عندما كنت في منتصف العشرينيات من عمري، كنت قد أصبحت عالق ا للغاية . كنت أعمل على نحو جنوني وأحيا متمتعا ، محاولا تخدير إحساس  مزعج بالشك حول اختياري مهنة ونمط حياة لا يتوافقان مع قيمي وتطلعاتي. كنت أتلم س السعادة عن طريق الركض وراء المتعة والمكانة الرفيعة، ولكن كل ما ازداد سعيي من أجل الوصول إلى حالة الرضا ، بدا بعيد المنال. كذلك كل ما انهارت علاقة أخرى، كنت أنهار بدوري غارق د ا في اكتئاب شديد وشجي .
بالنظر إلى الماضي الآن، أرى أن مشكلتي الأساسية كانت أنني لم أكن أعلم كيفية العيش على نحو جيد. لم يكن لدي سوى قدر قليل جدا من المعرفة حول كيفية حدوث السعادة، وليس فقط فيما يتعلق بالنشاطات التي تؤدي إلى الرفاهية، بل حول كيفية التعامل بمهارة مع التجربة ذاتها. لقد كان لدي قدرا قليلا جدا من الوعي بأنماط التفكير، الشعور، التعلق، والعمل حيث كنت محاصراً، ولذلك حتى عندما أدركت وجود خطب ما، لم أعلم ماهيته حقا، أو ماذا أفعل حياله. قمت بيأس بمحاولة إجراء العديد من الإصلاحات، ولكن لم يبد أن أي منها كان مفيدا.
  
في الواقع، بدا أن محاولتي التخلص من تعاستي كانت تزيد الآمر سوءا  كوني قد أمضيت سنوات ألاحق المتعة، وأركض وراءها، كنت الآن أحاول محاربة الألم والهروب منه.
كانت خطة من أجل تحقيق الرفاهية، إلا أنها كانت معيبة، إذ بقيت أدور فى حلقة مفرغة أسرع وأسرع مثل كلب يطارد ذيله. بعد كثير من التخبط دون هدى، نصحت بتعلم التأمل، وكانت تلك نقطة
 التحول. من خلال تعلمي أن أكون ساكنا وأنظر نحو الداخل، بدأت في اكتشاف الوعى، وأصبحت ملما بالأنماط الذهنية والجسدية التي توجه سلوكي على نحو لاواع. تعلمت من خلال الممارسة، أنه من الممكن على نحو تدريجي ولطيف، أن أتحرر من سيطرة تلك الأنماط، وأقوم بتطوير طريقة مختلفة للوجود. بدأت تظهر انفراجة صغيرة، فضلاً عن بعض الارتياح. ترافق مع ذلك إمكانية صنع خيارات جديدة، خيارات يقودها حس النداء القلبي، الذي تمكنت أخيرا من الإنصات إليه. لقد بدأت في اكتشاف الوعي
الكلي. بعد حوالي عشر سنوات من نقطة التحول هذه، تبدو حياتي مختلفة تماما.
لقد مضى وقت طويل منذ تركت وظيفتي السابقة، والآن أقوم بتعليم الآخرين  الوعي الكلي. كنت محظوظا بما يكفي أن وجدت شريكة حياتي، بعدما تعرفت  على سر إنجاح العلاقات. من موقع اليأس والعزلة والانفصال، الناتجين عن عدم معرفة ما يجب فعله أو كيفية القيام به، منحت قدرا من السكنية، كان يبدو في السابق احتمالاً بعيدا.
يبدو أن ذلك لم يأت عن طريق مطاردة الأحلام، بل من خلال الالتفات إلى الحقائق، ومعرفتها معرفة وثيقة، حتى عندما تكون مؤلمة. إنه يأتى من خلال صقل نهج جديد للحياة. إنني لم أخطط إلى حدوث هذا التغيير على وجه التحديد، فقد ظهر بوصفه نتيجة مواصلة الممارسة على مر الزمن. إنه عمل متواصل على نحو مستمر، والتمرين الذي أثق وابتهج به الآن، حتى حينما لا يكو سهلاً.
ماذا تعنى عبارة العيش الرغيد؟ قد نستقى الجواب من سؤالين إضافيين: ماذا يحدث وكيف يمكننا التعلم منه؟ إذا لم نكن مدركين لما يحدث، وليس على المستوى السطحي للأمور فحسب، بل ما يحدث في العمق، سيكون من الصعب معرفة ما الذي يحركنا، وبالتالي يكون من الصعب أن تتغير الأمور.
ربما نجد أنفسنا في نشاط ما، ولكن جهلنا بالآليات التي تدفعنا إلى التصرف، يحكم علينا بتكرار عاداتنا. نتيجة تشبثنا غير المتعمد بعاداتنا، نمضي في الحياة كما السائر أثناء نومه «أو على نحو أكثر دقة كمن يركض أثناء نومه». 
عندما نبدأ في الانتباه إلى التجربة، نستطيع مع الوعي الكلي، البدء أيضا في تأملها، وليس فقط من خلال التفكير، والذى غالبا ما يحدث على نحو تلقائي ، ولكن من مكان يتجسد فيه الفهم، الوعي بالعالم داخلنا وحولنا. يمكن استشعار هذا الوعي على نحو أعمق وأشمل في الرضا عن حياتنا، فضلاً عن طرق ارتباطنا بها - كلما تدربنا على العمل بهذا الفهم الأعمق، بدلاً من كوننا مسيرين نحو ردود الأفعال التلقائية، تظهر إمكانية التغيير. قد تتضح وجهات نظر جديدة، ويمكن أن نستكشف سلوكا جديدا. من خلال ملاحظة ما يقود إلى العافية، وما يبعدنا عنها، نستطيع اختبارها بعدة خيارات مختلفة. من خلال انسجامنا مع ردود الأفعال التي نستقبلها من أذهاننا وأجسادنا، نقوم بتطوير اتصال مع العالم قادر على إرشادنا خلاله بحكمة أكبر.
هذا الأمر ليس حكرا على فئة معينة. اننا نستطيع أن نقوم بتمرين القدرة على اكتساب الوعي، من خلال ممارسات الوعي الكلي التي تساعدنا على اكتشاف كيف نكون واعيين وما يجب علينا فعله. لطالما كانت تلك الأساليب معروفة، ومطبقة، ومصقولة منذ آلاف السنين، فضلاً عن كونها موضع اهتمام كبير في الوقت الحالي، لأن البحث العلمي يبرهن على كثير من فوائدها، ولا العالم في حاجة إلى أساليب عملية للحكمة. إن الهدف من هذا الكتاب هو  اطلاعكم على بعض هذه الممارسات، فضلا عن استكشاف السلوكيات التي أدت إليها. آمل أنكم سوف تجدونها مفيدة بقدر ما وجدتها. 
كيفية استخدام هذا الكتاب
تم تنظيم هذا الكتاب كدليل تدريبي أسبوعي، مستعرضا أحد جوانب الوعي الكني في كل فصل من فصوله التسعة. إنه يتضمن ممارسات أساسية، استعراضا عاما للاكتشافات العلمية التي تشير إلى فوائد الوعي الكلي، وحالات دراسية تعمل على تتبع تجارب أربعة أشخاص ممن تعلموا ممارسته في السنوات الأخيرة.
تستطيع أن تحاول قراءة فصل واحد في الأسبوع، والقيام بتجربة التمارين الموضحة في كل فصل، ولكن لا بأس كذلك من الانتقاء من هنا وهناك، أو تلتزم بأداء تمرين أو اثنين إلى أن تشعر أنك مستعد للمواصلة. إن الوعي الكلي ليس عملية خطية، وإنه لمن الجيد أن تعود إلى الأساسيات وتعمل عليها مرارا وتكرارا ٠
 يمكن أن يكون وجود دليل صوتى يرشدك أثناء تأمل الوعى الكلى مفيدا  للغاية، لا سيما في البداية، ولقد قمت بتسجيل إصدارات صوتية لكافة الممارسات الموجودة في هذا الكتاب، متاحة للتحميل من الانترنت «أو للطلب على قرص ممغنط» على موقع:.edhalliwell.com من الأفضل ألا نتعجل «الوصول» إلى حالة الوعي الكلي، إذ لا يمكن الوصول إلى الوعي الكلي عن طريق التسرع، ولذلك رجاء خذ وقتك. كما سوف يتبين لك، هذا هو أحد التمارين حيث لا يتم تشجيعكم على التركيز على السعي إلى النتائج.

كلمة تحذيرية

فى بعض الأحيان، لا يكون الوقت مناسبا لممارسة التأمل على نحو مكثف.
عندما نكون بصدد اختبار مشاعر قوية للغاية، يمكن أن يكون الخوض في تلك المشاعر غامرا، لا سيما إن لم نكن معتادين على الأمر. 
يمكن أن يحدث ذلك على سبيل المثال عندما نكون شديدي الاكتئاب، شديدي الإدمان، أو فقدنا أحدهم مؤخرا، أو نمر خلال بعض التحولات الجذرية في حياتنا. قد يكون من المنطقي في تلك الحالات، أن تتريث قليلاً، كي تتأكد أنه
٠ م
لديك الدعم المناسب، وأن تبدأ بأحد التمرين الأقل كثافة. يشبه ذلك إلى حد كبير الرغبة في خوض سباق مسافة طويلة بعد كسر في الساق، عليك أن تسمح بحدوث بعض الشفاء قبل أن تبدأ برنامجا تدريبياً.
  
إذا كانت لديك أي مخاوف، أو شعرت باجتياح المشاعر بينما تقوم بالتمرينات، فقد يتطلب الأمر أن تشاور معلم وعي كلي محنك، أو أحد لمعالجين الآخرين، من أجل مناقشة أفضل الطرق المناسبة لك. هذا لا يعنيك لست مرشحا جيدا للتمرين، ولكن قد تكون الطريقة الأكثر وعياً في الوقت حالي هي الانتظار، أو العمل على خلق ظروف مناسبة.