هذا كتاب عن العمل، وهو أيضاً، بالطبع، كتاب عن الراحة. قد يبدو ذلك متناقضا، لكنه يشرح فكرة الكتاب الرئيسية. الكثير منا يهتمون بكيفية العمل بشكل أفضل، لكننا لا نفكر كثيرا في كيفية الراحة بشكل أفضل. تقدم كتب الإنتاج أساليب حياتية أو نصائح بشأن كيفية إنجاز قدر أكبر من المهام أو قصصا عن إنجازات الرؤساء التنفيذيين والكتاب المشاهير، لكنها لا توضح أي شيء تقريبا عن دور الراحة في حياة أو مهن الأشخاص المنتجين والمبدعين. وحين يذكرون الراحة بالفعل، يميلون إلى التعامل معها على أنها مجرد ضرورة جسدية أو أمر ثانوي- وفي الوقت نفسه، نجد أن الكتب التي تتحدث عن الراحة أو الرفاهية تهتم بشكل أساسي بالهروب من العمل، وليس تحسين قدرتك من أجل القيام بعمل مهم، وتشيد بالكسل على أنه علاج للإرهاق وتعبير عن الحكمة. وتشير هذه الكتب إلى أن الرجل الماهر يعمل بشكل أذكى وليس بجهد أكبر، لكن الرجل المبدع لا يعمل على الإطلاق- ويصور كتاب آخرون وقت الفراغ على أنه رفاهية لا بد من استغلالها ونشرها. بالنسبة لهم، فإن الحياة الجيدة هي صيف لا ينتهي، تتخلله صور باهتة تنشر على موقع إنستجرام. ونتيجة لهذا، فإننا نرى العمل والراحة كشيئين مزدوجين. والأكثر إشكالاً أننا ننظر إلى الراحة على أنها عدم وجودنا في العمل فحسب، وليست شيئا مستقلا بذاته أو له مزاياه الخاصة. الراحة هي مجرد فراغ سلبي في حياة معروفة بالكدح والطموح والإنجازات. حين نعرف أنفسنا بالعمل والتكريس والفاعلية والاستعداد لبذل قصارى الجهد، فمن السهل إذن أن ننظر إلى الراحة على أنها مخالفة لجميع هذه الأمور. إذا كان عملك هو ذاتك، فحين تتوقف عن العمل، تتوقف عن الحياة. حين نفكر في الراحة على أنها مناقضة للعمل، نأخذها بجدية أقل بل ونتجنبها. يعمل الأمريكيون أكثر ويأخذون عطلات أقل من أية جنسية أخرى في العالم تقريبا. وعلى عكس توقعات الاقتصاديين (وبشكل مخالف للمنطق السليم)، فإننا كلما أصبحنا أكثر إنتاجية، نعمل لساعات أطول وليس أقصر، ولا نستغل أيام العطلات. وحين نقرر أخيرا أن نذهب في عطلة، نتفحص لا إراديا بريدنا الإلكتروني. أنا أزعم بأننا نسيء فهم العلاقة بين العمل والراحة. العمل والراحة ليسا طرفي نقيض؛ فأنت لا تستطيع التحدث عن الراحة دون التحدث عن العمل. والكتابة عن واحد منهما هي أشبه بكتابة رواية رومانسية وذكر أحد الحبيبين فقط دون الآخر. الراحة ليست معارضة للعمل، بل هي شريكة العمل، فهما يكملان ويتممان بعضهما. بالإضافة إلى ذلك، أنت لا تستطيع العمل جيدا دون الراحة جيدا. إن بعضا من أكثر الأشخاص إبداعا في التاريخ الذين تعد إنجازاتهم في الفنون والعلوم والأدب تراثا قيمًا، يتعاملون مع الراحة بطريقة جدية للغاية؛ فقد وجدوا أنه لإدراك طموحاتهم والقيام بنوع الأعمال التي يريدونها، فإنهم يحتاجون إلى الراحة؛ فالأنواع لمناسبة من الراحة ستجدد طاقتهم بينما يسمحون لإلهامهم، الجزء الغامض من عقولهم الذي يساعد على تحفيز العملية الإبداعية، بمواصلة المضي قدما. لذا فالعمل والراحة ليسا متناقضين مثل الأسود والأبيض أو الخير والشر؛ إنهما أشبه بنقطتين مختلفتين على موجة الحياة. فلا يمكن أن تكون هناك قمة دون قاع، ولا يمكن أن تكون هناك ارتفاعات دون انخفاضات، فلا يوجد أحدهما دون الآخر. نحن نقلل من القيمة التي يمكن أن تقدمها لنا الراحة الحقيقية الجيدة، ونقلل أيضا من مقدار ما يمكننا فعله إن أخذنا الراحة على محمل الجد. أنا أستمتع بكل من العمل الجيد والراحة الجيدة، وأعشق التحديات الفكرية والجسدية - هذا الإحساس بالهدف والإنجاز الذي يأتي من وراء تحقيق الأمور الكبرى والصغرى. بالنسبة لي، فإن الشعور الذي يصاحب نجاحا إبداعيا - وحتى الشعور الناجم عن مطاردة فكرة ما، والذي يجعلني أنهمك في مشكلة وأربط مواهبي مع تحد كبير - هو أمر مغر وممتع تماما مثل أية لعبة أخرى ومشبع ومحفز جسديا مثل الطعام (وأنا حقا أحب الطعام)، ومرض عاطفيا مثل الحب. يمكن أن يكون العمل الشاق مشرفا ومجزيا. أنا أنظر باعتزاز إلى الوراء على بعض أصعب وظائفي بسبب الصداقة التي وجدتها من خلال العمل لساعات طويلة مع أشخاص جيدين، متخطين حدود شركتنا ومحاولين فعل أمور جديدة. أستطيع أن أجد رؤى "للحياة الجيدة" التي تصف أنظمة توليد الثروات وفظاظة وبغض التقاعد المبكر. وعلى النقيض، فإن حجج علماء النفس مثل فيكتور فرانكل وميهالي تشيكسينتيمهالي بأن الحياة الجيدة تعرف بالبحث عن المغزى وراء الأشياء ووفرة التحديات، تعد منطقية بشكل بديهي وعميق. لذا، فإن اهتمامي بالراحة لا ينشأ من النفور من العمل، بل يبدأ بالشعور بأننا يجب أن نتقبل التحديات ولا نتجنبها؛ وأن العمل ليس بالشيء السيئ لكنه ضرورة مطلقة من أجل حياة مرضية وذات مغزى. ربما يكون هذا متناقضا قليلاً، لكنني أصبحت أنظر إلى تقيدنا للعمل المفرط على أنه أمر مثبط فكردا. وقياس الوقت هو حرفيا أسهل طريقة لتقييم تفاني الشخص في العمل وإنتاجيته، لكنه أمر غير موثوق به. وفي الوقت ذاته، أنا أحب الراحة الحقيقية، ليس تضييع الوقت في مشاهدة مقاطع فيديو لكاميرات تصور حوادث السيارات المسرعة والخضوع  لاختبارات الفيسبوك لأعرف من أشبهه في شخصيات فيلم Twilight ، وإنما قضاء أوقات الفراغ الجميلة التي تمتد دون أن يقاطعني فيها أحد عملائي أو زملائي في العمل أو الأطفال (بشكل خاص). أحب النوم، هذا الإحساس بجسدي وهو يستقر على الفراش وظهور اللاوعي مثل بزوغ القمر. كما يحفزني على أداء عملي انتظاري لقضاء ساعة في صالة الألعاب الرياضية. بالطبع، لا يمكنني هنا أن أدعي أية رؤية بعينها؛ فاليونانيون القدماء كانوا ينظرون إلى الراحة على أنها منحة عظيمة، حيث تمثل قمة الحياة المتحضرة. وقد تجادل أصحاب الفلسفة الرومانية بأنه لا يمكنك أن تحظى بحياة جيدة دون عمل جيد. لقد أدركت جميع المجتمعات القديمة في الواقع أن كلاً من الراحة والعمل متطلبان  ضروريان من أجل حياة جيدة: فأحدهما يوفر سبل العيش، والآخر يعطي معنى للحياة. واليوم، فقدنا التواصل مع هذه الحكمة وأصبحت حياتنا أكثر فقرا وأقل إشباعا نتيجة لهذا. وقد حان الوقت لإعادة اكتشاف الحياة التي يمكن أن تقدمها الراحة. وفي حين أنني مهتم بمجال علم النفس الإبداعي منذ مرحلة الجامعة، فقد بدأت فقط في التفكير بجدية في دور الراحة في الحياة الإبداعية في الآونة  الأخيرة - وبالتحديد في إحدى الأمسيات الشتوية التي قضيتها مع زوجتي في أحد مقاهي مدينة كامبريدج في إنجلترا؛ فقد كنت زميلا زائرا في مركز أبحاث مايكروسوفت وكنت أعمل على مشروع تحول في النهاية إلى كتاب لي بعنوان The Distraction Addiction . وغالبا ما كنا نذهب إلى أحد المقاهي العديدة في المدينة بعد العشاء. وفي هذا المساء، جلسنا إلى طاولة فوقها كومة من المقالات وكتابان كنت أقرأهما وهما رواية Room of ٨ One’s Own ل "فرجينيا وولف" وكتاب Obliquity ل" جون كاي". في رواية A Room of One’s Own ، قارنت "فرجينيا" بين حياة السادة في الجامعات العريقة جيدة الموارد والتواجد الضئيل للكليات في الجامعات النسائية الأحدث عهدا. لقد وفرت الجامعات العريقة فرصا أعظم بكثير للتفوق، وهذا في رأي ''فرجينيا'' ليس بسبب مواردها الأكثر ثراء؛ ولكن بسبب وتيرتها الأكثر رفاهية؛ فالميزانيات السخية المكرسة للأبحاث والموظفون الملتزمون كانوا من العوامل التي وفرت فترات طويلة من وقت الكلية من أجل نزهات السير والمحادثات المطولة. بينما في كتاب Obliquity ، لاحظ" جون كاي أن الشركات التي ازدهرت حين ركزت على العمل الجيد وخدمة العملاء، تتعثر غالبا حين تضع الفرق التنفيذية إستراتيجيات تركز على تحسن الأداء المالي؛ حيث يرى "كاي" أن الشركات التي تضع الأرباح في أولوياتها، أكثر احتمالاً لخسارة المال من التي تتعامل مع الأرباح على أنها منتج ثانوي للعمل الرائع. وقد حفز هذان الكتابان فكرة قراءة كتاب ثالث كنت أحمله معي دائما معتبرا إياه فألاً حسنا، على أمل أن ينتقل لي بعض النجاح الذي تمتع به المؤلف خلال عهده في كامبريدج، وهو كتاب The Double Helix ، الذي يسرد فيه ."جيمسى واتسون" قصة اكتشافه هو و فرانسيس كريك لبنية الحمض النووي. وكنت في العادة أركز عند قراءة هذا الكتاب على المنافسة والصراع في القصة، لكن جدال فرجينيا وولف بأن وقت الفراغ يتيح الإنتاجية وفكرة "جون كاي" عن الانحراف جعلاني أدرك أمرا لم أكن أوجه له المزيد من الانتباه مطلقا . فلم يقض "واتسون" و "كريك" الوقت في ملازمة المعمل؛ فقد حدث الكثير من التفاعلات خلال جلسات الغداء الطويلة في مقهى ومطعم إيجل، وخلال جولات السير في الظهيرة في أنحاء مدينة كامبريدج، أو في أثناء تصفح الكتب في المكتبات. وقد كان "واتسون" ، رغم انهماكه في مسابقة ضد ألمع العقول العلمية في القرن، يركض دائما إلى المؤتمرات أو يقضي عطلة في جبال الألب أو يلعب التنس. وقد قال أحد معاصريه إنه كان لديه وقت للعب التنس لأنه كان عبقريا. لكن فرجينيا و جون جعلانى أفكر ،،رز ٠ ٠٠ ٠٠ ٠ ،:٠٠٠٠ في أنه ربما كان عبقريا لآنه خصص الوقت للعب التنس. فربما تتطلب الإنجازات العظيمة أن يتم تناولها بزاوية انحراف. ظلت هذه الفكرة حبيسة في عقلي خلال فصل الشتاء؛ فقد عملت أنا وزوجتي بجد وأنجزنا الكثير من الأمور خلال إجازتنا من العمل، لكننا وجدنا الوقت أيضا لقضاء الأمسيات في المقهى، والقيام بجولات السير يوم العطلة إلى مقهى أو رتشارد، والرحلات القصيرة إلى لندن وقضاء عطلات نهاية الأسبوع في مدينة ادنبرة وباث وأوكسفورد. لقد كان وقتا مكثفا ومثمرا، ولكنه لم تكن به أية عجلة على نحو مثير للدهشة. ومثل الإنجليز المتحمسين والمحبين لبلدهم، اكتشفنا أن وجودنا في كامبريدج يعد منشطا ذهنيا، لكنني بدأت أتساءل عما إذا كانت إنتاجيتنا لها علاقة بوتيرة حياتنا كالمكان الذي نعيش فيه. وبدأت أعتقد أن طرقنا التقليدية في العمل والعيش وافتراضاتنا التي لا جدال فيها بشأن الحاجة للبقاء دائما في تواصل وإبقاء عين واحدة على بريدنا الوارد في الحديقة أو على طاولة الطعام والتعامل مع نهايات الأسبوع على أنها أوقات لمتابعة العمل واحتقار العطلات، لا تنجح في الواقع كما نظن. وقد أوضحت دراسة أجريت على حياة مجموعة من المبدعين والقادة المعاصرين أنني يجب أن أوسع مجال بحثي لاستيعاب مفهوم الراحة في الحياة الإنتاجية. فمع القليل من الاستثناءات الملحوظة، وجدت أن قادة اليوم يتعاملون مع الضغط والعمل المفرط على أنه وسام شرف، ويتفاخرون بشأن قلة نومهم وقلة أيام العطلات التي يقضونها، وينشرون سمعتهم كأشخاص مدمنين على العمل من خلال أصحاب دور النشر وشركات العلاقات العامة. إنهم يذكروننا كيف أن حياة العمل للأشخاص الأكثر نفوذا تزدهر في بيئة مشبعة بالافتراضات التي لا جدال فيها بشأن الضرورة القوية التي لا مفر منها للعمل المستمر. وسواء اقتنعنا بفكرة أن العمل المفرط أمر أساسي للإنتاجية والإبداعية أو أهملناها، فنحن جميعا يتم تقييمنا وفقا لذلك. ورغم ذلك، فإنني حين نظرت إلى الماضي، وجدت أن الحياة التي عشتها خلال عطلتي من العمل قد عادت للظهور من جديد. ففي القرون السابقة، كان رجال الأعمال والسياسيون والعلماء والمؤلفون الرواد يصنعون تحفا فنية ويفوزون بالانتخابات ويقودون صناعات بينما يجدون متسعا من الوقت لجولات السير الطويلة والغفوات المنتظمة وعطلات نهاية الأسبوع وحتى العطلات الممتدة لأسابيع. كان العديد من الأشخاص مدمني عمل طموحين في شبابهم، بينما لم تبرز طموحاتهم قط، وبعد ذلك بمرور الوقت تعلموا أن يرجعوا إلى الخلف ويطوروا أعمالاً روتينية مستديمة ويجعلوا الراحة جزءا أساسيا من حيواتهم الإبداعية. وقد اضطروا إلى تعلم الراحة وإلى الانتباه الشديد إلى طريقة عملهم وإلى ما يناسبهم. وقد أصبحوا حساسين تجاه الطريقة التي تؤثر بها تغيرات أعمالهم الروتينية في قدرتهم على التفكير- واختبروا جداولهم الزمنية ليكتشفوا الوقت الذي يمتلكون فيه التركيز والطاقة القصوى وعدلوا من عاداتهم ليجدوا إيقاعات وطقوسا ساعدتهم على أن يظلوا متواجدين على الساحة. بعبارة أخرى، لم يكونوا جميعا أشخاصا يقفون على الحد الفاصل بين العبقرية والجنون، حيث يندفعون للإبداع بسبب رغبة غير واعية وحماس غير خاضع للسيطرة. وإنما كانوا أكثر شبها برياضيين يبحثون دائما عن تمارين جديدة أو مهام روتينية جديدة قبل المباراة أو حمية غذائية تمنحهم الأفضلية. إن أي شخص ينظر للماضي من أجل البحث عن نماذج لكيفية موازنة العمل والراحة، لا بد أن يواجه الاعتراض الذي يفيد بأن العصور السابقة مختلفة تماما عن عصرنا ولن تسمح له بالمقارنات المفيدة. لقد كانت الحياة أبسط منذ قرن مضى، وكانت الملهيات أقل، والاقتصادات أكثر تسامحا، وكان وقت الفراغ أكثر تقديرا؛ فقد كان لدى الناس الكثير من الوقت للراحة. أما اليوم، فإن المتطلبات الكثيرة الخاصة بالعمل والمنزل وزملاء العمل والأطفال، لا تترك لنا وقتا مخصصا لأنفسنا. والتكنولوجيات التي وعدتنا بأن تجعل عملنا أكثر مرونة تقيدنا بالعمل بدلاً من ذلك وتخلق توقعا بأننا دائما ما سنكون متاحين للعملاء وزملاء العمل والأطفال. ويتطلب منا الاقتصاد المتقلب على الدوام أن نتقبل هذه الشروط أوسيتم استبدالنا. وفي عالم مشغول دائما وطوال الوقت، تعد فكرة الراحة من المفارقات التاريخية. لكن إذا كان أمام أجدادنا المزيد من الوقت للراحة، فإن أحدا لم يخبرهم بذلك. فمنذ مائة وخمسين عاما، كان الأشخاص في العصر الفيكتوري مدركين تماما لطريقة العيش في حقبة تتسم بالعولمة السريعة والنمو الاقتصادي والثورات التكنولوجية والعلمية والتغيرات الاجتماعية الهائلة وأنواع جديدة من التهديدات بسبب الإرهاب والأيديولوجيات المختلفة. وقدجعلت السكك الحديدية وأجهزة التلغراف والمحركات البخارية العالم أكثر تقاربا وعززت من التجارة والإنتاجية الاقتصادية وسمحت للأخبار بالانتقال عبر العالم في سرعات مذهلة. لكن كانت التكنولوجيات تدمر العادات المحلية أيضا، وتزعزع الإيقاعات التقليدية للحياة القروية والحضرية، وتتطفل على السلام والهدوء. وقد قلق أطباء القرن التاسع عشر من أن تشكل الوتيرة السريعة للحياة الحضرية والسكك الحديدية حملا كبيرا على العقل البشري وأن تصبح الاضطرابات العصبية وبائية. وكانت اتحادات العمال والرأسماليين في معركة بشأن ساعات العمل ووتيرته في المصانع. كما حذر الاصلاحيون وعلماء النفس من مخاطر العمل المفرط. فكر في تشخيص "ويليام جيمس" للعمل المفرط في مقاله المنشور عام ١٨٩٩ بعنوان Gospel of Relaxation . لقد ناقش أن الأمريكيين أصبحوا معتادي العمل المفرط، والعيش في ترقب وتهافت داخلي ويجلبون معهم ضيق النفس والتوتر إلى العمل. ارتدى الأمريكيون التوتر والعمل المفرط مثل المجوهرات الفاخرة: لقد تقبلوا بعض العادات السيئة  المكتسبة من المناخ الاجتماعي والمستمرة بحكم التقاليد والمبجلة من العديد من الناس على أنها طريقة للحياة جديرة بالإعجاب. وقد أشار أيضا إلى أن العمل المفرط له نتائج عكسية. وقد قال: إذا كان العيش بحماسة وعجلة سيمكننا فقط من القيام بالمزيد من الأمور، فيجب أن يكون هناك بعض التعويض والأعذار للمضي قدما على هذا النحو. لكن العكس تماما هو الحقيقة؛ فقد أكدت أجيال لاحقة من الخبراء الأكفاء حجة جيمس. وخلال الحرب العالمية الأولى، اكتشف المهندسون الصناعيون أن عمال المصانع المعرضين لقضاء شهور طويلة من العمل لوقت إضافي كانوا أقل إنتاجية وأكثر عرضة لارتكاب الأخطاء المكلفة والحوادث الصناعية من العمال الذين حافظوا على العمل لساعات منتظمة. وحتى الجنود في الماضي الذين سعوا نحو تبديد طاقتهم، وليس الترفيه خلال العطلات، استطاعوا أن يجدوا الراحة الأكثر إفادة خلال مؤسسات مثل الجمعيات الخيرية ومؤسسات الخدمات المتحدة، ما يوضح مدى أهمية الترفيه بالنسبة للكفاءة، وهذا ما كتبه الصحفي الاقتصادي الأمريكي " بيرتي تشارلز فوربس". وقد ناقش أن تجربة الجنود المنتصرين أظهرت أن طريقة قضائنا للساعات في غير العمل تحدد بشكل كبير قدرتنا أو عدم قدرتنا على قضاء أوقاتنا في العمل . بعبارة أخرى، يبدو العالم ومشاغله في العصر الفيكتوري أشبه كثيرا بعالمنا. وقد واجه كثيرون من الناس تحدي مضاهاة إنتاجية الماكينات وشبكات التلغراف وحاولوا العمل بشكل أسرع ولفترات أطول، وكانوا هؤلاء هم القاعدة. ولكن البعض اختار أن يكون الاستثناء، وساعدت القرارات التي اتخذوها بشأن العمل والراحة على جعلهم استثنائيين. وأظهرت نماذجهم أننا لسنا محكوما علينا من قبل القوى العالمية المجهولة بحياة العمل المفرط؛ فهناك أنواع أخرى ممكنة من الحياة. كما أن حياتهم تكشف أيضا شيئا آخر، وهو أن الراحة ليست شيئا يمنحك العالم إياه، ولم تكن هبة مطلقا، ولا هي أمر يمكنك القيام به حين تنتهي من كل شيء أخر. فإذا أردت الراحة، فعليك أن تأخذها، وعليك أن تقاوم رغبة الانشغال، وخصص وقتا للراحة وخذه على محمل الجد واحمه من عالم ينوي سرقته. يبين التاريخ أنه من الممكن للأشخاص الطموحين والمتحمسين في عالم سريع التغير أن ينجحوا ويبدعوا بينما يصممون لأنفسهم حياة تبدو أكثر بطئا وتوازنا وعقلانية. لكن هل من الممكن أن نفسر سبب أهمية الراحة وسبب رؤيتنا لأنماط ثابتة للكيفية التي يرتاح بها الأشخاص المبدعون؟ لقد تبين أنه في العقدين الأخيرين، أعطتنا الاكتشافات الناتجة عن أبحاث في النوم وعلم النفس والعلوم العصبية والسلوك التنظيمي والطب الرياضي وعلم الاجتماع ومجالات أخوى، ثورة من الأفكار في الدور المغمور والخطير أيضا الذي تلعبه الراحة في تقوية المخ وتعزيز التعلم وتمكين الإلهام واستدامة الابتكار. ولا تقدم هذه الأبحاث دليلاً عاما فحسب لقيمة الراحة؛ بل تبين مدى تفاعل الأنواع المختلفة للراحة مع العمل على مدار اليوم، وعلى مدار الحياة. وتبين لنا سبب تحفيز بعض أنواع الراحة لإبداعنا بينما تستعيد أنواع أخرى طاقتنا الإبداعية. وتبين لنا أن الغقوات اليومية المعيدة للنشاط وجولات السير الطويلة المولدة للأفكار والتمارين التنشيطية والعطلات المطولة هي انقطاعات مثمرة؛ فهي تساعد الأشخاص المبدعين على القيام بعملهم. إننا نحتاج إلى إعادة النظر في العلاقة بين العمل والراحة، وإدراك صلتهم المتقاربة وإعادة اكتشاف الدور الذي يمكن أن تلعبه الراحة في مساعدتنا على الإبداع والإنتاجية؛ لذا لا يجب أن نعتبر الراحة مجرد ضرورة جسدية نستوفيها على مضض؛ بل يجب أن ننظر إليها على أنها فرصة. فحين نتوقف ونرتاح جيدا، فإننا لا نسدد ضريبة الإبداع بل نستثمر فيه. هناك أربع رؤى توجه تفكيري بشأن الراحة وستكون نقاطا مرجعية بينما أبحث في علم الراحة وأكتشف الطريقة التي تسمح بها الراحة للأشخاص المبدعين بالقيام بأعمال رائعة، وأوضح الطريقة التي يمكننا أن نطبق من خلالها أفكارا من العلوم والتاريخ على حياتنا الخاصة. الرؤية الأولى، العمل والراحة شريكان الراحة عنصر مهم من عناصر العمل الجيد؛ فالموسيقيون العالميون والرياضيون الأولمبيون والكتاب والمصممون وغيرهم من الأشخاص المبدعين والمنجزين، يناوبون بين فترات يومية من التركيز والعمل المكثف وأوقات راحة طويلة. ولوقت طويل جدا، كان كل من الإلهام والإبداع يمثل شيدا غامضا؛ فكثيرا ما تخطت رغبتنا في الإبداع فهمنا لطريقة عمله وسبب إصابته لنا في بعض الأوقات وليس في أوقات أخرى والأمور التي يمكننا فعلها، إن وجد، لتحسينه. نحن الآن على بعد خطوات قليلة من كشف الغطاء عن العمليات الإدراكية التي تنشط خلال اللحظات الإبداعية، لنرى ما يحدث في المخ حين تطرأ الفكرة. نحن لا نفهم الأمر على الإطلاق بأية حال من الأحوال؛ المخ والإبداع هما اثنان من أعقد الأشياء التي تمت دراستها على الإطلاق، وهناك لكثير من الأسئلة الكبرى التي لا يمكننا إجابتها بعد. لكن من الواضح أن العمل الإبداعي للمخ لا ينتهي أبدا؛ لأنه حتى في حالة المخ الساكنة، فإنه يواصل العمل على حل المشكلات ويفحص ويستخرج الإجابات الممكنة ويبحث عن التجديد. وهذه عملية لا نستطيع التحكم فيها فعليا. لكن عندما نتعلم الراحة بشكل أفضل، يمكننا دعمها وإنجاحها والانتباه حين يتم اكتشاف شيء يستحق اهتمامنا. الرؤية الثانية، الراحة فعالة حين نفكر في الراحة، عادة ما نفكر في الأنشطة السلبية: الغفوة أو الاسترخاء على الأريكة أو مشاهدة المباريات الرياضية في التليفزيون أو الانشغال في مشاهدة المسلسلات التليفزيونية الشهيرة. وهذا شكل من أشكال الراحة. لكن النشاط الجسدي أكثر راحة مما نتوقع، والراحة النفسية أكثر نشاطا مما نتوقع. وبالنسبة لعدد مفاجئ من الأشخاص المبدعين - بمن فيهم أشخاص في مهن نعتبرها عادة سائدة بأشخاص مهووسين بالدراسة ومحبين للكتب ولا يرون الشمس لأسابيع - تعد التمارين الرياضية المجهدة والشاقة جسديا وحتى٠ المهددة حياتيا جزءا أساسيا من مهامهم الروتينية. ويسير البعض لأميال كل يوم أو يقضي عطلات نهاية الأسبوع في أعمال  البستنة. ويتمرنون دائما من أجل سباق الماراثون التالي؛ ويتسلق البعض الآخر الصخر أو الجبال. وفكرتهم عن الراحة تحمل نشاطا أكثر من فكرتنا نحن عن التمارين الرياضية.لذا بم يعد هذا مريحا؟ تساعد التمارين الرياضية الشاقة على مواصلة أجسامهم للعمل إلى أقصى حد، ما يبقي أذهانهم حادة ويعطيهم الطاقة للقيام بالأعمال الصعبة. لكنها عادة ما تقدم فوائد نفسية أعمق؛ فهي لا تخفف التوتر أو فرصة لتصفي أذهانهم فحسب، بل تمثل طريقة تجعلهم متواصلين مع ماضيهم الشخصي. ويختار العديد من المفكرين الكبار أنشطة تعكس اهتماماتهم الطفولية أو تصقل المهارات التي طوروها في البداية مع آبائهم وأشقائهم الأكبر سنا. ومثل هذه الاختيارات تعد جزءا من إستراتيجية واعية أكبر لبناء حياة يكون فيها العمل واللعب والكفاح ووقت الفراغ، لهم جميعا مكانهم الخاص ويكونون مترابطين معا. وحتى أنواع الراحة التي تبدو سلبية يتبين أنها أكثر تنشيطا للجسد مما نتوقع. وحين تذهب للنوم، فإن عقلك لا يتوقف، بل ينشغل بترسيخ الذكريات ومراجعة أحداث اليوم  والمشكلات التي كنت تعمل عليها. وتحصل على لمحة من جميع هذه الأنشطة التي تحدث وراء الكواليس حين تحلم، لكن معظم هذه الأنشطة تحدث دون إدراكك الواعي ودون توجيهك. كما أن المخ ينشغل أيضا بإبعاد السموم والحماية الجسدية؛ وهذا أمر مهم لمنع الأمراض العصبية الانحلالية. ويمكن أن يرى علماء النوم جميع هذه الأنشطة خلال النوم الذي تحدث فيه حركات العين السريعة، حين يكون المخ مليئا بالأنشطة الكهربائية. يحظى عقلك بالنشاط ذاته الذي يحظى به حين تكون مستيقظا لكنه يشرد. وخلال هذه اللحظات حين يشرد ذهنك ويبدو الأمر كما لو أن ذهنك أصبح فارغا، فإن مخك في الواقع يعمل حينها بأقصى سرعة- ولن يكون مزعجا أن تستحضر ذاتك الواعية. الرؤية الثالثة ، الراحة مهارة يتبين أن الراحة مثل الغناء أو الجري؛ فالكل يعرف بشكل أساسي كيفية القيام بها، لكن مع القليل من الجهد والفهم، يمكنك تعلم القيام بها بشكل أفضل بكثير. ويمكنك التمتع بالراحة بطريقة أكثر عمقا وأن تكون أكثر انتعاشا واستعادة لنشاطك. لا يصبح الناس مؤدين عالميين من خلال الممارسة المتقنة فحسب؛ فهم يمارسون أيضا ما يمكنك أن تطلق عليه الراحة المتقنة ، وهم يجدون أن الراحة تجلب التعافي نفسيا وجسديا، كما أنها مثمرة عقليا أيضا. وتساعدك الراحة المتقنة على التعافي من الضغوط وإرهاق اليوم، وتسمح للتجارب والدروس الجديدة بالاستقرار في ذاكرتك، وتعطي لعقلك اللاوعي المساحة لمواصلة العمل. وكثيرا في هذه الفترات من الراحة المدروسة ووقت الفراغ الواضح - من البديهي، حين لا تعمل أو تحاول أن تعمل - يمكنك أن تحظى ببعض أفضل أفكارك. قد يبدو من التناقض أن تكون الراحة أمرا عليك أن تتعلم طريقة القيام به جيدا. فما الأمر الأبسط من الراحة والأكثر سهولة فعليا؟ الأمر الوحيد الأكثر طبيعية من الراحة هو التنفس. نعم، فالتنفس أمر طبيعي؛ ولهذا فإن تعلم التحكم في التنفس هو أمر لا بد أن يتقنه كل من يقوم بعمل شاق جسديا ومجهد عقليا . التنفس المنضبط هو إحدى أقوى الادوات التي نمتلكها لمواجهة التوتر والخوف والإلهاء. ويساعد تعلم التنفس العميق الرياضيين على التنافس بشكل أقوى، ويساعد الجنود والبحارة على أن يظلوا هادئين في المعركة، ويساعد الموسيقيين أيضا على الغناء بتحكم أكبر، ويمكن الممثلين والسياسيين من إبراز أصواتهم. وينطبق المثل على الراحة؛ فالكثير من الناس يتعاملون مع الراحة على أنها أمر سلبي أو طائش؛ ففي نهاية اليوم يتوجهون لقضاء ساعات مرحة؛ وفي عطلات نهاية الأسبوع يرتادون المقاهي؛ وفي العطلات يسافرون إلى دول استوائية تكون فيها الأوقات السعيدة والمقاهي متاحة دائما. وينسون أنفسهم حتى يستيقظوا في الصباح التالي على آثار الليلة السابقة؛ رغم هذا فإن تغذيتهم الإخبارية على الفيسبوك قد تحتوي على بعض الدلائل المحرجة عن أنشطة الليلة السابقة. لكن من الممكن الراحة بطرق محفزة ومجزية تجعلك أسعد وأصح وتجعل عقلك يعمل بشكل أفضل فعليا. لذا نعم، الراحة أمر طبيعي؛ ولهذا فإن تعلم الراحة جيدا هو أمر فعال جدا.