥٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ٢)، وهو الرقم الذي يعادل ٠ ٢ مليون خزانة ملفات
تتسع لأربعة أدراج، أو نصف تريليون صفحة مكتوبة، وكما ذكرت قد لا تكون غير محدودة ولكنها هائلة للغاية!
أما تخزين المعلومات فهي العملية التي نخزن فيها جميع الحقائق والأرقام والأسماء والوجوه والخبرات كبيرها وصغيرها، بالإضافة إلى أمور كثيرة أخرى، وذلك في الذاكرة طويلة المدى. وما يتم تخزينه - والخاضع لعمليات المخ الأخرى - يمكن استدعاؤه عند الحاجة. إن فكرت في الشيء باعتباره مهما، فإنك ستخزنه بمزيد من السهولة؛ لذا فإن اقناع نفسك بأن عليك تخزين (واسترجاع) معلومة معينة يزيد فرصك في إضافتها إلى مخزنك الخاص: بنك الذاكرة طويلة المدى الخاص بك.
والاسترجاع هو العملية التي يمكننا بها استعادة تلك الأشياء التي خزناها.
يمكن تقوية مهارة الاسترجاع من خلال التكرار، وتتأثر القوى المحركة لقدرتنا على الاسترجاع بعدة عوامل:
إننا نسترجع بسهولة الأشياء التي تثير اهتمامنا. 
“ كن انتقائياً في تحديدك للمقدار الذي أنت بحاجة إلى استرجاعه؛ فليست جميع المعلومات لها الأهمية نفسها؛ ركز انتباهك على التمكن من استرجاع أهم المعلومات وحسب.
“ إن ربطك للمعلومات الجديدة بأخرى تعرفها بالفعل سيسهل عليك استرجاعها .
- كرر - إما بصوت عال أو في ذهنك - ما تريد تذكره. وأوجد طرقاً جديدة
تقول بها تلك الأشياء التي تريد استرجاعها.
- استخدم المعلومات الجديدة التي تمكنت من استرجاعها بطريقة معبرة وذات معنى؛ فذلك سيساعد على استرجاعها في المرة القادمة.
أما التمييز فهو القدرة على رؤية مادة جديدة والتعرف عليها وعلى معناها، والألفة هي أهم مظاهر التمييز. إنك ستشعر بأنك ’شاهدت هذه المعلومات من قبل، وستربطها بمعلومات أو ظروف أخرى قديمة، ثم تسترجع الإطار
الذي تراها تنسجم معه منطقيا.
قد تكون الذكريات متاحة، وهنا تعلم أنك تعلم شيئا، وتجده على طرف لسانك ، ولكن لا يمكنك استرجاعه بسهولة. لقد حدث في وقت أو آخر أننا تذكرنا جزءا مما نريد تذكره، كوجه شخص دون اسمه، أو اسم بدون لقب، أو  تاريخ شهير دون الشخص أو الحدث الذي يرتبط به، ونعاني الأمرين كي نتذكر الباقي. لقد حدث مراراً أنني فشلت في حل الكلمات المتقاطعة،
ووضعتها جانبا، ثم كنت أعود إليها بعد عدة ساعات، فأتذكر فوراً ما فاتني في السابق-
إن الفشل في تمييز شخص أو شيء قد يكون مشكلة سياق ، فنحن غالبا ما نربط أشخاصاً معينين بالأماكن التي عرفناهم فيها . هل حدث ذات مرة أنك لم تتمكن من تمييز وجه مألوف لامرأة تجلب أطفالها من المدرسة ثم تدرك لاحقا أنها النادلة التي تجلب لك قهوتك كل صباح منذ أشهر؟ لأنك ربطت بينها وبين مكان واحد فقط، فقد لاقيت صعوبة في التعرف عليها في مكان آخر.