ومع ما ذكرناه من فورنا، ألا يكون للغضب بعض المكاسب؟ ألا يساعدك الشعور بالغضب على مواجهة المواقف الصعبة؟ ألن يساعدك على الشعور بالقوة وبالتمكن في مواجهة الشدائد؟ أليس التعبير عن غضبك ضروريا لتأكيد ذاتك، وللتعبير عن وجهة نظرك؟ إنها أسئلة جيدة، ولكن أبحاث الطب النفسي لم تظهر بشكل قاطع ما إذا كان الغضب يزيد من كفاءتك عند التعامل مع الصعوبات أم يقلل منها. في الواقع ليس هناك إلا القليل من الباحثين ممن كلفوا أنفسهم عناء البحث في هذا الموضوع، ومع ذلك فإن

العديد من الناس، بمن فيهم بعض المعالجين النفسيين والكتاب المشهورين، تسرعوا في إطلاق حكم سريع بأن المرء يجب أن يشعر بالغضب، حينما يواجه مواقف قاسية. ولكن هناك عدة وجهات نظر مختلفة، ظهرت منذ أكثر من ألفي عام عند بعض الفلاسفة الآسيويين واليونانيين والرومان؛ حيث وصف الفيلسوف الشرقي سينيكا الغضب في واحد من أوائل المقالات التي تناولت الغضب في التاريخ الإنساني، قائلاً: إنه أبشع المشاعر وأكثرها حنونا ، ولاحظ الفلاسفة الشرقيون أن الغضب يستطيع أن يربك قدرة المرء على التفكير المنطقي الفعال. ومن بين العملاء الكثيرين الذين قابلناهم، وكانوا يعانون مشكلات مع الغضب، وجدنا أن معظمهم يتميزون بقدر جيد من الذكاء، ولديهم مهارات جيدة لحل الخلافات والمشكلات، ولكن ذلك حينما لا يكونون في حالة الغضب الشديد. فبعد أن يهدأوا يمكنهم حينها أن يحددوا بترو طرقا مختلفة كان بإمكانهم من خلالها معالجة المواقف المتأزمة بشكل أفضل. حاول أن تتذكر المرة الأخيرة التي شعرت فيها بالغضب الشديد، واستدع إلىذاكرتك ما ركزت عليه، والكيفية التي تصرفت بها: هل كنت قادرا على

التفكير العقلاني في طرق أفضل لمعالجة الموقف؟ هل كنت قادرا على بحث جميع خياراتك؟ هل اتخذت أفضل قرار؟ هل ندمت على شيء قلته أو فعلته؟ فإن كنت مثل الغالبية، فسترى أنه من الصعب التفكير أو التصرف بأفضل ما يكون وقت وقوعك في أسر الغضب الشديد. ولاحظ كذلك كيف يتصرف الآخرون حينما يغضبون بشدة؛ فانظر إلى أقاربك، وأصدقائك، وزملائك، أو افتح التلفاز على أية قناة، وستجد أن القنوات الإخبارية، والبرامج الحوارية مليئة بنماذج لكيفية تعامل الآخرين مع غضبهم؛ فخلال اللقاءات الساخنة, ما مدى فاعلية من يفقدون هدوءهم؟ وهل يساعد الغضب المتناظرين على طرح وجهات نظرهم بأسلوب منطقي وعقلاني؟ ولكنك ربما تسأل: وماذا عن المواقف التي يحارب فيها الفرد ضد بعض أشكال الظلم والجور؟ وماذا عن الكفاح طلبا لإصلاحات اجتماعية واسعة النطاق مثل حقوق الإنسان؟ هل الغضب شعور مناسب وفعال في هذه المواقف؟ في حين أن الغضب يمكن أن يجدي نفعا في بعض المواقف، فإنه من النادر أن يساعد على إحداث تغييرات ذات مغزى، وكان القادة من أمثال مارتن لوثر كينج الابن ، والمهاتما غاندي وغيرهما، شديدي الالتزام بقضاياهم، والتحمس لها، لكنهم كانوا كذلك غاية في الانضباط الذاتي، وصفاء الذهن، ومن ثم كانوا مؤثرين؛ لأنهم استندوا بشكل أساسي إلى المنطق، لا الغضب. كلنا نواجه مصاعب فى فترة من الفترات، فالحياة صعبة ومليئة بالتحديات، ولكن في حين يعد الغضب شعورا إنسانيا طبيعيا، فإنه لا يكاد يكون ذا نفع في حل المشكلات. فكر في الأمر، ثم قرر هل الغضب يعود عليك بالنفع أم بالضرر.