أمراض المناعة الذاتية

من المؤسف، أن ذلك المرض يستغرق عدة سنوات حتی يتم تشخيصه، يحدث خلالها أضراراً جسيمة كنتيجة حتمية لتأخر هذا التشخيص. وإذا نظرنا لكل مرض من أمراض المناعة الذاتية على حدة، فإن معظم تلك الأمراض ليس شائعاً جداً. وفوق كل هذا فإن أمراض المناعة في النساء خمس أضعافها في الرجال. وتختلف الأعراض أيضاًً فيما بينها (حتى في المرض الواحد) وتؤثر الأمراض المختلفة على أجزاء مختلفة من جسمك، ولهذا السبب فإن الأعراض في أغلب الأحيان لا تقودنا إلى تحديد المرض. وترتبط دائم خلايا ( T) والأجسام المضادة الموجهة توجيهاً خاطئاً بمعظم أمراض المناعة وهي:

* الأنسجة الضامة : الذئبة الحمراء والإلتهاب المفصلي الروماتويدي والتصلب الجهازي.

* الجهاز العصبي العضلي: التصلب المتعدد والوهن العضلي الشديد.

* جهاز الغدد الصماء : مرض جريفز أو مرض البول السكري: النوع رقم 1 منه (المعتمد على الأنسولين).

* الجهاز الهضمي: المرض المعوي الإلتهابي.

* الجلد: الصدفية أو البهاق.

هذه الحالات غير معدية ولا علاقة لها بالسرطان أو مرض الإيدز.                         ومعظم هذه الأمراض وراثي، والمرض المناعي يدهور الصحة العامة ويهدد حياة المريض ليس فقط من الناحية البدنية ولكن من الناحية العقلية أيضاً.                       وفي أغلب الحالات فإن قابليتك للإصابة بمرض من أمراض المناعة مع تقدم العمر.

ما الذي يؤدي إلى أمراض المناعة الذاتية؟

يحدث المرض المناعي عندما يصاب الجهاز المناعي فجأة بإنحراف عن وظيفته ويهاجم أنسجة الجسم. يفهم العلماء ذلك جيداً الآن ولكنهم مازالوا بعيدين عن معرفة السبب.

الجهاز المناعي للجسم مصمم على أساس حماية جسمك بأن ينتج أجسام مضادة أو يرسل خلايا T، وذلك إستجابة لإشارة تصدر إليه بحدوث غزو فيروسي            أو بكتيري. في الأحوال الطبيعية يستطيع جهاز المناعة التفريق بين خلاياه والكائنات الدقيقة المهاجمة من فيروسات أو بكتريا.                                                ولكن في بعض الأحيان يحدث خطأ من الجهاز المناعي فيهاجم خلايا الجسم التي من المفترض أنه يحميها. والطريقة التي يجب أن يحدث به هذا الإلتباس على جهاز المناعة لم تعرف تماماً حتى الآن.                                                                                   ولكن الأطباء يعتقدون أن الفيروسات  أو البكتريا أو السموم أو بعض الأدوية     قد تلعب دوراً في إحداث آلية المناعة عند بعض الأفراد الذين لديهم إستعداد وراثی (جینی) لحدوث ذلك الإضطراب.                                                              ويعتقد العلماء أن الإلتهاب الناشئ عن السموم أو مسببات المرض هو الذي يدفع بجهاز المناعة إلى هذا التصرف العكسي.

وفي بعض الحالات إتضح أن هناك إرتباط بين المرض المناعي وبعض الأحداث التي تمر على الإنسان. فعلى سبيل المثال وجد أن تسليط الإشعاع على رقاب الأطفال يرتبط فيما بعد بأمراض الغدة الدرقية. قد تسبب أمراض الغدة الدرقية المناعية إلتهاب (الغدة الدرقية المعقب للولادة) عند السيدات ذوات الإستعداد لذلك.

"رغم ان أمراض المناعة الذاتية تمثل بلاء مدمراً على الصعيدين البشري والإقتصادي إلا أنها تعد ضمن أقل الأمراض التي يمكن أن يواجهها البشر    اليوم حظاً من حيث الأبحاث التي أجريت من الأمراض صعوبة في تشخيصها

ومن أكثرها تسببا للآلام بدنياً ونفسياً.

 

وكذلك قد يمضي الحمل مخلفاًً وراءه أمراض الغدة الدرقية المناعية                (إلتهاب الغدة الدرقية عقب الولادة) في النساء القابلات لحدوثه. يتوقف وقوع بعض الأمراض المناعية وإختلاف أنواعها على الموقع الجغرافي، والنظام الغذائي قد يكون عاملاً آخر يتسبب في نشأتها. كذلك يوجد عنصر جيني في بعض هذه الأمراض.

هل الهرمونات هي السبب؟

لأن الأمراض المناعية تشكل خطورة عالية على النساء فإن بعض الخبراء يعتقدون أن لهرمونات المرأة دخل في نشأة الأمراض المناعية وأنها تلعب دوراً في ذلك. نشأة الأمراض المناعية (وشدة أعراضها) قد تكون مرتبطة بالتغيرات في مستويات الهرمونات.

تنتج الهرمونات بكميات كبيرة نسبياًً داخل الغدد الصماء ثم تضخ إلى تيار الدم (الدورة الدموية) لتمارس وظيفتها في الأماكن المختلفة من الجسم. مثلاً، الإسترادیول (وهو نوع من أنواع هرمون الإستروجين) ينتج بواسطة المبيضين ويؤثر على الخلايا العصبية والعظام والعضلات والتمثيل الغذائي (قابلية الجسم لإستغلال وإستخدام الغذاء) بصفة عامة. ويعتقد أن الهرمونات الجنسية الإستيرويدية (إستروجين وبروجيسترون تستوستيرون) هي التي تؤثر على الأعراض ودرجة نشاط بعض الأمراض المناعية، ولكن كيف تفعل ذلك ! فهو ما لم يتم إدراكه بالكامل.

تؤثر الهرمونات على وظائف خلايا المناعة وبصفة عامة فإنه يعتقد أن الأندروجين (مثل هرمون تستوستيرون) وبروجيسترون يثبطان ويحميان الخلايا المناعية وأن هرمون برولاكتين ينبه الخلايا المناعية، وإلإستروجين إما أن ينبهها وإما أن يهبط نشاطها.                                                                                                        وقد تبين بعد عمل مزرعة للخلايا المناعية أنالهرمونات الإستيرويدية لها تأثيرات متنوعة عليها. في الأنماط الحيوانية للخلايا المناعية تبدو التأثيرات الهرمونية ذات أشكال معقدة ونتائج مختلفة، ويعتمد ذلك على السلالة الحيوانية وخاصية المرض.

وبعد، فهناك الكثير من أوجه الارتباطات بين الهرمونات والخلايا المناعية التي لم تتضح تماماً حتى الآن. وتتغير الأعراض المصاحبة لبعض الأمراض المناعية مع الإنحرافات الطبيعية التي تنتاب هرمون الإستروجين والبروجيسترون مثل التي تحدث أثناء الدورة الشهرية والحمل وسن اليأس من المحيض.                                بعض الأمراض المناعية تنقض على المرأة في أوج شبابها ما بين سنوات العشرينات والثلاثينات عندما يكون هرمون الإستروجين في أعلى مستوياته.                     

والبعض الآخر يهاجم الفتاة فيما قبل سن البلوغ، عندما يكون هرمون الإستروجين في أدنى مستوياته. وخلال شهور الحمل عندما تصل مستويات هرمون الإستروجين لحدودها العليا تقترب النساء المريضات بمرض الروماتويد من حالة الشفاء الكامل. وعلى جانب آخر فإن 60 بالمائة من النساء المريضات بمرض الذئبة الحمراء الجهازية يجدن أنفسهن في وضع سيئ خلال تسعة أشهر من الحمل. (مازلنا حتى الآن نرى أن الحوامل المريضات بالذئبة الحمراء اللاتي      لا يعانين من نشاط المرض فهذا يبدو أنه حماية يوفرها الحمل نفسه).

وفضلا عن ذلك، تتفاوت سن حدوث الإصابة بين الأمراض المناعية المختلفة. فعلى سبيل المثال نرى أن الذئبة الحمراء الجهازية يحدث غالباً بعد سن البلوغ وخلال سنوات الخصوبة (من البلوغ حتى 35 سنة).                                                      في حين يبدأ مرض الالتهاب الروماتويدي في فترة متأخرة ويصل إلى قمة التوقع مع الدخول إلى سن اليأس من المحيض متواكب مع الإنحدار في مستويات هرمون الإستروجين.                                                                                                         وتتساوى معدلات الإصابة بمرض الروماتويد بين الرجال والنساء فيما حول سن اليأس من المحيض، مما يوحي أن عمر الإنسان هو أكثر حرجة وتأثيراً من التغيرات الهرمونية.

 

هل تنتشر الأمراض المناعية بين العائلات؟

 يبدو أيضاً أن الأمراض المناعية تتأثر بالعناصر الجينية. فبعض العائلات لديها الإستعداد للأمراض المناعية ويحمل أفرادها جسماً مضاداً مشتركاً يرتبط تقليدياً بأمراض الروماتيزم المناعية مثل الذئبة الحمراء.                                                                                وهذا الجسم المضاد يسمى (الجسم المضاد للدهنيات الفوسفاتية أو الفوسفوليبيدات) ويمت بصلة إلى رتبة من الأجسام المضادة تسمى "الأجسام المضادة الذاتية"( Auto - antibodies )، وهي عبارة عن بروتينات ينتجها الجسم لمهاجمة نفسه بدلاً من مهاجمة الغزو الخارجي عليه من الجراثيم.                   وفي الغالب تتواجد الأجسام المضادة الذاتية في النساء المصابات بالأمراض المناعية (أي أمراض المناعة الذاتية).

ولكن الإستعداد الجيني (الوراثي) وحده لا يسبب أمراض المناعة، هناك أسباب لابد من توافرها معه جنباً إلى جنب حتى يحدث المرض المناعي.                        الأمراض المناعية المختلفة قد تتجمع في عائلات معينة. فمثلاً قد تكون الجدة مصابة بالروماتويد والإبنة بالسكر والحفيدة بالذئبة.

إن الأمر في حقيقته هو أكثر من مجرد جين واحد مهیمن للإصابة بالمرض المناعي، فهناك قابلية أكثر لوجود جينات منفصلة أو لها علاقة متبادلة للإصابة بالإضطرابات المناعية المختلفة.

إن الكشف عن جينات الذئبة يدعونا إلى بحث جدید وتفكير عميق في الأسباب التي تدعو بعض الناس إلى إكتساب هذه الأمراض، إلى جانب ما يقدمه من عون إلى الباحثين عن طرق أحدث للعلاج ولمنع الأمراض المناعية.

هناك أكثر من جين يُمكننا من تقدير قابلية الأشخاص للإصابة بالأمراض المناعية مثل روماتويد المفاصل، ومرض السكر النوع رقم 1 ومرض الذئبة ، وهكذا تتفاعل الجينات مع بعضها ومع المثيرات التي تأتيها من البيئة حولها          (مثل الفيروسات أو ضوء الشمس) لتسبب الأمراض المناعية.

هل يمكن أن تصابي بأحد أمراض المناعة؟

في حين أنه لا يمكن أن "تلتقطی" مباشرة مرضاً مناعياً، إلا أن بعض العلماء يعتقدون أنه لابد من شيء آخر خارج جسمك (عدوى ، على سبيل المثال) قد يطلق شرارة المرض. وعلى سبيل المثال فإن الميكروب السبحي الذي يصيب الحلق يرتبط تماماً بالحمى الروماتيزمية (أحد الأمراض المناعية).                          

إحصلي على تشخيص جيد

 کمجموعة من الأمراض يمكن إعتبار الأمراض المناعية من أقل الأمراض والعلل فهماً وتعرف عليها. ومن المحزن أن هناك عدداً من النساء أكثر مما يتصور غير معروفين لسوء تشخيص حالاتهم لعدة سنوات ويرجع ذلك إلى أن الأعراض مبهمة وغير خاصة بمرض واحد.

إن المشكلة الحقيقية في عدم الوصول إلى تشخيص محدد هي أن الأطباء في أيامنا هذه ليس لديهم وقت كافٍ للإستماع إلى وصف المريض للأعراض التي تحدث له. مع أن شرح الأعراض وشكوى المريض هي الوسيلة الوحيدة لتشخيص أمراض المناعة ، وذلك وفقاًً لما أكده الخبراء. بالإضافة إلى أن الفحوص والإختبارات التشخيصية لا يمكن الإعتماد عليها تماماً.

ولهذا السبب فإن العديد من المصابين بأنواع خفيفة من أمراض المناعة قد لا تتطابق أعراضها تماماً مع الوصف المميز لمرض معين، وبناء عليه فإن إكتشاف التشخيص الحقيقي للمرض قد يستغرق وقتاً طويلاً.

غير رسمي

إن أكثر من 10% من النساء اللاتي يتم تشخيص حالتهن كمرض من أمراض المناعة الذاتية قد قيل لهن قبلها أنهن يعانين حالة من حالات الشكوى المزمنة

أو الوسوسة وذلك قبل أن يتم التشخيص الصحيح لهن.

 

 

تنحصر المناعة في الأوساط الطبية في كونها مجرد "مظلة" تقبع تحتها نوعية              أو نمط من الأمراض. فالأطباء لا يركزون على أمراض المناعة بشكل جيد،         لأن المشكلة تتداخل بشكل عابر في كثير من التخصصات الطبية (مثل تخصص أمراض القلب أو الأمراض الجلدية)، التي عادة ما تركز على ما يخص فرعها من

الأمراض.

وحتى لو كان بعض الأطباء يفهمون في أمراض المناعة فإن مرضاهم غالباً من النساء  يعانون من السلسلة الطويلة من الأبحاث المختلفة.                                                ولا يدرك الكثير من الأطباء أن مرض المناعة يسري بين العائلات كمجموعات. ومثال على ذلك نجد أن الأم في بعض العائلات مريضة بالذئبة، وإبنتها بمرض السكر، وأختها بمرض جريف، وجدتهم بالروماتويد المفصلي.

لا يعاني المرضى فقط من مجرد أن الأطباء لم يفكروا في أمراض المناعة، ولكن من عدم التفكير في نوعية أو عمر المرضی؛ النساء في سنوات الخصوبة والحمل. وكقاعدة عامة فإن تلك هي السن التي يجب أن يبدو فيها النساء بصحة جيدة (على الأقل من الظاهر) ولهذا، فغالباً ما نجد المرأة التي تشعر بالإعياء ونقص الوزن وبأنها ليست على يرام -من أعراض أمراض المناعة الكامنة في الجسم-          لا تؤخذ تلك الشكوى منها بجدية عندما تذهب إلى الطبيب لإستشارته.            وتزداد عملية التشخيص صعوبة خاصة وأن الإعياء ونقص الوزن والشعور الداخلي بعدم الإرتياح هي في نفس الوقت من أعراض الحمل ونزلة البرد والحساسية والإنفعالات النفسية العاطفية والكثير من العلل والأمراض الأخرى والأكثر من ذلك أن الأعراض تكون مبهمة في أول الأمر وأنها لا تستقر على حال، تروح وتجيء، وأن السيدة تجد صعوبة في وصفها على وجه التحديد لطبيبها. والنساء المرضى بأمراض المناعة عادة ما ينتقلن من أخصائي لآخر تحت وطأة إجراء شحنة كاملة من الإختبارات والإجراءات قبل الحصول على تشخيص حقيقي. وفي بعض الأحيان تأخذ هذه العملية عدة سنوات.

والمأساة أن كثيرات من هؤلاء النساء اللاتي أخطأ تشخيصهن يظللن يعانين من أضرار جوهرية داخل أعضائهن خلال رحلة البحث الطويلة عن تشخيص وتكون النهاية أنهن يحملن معهن هذه الأعباء الصحية إلى الأبد بسبب هذا التأخير.

إن الكشف المبكر عن هذه الأمراض لا يمنع فقط المضاعفات الجوهرية والمشاكل الصحية المزمنة ولكن قد يحمي من بعض الأمراض المناعية.

وبسبب صعوبة تشخيص أغلب الأمراض المناعية، ولأن النساء يُبدين بصحة جيدة، فمن الواجب عليكِ التعاون مع طبيبكِ من أجل الحصول على التشخيص الصحيح، وإليك ما يجب عمله :

* إقرئي قدر ما إستطعت عن الأمراض المناعية.

* تعرفي على تاريخ أسرتك المرضي.

* إذا كان لدى أسرتكِ مرض مناعي أو أكثر فأخبري طبيبك بذلك.

* صنفي وحددي معنی کل عرض من الأعراض.

* تخيري طبيباً ذا مهارة في التشخيص وسمعة طيبة في الإصغاء إلى المريض.