يؤدي انعدام الخوف إلى الفناء. اشتهر طائر الدودو الذي تعرض للانقراض بأنه لا يهاب شيئا. هل فر عندما واجه أنواعا جديدة وغريبة من الفصائل الأخرى؟ هل اختبأ ؟ هل قاتل؟ لا، وقف بشجاعة وبمنتهى الثقة (وإحقاقا للحق، فإن حقيقة أنه من فصيلة لا يمكنها الطيران لم تساعد كثيرا، ولكن بالتأكيد إذا كنت تتمتع بطبيعة تركن إلى الطمأنينة والثقة ولا يمكنك الطيران، فعلى الأقل ستتعلم أن تسرع الخطى) .

إن أعمال الجرأة لا تنتهي عادة نهاية طيبة. هناك سبب وراء شعورنا بالخوف من التواجد بالقرب من العقارب والثعابين، بل والخوف من الظلام. فالسبب ببساطة أن تلك الأشياء مؤذية على نحو مميت عاد. تخيل ماذا يكون عليه التجول في كهف مظلم .خلال فترة ما قبل التاريخ. ينتابك شعور بالبرد والإرهاق والجوع (ناهيك عن الرائحة الكريهة)، فيصبح جل ما تريده هو الابتعاد عن عناصر الطبيعة، والعثور على مكان تأوي إليه لتسلم عينيك إلى النوم، ومن ثم تصعد إلى مدخل الكهف وتخطو نحو المجهول.

ولسوء الطالع لم تكن المخلوق الوحيد الذي راودته الفكرة نفسها ذاك المساء بالتحديد، وكما سيتضح لك يتسلح المخلوق الآخر بحجم هائل وقوة عمياء وحاسة شم خارقة ومخالب وربما سم... حسنا، ويتمتع كذلك برؤية ليلية لا يفترض توافرها إلا لدى مغاوير البحرية.

تفترض أعمال الفيسيولوجي الأمريكي والتربرادفورد كانون أن هناك استجابتين محتملتين في سيناريو الكهف المظلم القتال أو الفرار ، وتتصرف أجسامنا غريزيا في ثوان لإعدادنا لأحد الخيارين، ومن ثم ينشط الجهاز العصبي الذاتي وتبدأ غدد الأدرينالين في العمل.

ورغم أن القتال خيار متاح، فإن الأمر لا يتطلب خيالاً جامحا لإدراك أن إطلاق السيقان للريح ربما يكون استراتيجية البقاء المفضلة في هذا السيناريو، بالإضافة إلى أن الظلمة لن تجعل أحدا يرانا ونحن نفر كالجبناء نحو فتحة الخروج.

إن العظة من تلك القصة -على خلاف سيناريو ذات الرداء الأحمر غير الواقعي والخطير- هي ضرورة الخوف من الذئب الضخم السيئ؛ إذ تبلغ احتمالات قيامه بقتلك أو تشويهك 9 من 10 . وللأمانة فإن وجود رجل عجوز يتجول في أنحاء الغابة حاملاً معه فأسا أمر مشكوك في تحققه، ولا يكاد يكون الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه وقت الضيق.

وترتبط معظم مخاوفنا - وهو ما لا يجب أن يعد مصادفة- بكل ما هو مميت أو على الأقل مدمر للغاية. تعد الثعابين والعناكب والمرتفعات والماء والبق والموت من بين أكثر المخاوف البشرية شيوعا، ولسبب وجيه للغاية: فإنها تمثل مصدر خطر مميتاً.

وخلال مسيرة تطورنا، كانت الشجاعة -رغم كونها من الخصال الحميدة- وصفة لرواية القصص والحكايات عنا في صيغة الزمن الماضي. لا تنتهي قصص الشجاعة عادة نهاية سعيدة؛ لأن البطل المغوار لا تمتد به الحياة لكي يعيش في تبات ونبات.