ربما تفكر قائلاً لنفسك: أنا في أفضل صحة، وهذا الجزء لا يخصني بأي شكل، لكن لا تكن واثقا إلى هذا الحد! فقد أظهرت لنا الأبحاث التي أجريت على مدار أكثر من خمسين عاما أنه فى الغالب هناك صلة بين الغضب المزمن وأمراض القلب، وأمراض القلب هي حاليا سبب الوفاة الرئيسي بين الأمريكيين. وإذا كان غضبك لم يتسبب في مشكلات صحية خطيرة إلى الآن، فمن الممكن أن تكون آثاره المدمرة قد بدأت ذلك بالفعل. ولنفهم الكيفية التي يؤذي بها الغضب أجسامنا، فلنراجع الغرض منه ووظيفته. ينظر العديد من الباحثين إلى الغضب بوصفه نظاما شعورا يعدنا ويحثنا على أخذ موقف مع مصدر التهديد محتمل لنا، ويساعدنا على شحن مصادرنا لمعالجة الصراع مع مصدر التهديد هذا. وفي مطلع هذا القرن، كان هذا النوع من الاستجابات الطارئة محل دراسة من الطبيب النفسي والتر كانون الذي صاغ مصطلح استجابة الكر والفر، وتشير جزئية افغر من الاستجابة إلى القلق والهرب من المواقف الخطرة، بينما يشير جانب الكر
أكثر إلى الغضب والدفاع عن نفسك ضد نوع ما من التهديد. ماذا يحدث في جسدك حينما ينتابك الغضب، وتنطلق استجابة الطوارئ لديك؟ تحدث تغيرات جسدية, مثل زيادة فى انقباض العضلات، وفى معدل
ضربات القلب، وفي التنفس، وفي عملية التمثيل الغذائي لتعد جسدك لاتخاذ إجراء مادي، وكذلك يتدفق الأدرينالين في مجرى الدم ويسري دمك إلى العضلات الكبيرة في جسدك، وليس من الغريب أنه كثيرا ما يقر الناس برغبتهم الشديدة في التعامل بعنف مع هدف غضبهم؛ فأجسادهم معدة للقيام بهذا الفعل بالضبط. إذن، يمكن أن يساعدك الغضب على مواجهة مهاجم يهدد حياتك، أو بعض حالات الطوارئ الحقيقية الأخرى، ولكنه لا معنى له عندما تتعامل مع بعض الإحباطات اليومية المعتادة. وفي الواقع إذا ما استمررت في تنشيط نظام توليد الغضب لديك، فستكون تكلفة ذلك باهظة على جسدك. وقد شرح روبرت سابولسكي ، أستاذ علم الأحياء وعلم الأعصاب في جامعة ستانفورد، الكيفية التي ندمر بها نظام القلب والأوعية الدموية، حينما نعاني بشكل متكرر التغيرات الجسدية التي تأتي مع الغضب الشديد؛ فالارتفاع المفاجئ في ضغط الدم المصاحب لغضبنا يضاعف قوة الحركة التي يندفق بها الدم في شراييننا، ويمكن لهذا الاندفاع في سريان الدم أن  ينهك البطانة الملساء لهذه الشرايين ويدمرها؛ ما يحدث ندبات وتهتكا في تلك الشرايين. وبمجرد إصابة هذه الطبقات من الأنسجة بالتلف، تبدأ الأحماض الدهنية والسكر والمواد الأخرى في الدم في الالتصاق بالجدران التالفة لهذه الأوعية، ويمكن بمرور الوقت أن يؤدي تراكم هذه المواد في نهاية الأمر إلى انسداد في الشرايين، وهو ما يسبب بدوره انخفاضا عاما في تدفق الدم؛ وهي الحالة التي تعرف بتصلب الشرايين. وإن حدث هذا التراكم المتدرج لتلك المواد، والمعروف كذلك بالتخثر، في الشرايين المؤدية إلى قلبك، فستكون مرشحا للإصابة بمرض القلب التاجي، أو إقفار عضلة القلب، أو مجموعة متنوعة من أمراض القلب الخطيرة الأخرى. ومنذ مطلع الستينيات، أظهر عدد من الدراسات المهمة أن هناك علاقة بين الغضب وأمراض القلب، ولكن ليس من شأن هذا الكتاب تقديم عرض كامل

لهذا البحث. وعموما فإن معظم الدراسات تميل إلى أن تندرج تحت فئتين أساسيتين. في الفئة الأولى من تلك الدراسات، والمعروفة باسم البحث المستعرض، يطلب من مجموعة من مرضى القلب أن تذكر عدد المرات المعتاد لنوبات الغضب التي تصاب بها، ودرجة حدتها، ثم تقارن إجاباتها بإجابات مجموعة مشابهة من الأفراد ممن لا يعانون أمراض القلب، ويطلق عليها المجموعة الضابطة. وأظهرت نتائج الأغلبية الساحقة من هذه الدراسات أن من يعانون أمراض القلب المزمنة يسجلون مستويات غضب أعلى كثيرا من
تلك التي يسجلها أولئك الذين لا يعانون أمراض القلب، ودلالة ذلك هي أن من  لديهم مستويات مرتفعة من الغضب تزيد احتمالية إصابتهم بأمراض القلب. وهناك مجموعة أخرى من الدراسات تخبرنا بالمزيد عن العلاقة السببية بين الغضب وأمراض القلب، وفي هذه الدراسات الاستباقية طلب من مجموعة كبيرة ممن كانوا في صحة جيدة عند بداية الدراسة أن يجيبوا عن أسئلة عن مستويات الغضب التي مروا بها في حياتهم، وبعدها تجري متابعتهم على فترات طويلة من الزمن؛ تصل إلى عشرين عاما أو أكثر في بعض الحالات. وفي نهاية تلك الفترة، يجري فحصهم للكشف عن أمراض القلب، ومن ثم تجري مقارنة معدلات العدائية والغضب الأصلية مع حالة الصحة الجسدية لكل فرد. وفي أغلب هذه الدراسات، عاد ما يكون هناك توقع بإصابة الأشخاص الذين أظهروا مستويات مرتفعة من العدائية والغضب بالتصلب العصيدي.

وعلى سبيل المثال، فى إحدى الدراسات، ملأ ٢٢٥ من طلبة الطب استبيانا شخصيا، وعلى مدى خمس وعشرين سنة من المتابعة، ظهر أن أولئك الذين سجلوا مستويات مرتفعة من العدائية، لديهم نسبة إصابة بأمراض القلب أكثر بأربع مرات أو خمس من الحالات التي سجلت معدلات أقل من العدائية. وفي دراسة مماثلة أجريت على محامين، كان ما نسبته نحو واحد من بين خمسة ممن سجلوا في الربع الأعلى لمعدلات العدائية يموت في عمر الخمسين، أما هؤلاء المحامون الذين جاءوا في الربع الأخير، فإن واحدا فقط  يموت من بين خمسة وعشرين فردا في ذلك العمر. كم من الوقت مر عليك كنت فيه غاضبا حقا؟ هل أنت عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، أو بالأزمات القلبية؟ إن كنت تعاني نوبات غضب مزمنة، فأنت تزيد من احتمالات إصابتك بالأمراض الخطيرة فيما بعد في حياتك؛ لذلك حاول، في المرة المقبلة التي تشعر فيها بالغضب، أن تنتبه ليعض المشاعر الجسدية والتغيرات التي تحدث في جسدك، وتذكر أن ردود الفعل الجسدية المصاحبة لنوبات الغضب المزمنة يمكن أن تؤدي إلى تدمير جسدك، وإصابتك بالأمراض، وتزيد من احتمالية الموت المبكر.