القدرة على فهم الأمور المعقدة والتفاعل مع التعقيد، والتحيز لكل إنجاز تحقق بالعرق والدموع والذكاء الشديد، رغم أنها تسبب الضيق، فإنها تعد بوجه عام برهانا لما يمكن أن تكون عليه حياة الناجحين.

ومع ذلك، خلال فترة النشوء التي مررنا بها كانت تلك الأشياء ذاتها تعوق طريق بقائنا، وأضحت نقاط ضعف بالنسبة لنا.

ولأغراض هذا الكتاب، عندما نؤيد التفكير الغبي، فإننا نشير بذلك في الواقع إلى ميلنا الفطري للبساطة والسهولة، وإن أمكن لقلة المشاركة. بمعنى آخر، الإفراط في البساطة والسهولة إلى حد الغباء.

مع أن العمل الشاق يستنفد قوانا وربما يصيبنا بجراح وبالحيرة، بل وحتى قد يتسبب في مقتلنا، نميل إلى الاعتقاد بأنه يؤتي ثماره في النهاية، وأن التعقيد ضروري حتى يمكن التفوق على الآخرين. ولكن لا يكون الوضع هكذا دائما . إن قائل عبارة العمل الشاق لا يقتل أحدا أبدا جانبه الصواب في ذلك إلى حد كبير.

إن الأعمال العظيمة التي أدتها البشرية كان لها ثمنها، ولا نعني بذلك ثمنا ماديا ببساطة. العديد من المساعي الطموحة المذهلة للإنسانية -من بينها الأهرام المصرية وتوسيع جميع الإمبراطوريات والممالك تقريبا، والآثار، والسكك الحديدية الكبرى، والاستكشافات النهرية، وجميع أنواع المناجم والمخرجات المعدنية والسدود، بل وحتى سباق الفضاء- كلها تتطلب العمل الشاق والمخاطر المعقدة وثمنا باهظا يدفعه البشر من حياتهم.

في أثناء تشييد سور الصين العظيم كان يشار إليه عادة بأنه أضخم مقبرة فوق ظهر الأرض  نظرا للخسارة التي لا تصدق في الأرواح من أجل إتمام ذلك العمل الاستثنائي، فيعتقد أن ما يقرب من مليون شخص فقدوا حياتهم أثناء بنائه. إذن أودى العمل الشاق بحياة عدد هائل من الأفراد.

إن كنت طالبا مجدا أو نجيبا، فذاك لن يجعلك بالضرورة محبوبا دائما، بل ربما يحولك حتى إلى إحدى ضحايا التنمر.

ولكن ليس الأطفال الأذكياء وحدهم من لديهم أهداف يريدون تحقيقها، فعلى مر تاريخنا سقطت الإمبراطوريات والقادة العظماء فريسة لكونهم أذكى مما ينبغي وحياتهم أبعد ما يكون عن البساطة أو اللين. ومن فرط تماديهم في ذلك ضربت لنا الأمثال المشهورة كتحذير للكافة: الكبرياء يأتي قبل السقوط مباشرة أو القول الأثير لدى الأمهات: صرت أكبر مما يتسع له حذاؤك.يميل التفكير بغباء إلى البساطة، إذ يعثر على أبسط الطرق لأداء الأمور كافة.

ويستخدم أقل عدد من الكلمات وأقصرها للتعبير عن المعنى، أو يستخدم وسائل بصرية لمشاركة تحذيرات مهمة بإيجاز. ويتسم التفكير بغباء بالكسل، ومن ثم إذا كان هناك طريق مختصر، فسوف يعثر عليه، وبذلك يجنبنا الإفراط في التفكير أو الإفراط في تعقيد الأمور، والحيرة ومفاهيم الاستعلاء وإضاعة الوقت. ومع أن تلك الخصال هي التي ساعدتنا على البقاء، فإننا تجاهلناها بل وسخرنا منها.

ولكن إذا خصصنا وقتا لتعلم سبل التفكير الغبي، فسوف يساعدنا ذلك على البقاء. إن الغباء يمثل قوة دفع تجعلنا نتقدم إلى الأمام.

إن الحاجة ليست أم الاختراع، بل الكسل هو أبو الاختراع. فإذا كان أمر ما صعبا أو معقدا أو يصعب تحققه، لكان البشر قد تجنبوه ببساطة أو بحثوا عن سبيل آخر لتحقيقه.

كان الدافع وراء اختراع العجلة، وتطوير الزراعة، والتلغراف، والتبريد، والتسليم حتى المنزل، والتسوق بأسلوب طلبات السيارة، والإنترنت هو الرغبة في جعل الحياة أبسط وأسهل وتخفيف عبء العمل.

كان هناك سيل من الاختراعات الجديدة والابتكارات وصور لتحسن نمط الحياة عبر السنين لجعل حياتنا تبدو أسهل، ولتخفيف عبء العمل وإرهاق التفكير، ومن ثم جعلنا التفكير الغبي فيما يتعلق بذلك أذكى، ليس بالمعنى المعرفي للكلمة، بل بمعنى ذكاء الفطرة السليمة.

انظر إلى أحد العناصر الضرورية لاستمرار حياتنا: الماء. ندرك جميعا أهمية الماء، ولكن لنكن أمناء، فالنهر الذي يأتي منه الماء بعيد للغاية، ومن ثم مرحبا بمواسير المياه! واليوم نشعر بالغبطة من وجود مواسير المياه، وقليل منا تسعده فكرة العودة إلى الطبيعة في كل مرة يضطر فيها لقضاء حاجته.

إن التفكير الغبي يجعلنا نتحلى بالكفاءة والصدق ويعزز الوضوح والبساطة، وهي سمات جوهرية ليس فقط من أجل البقاء ولكن أيضا من أجل تحقيق النجاح في العالم الحديث.