لطالما كنت دارسا للسعادة والمغزى طيلة حياتي. وفي ذكرياتي المبكرة، كان أكثر ما يبهجني هو محاولة سبر أغوار ما يجعل الحياة سعيدة وذات قيمة
ومغزى. وقد كان هذا ما أدى بي إلى اختيار تخصصي ( رجل دين ثم مؤلف ومتحدث)، وللسعي لنيل شهاداتي (في علم النفس والاجتماع، والدراسات
الفلسفية)، ولتأليف الكتب، وللشروع في الأبحاث التي شغلت حياتي كشخص بالغ. لقد كان مسعى عقليا وعاطفيا؛ فقد أراد عقلي معرفة أسرار
السعادة، وأراد قلبي عيشها.

لعل الكثيرين منكم يعرفون كتابي الرابع The Five Secrets You Must Dis cover before You Die . كان هذا الكتاب مبنيا على
أساس شيء أدعوه مشروع المسن الحكيم، وفيه أطلب من الناس تحديد الشخص المسن الوحيد الذي عرفوه وقد عثر على السعادة وكان لديه ما
يعلمنا إياه . وبعد تلقي بضعة آلاف من المرشحين، أجرينا مقابلات مع ٢٥٠ شخصا تتراوح أعمارهم ما بين ٦٠ عاما إلى ١٠٢ عام، ويتمتعون بما يزيد
على ١٨ ألف عام من الخبرة الحياتية، والذين كان لديهم شيء واحد مشترك:
كان كل منهم يمثل أسعد شخص مسن بالنسبة لشخص ما.
لقد ساعدني كتاب The Five Secrets على تحديد أسرار السعادة الدائمة، المأخوذة من حياة هذه المجموعة الفريدة، وكانت الاستجابة للكتاب
إيجابية إلى حد بعيد، وفى الخطابات والرسائل الإلكترونية، كان الناس من كل مكان في العالم يخبرونني بأن الأسرار الخمسة كانت منطقية جدا
بالنسبة لهم‘ ولكنهم أخبروني بشيء أخر كذلك: معرفة الأسرار لم تكن كافية.؛ فقد قالوا فيما معناه: أعلم ما يدخل السرور إلى قلبي، ولكن من
الصعب تطبيقه.
وقد تبادر إلى ذهني على مر السنوات منذ أن نشر الكتاب أنه ربما كانت الأسرار الخمسة هي نصف السر فقط. فعندما أجريت المقابلات مع هؤلاء
الأشخاص السعداء، ركزت على ما كانوا يفعلونه لبلوغ السعادة، ولكنني بدأت لاحقا التفكير بشأن ما لم يفعلوه. لعل السبب كان وجود شيء آخر
يفعله السعداء بشكل مختلف. وبعد تفكير أعمق، أدركت أن الأشخاص الذين قابلتهم لم يبدوا مهووسين جدا بالعثور على السعادة، بل إن سعادتهم في
الواقع بدت كأنها منتج ثانوي لكيفية رؤيتهم للعالم، وليست نتيجة لأي مسعى محدد أو نتيجة ما يجري في حياتهم- لذا بزغ سؤال في ذهني: هل من
الضروري أن يكون نيل السعادة بهذه الصعوبة؟


وقد قررت في عام ٢٠١٥ أخذ إجازة مدتها ثمانية أشهر من عملي مؤلفا، ومتحديا، واستشاريا؛ لأنني كنت أشعر بأنني لم أسبر أغوار السعادة
الدائمة بشكل كامل بعد، وبعد مرور وقت قليل من إجازتي وبينما كنت أمشي في طريق كامينو دي سانتياجو، خطرت ببالي فكرة اللصوص الخمسة
للسعادة للمرة الأولى، ولقد كانت أشبه بهبة من عقلي اللاواعي، شيء كنت أعرفه بشكل ما منذ زمن بعيد، ولكنني دائما ما كنت أغفل عنه. لقد كان شيئا
أشبه بالدليل لحل أحجية كنت أحاول حلها منذ وقت طويل أو فيلما بوليسيا يظهر فيه دليل بسيط أخيرا فتعرف من هو الجاني. وكانت لحظة الاكتشاف
كما يلي: ربما السعادة هي حالتنا الطبيعية، ولكن توجد أنماط تفكير ذهنية ندعها تسلبنا سعادتنا.
وعلى مدار الأسابيع الاثني عشر التالية، وبعدما مشيت في طريق كامينو، وسافرت بعدها إلى وادي سيكرد فالي في بيرو‘ تفكرت في سؤال: من هؤلاء
اللصوص الذين يسلبون سعادتنا؟ وبدأت في تسميتهم واحدا تلو الآخر. ولا أدعي أنني كنت ملهتا بشكل خاص لمعرفة هؤلاء اللصوص الخمسة، ولكنني
أعتقد أني استخلصتهم من التقاليد المتنوعة التي درست السعادة.
ونظرا لكوني تلميذا دائما لكل من الثقافات الروحانية والفلسفية، إضافة إلى علم النفس، فقد كنت أعلم أن الإجابة عن هذا السؤال موجودة للعثور عليها
على الأرجح. فلعلم النفس والروحانية مهمة مشتركة شديدة الأهمية؛ فكلاهما يبحث عن الإجابة عن سؤال: كيف يجد البشر السعادة والمغزى في الحياة؟
وإنني ألجأ خلال هذا الكتاب إلى الثقافات الروحانية، إضافة إلى الدراسات العلمية لعلم النفس، لاكتشاف هوية هؤلاء اللصوص وكيف يمكننا التصدي
لهم. ويمكن العثور على كل اللصوص الذين أتحدث عنهم هنا في هذه التقاليد، على اختلاف أسمائهم. كان بالإمكان وجود ستة أو عشرة لصوص،
ولكنني استقررت في النهاية على الخمسة الذين بدوا لي أنهم أكبر السارقين لسعادتنا.
وعندما تأملت هؤلاء اللصوص، تفكرت في إمكانية انطباق الظاهرة ذاتها على المجتمع؛ فكما أعتقد أن الحالة الطبيعية لنا كأفراد هي السعادة، فإنني أعتقد
أيضا أن الطبيعة البشرية تتسم بالانسجام والتعاون. ورغم الاعتقاد الشائع بأن هذا عالم يأكل الناس فيه بعضهم بعضا، فإن الأبحاث الحديثة في الحياة
التطورية تشير إلى أن البشر ارتقوا وصاروا الجنس المهيمن على الكوكب بفضل الطبيعة التعاونية تحديدا؛ لذا فإن قدرتنا على التعاون بين عدد كبير
من الغرباء هو ما أتاح لنا غزو العالم، إن جاز التعبير.

بينما كنت أجوب العالم مدة أربعة عقود، كانت الغالبية العظمى من البشر الذين قابلتهم، في كثير من الثقافات المتنوعة عبر ست قارات، يبدون
كأشخاص صالحون وغاية في النزاهة. فلم إذن تكون أخبار المساء ممتلئة بأهوال لا يمكن تصورها، ولم نقفز من فوق الجرف نحو الكوارث البيئية بينما
من الواضح أنه توجد حاجة للتغيير؟
لعل اللصوص أنفسهم الذين يسرقون سعادتنا الشخصية كانوا يسرقون كذلك الانسجام المجتمعي. فما المجتمع في النهاية إلا حصيلة العوالم
الداخلية لنا، لكن بشكل أكبر، وهذا هو السبب وراء أن كل التغيير العالمي أو المجتمعي لا بد أن يبدأ في قلب كل منا.
سيبدو بعض اللصوص واضحين للغاية في البداية، ويجب أن يكونوا كذلك، وحقيقة معرفتك بأسمائهم تخبرك بأننا نشعر بوجودهم بالفعل، ولكن معرفة
من هم وطردهم من منزلك هما أمران مختلفان. إنني أعتزم أن أريك من هم هؤلاء اللصوص، وأساعدك على رؤية كيف يسلبوننا سعادتنا الفردية
والمجتمعية، وأمدك بالأساليب العملية لطردهم من حياتك.