بحسب تقديرات علماء النفس فإننا نفكر فيما يعادل ستين ألف فكرة فى المتوسط فى اليوم العادى، وبفرض أننا حصلنا على قسط من النوم لمدة تتراوح من ست إلى ثمانى ساعات فى اليوم، فإنه سيكون لدينا فكرة واحدة فى كل ثانية. وعندما بدأت أهتم بأفكارى وجدت أن عقلى ملىء بحوار لانهائى من الأفكار. وقد دهشت عندما اكتشفت أننى لا أمتلك ستين ألف فكرة جديدة ونافعة. وبدلاً من ذلك، فإننى أكرر سلسلة من أفكار الكر، والفر، والتجمد فى المكان غير المجدية التى تتعلق بالشك الذاتى، والشك فى قدراتى، وتخيل حوارات مستقبلية مع أشخاص من الصعب إرضاؤهم وفى مواقف صعبة، وأقوم بنقد نفسى والحكم عليها وعلى الآخرين، وأقوم بتحليل الآخرين، وبتحليل كل شىء (ليس بالضرورة أن يكون التحليل إيجابيا)- فإذا كان كل ما نقوله أو نفعله يبدأ بفكرة، فأنا أتعجب من مدى قدرتى على تحقيق أى شىء ذى أهمية بالنسبة لى مع كل هذا التشتت. لقد تذكرت قاعدة يتم التحدث عنها غالبا فى العمل تسمى قاعدة 80/20، وقد لاحظها أولاً عالم الاقتصاد الإيطالى "فيلفريدو باريتو" عام 1906، وتقول القاعدة إن 80% مما نفعله يحقق 20% فقط من القيمة. وعلى الرغم من أن هذه القاعدة مفيدة فى مجال العمل، فقد اكتشفت أنها تنطبق بشكل عملى على أى نشاط إنسانى ومن بينها قدرتنا على التفكير. فإذا كنا نرغب فى خوض تجربة ما نريد تحقيقه حقا، فهذا يعنى أن تسود قاعدة 80/20 داخل عقولنا. وعندئذ فإن جميع - أو على الأقل معظم - أفكارنا تؤدى إلى الاستغلال الأفضل لوقتنا، ومجهودنا وأموالنا ونستطيع أن نحقق كل ما هو مهم بالنسبة لنا. وبالإضافة إلى ذلك، فعندما نضبط أفكارنا ونتشبث باللحظة الحالية فإننا  نحرر عددا كبيرا من تلك الأفكار التى تبلغ ستين ألف فكرة. فنحن بذلك نفسح مكانا لتلك الأفكار القوية لتعبر من خلاله. فكر فى الأمر - متى يمكنك الحصول على أفضل الأفكار لديك؟ متى تتخذ أفضل قراراتك؟ فعندما تسأل عن ذلك فى ورشة عمل إدارة الأفكار، سوفتكون الإجابات؛ عندما أقوم بالاستحمام ،  أو عند أستيقظ، أو قبل أن أذهب للفراش، أو عندما أتمشى، أو عندما أمارس رياضة الجرى، أو عندما أقوم بأداء بعض التمرينات، أو عندما أقود السيارة، أو فى حالة الاسترخاء ، أو فى حالة التأمل، أو عندما أقوم بفعل الشى ء الذى أحب القيام به. ما الشىء المشترك بين هذه الإجابات؟ هذا الشىء هو أننا نصفى أذهاننا من التشتت اللانهائى. فنحن لا نجبر أنفسنا على التفكير، ونطلق العنان لأفكارنا، وبفعل ذلك يمكننا أن نكتسب إضافة جديدة إلى مستويات الوعى العليا وإلى القدرة الإبداعية. ومع ذلك، ما الذى يجب أن نفعله عندما نجد أنفسنا فى موقف صعب؟ نقوم بإلغاء الإجازات الخاصة بنا، ونعزف عن نتاول وجبة الغداء، ونسهر لوقت متأخر، ونقوم بالعمل فى أيام العطلات الرسمية، ونجبر أنفسنا على اقتراح الحلول، ولا نسمح لأنفسنا بفعل ما نرغب فيه حتى نتمكن من حل مشاكلنا، فنحن بذلك حقا نجعل الأمور أكثر سوءا. تنشأ الأفكار الإبداعية عندما نكون فى حالة من صفاء الذهن، وعندما نمنح عقولنا قسطا من الراحة، وعندما نفعل الشىء الذى نحب فعله، وتؤدى هذه الأفكار الإبداعية إلى اتخاذ قرارات عظيمة؛ وبالتالى لا نبدد الوقت، أو الطاقة، أو المال، ونركز فقط على ما هو مهم- تذكر أننا نتعلم بسرعة ونحقق نتائج بارزة عندما نكون فى حالة من وضوح الرؤية ولدينا هدف محدد نبغى تحقيقه، وعندما نكون فى حالة تأمل وإمكانية لفعل أشياء مثل الامتنان، والبهجة، والهدوء، والسعادة. وفى هذه الحالات نكون متحمسين وعلى اتصال بقدرتنا الإبداعية. ولا يكون الأمر كذلك عندما نقسو على أنفسنا. لو كنت ستختار شيئا واحدا فقط من هذا الكتاب لتمارسه، ففى المرة القادمة التى تلاحظ فيها أنك تجبر نفسك على إيجاد الحلول، امنح نفسك الوقت الكافى لتهدأ، واذهب للتمشية، واستنشق بعض الهواء النقى، وقم بأداء بعض التمارين الرياضية، واتصل بالأصدقاء أو بأفراد العائلة، وقم بفعل الأشياء التى تسمتع بفعلها، ولكن قبل البدء فى ذلك ادخل فى حالة من التأمل؛ تأمل الحل وراقب ما يحدث. راقب نوعية الأفكار التى تظهر قبل أن تذهب للفراش “ فى المساء “ وعندما تستيقظ. إننا جميعا نمتلك القدرة على توجيه بعض الأسئلة للذات، وعلى طرح الأسئلة والاستماع للإجابات؛ حيث نكتشف الشىء المناسب لنقوم بفعله ونكتشف كيفية فعله، فنجد القوة بداخل الشىء الذى يحدث تغييرا بداخلنا، ونصبح فى حالة إلهام ونستطيع إلهام الآخرين- ومن خلال ضبط أفكارنا والتغلب على قاعدة 80/20، فإننا نصبح فى حالة هدوء، وطمأنينة، ومتقبلين لأفكارنا الإبداعية، التى تؤدى إلى اتخاذ القرارات العظيمة. كما تكون لدينا القدرة على أن نركز بأفكارنا على ما هو مهم بالنسبة لنا، وبتلك الطريقة نستطيع تحقيق أقصى استفادة ممكنة من كل تجربة نخوضها، وهكذا، نستطيع تحقيق السعادة، والطمأنينة، والإلهام فى لحظة. وعندما تتوافق أفكارنا وأفعالنا مع الشىء المهم بالنسبة لنا، فسوف نشعر بالرضا والطمأنينة فى كل لحظة. وعندما نشعر بالطمأنينة، فسوف نكتسب مستويات عليا من الوعى تسطع من خلالها الأفكار الإبداعية. يمكننا أن نختبر بحرية فى منطقة الشعور لدينا ما تحدثنا به أنفسنا. “ رودولف شتاينر