مبادئ العيش في إيجابيات الحاضر

أدركت في أثناء تأليفي هذا الكتاب أن هناك مبادئ خفية مرتبطة بفصوله الخمسة كلها، وأنها لا تنطبق فحسب على الموضوعات المحددة التي أتناولها فيه، بل على الحياة بشكل عام. وقد سميت هذه المبادئ الستة مبادئ العيشفي إيجابيات الحاضر ؛ ذلك لأنها الأكثر ارتباطاً بعيش كل لحظة في الحياةبإيجابية. وإليك هذه المبادئ:

نظرة على الفقرات التالية للمزيد من التفاصيل عن أسباب أهمية كل مبدأ من هذه المبادئ. ولا تقلق إن وجدت أن هذه المبادئ لا تنطبق على الواقع حتى الآن؛ فسوف يتضح كل شيء بمجرد أن تبدأ قراءة بقية الكتاب.

١. افتح ذهنك لاستيعاب فكرة التحلي بالإيجابية والحضور

إن الجانب الأول والأكثر أهمية في مسألة عيش إيجابيات اللحظة الراهنة هو تفتيح ذهنك لاستيعاب فكرة التفكير بإيجابية في اللحظة الراهنة؛ وهو ما قد يبدو بسيطا، لكنك عندما تمر بفترة عصيبة في حياتك - أو ببساطة تعتاد تبني الموقف السلبي - قد لا يبدو التفكير الإيجابي ذا قيمة، أو ممكنا؛ فكونك مستعدا للسعي إلى الحصول على الفائدة الموجودة في اللحظة الحالية لا يعني أنك تغفل بسذاجة وجود السلبية، أو أنك تشعر بحالة من البهجة باستمرار، بل يعني أنك تسمح لنفسك بالتخلص من العادات القديمة (من بينها أنماط التفكير القديمة)، واختيارك التركيز على جوانب اللحظة التي
ستساعدك على التحلي بعقلية أكثر إيجابية.

٢. انتبه لأفكارك وكن مستعدا لتغييرها

إن أفكارك هي ما يشكل عالمك؛ فعندما يبدو لك موقف ما أنه جيد أو سيئ، فإنه يبدو كذلك لأنك تفسره هكذا . ونستخدم الأفكار لتصنيف الأشياء، ولمحاولة فهم مدلولها، ولوضع ميثاق الأخلاقيات الخاص بنا ؛ فهذه الأحكام الأخلاقية تعد أمرا أساسيا, فهي على سبيل المثال، تجعلك تعلم أن سلوكا معينا قد لا يعد سلوكا مقبولاً، أو أن شخصا ما له تأثير سيئ عليك، لكن كثيرا ما تقف هذه التصنيفات حائلاً في طريق الأشياء الإيجابية أيضا في الحياة. وما يثير الدهشة هو أنك كثيرا ما يمكنك تغيير ما تراه عن طريق الوعي بطريقة تفكيرك فيه، والاستعداد لتغيير هذه الطريقة. (إنها طريقة مثيرة حقا!)؛ حيث يسمح لك الوعي بأفكارك (بدلاً من إطلاق العنان لها فحسب) -وهو أمر سيحتاج إلى بعض الممارسة إن لم تكن معتادا إياه - برؤيتها على حقيقتها، واتخاذ خيارات مستمرة بتحويلها من نطاق السلبية إلى نطاق الإيجابية. وبالمثل، يمكنك تغيير مسار انتباهك؛ فبدلاً من صبه على أحداث الماضي أو المستقبل، يصبح منصباً على الحاضر.

٣. تخلص من السلبية بقدر الإمكان

بمجرد أن تبذل جهدا كي تكون واعيا بأفكارك، يحين الوقت لإلقاء نظرة على ما يحدث من حولك، ومعرفة تأثيره في قدرتك على عيش اللحظة الحالية على نحو إيجابي. أولاً، تعرف على كل مواطن السلبية في حياتك؛ تأمل نشاطاتك وعاداتك وعقليتك، بالإضافة إلى الشخصيات المحيطة به، وعليك أيضاً أن تحدد جوانب حياتك التي تجعلك تشعر بالتعاسة، أو التوتر، أو الغضب، أو القلق، أو عدم الاستقرار بدرجة بالغة؟ (لكن لاحظ كلمة بدرجة بالغة ؛ فلا بأس أن تنتابك هذه المشاعر بدرجة معتدلة، لكنها عندما تنتابك باستمرار أو بدرجة قوية، فهذا يعني أن هناك أمرا ما في حياتك قد يلحق بك الضرر) .
حاول أن تتجنب " أو على الأقل تقلص تأثرك بـ " الآثار السلبية إذا أمكنك ذلك؛ كي تفسح المجال للمزيد من الأشخاص الإيجابيين والمواقف الإيجابية بالدخول إلى نطاق حياتك. وليس من الممكن دوماً محو السلبية بصورة تامة (فعلى سبيل المثال، قد لا تستطيع تجنب مديرك، أو زوجة أبيك التي تضعك تحت وطأة الضغط)، لكن عادة ما يمكن تقليص أو إعادة هيكلة تأثرك بهما،
ودائما ما يمكن تقليص مقدار الوقت الذي تقضيه في التفكير في المواقف السلبية، أو الأشخاص السلبيين.

٤. أحب ذاتك وقدرها

إذا كنت غير سعيد بما أنت عليه، فمن الصعب جدا أن تشعر بالسعادة والرضا عن الحياة التي تعيشها. ويعني حبك لنفسك (وهو ما أسميه حب
الذات ) الوعي الذاتي - أي أن تعرف ذاتك وأن تحب ماضيك وحاضرك، وأن تحب ما تريد أن تكون عليه - ولكن هذا الأمر يتعلق أيضا بالتقبل؛ فلا تحب الجوانب المحببة من شخصيتك فحسب، بل تحب كذلك الجوانب التي قد ترغب في تغييرها يوما ما) . ويتضمن ثاني جوانب حب الذات - الذي هو أساسي بدرجة مساوية للجانب الاول - أن تقدر نفسك بفاعلية؛ حيث يمكنك إظهار التقدير لنفسك من خلال كلماتك، وأفعالك؛ وذلك بإخبار نفسك " كل يوم إن أمكن " بأنك ذو قيمة، وأنك محظوظ لأنك الشخص الذي أنت عليه، كما يمكنك أن تعامل عقلك وجسدك بطريقة لطيفة؛ فتأكل بشكل صحي، وتستريح عندما تحتاج إلى ذلك، وتتقبل نفسك كما هي دون إصدار الكثير من الأحكام عليها. باختصار، إن التقدير هو الحب بمفهومه العملي.

ه. تبن توجه الامتنان

قد يبدو تبني توجه الامتنان سلوكا مألوفا - وسخيفا بعض الشيء - لكنه يعني الانتباه إلى الأشياء التي عليك أن تكون ممتنا لوجودها، بدلاً من التشبث بما تشعر بأنك تفتقر إليه. فعندما يركز عقلك على الإيجابيات الموجودة في حياتك، فإنك تقدر ما لديك في هذه اللحظة وما أنت عليه حاليا، بدلاً من القلق بشأن ما تتمنى أن تملك، أو التشوق إلى ما كان لديك ذات مرة في الماضي. وعندما تكون ممتنا لما تملك، فهذا لا يعني أنك واع بالنعم المتاحة لك شخصيا فحسب، بل واع أيضا بتلك النعم الموجودة من حولك؛ وهو ما يسهل كثيرا الحفاظ على تركيزك وتقديرك للحظة الراهنة؛ لما تشتمل عليه من
نعم تستحق الشكر.

٦. ركز على مصادر إلهامك

إن اللحظات التي تقضيها في عمل يحفز الفرحة والإلهام في داخلك " كقضاء الوقت مع شخص محبب إلى نفسك، أو الانخراط في ممارسة هواية مفضلة “ هي أكثر اللحظات التي يسهل عليك فيها أن تعيش إيجابيات الحاضر؛ فإذا لم يكن لديك ما تحب أن تقوم به أكثر من غيره، فعليك أن تنعش حياتك بخبرات جديدة، حتى تجد ما يثير قلبك وعقلك. فإذا شعرت
بأنك تائه في الوقت الحالي، وليست لديك أدنى فكرة عن الوقت، وليست لديك رغبة كبيرة في أن تذهب إلى أي مكان آخر سوى المكان الذي أنت فيه الآن، فلا بد من أنك قد وجدت النشاط الذي يروقك؛ سواء أكان ممثلاً في لعب الجيتار، أم رسم لوحة، أم قضاء الوقت مع طفلك، أم الذهاب في رحلة إلى الجبل. وقد لا يكون مصدر إلهامك أو إرضائك مباشرا (مثل تربية الأطفال)، أو مرحاً (كوظيفة تحبها لكنك تجدها مرهقة) ، ولكن عليك أن تعطي الأولوية في حياتك لكل ما يشجعك على التمسك باللحظة الحالية.

وستقابلك في ثنايا الكتاب مربعات تذكيرية، تشير إلى هذه المبادئ الأساسية الستة، كما ستجد مربعات خاصة بالتطبيقات ؛ بها تدريبات عملية تشكل في مجموعها منهجية لتعليم الإيجابية ؛ وتساعدك على التصرف بشكل إيجابي في بيتك، وعملك، وعلاقاتك، والإقبال على الحياة، ومحاولة التغيير. وإذا جربت أن تمارس هذه التدريبات، فستكون على طريق عيش الحياة على نحو إيجابي بكل جوارحك!

والسقف الذي يعلو رأسك، ما يسمى بالمنزل (أو شقة أو غرفة) ، لكنه ليس بيتا؛ فمفهوم البيت له معنى أبعد من ذلك، خاصة عندما يتعلق الأمر بعيشنا إيجابيات الحاضر بكل جوارحنا، وفي شتى مناحي الحياة. إن بيتك - الذي قد يكون منزلاً كاملاً، أو شقة بالغة الصغر، أو مجرد غرفة نوم كذلك – هو مساحتك الشخصية، وهو انعكاس لما أنت عليه الآن، وما كنت

عليه من قبل، وما تأمل أن تكون عليه في المستقبل. وإذا كان بيتك يعج بالفوضى، أو القلق، أو السلبية، أو التعاسة، فإن هذه الجوانب السلبية ستحيط بك في كل لحظة؛ فكيف يمكن لبيتك أن يكون حيرا تتنفس فيه الصعداء – أو نطاقاً تتخلص فيه من ضغوط اليوم، أو ملاذاً يلهمك - إذا كنت ستواجه المزيد من الضغوط بمجرد أن تدخل من باب بيتك؟

فمن المهم أن تجعل بيتك مقرا لعيشك في إيجابيات اللحظة الحالية؛ حيث لا يستطيع رفاقك في البيت، من ذوي الطباع المضطربة (بأي صورة كانوا، على سبيل المثال: الأطفال الذين ينخرطون في نوبات الغضب، أو المراهقون ذوو المزاج المتقلب، أو الأشقاء دائمو الجدل، أو رفاق الغرفة المتوترون)، أن يعكروا حالة السلام الداخلي التي تنعم بها، وهناك بحر زاخر من المصادر - وكتب كاملة! - مخصصة لمهمة خلق بيئة مسالمة في البيت، لكن إذا كنت علىشاكلتي، فإنك محتاج إلى حلول تستطيع إنجازها بسرعة وبساطة؛ فمثلاً،

كيف يفترض بي أن أضيع عطلة كاملة من أجل تنظيم خزانة ملابسي؟ ومنمنا لديه حيز مخصص لممارسة تمرينات التأمل؟ ولأنني كنت أعمل على تأسيس حياة أستطيع أن أعيش في إيجابيات كل لحظة منها، فقد صادفت العديد من التكتيكات (غير المكلفة في الأغلب) التي أمكنها أن تحول البيت من مكان يعج بالفوضى والقلق إلى مكان للإلهام والاستراحة؛ لذلك سأبين في هذا الفصل نصائحي المتعلقة بالمسكن، بدءاً من اختيار الديكور الذي يهيئ نطاقا يتيح العيش بإيجابية داخله، حتى التقنيات التي ستساعدك على الاسترخاء، والسكينة، والتركيز التام في البيت، إضافة إلى التأقلم مع إزعاج رفاق المنزل؛ حيث يمكن لتغييرات طفيفة في البيت أن تحدث أثرا مدهشا (وإيجابيا!) في حياتك