يدور هذا الكتاب حول التغلب على الإدمان، كما يتناول مشكلة أوسع: كبح جماح الرغبة؛ حيث ينشأ الإدمان عندما نترك رغبتنا حرة طليقة؛ فالرغبة جزء أساسي من الطبيعة البشرية، وتعلم كبح جماح الرغبة هو جزء من التطور البشري الطبيعي. ويعتبر التغلب على الإدمان شكلاً خاصا من أشكال كبح  جماح الرغبة؛ أو بالأحرى، شكلاً قويا من أشكال كبح جماحها. وأستثني من الحديث بعض أنماط الحياة في الشرق؛ حيث يكون الهدف من العيش بطريقة مناسبة هو دفن الرغبات. أما نمط الحياة في الغرب، فيقوم على إشباع الرغبات. ولبعض الرغبات أسماء، مثل: الجوع، والعطش، والطمع، والشهوة، لكننا خلافا لذلك، نتحدث عن الرغبة في (أو السعي إلى الوصول إلى، أو إرادة، أو تمني) أشياء ومواقف عديدة في حياتنا، ونشعر بهذه الرغبات بدرجات متفاوتة الحدة. ونقضي وقتنا في تحديد هذه الرغبات، وتصنيفها، والعمل على تلبيتها، ونحاول إرضاء ما يمكن تلبيته منها. ونشعر بأننا محظوظون، عندما نحصل على شيء لم نكن متأكدين من إمكانية حصولنا عليه، كذلك نشعر بالإحباط عندما لا نحصل على شيء ظننا أنه في متناول أيدينا. إن كل ما نفعله في حياتنا اليومية هو جهد مبذول لإشباع رغباتنا؛ فعندما نذهب إلى العمل، أو المدرسة؛ من المحتمل أننا نفعل ذلك؛ لأن هذه الأنشطة في ذاتها تشبع رغباتنا، لكن أيضا لأننا بهذا نجني أو نأمل في أن نجني أموالاً لشراء عناصر، أو خوض تجارب لإشباع رغباتنا؛ فنحن دائما ما نسعى إلى الشعور بالإشباع (وهو ما قد نسميه المتعة) ، وما تشتريه الأموال سيجلب لنا مباشرة شعورا بالإشباع، أو يتيح لنا إمكانية الحصول عليه.  وبالإضافة إلى كسب المال، ننخرط في أنشطة من المفترض بها أن تحقق أهدافا أخرى. ويمكن وصف تلك الأهداف بأنها شعور بالرضا، أو السعادة. وهناك فروق عديدة فيما يراه الأفراد مصدر إشباع، كذلك هناك فروق عديدة في قدرة الأفراد على تقبل مصادر إشباع جديدة؛ لتحل محل المصادر القديمة، ويمثل تغيير مصادر إشباع الفرد عنصرا أساسيا في التغلب على إدمانه. ويعتبر الصراع من عناصر الحياة اليومية أيضا؛ ويحدث عندما يرغب شخص في شيء، بينما يرغب شخص آخر في شيء آخر (كأن تريد هي الذهاب إلى الشاطئ، بينما هو يريد الذهاب إلى المنطقة الجبلية)، أو عندما يرغب الشخص ذاته في شيئين (متضاربين) معا. وفي الإدمان، على سبيل المثال، قد يحدث الصراع بين الرغبة في تعاطي مادة من أجل الشعور بالنشوة، والرغبة في الحفاظ على الصحة في الوقت نفسه. وفي هذه الحالة، يكون إدراك الصراع ودراسته هما الخطوتين الأوليين للسيطرة على الإدمان، تماما كما يعدان الخطوتين الأوليين للسيطرة على غيره من الصراعات. وفي أوقات الصراع، يحتاج طرفا الصراع إلى الجلوس على طاولة المفاوضات ، وطرح حيثياتهما قبل الوصول إلى حل، وستوضح الفصول من ٣ إلى 5 من هذا الكتاب كيفية إجراء ذلك في حالة الإدمان. وكما سأوضح في الفصل 5، إذا لم يكن هناك صراع، لم يكن هناك إدمان؛ ففي ظل ظروف معينة، قد يكون  ما يبدو إدمانا ليس كذلك في واقع الأمر؛ لأنه لا يوجد صراع. ومن الأمثلة التي توضح هذه النقطة إدمان المورفين عند مريض غير مرجو شفاؤه. وعلى عكس أنماط الحياة الشرقية السابق ذكرها، يركز هذا الكتاب على تنمية الرغبة والإشباع، وجعلهما فى مستوى ناضج. وبسبب التقدم فى السن، يمكننا أن نتخلص من المساعي المبكرة أو المبالغ فيها (والرغبات التي تحفزها)، عن طريق تنشئة مساع على الدرجة نفسها من الإشباع، وإن كانت مختلفة عن القديمة؛ ففي عمر الخامسة كان طعامي المفضل المثلجات، وما زلت أستمتع بها حتى الآن، لكن حاسة التذوق لدى نضجت أكثر. ويسمي فرويد هذه العملية من الوصول إلى مصادر ذات درجة أعلى من الإشباع " وهي العملية التي سنناقشها في الفصل الحادى عشر- ب التسامي" ، ومن بين أهداف هذا الكتاب تحويل الرغبة نفسها، وإلا سنصبح عبيدا لرغباتنا بدرجات متفاوتة. وعندما يحفزنا شعور معين (كالجوع)، تحثنا الرغبة على عمل ما نحتاج إليه كي نستمر على قيد الحياة، وكما هي الحال مع الاشتهاء أو الاحتياج، تحفزنا الرغبة على عيش تجارب تقودنا إلى الشعور بالمتعة، والرضا، والنشوة في بعض الأوقات. ودون الرغبة، لن نبقى على قيد الحياة، ولن نسعى إلى أداء أية أنشطة؛ فلن يكون هناك حينها ما يحفزنا على أن نؤدي الأنشطة. ومع ذلك، أحيانا ما تكون الرغبة جامحة، فنفقد السيطرة عليها، ولنا في الإدمان مثال على هذا. ومن الممكن أن ترى بنفسك كيف أدت الرغبة الجامحة إلى معاناة البشرية. وفي حالات الإدمان الحادة، تختلط الرغبات المرتبطة بالشعور بالرضا، وبتلك المرتبطة بالبقاء على قيد الحياة؛ فبمرور الوقت، تقل مستويات شعورنا بالرضا، ومع ذلك نلاحق مصادر إدماننا، وكأن بقاءنا على قيد الحياة يعتمد على تلبية رغبات الإدمان، ولحسن الحظ من الممكن التغلب على هذا الموقف، كما هو مذكور في الفصل التاسع.