إنني مؤمن بشدة بأن السعادة هي حالتنا الطبيعية، ولكن كيف نعرف السعادة؟ السعادة، الرضا، الشعور بالرفاهية، الإحساس بأن لحياة المرء
مغزى وهدفا - جميعها مفاهيم يفهمها الغالبية العظمى منا بشكل بديهي، ونحن ندركها حين نمر بها، وعندما يكون هناك شعور بأن الامور تسير على ما يرام. وعندما أستخدم كلمة السعادة ، فإنني أقصد شعورا عميقا

بالصواب في حياة المرء وشعورا بالرضا الداخلي عن الذات في هذا العالم .إنها بالتحديد ذاك الشعور بصواب الأمور التي أقول إنها طبيعية بالنسبة لنا،
وهي شيء يسرقه اللصوص منا. وكما ذكر في الصفحة الأولى من هذا الكتاب، فإحدى الطرق للتفكير بشأن

السعادة هي ألا نبحث عنها كثيرا؛ لأن علينا ألا نكون عائقا أمامها. لقد اعتدنا الظن أن علينا البحث، والاشتياق، والعمل لبلوغ السعادة لدرجة تجعل
من السهل نسيان أن الرضا الذي نبحث عنه موجود دائما، بانتظارنا للوصول إليه. والطبيعة معلم رائع في هذا الجانب، وهو السبب وراء أن كثيرا
من أوجه الحكمة والتقاليد الشعرية تطلب منا اتخاذ الطبيعة كنموذج يحتذى به، وتستمر الأبحاث في إظهار أنه عندما يحاط البشر بالطبيعة، خاصة
الأشجار والنباتات الأخرى، فإننا نكون أكثر سعادة وأقل توترا. ويوجد سبب لهذا؛ فيبدو لنا أن لدى الطبيعة السكينة الطبيعية التي نبحث عنها، فمعظم
عوالم الطبيعة تبدو أنها تعيش ببساطة، وهذا يذكرنا بأننا نمتلك هذا الأمر بداخلنا. ويقال إن "لاو تزو" قال: إن الطبيعة لا تستعجل، ورغم ذلك فكل
شيء يتحقق.

ويمكن العثور على فكرة أن الشعور الداخلي بالسعادة هو حالتنا الطبيعية فيالتقاليد الروحانية الشرقية والغربية، وسواء كنت تؤمن بالحقيقة الواقعية ببعض أو كل التقاليد الروحانية العظيمة أو لا تؤمن، فإنها مجتمعه تمثل
المسعى البشري المشترك لبلوغ السعادة عبر الآلاف من السنين. ولا أنوي هنا التأييد أو الترويج لأي منظور عقائدي معين، ولكن إظهار أن هذا الفكر العام
بأننا نتمتع بالسعادة في الأساس ليس فكرا جديدا. وتوضح لنا قصة نشأة الخلق هذا الأمر من خلال قصة آدم وحواء في الجنة. فبالنظر إلى الطريقة التي كثيرا ما رأى بها البشر الطبيعة على أنها

معلم لهم، فليس من المفاجئ أن إحدى أقدم القصص عن الخلق تذكر أن أول البشر كانا سعيدين ويعيشان في النعيم. كان بإمكان أول بشريين أن يفعلا أي شيء يريدانه في الجنة ما عدا الاكل من الشجرة. وبشكل مجازي، فالشجرة تمثل الجزء منا الذي يطلق الأحكام ويعاني مشقة الحياة بدلاً من تجربتها. وقبل أكلهما من الشجرة، كان هذان البشريان يستمتعان بذلك النعيم. وكانا، في الأساس، يعيشان متصلين بمصدر سعادتهما الطبيعي كالأشجار والنباتات. فأغراهما الشيطان بالأكل من الشجرة، فشعرا بالعار من فورهما واكتشفا

فجأة أنهما عاريان، فحاولا تغطية نفسيهما. وهكذا بدلاً من الشعور بأن لديهما كل ما كانا بحاجة إليه، شعرا فجأة أنهما بحاجة إلى شيء آخر لبلوغ السعادة. وعاقبهما الله تعالى على عصيان أوامره وأهبطهما إلى الأرض؟

بدلاً من التفكير في الفعل الحسي للعري، فالمعنى المجازي أقرب لأن يكون: من أخبركما بأن هناك ما أنتما بحاجة إليه؟ فأنتما، بعد كل شيء، في الجنة! فكر في هذه الصورة للحظة. نستخدم في الغرب مصطلح "ال جنة" للتعبير

عن مكان فيه كل شيء رائع. والتفكير المبدئي بالتعاسة، والشعور بأن لا شيء يسير كما ينبغي له، لا يأتي من أي تغيير في الظروف الخارجية، بل من التحول في المنظور الداخلي- فالجنة لم تتغير، ولكن المنظور الذي توى من خلاله الجنة هو ما سرق الشعور الطبيعي بالصواب.

لقد كانت الحصيلة الناجمة عن الأكل من الشجرة هي أن كتب على البشر المعاناة منذ تلك اللحظة . وللأسف، فكثير من الناس يفسر هذه القصة على
أن ما حدث كان عقابا رغم أنه ليس كذلك. وبانفصالنا الآن عن طبيعتنا الحقيقية، وهي السعادة، فإننا فقدنا الاتصال بسكينتنا الطبيعية وظللنا نبحث
عن السعادة منذ ذلك الحين، على النقيض من بقية مكونات الطبيعة. تستخدم كل من اليوجا والتأمل في الثقافات الشرقية لتهدئة العقل من أجل اكتشاف السكون الداخلي الموجود بالفعل، والكلمة السنسكريتية الأصلية لليوجا تعني حرفيا الاتصال أو الاتحاد . وعلى عكس فهمنا الحديث

للسعادة، فكلمة يوجا - والتي يبلغ عمرها قرابة 5 آلاف عام - لا تشير إلىالبحث، بل إلى الاتحاد مع ما هو بداخلنا بالفعل، ويعتبر الكثيرون من
الأشخاص المعاصرين اليوجا، بل وحتى التأمل من المهام المرهقة لبلوغ مقصدنا من السكينة بدلاً من كونها وسيلة لتصفية الذهن حتى يتسنى للمرء
إعادة اكتشاف السكينة العميقة التي هي من طبيعتنا في الأساس، ورغم أن المعاناة قائمة في العالم الخارجي، فالسكينة الداخلية التي نسعى لها موجودة
بداخلنا بالفعل؛ لذا عندما أقول إن السعادة ملكنا بطبيعة الحال، فهذا هو ما أعنيه. هناك اقتباس منتشر بشدة منسوب إلى جلال الدين الرومي، وهو شاعر

مشهور من القرن الثالث عشر ورجل دين وشخص زاهد، مفاده أن الإلهام الذي تبحث عنه موجود بداخلك في الأساس. اصمت وأنصت؛ وسترى مرارا
وتكرارا أن هذه الفكرة بشأن تجربة السكينة الداخلية والسعادة حاضرة بالفعل. ونحن نرى لمحات عن هذه السكينة الداخلية ليس في الطبيعة فحسب، ولكن

في تجاربنا أيضا، وابتسامة الرضيع الطبيعية هي أصدق رمز على هذه الحال الداخلية، وكذلك طريقة الرضيع في مد يديه بفضول للمس شيء أو
استكشاف العالم بدون إصدار الأحكام. وسنة النوم بكل لحظاتها العجيبة هي صورة أخرى للسكينة الداخلية التي نمتلكها بالفعل، وقد قارن الكثيرون في الثقافات الشرقية الشعور بالوحدانية

والسكينة اللذين نشعر بهما في أثناء النوم بحالتنا الطبيعية في أثناء الوعي. ومجد أشخاص مشهورون مثل "شكسبير" و "دي. إتش. لورانس" فضيلة
النوم. وكما يعلم جيدا من يصابون بالأرق بشكل دوري، فإن السلام الناتج عن الراحة يحدث عندما نصفي أذهاننا وندع النوم يأتي، بدلاً من بحثنا عنه،

وعلى غرار النوم، تتطلب السعادة منا ألا نكون عائقا في طريقها، وهذا هوالسبب في أننا نقول: إنه نائم كالطفل الصغير؛ فإننا نعلم بشكل ما أن الطفل يستريح في سكينة بشكل غريزي في وسط كل شيء، وهو نوم سرعان ما يقلقه البحث المتواصل.