اللص شخص يسرق ما هو مستحق لنا، ويدور هذا الكتاب حول اللصوص الذين نسمح لهم بأن يسرقوا منا السعادة التي هي حالتنا الطبيعية؛ لذا يجب
علينا ألا نبحث عن السعادة بقدر ما علينا ألا نقف عائقا أمامها، وهؤلاء اللصوص أنفسهم يسلبون منا الانسجام الذي نقدر على تحقيقه كمجتمع.وتحتل السعادة القدر الأكبر من الاهتمام اليوم، وتنتشر الكتب عن السعادة في كل مكان كما يبدو. وصار علم تحقيق السعادة مجالا تجاريا كبيرا،إضافة إلى موضوع الاستكشاف العلمي. وصارت الأبحاث العلمية الجامعية التي تسعى لاكتشاف كيفية تحقيق السعادة والحفاظ عليها من خلال الأبحاث السريرية، منتشرة في أماكن عريقة مثل جامعة هارفارد وجامعة ميتشيجان، ولقد كتبت باستفاضة عن السعادة، كما ألقيت المحاضرات عنها حول العالم- ورغم الاهتمام الكبير بالأمر‘ فإننا نعيش في عالم غارق في الكتب والمحاضرات عن السعادة، ولكن تحيط بنا التعاسة في كل مكان. هل يمكن أن البحث عن السعادة نفسه يحمل في طياته بذور التعاسة؟ إن فكرة الحاجة إلى البحث عن السعادة تحمل في جوهرها الاعتقاد أن السعادة والرضا ليسا حالتنا الطبيعية، وأننا يجب علينا بشكل ما الانطلاق في رحلة

بطولية لاستكشاف ما يجعلنا سعداء.

حتى تصنيف المرء سعيداً  أو تعيسا قد يكون فخا؛ فبتصنيفنا أنفسنا تعساء ، فإننا نخضع بالفعل للحكم الذي أصدرته حالنا الداخلية؛ لذا أشارت الأبحاث إلى أن تقييم المرء لسعادته بشكل مستمر قد يؤدي إلى المزيد من التعاسة، بالأخص إذا بدأنا التقييم ونحن نشعر بالتعاسة.

السعادة ليست في الأحداث

لقد اختيرت كلمة السعادة لهذا الكتاب مع بعض الارتياب، فللكلمة معان كثيرة لمختلف الناس، وتوجد كلمات أخرى كان بالإمكان اختيارها، كالرضا
أو السلام الداخلي أو الفضيلة أو القناعة أو المغزى أو الانسجام أو السرور . ورغم ذلك بدا أن السعادة هي الكلمة المناسبة، الكلمة التي ترمز لها
الثقافة الشعبية بشكل ما إلى أنها رغبتنا في الشعور بالصواب في الحياة. وليست مصادفة أن كلمة السعادة بالإنجليزية( happiness ) أشبه إلى
حد كبير بكلمة الأحداث ( happenings ). فلفظ السعادة في معظم اللغات الأوروبية - من الإغريقية حتى الإنجليزية - كان مرادفا في الأصل لكلمة hap (والتي تعني الحظ ). بمعنى آخر، إذا كنت محظوظا بما يكفي لتحدث لك أمور جيدة، كانت النتيجة هي الشعور بالسعادة.

وتماشيا مع أصل الكلمة، يعتقد الكثيرون منا أن السعادة مرتبطة مباشرة بالأحداث، رغم أننا نعلم أن هذا لا يفسر السبب وراء ظهور بعض الناس
سعداء بصرف النظر عما يحدث في حياتهم، بينما ينتاب آخرين شعور مزمن بالتعاسة حتى في ظل حدوث أمور جيدة كثيرة حولهم.كان لدى الإغريقيين القدماء مفهوم مختلف قليلاً عن السعادة، فكثيرا ما كان أرسطو يبدأ كلامه عن السعادة في العالم الغربي بتعريفها بأنها الهدف الأسمى في الحياة البشرية، والكلمة الإغريقية eudaimonia أقرب إلى عنى الازدهار البشري من كلمة السعادة في اللغة الإنجليزية -happness التي صيفت في العصور الوسطى- ورغم أن أرسطو اعترف بأنجزءا من ازدهار البشر يكون بسبب عناصر خارجية، كالصحة والثروة؛ فقد

قال إن السعادة تتعلق بشكل أكبر بعيش حياة فاضلة، كما طرح خصالاً معينة للشخصية التي تمثل الحالة الإنسانية الأكثر مثالية، كالشجاعة. ولم

تكن هذه الفضائل خصائص أخلاقية بقدر كونها أساليب حياة تسهل بلوغ السعادة. بمعنى آخر، قدم أرسطو فكرة أن السعادة مرتبطة بشكل ما
بمجموعة داخلية من الفضائل أو الخصال، وقد كان هذا بمثابة مقياس لتجربتنا ٠ وهكذا فإن فصل السعادة عن الأحداث أمر ضروري لتحقيق الرضا الدائم، فهذه هي السعادة التي يبحث عنها كل منا بالفعل - سعادة ليست مرتبطة مباشرة بما يجري في حياتنا لحظة بلحظة، ولكن تلك التي لها قيمة دائمة
قوية في حد ذاتها بصرف النظر عن الظروف الخارجية.