من كتاب الأصوات الخمسة:

من هذا المنطلق، علينا أن نشارككم تحذيرًا صحيًا قبل أن نواصل: لا يحاول كتاب الأصوات الخمسة الكتاب أن يمدك بشيء أو يحدد طبيعتك بصورة مؤكدة. إننا نقدم لك نظرة بسيطة ولكن متعمقة تمكنك من رؤية سلوكياتك القيادية وسلوكيات من يحيطون بك من منظور جديد. وقد أدركنا من منطلق خبرتنا أنه كلما تعرفنا على أنفسنا أكثر، زادت قدرتنا على قيادة أنفسنا والآخرين.

نمتلك جميعا نزعات، سواء كنا ندرك وجودها أم لا. تشكل تلك النزعات أنماطا سلوكية تشكل أفعالنا، وأفعالنا لها عواقب تتشعب في واقعنا الحياتي - الذات والعائلة وفريق العمل والمؤسسة والمجتمع.

إليكم المثال التالي الرائع الذي قدمه لنا ستيف، قالت لي زوجتي ذات مرة: ستيفن، إنك تمتلك نزعة لحضور الأحداث الاجتماعية والبحث عن أكثر الأشخاص إثارة للاهتمام وجاذبية ومرحًا، وأي شخص يمكنه أن يضيف إلى مخزونك المعرفي وخبراتك ورغبتك في ترويض العالم، ومن ثم تقضي أغلب وقتك معهم.

وإن لم تجد أحدًا على هذه الشاكلة في المكان الذي أنت فيه، تبدأ النظر حولك لتعثر على أحد يمكنك أن تثير معه جدالاً، فقط من أجل متعة الخلاف الفكري، وإن لم تتمكن من العثور على أحد لتجادله، فإما أن تغادر أو تجلس لتنام في أحد الأركان، أو تبدأ بالتحدث في هاتفك. ما هذا؟

إنها كلمات جارحة، ولكنها حقيقية. ربما كان بعضكم يمتلك نزعات مشابهة لنزعتي - تلك كانت بقايا الطعام بين أسناني، ولم أكن أدرك ما أفعله، وبالتالي لم أتمكن من قيادة نفسي بسبب قلة وعيي الذاتي.

وقد أنشأت تلك النزعة نمطاً سلوكيا راسخا شكّل، أفعالي، ولكني لم أنتبه لذلك. ولكن نتج عن هذه النزعة عواقب شكلت واقعي وقللت من تأثيري؛ لذا، إليكم تلك الحقيقة البسيطة: النزعات لن تختفي (قد يزعجكم أن تسمعوا هذا، أعلم ذلك).

وما زلت أمتلك تلك النزعة، ولكني أصبحت أعرف نفسي بما يكفي لأعلم أني لا أرغب في أن تتحدد شخصيتي بواسطة تلك الأنماط السلوكية؛ لذا أصبحت الآن أشاهد نفسي وأسمعها، وأصبح ما يحفزني أن أثير جدالات مع الآخرين، ثم أقرر أنه يجب ألا تسيطر على نزعتي، ومن ثم أبحث في أنحاء الغرفة عن ذلك الشخص الذي لا تبدو عليه الراحة لوجوده في المكان، ثم أستخدم جميع مهاراتي ومعرفتي وخبراتي لأجعل تلك الأمسية أفضل أمسية حظي بها مرافقي على الإطلاق.

وسأحاول معرفة كل شيء عن ذلك الشخص قدر الإمكان وسأقدم له تلك الخدمة بأقصى درجة تسمح بها قدراتي (لذا، إن التقيتك في إحدى الحفلات وتقربت منك لأفتح معك حوارا، فستتساءل دوتا: إلى أي معسكر تنتمي؟).

كان ذلك مثالا عن كيف تمتلك وعيا ذاتياً وعن معرفتك كيف تؤثر سلوكياتك على من يحيطون بك. وتبين لي أن السلوكيات التي ذكرتها كانت منقادة في الأساس بواسطة طبيعتي الريادية.

فلطالما كان والداي نموذجًا للحب والتضحية والتفاني في خدمة حتى الأشخاص الهامشيين؛ لذا لا يمكنني أن ألوم صوتي الراعي. بمجرد أن أدركت تلك النزعات السلبية أقدمت على خيار واع بأن أغيرها .

نحن جميعًا نمتلك سمات ونزعات تقلل من تأثيرنا من دون أن ندرك، ونرغب في أن نساعدك على التعامل مع تلك المشكلات باستخدام أداة الأصوات الخمسة حتى تتعلم كيفية تغيير أنماطك وتستفيد من الأفعال البناءة التي تؤدي إلى نتائج إيجابية.

لذا، تُعد الأصوات الخمسة أداة بسيطة للغاية للفهم، ولكن من الصعب تنفيذها بسبب نزعاتنا. تشاركنا "أودري فراي" من أتلانتا بولاية جورجيا، تلك الفكرة عن استخدام الأصوات الخمسة عندما تولت منصبها الإداري الجديد، فتقول:

أعتقد أن أكبر مجال للتحسن فيما يتعلق بالأصوات الخمسة هو إدراك وجودها. فقبل تعلم تلك الأداة، عندما لم أكن قد أدركتها بعد، أعتقد أني كنت أرى الجميع يفكرون ويتواصلون بطريقتي نفسها - لقد أظهر لي تعلم أداة الأصوات الخمسة أن كلاً منا يتواصل بطريقة مختلفة، وأنه من المهم أن نقيم مختلف الإشارات لكي نسمع ونفهم الرسائل التي نتلقاها .

في واحدة من أهم لحظاتي الغارقة أدركت أن أغلب الناس لا يعون الرسائل غير المنطوقة التي يرسلها أشخاص أخرون ذوو أصوات مختلفة.

وتعلمت ألا آخذ الأمور على محمل شخصي وأصبحت أكثر صبرًا وأقل حكمًا على الآخرين الذين يتواصلون بأصوات أساسية مختلفة عن صوتي.

كيف نشأت الأصوات الخمسة

كان للباحث "كارل يونج" باع طويل في مجالات علم النفس والتطور الإنساني. وقد عثرت كل من "إيزابيل مايرز" و"كاثرين بريجز" على عمل يونج وتمكنتا من إنشاء أكثر الأدوات استخدامًا على الإطلاق (مؤشر نوع مايرز-بريجز) من أجل استيعاب أنواع الشخصيات مع التركيز على طبيعة المرء وشخصيته وبرمجته الذهنية، وتنشئته وخبراته ومدخلات حياته التي أثرت على سلوكياته.

كان هناك آخرون استغلوا عمليهما واستحدثوه. فعلى سبيل المثال، انظر إلى نظرية "السوسيونيك الحديثة"، وهي عبارة عن التكامل بين نظرية أنواع الشخصيات الخاصة ب "كارل يونج" وما يطلق عليه اسم الآيغى المعلوماتي (أي، كيفية اختيار الناس للمعلومات ومعالجتها) من أجل تقديم أفكار.