لقد صرفنا الكثير من الوقت والتفكير والعمل في بناء مجتمعاتنا ببيوتها المقدسة وسكنها الحديدية ومطاراتها ومسارحها ومكتباتها ومصانعها وموانيها. وتبدو كل هذه المنشآت عتيدة صامدة، حتى إننا لنشعر أنها سوف تبقى إلى الأبد. ومن المستحيل علينا أن نفكر في أن تلك الأعلام قد يأتي عليها يوم تكون فيه مدفونة تحت الأرض، وأن رجال المستقبل قد يبنون عالما مختلفا فوق بقايا عالمنا.

ومن المحتمل جدا أن يكون هذا الشعور ذاته قد ساور الشباب الذي عاش في وادي نهر النيل في مصر القديمة منذ أكثر من ۳۰۰۰ عام مضت. فمن المحتمل أنهم كانوا يعتقدون أنه لا يمكن إطلاقا أن يخبو مجد ملوكهم ويُنسى، كما أنه لا يمكن أبدا أن تدفن معابدهم وقصورهم وتفقد في الرمال.

كان المصريون القدماء شعبا نبيلا معتد بنفسه، وكان من بينهم مهندسون معماريون وميكانيكيون وفنانون عظماء. وعاش ملوكهم في أبهة من الذهب والجواهر لا نجد لها مثيلا في عالمنا الحاضر. وانقرض هذا الشعب القديم، وتلاشى من بقي منه في جنس أجنبي من الغزاة. وبقي فقط أعظم آثاره وأقواها بناء، أغلبها أطلال، بقيت للمؤرخين ليحلوا طلاسمها، وللسياح لتثير العجب فيهم.

لم يقنع رجل العصور الحديثة بمجرد النظر إلى الأهرام العظيمة القائمة بالقرب من القاهرة، والتي لم يمكن للرمال التي ظلت تهبة عليها آلاف السنين أن تبليها أو تغمرها، وأن يقول في بساطة: «حسنا حسنا! إني لأتساءل عن الغرض الذي من أجله أقيمت هذه الأشياء العظيمة؟ ومن تظن ذلك الذي يقيم بناء مثل هذا هنا في الصحراء؟ أظن أننا سوف لا نعرف ذلك على الإطلاق!».

لقد جمعت قصة هذا الجنس القديم والعظيم تدريجيًا على مر السنين؛ فوجدت بعض أجزائها في السجلات القديمة، وفي ترجمة النقوش المحفورة على الأحجار والمباني المهدمة، وحتى على قطع الورق المصنوعة من النباتات المائية، في تلك الوثائق كتب المصريون أنفسهم عن عادات وتقاليد شعبهم وملوكهم.

وبدأ الناس، بمر السنين، يدركون أن دراسة حياة الشعوب القديمة وتواريخها ربما تساعدنا في المحافظة على مدنيتنا من الاندثار، كما حدث لجميع الحضارات الأخرى، فبدأت دراسة أكثر عمقا، إلا أن الطريق إلى العصور التي ولت طريق مظلم وعر.

فلنستمع إلى قصة مغامرة مثيرة لأحد الرجال في كان جورج هربرت الخامس إيرل لكارنارفون، مغرماً بالبحث عن الآثار القديمة، وكان دائما ولوعا بعلم الآثار.

وبحلول عام 1906 كان قد استقر به المقام في مصر حيث يمكنه تحقيق رغبته. وعلى بعد ۸۰۰ كيلومتر تقريبا من القاهرة إلى أعلى نهر النيل العظيم تربض بقايا إحدى المدن القديمة العظيمة نصف مدفونة في واد جبلى من الصخور الحمراء والرمال الذهبية، تسطع عليها أشعة الشمس المحرقة.

تلك هي مدينة طيبة، عاصمة مصر في عصرها الذهبي. ولقد أزيلت الرمال والأوساخ عن معابد الكرنك والأقصر العظيمة، تلك المدينة القائمة على أنقاض طيبة القديمة، أزيلت الرمال من عليها منذ زمن بعيد ليقف أمامها العالم مأخوذة مذهولا. إلا أن مدافن طيبة القديمة كانت حتى مستهل القرن العشرين تطوي أسراراً لم يكشف عنها الستار.

ولقد تراكمت المعرفة تدريجيا خلال الأعوام المائة والحسمين الماضية حتى أصبح معروفا أن أهم مدافن طيبة يقع غرب النيل على بعد مسافة من مدينة الأقصر، كما أنه أصبح معروفا أيضا أنه عند موت أحد ملوك مصر، أو فراعنتها، كانت ممتلكاته جميعها تدفن معه.

ولقد كان بعض المستكشفين للمنطقة التي تحيط بطيبة، سعداء الحظ بتحديدهم للمدافن القديمة. فتم تحديد ۲۸ مقبرة من مقابر الفراعنة الواقعة في وأدى الملوك، والتي يبلغ عددها ۳۰ مقبرة أو تزيد، كما تم الكشف عنها، ووجد فيها موميات وتوابيت حجرية عظيمة وأوان فخارية وغير ذلك من الأشياء، ووجد أن لصوصا كانوا قد اقتحموا جميع القبور الملكية بدون استثناء، وجردوها من أغلب الكنوز القيمة.

وكان اللورد كارنارفون ومساعده العالم الأثري هوارد كارتر يعلمان أن قبر الملك الذي كان يعيش منذ ۳۳۰۰ سنة تقريبا لم يكشف بعد. وعقد كارنارفون العزم على التركيز على محاولة العثور على فرعون المفقود. وكان هناك أمل ضعيف في أن اللصوص لم يصلوا إلى قبره، حيث إن علماء الآثار المستكشفين لم يتمكنوا من العثور عليه.

 كان هذا الملك شخصية غامضة لم يذكر لنا التاريخ عنه إلا القليل، وحتى اسمه، الذي نعرف الآن أنه كان توت عنخ آمون، لم يكن مؤكداً تماما عندما | بدأ اللورد كارنارفون وهوارد كارتر البحث عنه. وكان معروفا أنه مات شابًا، | وكان المعتقد أنه لم ينحدر من سلالة ملكية، إنما أصبح ملكا بزواجه من صغري كريمات الفرعون العظيم آخ إن آتن، ولكن أين دفن توت عنخ آمون؟

كان هوارد كارتر قد عمل من قبل مع عالم أثري أمريكي منحته الحكومة المصرية حق الحفر في وادي الملوك. ووجد في أثناء سيره في العمل وقتئذ بضعةأشياء عليها اسم توت عنخ آمون، كان بعضها في قبر صغير في مكان مهمل من الوادي.. وادعى مستر ثيودور دافيز الأمريكي أنه وجد قبر توت عنخ آمون، لكن بدون ملك داخله، وأنه قد نهب مثل القبور الأخرى.

وكان هوارد كارتر أوفر علما، فلقد كان واثقا من أن القبر الذي وجده المستر دائيز لم يكن قبراً ملكيّا؛ إذ لا يمكن أن يدفن أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة في قبر وضيع مثل ذلك، وأوحى اكتشاف بعض الأواني الفخارية المحتوية على المواد التي استخدمت في أثناء جنازة توت عنخ آمون إلى كارتر بأن القبر الحقيقي لهذا الملك لا يمكن أن يكون بعيداً عن تلك المنطقة.

لنلق بنظرة على وأدى الملوك لنرى مقدار العمل المثبط الذي أخذه كارتر على عاتقه. فإذا وقفت عند مدخل الوادي ترى أمامك حائطا صخرا كبيراً ترتفع فوقه قمة تعرف «بالقرن»، وينحدر من سفح الحاجز الصخري إلى قاع الوادي قطع الأطلال المتناثرة، والصخور، والتراب. ونجد في بعض المنحدرات فتحات بنيت بالأحجار، هي التي عثر عندها على القبور ونقب عنها، وألقيت الأتربة التي نتجت عن الحفر في قاع الوادي.

ولقد أدرك هوارد كارتر أن إزالة الأطلال والوصول إلى القاع الصخري الذي يجب أن يكون قد بنى فيه القبر، هذا إذا كان له وجود في هذه المنطقة على الإطلاق، أدرك أن ذلك يتطلب من الوقت السنين ومن الرجال المئات.

ترى هل كان هناك دليل يرجح احتمال وجوده في بقعة عن الأخرى، نعم لقد ظهر هذا الدليل لعين كارتر المدربة الخبيرة.

فلقد كشف الحفر طوال الموسم عن مجموعة من الأكواخ البدائية تحت المدخل المؤدي لقبر رمسيس السادس الذي اكتشف من زمن بعيد. وفي مثل تلك الأكواخ كان العمال القدماء الذي بنوا القبور في الوادي يعيشون من آلاف السنين. ولقد أقيمت تلك الأكواخ على كومة كبيرة من صخور الصوان.

وكان كارتر يعرف من خبرته أن وجود تلك الصخور يعني في الغالب وجود قبر غير بعيد. ولسوء الحظ كان الحفر في المنقطة المجاورة لتلك الصخور يقطع الطريق إلى قبر رمسيس السادس، ولقد كان لهذا القبر شهرته لدى زوار مصر. وعلى ذلك قرر كارتر الانتظار حتى ينتهي موسم السياحة، وتأجل العمل في الموقع حتى شهر أكتوبر عام ۱۹۲۲.

وبحلول اليوم الثالث من نوفمبر كان عدد من أكواخ العمان القدماء قد أزيل، ولقد كانت جميعها متشابهة إلى حد كبير فاحتفظ بعدد كاف منها للإبقاء على علاقتها التاريخية بقبر رمسيس. وكان تحت البقعة التي أقيمت. عليها الأكواخ طبقة من التربة يبلغ سمكها ۹۰ سنتيمتراً يليها القاع الصخري. وهنا بدأ العمل الشاق في إزالة تلك التربة الحافة المتربة.

وعندما وصل هوارد كارتر إلى الموقع في الرابع من نوفمبر جال ببصره فيا حوله يساوره شعور بالقلق؛ لقد كان في الأمر شيء، فبدلا من صلصلة الفؤوس والحواريف ورنينها وجلبة العمال المعتادة، كانت شمس مصر تسطع على سكون تام، إن أمراً قد حدث، نرى ماذا وقع؟ أهو أمر طيب؟ أم سيئ؟ لقد اعتاد كارتر وقوع السيئ من الأمور، وكان ما توقعه.

نفحص كارتر وجه رئيس العمال، وهو على استعداد لتقبل أسوأ الأمور، وكان قد تقدم للتحدث معه. ولكن بدا له ما سمعه طيبا جدا بحيث يستبعد أن يكون حقيقة، فلقد على، أن العمال الذين كانوا يحفرون في ذلك الصباح بالذات، تحت موقع أول كوخ قديم كان عليهم هدمه، صادفوا ما بدا لهم أنه درجة سلم نحتت في القاع الصخري للوادي.

وهذا لا يمكن أن يكون حديث الصنع، إذ أن الأكواخ التي كانوا قد أزالوها من فوره، من الطبقة الى كانت تعلو ذلك الكوخ ظلت قائمة في مكانها منذ وفاة رمسيس السادس، أي منذ أكثر من 3000 عام. فعلل كارتر نفسه بأمنية عثوره أخيراً على شيء ما بعد كل تلك السنين من البحث.

وعمل رجاله يومين في إظهار تلك البقعة متتبعين حدود الدرجة حتى ظهرت في حكومة الصخور الجوانب الأربعة لشيء كان واضحا أنه طريق مدرج، ولا يمكن أن يكون هناك أدنى شك في أن ما كشف عنه هو مدخل قبر! نعم ولكن كم من مرة تصبب الحفارون المتحمسون عرقا في الكشف عن القبور، ليجدوا أنها لم تكمل أو لم تستعمل على الإطلاق!

واستمر العمل في الحفر حتى تم الكشف عن 16 درجة هابطة في ممر يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار واتساعه ۱۸۰ سنتيمتراً، وحبس هوارد كارتر أنفاسه وهو يراقب عملية فتح الممر، أما ما قاله عندما رأى الجزء العلوي من المدخل محكم الإغلاق بالمصيص والحجر، فلم يسجل. لقد وجد أخيراً بعد سنين من خيبة الأمل قبراً حقيقيا. نعم وجد قبراً، لكن لمن؟ لقد كان هناك سبيل واحد المعرفة ذلك.

عندما كانت تغلق معظم قبور طيبة، كانت تختم بخاتمين، ولقد كان أحد الخاتمين الموجودين، على جميع القبور في المدافن الملكية دليلا على وجود شخص هام جدا، أما الخاتم الآخر فكان الخاتم الشخصي لفرعون المدفون داخل القبر. وبحث كارتر عن اسم ملكي في الأبواب التي كشف عنها، فوجد النوع الأول من الأختام فقط.

على أنه رأي في أثناء فحصه للجبس القديم في قمة الباب حيث سقط بعض الملاط، قطعة من الخشب الثقيل. والظاهر أنها كانت العتبة العليا اللباب، وهنا سنحت له الفرصة لرؤية ما يوجد خلف ذلك الباب.

كان قلب كارتر يدق بعنف في أثناء ما كان يثقب ثقبا في الملاط أسفل العتبة الخشبية حيث يمكنه توجيه حزمة ضوئية من مصباحه اليدوي. وتجرأ كارتر بعد عناء على متابعة الضوء بعينيه لكنه لم ير شيئا في الداخل، نعم لا شيء سوى الحجارة والزلط. إلا أن هذا اللاشئ بالذات قد يعني كل شيء! فربما كان يعني أنه قد بذلت العناية القصوى في جعل دخول القبر أمراً صعبا.

فلو لم يكن هناك شيء مخبأ خلف الباب ما تكبد أحد مشقة ملء الممر من الأرضية إلى السقف بالأحجار ثم إغلاق الباب الذي يؤدي إليه.

حينئذ عرف كارتر أنه يحتمل أن يكون قد قام بأم اكتشاف عمل في مصر، فكان واضحا أن ذلك القبر كان قبراً هانّا، وأنه لم يتعرض لهجوم اللصوص لمدة ۳۰۰۰ عام على الأقل.

لكن ماذا عن القبر ذاته؟ 

لقد كان فتحة صغيرة حقيرة، بالمقارنة بقبور الفراعنة التي اكتشفت فعلا في الوادي. ربما لم يكن قبراً ملكيا على الإطلاق، بل قبر نبيل من النبلاء دفن في الوادي بموافقة الملك. عاد كارتر إلى الباب ثانية وبحث مرة أخرى عن الأختام المحققة له، وشمل بحثه كل بقعة حتى أسفل مكان وصل إليه الحفر لكنه لم يجد شيئاً.

ماذا كان عليه أن يفعل؟ لقد بدأ الظلام يخيم على المكان، ولم يكن من الممكن الانتهاء من تنظيف ما حول الباب في تلك الليلة. كما لم يكن في إمكانه ثرك ما أخرجه من الظلمات إلى النور مكشوفا، فعمل على سد الثقب الذي ثقبه تحت العتبة العليا للباب وهو متأفف، وكان لا يوجد حوله أحد غير العمال الوطنيين، ثم أصدر أوامره بإرجاع كل شيء إلى مكانه.

وذهب كارتر إلى منزله في ضوء القمر الخافت المخيف ليأخذ قسطه من الراحة والنوم بعد أن اختار أكثر رجاله أمانة ليحرسوا الموقع في أثناء الليل.

ولم يكن ذلك بالعمل الهين، فقد كان لديه الكثير من الأمور التي تستدعى التفكير فيها؛ إذ لم يكن في مكانه عمل شيء انتر مما فعله حتى يصل الورد كارنارفون من إنجلترا، وعلى كل حال، فكرنارفون كل المتكفل بالبعثة. وكان من حقه حضور فتح القبر.

ظل كارتر قلقاً طوال ليلته يتقلب في فراشه ثم يقطع أرض حجرته ذهاباً وجيئة، فكان يدرك أنه يجب عليه الانتظار. وفي الصباح أبرق برسالة إلى كارنارفون وعاد إلى الوادي حيث انقطع لعمل شاق ومضن، وهو ردم موقع الحفر الجديد والمنبر وتسوية أرضه كلها، حتى إنه بحلول مساء السادس من نوفمبر كان من المستحيل على أي زائر ملاحظة أن المكان قد حفر من قبل على الإطلاق، إلا أن الأخبار كانت قد انتشرت، فبدأ كارتر يتلقى برقيات التهاني وخطابات تثير الشك حول قيمة استكشافه وعروضا للمساعدة من جميع أنحاء العالم وفي الفترة التي انقضت قبل أن يتمكن لورد كارنارفون من الوصول إلى مصر وكانت قد زادت على أسبوعين، عين كارتر مجموعة من المساعدين المهرة للمعاونة في الكشف عن القبر.

أما عن القبر ذاته فقد بقي كما كان منذ ۳۰ قرنا حافظا لسره الذي كان لا يزال خافيا، كمجموعة ورق اللعب المقلوبة التي يحتمل أن تكون الورقة المسحوبة منها «آس» أو «جوكر»، كما كان كارتر يعلم تمام العلم.

وفي الثالث والعشرين من نوفمبر بدأت عملية إعادة فتح مدخل القبر ثانية، إذ أن اللورد كارنارفون كان قد وصل إلى الأقصر هو وابنته الليدي إفلين هربرت عبر النيل من وادي الملوك. وبحلول عصر ذلك اليوم كان المدخل قد كشف عنه مرة أخرى، ولكن الحفر وصل حتى القاع في هذه المرة. وأجرى البحث مرة أخرى عن الأختام، لكنهم تمكنوا في هذه المرة من معرفة اسم توت عنخ آمون في أماكن عديدة. وللمرة الأولى سمح كارتر لنفسه بالتعلل بأنه وجد ضالته.

ومهما يكن من شيء فقد ظلت بعض الاحتمالات غير السارة باقية.  فأولا: بدراسة الباب المحكم الإغلاق تبين لهم أن فتحة تسمح بمرور جسم رجل كانت قد عملت في تاريخ سابق قد يكون في حدود 100 عام من تاريخ الدفن، ثم أحكم إغلاقها ثانية. إلا أن كونها أحكمت الإغلاق والختم، هذه الحقيقة بالذات، تعني أن بعض الأصناف القيمة كانت لا تزال باقية داخل القبر.

 كما كانت هناك حقيقة أخرى محيرة وغير مشجعة، فلقد كان ضمن القمامة التي وجدت على طريق السلم الذي يؤدي إلى الباب بعض أجزاء من أوان فخارية، وصناديق، وأشياء أخرى عليها أسماء نصف «دستة» من الملوك، وظن كارتر أنه من المحتمل أن هذا يعني أن ما عثر عليه كان مخزنا أكثر منه قبراً، مخزنا حفظت فيه ممتلكات فراعنة عديدة، وربما كان ذلك في عهد توت عنخ آمون، وإذا كان ذلك صحيحا، فمن غير المحتمل بالطبع وجود جان توت عنخ آمون خلف الباب المحكم الإغلاق.

وبحلول الخامس والعشرين من نوفمبر كانت آمال «كارتر» قد ذهبت معة الريح؛ فني صباح ذلك اليوم صورت الأختام وأزيح الباب المغلق أخيراً، وعندئذ  تمكن الحفارون من رؤية ممر هابط بدون درجات، وكان الممر

- كما لاحظ كارتر من خلال الثقب - مملوءة بالأحجار والزلط من الأرضية إلى السقف.  وشاهد أعضاء البعثة شيئا آخر، لقد كانت هناك علامات تدل على أن كارتر لم يكن أول من نفذ في ظلمة القبر الغامض الذي يقع في نهاية الممر.

 فلقد حفر أحد الأشخاص، في قديم الزمان حفرة في الأطلال الكائنة تحت السقف في الجانب الأيسر العلوي للممر. وفي أثناء خروجه ثانية ملأ الحفرة وحاول - بدون أن ينجح - في جعلها تظهر كما لو لم يطرقها أحد. هكذا كان الأمر، قبله كارتر أو رفضه. لقد نهبت البقعة كما حدث للأخريات، ماذا، إذن، يمكن أن يتوقع؟

راقب كارتر عملية إخلال الممر في أثناء مساعدته لعماله طوال ذلك اليوم إلى منتصف عصر اليوم التالى. لقد كان العمل يسير ببطء، إذ كان عليه أن يفحص محتويات كل سلة أو عربة تخرج من الممر عساه أن يعثر على ما ينم على شيء. وفي النهاية ظهرت حدود باب آخر يماثل تماما الباب الخارجي.

ومرة أخرى سرت في كارتر رجفة الإثارة. فربما يكشف الباب عند فتحه - لأول مرة في التاريخ الحديث - عن تفاصيل أبهر فترة في عظمة مصر وأقلها في المعلومات المعروفة عنها.

كان من الصعب على هوارد كارتر أن يصدق بعد ما لاقاه من خيبة الأمل مراراً كثيرة، أنه ربما يكون حقيقة واقفا أمام الباب المؤدي إلى عالم آخر. خيل إليه أن العمال كانوا بطيئين بطئا غير معتاد في التنظيف حول الباب الثاني.

وعندما خلص الباب بأكمله، في النهاية، ورآه أمامه لا يعوقه عائق، بدت له الخطوة التالية أعظم من أن يقوم بها. فربما تمخضت كل هذه التحضيرات عن لا شيء! وتوجه بنظره نحو لورد كارنارفون الذي لم يعتر تعابير وجهه أي تغيير.

وتقدم كارتر من الباب، وثقب ثقبا صغيراً في الركن الأيسر العلوي اللباب، مستخدما مطرقة وإزميلا أمسكهما بيدين مرتعشتين. وسمع صدى صلصلة الطرقات في الغرفة المنحوتة تحت الأرض، تلك الغرفة التي لم يسمع فيها صوت منذ ۳۰۰۰ عام.

وعند ما نفذ الثقب إلى نهاية الجدار رفع كارتر قضيبا طويلا من الحديد، ودفعه ببطء إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه في الظلام فلم يلمس شيئاً، وهذا يعنى أن الغرفة الواقعة خلف الباب، على الأقل، لم تملأ بالأتربة والحجارة كما ملئت الممرات المؤدية لها. وعندما أمسك بشمعة مضاءة في التيار ارتعش لهب الشمعة وتراقص لكنه لم ينطي، مما يدل على أن الهواء الكائن في الغرفة المغلقة كان صالحا للتنفس على الأقل.

ووسع كارتر الثقب حتى أمكنه إدخال ذراعه فيه، وكان لا يزال ممسكا بالشمعة، لكن لهب الشمعة الذي ظل يتراقص، لم يمكنه من الرؤية عندما حني رأسه لينظر من خلال الثقب إلى جانب ذراعه. وعندما تعودت عيناه الضوء، رأى - في غير وضوح أول الأمر، ثم أكثر وضوحا بعد ذلك - ما لم يره إنسان في العصور الحديثة مطلقا. هل كان وميض الشمعة هو الذي جعل كل شيء يبدو ذهبا براقا؟ لا! إنه كان ذهبا فعلا.

كان الذهب في كل مكان، وحوش عجيبة من الذهب! وتماثيل وصناديق مدهبة! وقطع أثات ذات أشكال غريبة وجميلة تتألق بالذهب ويضفي عليها العاج والمرمر ظلا هادئا! انحبست الكلمات في حلق كارتر، ووقف لا حراك به لحظة من الزمن، ووقف الآخرون وراءه في الممر حابسين أنفاسهم، وحملق كارتر ثم سمع اللورد كارنارفون بهمس من ورائه ويقول: «هل يمكنك أن ترى شيئا؟

وسحب كارتر يده من الثقب ومر بها أمام عينيه، ولم يتمكن من النطق لحظة من الزمن، ثم قال وهو يعلم تمام العلم أن كلماته كانت لا معنى لها تقريبا: «نعم أشياء عجيبة!» وعندما نحت ثقب الباب ليزداد اتساعا حتى يمكن لشخصين النظر من خلاله وقف كارنارفون وكارتر جنباً إلى جنب، مأخوذين بشكل الكنز الذي عثرا عليه وجماله. ولندع كارتر يصف لنا المنظر بكلماته: وأخذ المنظر يزداد وضوحا بالتدريج وأمكننا معرفة أشياء فردية.

ولكننا ترددنا في تصديق أعيتنا. فأولا، كان أمامنا مباشرة - وقد كنا متنبهين لهذا طوال الوقت - ثلاث أرائك مذهبة نحتت جوانبها على أشكال حيوانات مريعة تضاءلت أجسامها بشكل عجيب لكي تفي بالغرض منها.

ولكن رؤوسها كانت واقعية إلى حد مفزع، إنها وحوش تبعث الفزع إذا ما نظر إليها في أي وقت وبرؤيتها كما رأيناها، بسطوحها المذهبة البراقة التي التقطناها من الظلام بمصباحنا الكهربي الصغير، كما لو كانت تحت الأضواء الساطعة ورؤوسها رامية ظلالاً ملتوية غريبة على الحائط القائم خلفها، فإنها تكاد تكون مبعثا للرعب.

وأسترعي انتباهنا بل استوقفه تمثالان يليانها إلى اليمين، فلقد كانا تمثالين بالحجم الطبيعي الملك يلبس السواد، مواجهين بعضهما بعضا كأنهما حارسان، وكانا مؤتزرين بالذهب، ومنتعلين بنعال ذهبية، ومسلحين بالرمح والدرع، وعلى جبهتيهما الحية المقدسة الحامية.

تلك كانت هي الأشياء البارزة التي أخذت بأبصارنا في بادئ الأمر، أما بينها وحولها وفوقها فكانت هناك أشياء أخرى لا حصر لها - علب مجوهرات فائقة الحسن في الطلاء والتطعيم، وأوان من المرمر. وبعض التصميمات الجميلة للنقش المحفور، وأضرحة سوداء غريبة يتلصص من الباب المفتوح لأحدها ثعبان مذهب.

 وباقات من الأزهار أو الأوراق، وأسرة وكراسي جميلة النقش المحفور وعرش مطعم بالذهب وكومة من الصناديق البيضاء البيضاوية الشكل، وعصي من جميع الأشكال والتصميمات ورأينا تحت أنظارنا على عتبة الغرفة بالذات كأسا جميلة من المرمر الشفاف على شكل زهرة اللوتس، وإلى اليسار كانت كومة غير مرتبة من العجلات الحربية المقلوبة، ومن ورائها كانت تطل صورة أخرى لملك تتلألأ بالذهب والمرصعات.

تلك بعض الأشياء التي كانت ملقاة أمامنا، أما إذا كنا قد لاحظناها كلها في ذلك الوقت فلا يمكنني الحزم بذلك؛ إذ كانت عقولنا في حالة من الإثارة والارتباك حالت دون التسجيل الدقيق، وفي هذه اللحظة خطر لعقولنا المشدوهة أنه لا يوجد تابوت أو أثر لمومياء بين كل هذا الخليط من الأشياء التي أمامنا، وبدأ السؤال الحدلي عما إذا كان ذلك قبراً أو مخبأ يحيرنا من جديد.

فأعدنا فحص المنظر الذي أمامنا على ضوء هذا السؤال، ولاحظنا لأول مرة، أن هناك بابا آخر محكم الإغلاق بين تمثالى الحارسين الأسودين إلى اليمين.

وجاءنا التفسير تدريجيا، فما كنا إلا مبتدئين في اكتشافنا، إذ أن ما رأيناه كان مجرد مدخل، وكان خلف الباب المحروس غرف أخرى، بل ربما كانت متتابعة وليس هناك أدنى شك في أننا لابد واجدون فرعونا راقداً في إحدى هذه الغرف.

لقد رأينا ما فيه الكفاية، وبدأت عقولنا تدور عند التفكير في العمل الذي ينتظرنا، فأغلقنا الثقب، وأوصدنا الذريئة الخشبية التي سبق وضعها في المدخل الأول وتركنا موظفينا الوطنيين للحراسة، ثم امتطينا حميرنا متجهين نحو المنزل. وكان الوادي مغلوبا على أمره يخيم عليه سكون غريب.

انقضى اليوم التالى ۲۷ من نوفمبر في تخليص الباب المؤدي إلى حجرة الكنز، وفي فحص سريع للأشياء البديعة التي احتوتها. ولم يمس أي شيء منها أو يزاح إلا بعد أن تم تصويرها وترقيمها وقيدها بالكشوف.

وبينت هذه الدراسة أن معظم الأصناف التي كانت موجودة في هذه الغرفة كانت تحمل اسم توت عنخ آمون، وهنا أضاف اللورد كارنارفون وكارتر سبياً لتأكيد أن ما كشفنا عنه حقا قبر فرعون المفقود.

إن علم الآثار قاس في فرض واجباته، وبالتزام قواعده بالدقة يحرم على المستكشف الركض من شيء إلى آخر جريا وراء أكثر الأشياء استهواء له.

وكان كارتر يود أن يعالج الباب الأخير الغامض دون تأخير، ولكنه كان يعلم أنه لا ينبغي له عمل ذلك، فيجب عليه أولا أن يعتني بالأشياء العجيبة المجموعة في غرفة المدخل، وفي الفتحة الصغيرة الملحقة بها. لقد خلط اللصوص من ۳۰۰۰ سنة مضت أشياء الملحق وأشاعوا فيها الفوضي بشكل مخيف، لكن الظاهر أنهم لم يسرقوا شيئا ذا قيمة.

وتطلبت العناية اللائقة بتلك الأشياء التي لا تقدر بثمن إقامة معمل في قبر خال قريب من الموقع. ودعت الحاجة بعد ذلك إلى خبراء للتحقيق من الأشياء الرقيقة الجميلة التي أخرجت إلى النور والهواء بعد بقائها آلاف السنين في جفاف وظلمة القبر المميتة، وحفظها وإصلاحها.

ولما كان كارتر عالما حقيقيا، فقد كان له من الشجاعة والصبر ما يجعلانه يعمل ما يجب عليه عمله مؤجلا فرحته باكتشافه الجديد إلى الوقت المناسب.

ولم تأت اللحظة العظيمة إلا في فبراير. في ذلك الوقت كانت غرفة المدخل والغرفة الملحقة بها قد أخليتا تماما، وغربلت كل أوقية من تراب الأرضية خوفا من أن يكون بها قطعة من المرضعات أو الجواهر آو قشور الذهب، ولم يترك إلا شيئان اثنان هما التمثالان الحارسان للملك على جانبي الباب الذي كان لا يزال مغلقا.

وبعد ظهر يوم 16 من فبراير سنة ۱۹۲۳ اجتمع نفر قليل من الشخصيات الهامة فوق مدخل القبر بدعوة من المستكشفين، ونزلوا يعلوه الوقار إلى غرفة المدخل التي أخليت، وصفت فيها المقاعد.

وكان قد بني رصيف في الطرف الشمالي للغرفة حتى يتمكن كارتر ومساعداه المستر ميس والمستر كالندر من الوصول إلى أعلى الباب المغلق. وفي الثانية والربع بعد الظهر رفع كارتر مطرقة وإزميلا بيد مرتعشة وفتح ما ظنه الجميع المنظر الختامي للغز فرعون المفقود.

وبعد عشر دقائق ثم ثقب ثقب في الجدار وأظهر الشعاع الضوئي للمصباح الكهربي الصغير شيئا يشبه حائطا من الذهب البراق على بعد لا يزيد على 90 سنتيمتراً من الباب المسدود بالحجر.

وساد جميع الحاضرين شعور مثير عندما كانت تفك الأحجار الواحد تلو الآخر وتنتقل من يد إلى أخرى حتى ينتهي بها المطاف إلى خارج الغرفة. فتهاوت الأحجار التي كانت تسد الباب، وهبط السد تدريجيا.

وبدا الحائط الذهبي البراق الذي كان منتصبا من أرضية الغرفة الداخلية المنخفضة عن عتبة الباب بحوالي متر ونصف متر في ظهوره كأنه يرتفع تدريج بهبوط السد.

ولم يعد ثمة أي تساؤل، فلقد كان ذلك، بالتأكيد، الضريح الذي دفن فيه رفات الحاكم الصغير المفقود لتلك المملكة القديمة. أما ما كان لا يزال غير مؤكد، فهو ما إذا كان فرعون نفسه لا يزال راقداً فيه، إذ أن اللصوص كانوا قد زار وا هذا المكان ولو أنهم انصرفوا مسرعين على ما يظهر.

ووجد كارتر على عتبة الباب حبات عقد مبعثرة كانت قد سقطت من اللصوص في أثناء انصرافهم السريع. وكان من الضروري توقف العمل لالتقاط تلك الحبات المبعثرة، فزاد ذلك من إثارة النظارة العشرين الذي كانوا يتململون في مقاعدهم أمام ما يحتمل أن يكون أغى اكتشاف اكتشف قبل ذلاث في مصر.

وكانت الساعة قد أعلنت الخامسة عندما تمت إزالة كل شيء من إطار الباب، فهبط كارتر إلى الغرفة التي أقيم فيها الضريح، وتبعه اللورد كارنارفون والمستر لكاو مدير مصلحة الآثار المصرية، وسرعان ما اكتشفوا أن أبواب الضريح كانت موصدة بدون أختام. وكان لا يزال من الصعب التكهن بالأضرار التي أحدثها اللصوص القدماء.

وسحب الرجال الحاسون أنفاسهم والذين جعلهم وقارهم المتواضع أرفع من أن يعدوا في زمرة لصوص المقابر القدماء، سحب هؤلاء الرجال المزاليج وفتحوا الأبواب التي انفتحت بسهولة: على الرغم من ثقلها، كما لو كانت قد أغلقت في اليوم السابق فقط.

وأخيراً أصبح الأمر يقينا، وتحققت أحلامهم، في داخل المجموعة الأولى من الأبواب كان هناك ضريح آخر أوصدت أبوابه هو الآخر، ولكنها كانت تحمل أختاماً غير مكسورة مما أثبتت بدون شك، أن الضريح الداخلى لم تطأه قدم منذ أن سجني فيه الملك.

 وتبادل الرجال الثلاثة النظرات دون أن ينبسوا ببنت شفة؛ فلقد كانوا يعلمون أن وراء الأبواب الذهبية يرقد جثمان شاب، أمسك في زمن من الأزمان بمقاليا أمور الإمبراطورية المصرية العظيمة.

 لقد دفن رعايا توت عنخ آمون جثمانه في هذا المكان يحدوهم الأمل أن تجعل التعاويذ المقدسة التي أودعوها في قبره رحلته إلى العالم الآخر رحلة آمنة غير مزعجة، ودفنوا معه، لهذه الرحلة أحب متعلقاته إليه بصرف النظر عن قيمتها.

فوجد في الغرفة الخارجية بياضات فرعون، ونعاله، وجواهره: وقفازاته وعصيه وأقواسه، وأسهمه، وأرائكه، وكراسيه. وحتى عرشه الذهبي الذي لا يقدر بثمن. وهنا كانت مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد حية غير معربة.

وتحرك الرجال الثلاثة بعيداً عن الأبواب الذهبية مدركين ما يجب عمله قبل إقلاق الملك نفسه. فمن أجل الأجيال القادمة يجب أن يفحص كل تفصيل من تفصيلات هذه المجموعة الهائلة ويدرس.

وكان كارتر يعلم أن ذلك سيكون عملا طويلا مضنيا. لكن الأمر الذي لم يكن قد سبق إلى علمه؛ هو أن صديقه وراعيه الذي مد يد العون لإنقاذ الملك الشاب من ظلمات الماضي الساكنة، سوف لا يلقي نظرة على وجهه. فلقد مات اللورد كارنارفون بعد أقل من شهرين.

 ولو كان هوارد كارتر يعلم بالصعاب التي تنتظره لساوره الشك في أن بري أي شخص من العصر الحديث توت عنخ آمون على الإطلاق، فلقد عمل موت اللورد كارنارفون وسوء التفاهم بينه وبين الصحافة والمسئولين المصريين، بالإضافة إلى العمل في تحضير غرفة الدفن، على التأخر سنتين قبل التمكن من فتح التابوت الحجري. وفي أكتوبر عام ۱۹۲۰ بدأ الكشف عن القبر، الذي كان قد ردم حتى لا يمكن لأي شخص الوصول إليه، من جديد.

كانت الأضرحة الذهبية قد فككت ورفعت من القبر في أثناء شتاء ۱۹۲۳ - ۱۹۲۶، أما التابوت الحجري العظيم المنقوش المحتوى على التابوت الذي كان يظن أن جان الملك كان لا يزال راقداً فيه، فقد كان ثقيلا جدا يستحيل رفعه، وبي قائما في وسط الحجرة، وقد انتزع منه كل بريقه وذهبه.

وكان الأمر يتطلب في هذا الحيز المزدحم من اللحد، عملا هندسيا فذا لرفع غطاء التابوت الحجري وإزاحته، ذلك الغطاء الذي كان يزيد وزنه كثيراً على الطن. وهنا جاءت نهاية البحث أخيراً. لكن لا إنها لم تكن النهاية الحقيقية.

إذ لم يجد الباحثون في داخل الصندوق الحجري العظيم موميا الملك، بل وجدوا تابوتا جميلا مصنوع من صفائح الذهب بولغ في تزيينه بصور الآلهة والتصميات الرمزية، وعلى رأس هذا التابوت الفخم كان يوجد قناع من الذهب المطعم صنع ليشبه الملك الميت.

وزينت جبهة القناع بشعارات مصر العليا (الأفعى) ومصر السفلي (النسر) ووضع عليها باقة صغيرة من الأزهار، كانت لا تزال محتفظة بألوانها وبعض رائحتها بعد مضي ثلاثة وثلاثين قرنا عليها، ومن المحتمل أن تكون واضعة الأزهار هي الملكة الأرملة، وضعتها بيديها الرقيقتين الصغيرتين. وكان من الصعب على أولئك الذين رأوا هذا المنظر الذي يثير المشاعر، أن يدركوا أنه قد انقضى أكثر من ثلاثة آلاف عام منذ انسحب مشيعو جنازة توت عنخ آمون على أطراف أقدامهم من القبر إلى شمس الوادي المحرقة.

 ومضت الأيام دون أن يفتح التابوت الجميل. إلى أن حل شهر نوفمبر عام ۱۹۲۰، فاحتفل بفتحه في حضور فئة قليلة مختارة من العلماء والشخصيات الحكومية الهامة. ولقد أخذ الكشف عن المقبرة وقتا طويلا، إلا أن كل من كانت له يد فيه أحس بأنه جوزي أحسن الجزاء بما حدث في ذلك اليوم من شهر نوفمبر. ولم يعد ثمة شك في أن جهان فرعون مسجى تحت الكتر الذهب، إلا أنه لم يحدث من قبل على الإطلاق، أن وجد ملك عظيم من ملوك مصر قد سجى تماما دون أن تمسه الأيدي.

لقد كان هناك في الواقع ثلاثة توابيت في شكل الجسد، موضوعة بعضها داخل بعض. وكان التابوت الثالث إلى الداخل، وهو الذي كان يحتوي على المومياء، مصنوعا من الذهب الخالص البالغ سمكه حوالي ربع بوصة (سنتيمتر). أما التابوتان الخارجيان فكانا من الخشب المغطى بصفائح الذهب المرصع بقطع من الزجاج...

 وعندما ألتقي المستكشفون لهذا الكنز العجيب بأنظارهم على وجه الملك الصبي، وجدوا أنه لا يزال يحتفظ بملامحه. ولا بد أن ذلك المنظر قد جعل الكثير من الزوار بحسون بالروابط التي تربط بين بني الإنسان بأجمعهم، بين أولئك الذين عاشوا في الماضي، والذين يعيشون في الحاضر، وبأن بوابة قبر توت عن آمون لا تؤدي بنا إلى التاريخ، إنما تجعلنا نتغلغل في قلب حياة صبي عاش وتنفس وراودته الآمال وأحاطت به المخاوف، مثلما يحدث لنا تماما في هذه الأيام.

ترى ماذا كان أهم شيء في ذلك القبر بالنسبة للمستكشفين؟ هل كان الكنز الذهي، ومستلزمات الحياة اليومية التي تكشف عن أسرارها، أم تلك الباقة من الأزهار الموضوعة على جبين الملك، والتي ظهرت حقيقية جدا حت أنها بدت كأنها لا تزال تحتفظ بالدفء الذي استمدته من يدي الملكة الشابة الجميلة، وبالملوحة التي تركتها عليها دموعها؟