اقض بعض الوقت في التفكير في الأمور التي تفعلها، والتي تجعل انتباهك يركز علي الحاضر. فكر في الأمر بأكبر قدر ممكن من الاتساع، وأدرج الأمور التي لا تفعلها إلا أحياناً أو لأوقات قصيرة في برنامج يومك. قد تحتاج إلي كتابة قائمة بجميع الأمور التي يمكنك التفكير فيها. والآن، فكر فيما تشعر به في أثناء فعل هذه الأمور، ومن المرجح للغاية أن تشعر بالاسترخاء والسعادة حيث إن هناك أمراً ما مبهجاً بطبيعته يتعلق بالتركيز علي الحاضر والانخراط فيه، أو ربما تقوم بالتزام مع نفسك يتعلق بإدراج المزيد من هذه الأمور في حياتك حتي تتمكن من قضاء المزيد من الوقت في الحاضر. لاحظ فوائد القيام بذلك. وقد تحتاج إلي قضاء بعض الوقت لتلاحظ نفسك تقرأ كتاباً الآن، ولاحظ ما تشعر به.

الوضع الافتراضي

اكتشفنا فجأة أننا نحلم أحلام يقظة مبهجة، ثم ندرك أننا ننتظرك القطار أو نرقد في الفراش في صباح يوم العطلة من دون أن نفعل شيئاً، فقد نرغب في مواصلة أحلام اليقظة، وعلي النقيض، إن كانت أحلام اليقظة أقرب إلي الكوابيس – الهوس ببعض المخاوف علي سبيل المثال – أو أدركنا أننا نجلس في تلك اللحظة في اجتماع مهم أو أننا نقود السيارات علي الطريق السريع، فقد نرغب في إعادة تركيزنا لنصبهً علي ما نفعل؛ حيث يمنحنا الوعي التام الإدراك الذاتي – وبالتالي القدرة علي الاختيار – لنفعل هذا. كما هي الحال مع كل شيء، نصبح أكثر براعة في الوعي التام كلما زادت ممارستنا له، ولهذا السبب، عادة ما يُطلق علي الوعي التام اسم " الممارسة"، ويطُلق عليه البعض اسم "التمارين"، الأمر الذي يقتضي أن التدريب المستمر يجعلنا نقوى أكثر. هذا صحيح، كما أن – كما سنتناول في الفصل التالي – ممارسة الوعي التام تعيد برمجة عقولنا وتنشئ، حرفياً، "عضلة وعي تام". ربما سمعت أيضاً مصطلح " تأمل الوعي التام" ، والذي يعني في الأساس "تدريب الانتباه"، ويبدأ تأمل الوعي التام بتدريب الانتباه علي أن يظل في اللحظة الراهنة عبر الانخراط الفوري في ملاحظة ما تلتقطه أحاسيسنا في تلك اللحظة، ومع تركيزنا علي الحاضر أكثر يمكننا أن نبدأ بقلب الوعي رأساً علي عقب والتواصل مع الاحساس بالوجود، ويؤدي هذا الأمر إلي زيادة الشعور بالسعادة؛ حيث إننا لن نبالغ في ردة فعلنا علي الأمور التي نمر بها. وعلي الرغم من أن الوعي التام ليس ممارسة روحانية في حد ذاته، سنجد الوعي التام في مركز جميع النشاطات التأملية الروحانية التقليدية. إن ممارسة الوعي التام بسيطة للغاية نظرياً، حيث يتضمن تركيز الانتباه المتعمد علي الحاضر عبر دمجه بأمر معين يصلنا عبر الحواس – الرؤية والسمع واللمس والشم والتذوق، وبمجرد أن تعلم فعل هذا يمكننا أن نجلب الوعي التام إلي أفكارنا وعواطفنا، ومن المهم للغاية ألا نحاول منع العقل من التفكير، فكما قلنا من قبل فإن عقولنا مبرمجة علي التفكير ومحاولة منعها منه لن يورثنا إلا صداعاً في الرأس أو الاعتقاد أن الوعي التام "لا يصلح لنا ". وبدلاً من ذلك، علينا أن ندرك بصورة أفضل متي يتشتت تفكيرنا، ومع زيادة إدراكنا لهذا الأمر، سنتمكن بسهولة أكبر من إعادته إلي الحاضر، خاصة إن فعلنا ذلك من دون إصدار أحكام علي أنفسنا أو كان زدنا من تدريبنا، زادت أذهاننا هدوءاً، وسرعان ما سنجد أننا أصبحنا نركز أكثر علي الحاضر، وعندما نغرس سمة الانتباه هذه في أنفسنا عبر التدريب المستمر، تبدأ أذهاننا في إعادة برمجة نفسها ونبدأ بالشعور بالأمر ذاته حتي إن لم نكن نتأمل – عندما نكون "مشتتين".

استخدام جسدك كمرساة

اقض بعض الوقت لتهيئ نفسك مع جسدك. اجلس في وضع مريح، واشعر كيف يبدو الأمر بالنسبة لك من دون إصدار حكم أو محاولة تغيير أي شيء. قد يساعدك علي ذلك أن تغلق عينيك حتي تتمكن من التواصل مع جسدك بسهولة أكبر. هل تشعر بالتوتر؟ الاسترخاء؟ التعب؟ لاحظ ما يحدث في تلك اللحظة، مدركاً أنه لا يوجد إحساس صائب أو خاطئ؛ حيث يدور الوعي التام حول الواقع. ثم اقض بعض الوقت لملاحظة ما  يحدث في ذهنك، من دون أحكام أيضاً، ولاحظ فقط ما إذا كان ذهنك مليئاً بالأفكار أو هادئاً إلي حد ما أم خاملاً وكئيباً. إن لاحظت وجود توتر في جسدك، تخلص منه، وانظر إن كنت قادراً علي تحديد العضلات المتوترة وابدأ بالتخلص من التوتر فيها، وإن استرخى جسدك، لاحظ هذا، وإن لم يفعل، فلاحظ ذلك أيضاً. وبالمثل، إن لاحظت وجود توتر في ذهنك – أي يتشتت ويدخل الوضع الافتراضي – فتخلص من هذا التوتر وأعد انتباهك برفق إلي جسدك. اقض بضع دقائق في الجلوس والشعور بجسدك. تكيف مع ضغط ودعم المقعد من تحت والأرض تحت قدميك. لاحظ توجه ذهنك نحو التشتت وواصل إعادة انتباهك برفق إلي ما تفعل ، وتدرب علي الصبر بينما تفعل. والآن، افحص جسدك مرة أخرى ولاحظ ما تشعر به الآن. ما الذي اختلف عن داية التمرين؟ هل تشعر بالمزيد من الهدوء والاسترخاء؟ هل تعلمت شيئاً عما يحدث في جسدك وذهنك؟ مرة أخرى، تذكر أنه لا يوجد شعور صائب أو شعور خاطئ. لاحظ فحسب ما يحدث. عندما تكون مستعداً، افتح عينيك (إن كانتا مغلقتين)، ولاحظ كيف يبدو الأمر عند التركيز علي الحاضر.