في تجربة شهيرة، تم وضع قرد في قفص، وتم وضع الموز خارج القفص عند الاتجاه المعاكس للباب، وبعيداً عن متناول يده. عندما رأى القرد الموز عبر القضبان، تم فتح الباب خلفه. إن ما حدث هو أن القرد مد ذراعه بين القضبان. لقد صارع وقام تقريباً بخلع كتفه، محاولاً باهتياج الإمساك بما كان بعيدًا عن متناول يده. كان من الممكن أن يصارع هناك ساعات، أسابيع، أو أشهر، وسيبقى الموز بعيداً عن متناول يده- كي يحصل على الموز، ما كان

عليه سوى أن يدير له ظهره ويسير عبر الباب المفتوح- إننا نعلم أنه في اللحظة التي اختبر فيها تجربة «آها» ورأى الباب المفتوح، كان النجاح تلقائياً. إنه تجل وحسب لما حدث للتو. في اللحظة التي رأى فيها القرد الباب المفتوح، كان في حكم من امتلك الموز بالفعل. كان يستطيع أن يحصل على الموز ويأكل منه قدر ما يستطيع. إن الشهرة والنجاح يشبهان ذلك تماماً إنهما يحصلان في اللحظة التي ندرك فيها شيئا ما.

إن النجاح هو التعبير التلقائي عما حدث للتو، وما يعتبره العالم شهرة ونجاحاً هما محض رموز وتمثيلات خارجية لما «حدث» للتو.

تكمن الصعوبة في أن العالم يخلط بين «هناك في الخارج» و«هنا في الداخل» .

إنه يعتقد أن المال، النجاح، سيارات الليموزين، وكل ذلك الذي يتماشى مع النجاح هي الأسباب في حين أنها النتائج. من أجل ذلك يسعى الناس، كما القردة، إلى الوصول إلى الموز. إذا نظرنا حولنا، سوف نرى الملايين من الأشخاص الذين يعانون سنة بعد سنة من أجل الوصول إلى الموز، وليس لدينا أدنى فكرة عن السبب. إن النجاح والشهرة، كما السعادة، لا يمكن السعي إليهما مباشرة. لا يمكن تحقيق السعادة من خلال الكفاح، فهي النتيجة التلقائية لإحساس داخلي بالسرور والفرح والرضا.

تأتي السعادة على نحو تلقائي من كونك شخصاً من نوع محدد، ومن تصرفك بطريقة محددة في العالم وتجاه الحياة. إن الشخص السعيد بحق يكون سعيدا بغض النظر عما يحدث معه. لقد كنت غنيا سعيدا، وكنت فقيرا سعيداً. كنت أعزباً سعيداً، وكنت متزوجاً سعيداً، كنت تلميذاً سعيداً، وكنت معلماً سعيداً.

إن مصدر الفرح موجود في كل لحظة، إنه مستقل تماماً عن «هناك في الخارج» . إن النجاح والشهرة يشبهان ذلك تماماً، فهما لا يملكان إلا أن يحدثا. ما أن نشرع في صنعها، حتى تتدحرج كرة الثلج تلقائياً إلى الأسفل، وليس علينا فعل أي شيء آخر حيالها. إذ الدقة والتوازن لا يحتاجان إلى بذل الجهد، و «القوة» أمر سهل، فهي البركة، الاتزان، اليسر، الثقة، اليقين. إن ما يعتمد عليه العالم خطأ هو «الإكراه».

إن أعظم ضاربي كرات البيسبول على مر التاريخ لم يكونوا معروفين بامتلاكهم لعضلات ضخمة. في الواقع، يوجد الملايين من الأشخاص الذين يمتلكون عضلات ذراعين وأكتاف أكبر من اللاعبين النجوم على مر الزمان.

لو كان في استطاعة «الإكراه» تحقيق النجاح، لكان الجميع ناجحاً. إذا بحثنا في السوق التجارية سوف نوى أن الجميع يكرهون أنفسهم على لوصول إلى أقصى حد. أما «القوة» فهي شيء آخر. تصطدم القوة الدافعة للمضرب بالقوة الدافعة للكرة بتلك الدرجة من الدقة والتي هي التأثير الذي يسير الكرة الرابحة.

دعونا ننظر إلى واحد من أعظم المبادئ الذي سوف نعمل عليها وهو الفارق بين القوة والإكراه، فمعرفة الفارق أمر حاسم.

في الحرب العالمية الثانية، حاز الألمان أعظم قوة عسكرية في ذلك الوقت.انتهى المطاف بـ «أدولف هتلر» الذي اعتمد على «الإكراه»، مجنوناً،

منتحراً، مهاناً، ميتاً، ملعوناً من قبل الجنس البشري، كما أنه جلب الهزيمة إلى البلد بأكمله. قد يخلق «الإكراه» وهم النجاح فترة من الزمن، ولكن كما هو الحال لدى كل الشخصيات المشهورة التي تقدم على قتل نفسها، من الواضح أن رموز النجاح ليست هي حقيقة النجاح.

ما هو مصدر «القوة» ؟ إن «القوة» شيء نمتلكه داخل أنفسنا. لقد جسد «وينستون تشرشل» «القوة» عندما قام بتحفيز إرادة الشعب البريطاني.
بالتالي كان هناك مواجهة بين إكراه «هتلر» والقوة، إذ أنه دائماً ما يخسر «الإكراه» عندما دواجه «القوة».

دعونا نأخذ مثالاً آخر يظهر فيه المبدأ على نحو أكثر وضوحاً. كان ذلك في لقاء «قوة» «المهاتما غاندي» ضد «إكراه» الإمبراطورية البريطانية. في
زمن تلك المواجهة، كانت الإمبراطورية البريطانية هي أعظم قوة عسكرية شهدها العالم. لقد حكمت ثلثي الكرة الأرضية، إلا أن شخصاً «ضئيل الجسم» يزن تسعين باونداً محتقراً من قبل منظومتها بسبب لونه، استطاع أن يركعها.

لو أننا فهمنا الفرق بين القوة والإكراه، لكنا تنبأنا بسقوط الإمبراطورية البريطانية، فقط من خلال ذلك الفهم.

لقد انطلق« المهاتما غاندي» من مبدأ ذي حقيقة كونية، وهو المساواة بين جميع الناس بمقتضى طبيعة خلقهم.

هذه هي المبادئ ذاتها التي تعزز دستور «الولايات المتحدة الأمريكية». إن المبدأ الكوني هو القوة المطلقة.

إن ما حفز الإمبراطورية البريطانية كان المصلحة الشخصية، التي كانت محدودة. لم تكن مهتمة بصلاح الجنس البشري بأكمله، أو خدمة الحياة، أو
أي مبدأ كوني آخر ذي «قوة» عظيمة. عوضاً عن ذلك، لم تكن تهتم سوى بخدمة مصالحها الشخصية. عندما تقابل «الإكراه» المحدود في حدود
الذات، والذي تجلى أعظم ما يكون في الإمبراطورية البريطانية، مع «القوة» المطلقة لإرادة «المهاتما غاندي»، والتي وطدت، وحدت، وحفزت إرادة الشعب الهندي، كانت هزيمة الإمبراطورية البريطانية محتومة.

إن جميع الأحداث السياسية وكل ما هو مذكور في كتب التاريخ هي مجرد نتائج، وليست السبب. إذ سرنا الرئيسي الأول هو عكس فهم العالم للسبب والنتيجة، فالسبب والذي هو «القوة» موجود «هنا في الداخل» .

إذ ما نراه في «الخارج» ما هو إلا نتيجة، وهي تلقائية، ولا يمكن لها الا أن تحدث، وذلك بسبب القوانين الكونية للحياة. يخطئ العالم عندما يحسد على النتائج. إنه يحاول التقليد، ولكنه لا يعرف ماذا يقلد. كي ننجح في حياتنا، علينا أن نقلد السبب وليس النتيجة.

إذ امتلاك الموز هو العاقبة، أي النتيجة. إن «المظهر الخارجي» للنجاح، هو وحده الذي يعرف ما هو موجود «هنا في الداخل» .حالما نمتلك سر النجاح، الذى هو تجربة «آها» عند اكتشاف الباب المفتوح، سوف نسعد أنفسنا من خلال جعله أو عدم جعله يتجلى في حياتنا كما يحلو لنا. ما إن نحقق البراعة الداخلية، لن يكون علينا إثباتها بعد الآن. إن المتمرس الحقيقي في فن «الكاراتيه» لا يخرج إلى الشارع بحثا عن الشجارات، وفي المقابل، إن اقترب منه شخص عنيف، فسوف يلقنه درساً.

إنه يلجأ إلى عشرات الطرق كي يتجنب المواجهة، لأنه يمتلك يقيناً مطلقاً ومعرفة داخلية بقدرته. إن المعتدي لا يعرف ذلك، ولكنه يستطيع كسر عنقه
بضربة واحدة.

إن النجاح، كما الفنون القتالية، سهل للغاية. إنه البركة، اليسر، الاتزان، الدقة، التركيز. إنه وضع الشخص لأصبعه على المركز أو الجوهر الصحيح.
إنه ليس الخلط بين السبب والنتيجة، ذلك هو الفارق. إن أحد أسرار معرفة إن كنت حققت هذا أم لا هو حضور الفرح. إذا كنا متعبين ومنهكين في نهاية
اليوم، فإن ذلك نابع من عمل القرد في محاولة انتزاع الموز. يشق العالم طريقه إلى بابنا عندما نخترع منتجاً أفضل، ولا حاجة بنا إلى إرهاق أدمغتنا.
كم يستغرق الوصول إلى النجاح؟ إنه يستغرق بالضبط جزءا من الثانية. على الرغم من أن قراءة هذه الكلمات قد يستغرق بعض الوقت على سبيل المثال،
إلا أن «فهمها» الفعلي يستغرق جزءاً فقط من الثانية.

في لحظة مجهولة، ينفتح الباب ويختبر الشخص التجربة الداخلية التي تفيد أنه كان دائماً يعلم. ما إن بدأ الرجل الذي ذكرته سابقاً في الكتاب في الرقص حتى اكتشف أنه كان يعرف كيفية ذلك مسبقاً، ما الذي حدث على الصعيد النفسي، العصبي،
التشريحي؟ هل كان الأمر أن الدماغ الأيسر قد اتصل مع الدماغ الأيمن؟ هل فتح الباب بينهما؟ إن الدماغ الأيمن الذي يشبه الحاسوب التناظري والمرتبط
بمعرفة كل شيء، لم يكن متصلاً مع الدماغ الأيسر الذي يشبه الحاسوب الرقمي انه محدود ولكنه قادر على المعالجة الخطية للبيانات. إن الرقص
بالنسبة إلى الدماغ الأيسر هو أمر مزعج، شاق، ممل، متعب، وغير ممتع.

يرهق الدماغ الأيسر نفسه، وسوف يرهقنا سعياً وراء الموز. إنه ببساطة يكتفي بالوصول إلى بضع حبات من الموز حتى يستمر في المصارعة. بطريقة
ما، من المؤسف أن يصل القرد إلى حبة موز واحدة من القرط، لأنه حينذاك هالك لا محالة، فما إن يمر بهذه التجربة مرة واحدة، حتى يغدو متأكداً من أن
الطريقة التي يحصل فيها على الموز هي المصارعة مع القضبان. سوف يتم تسييره من قبل ذلك البرنامج بقية حياته.

أصبحنا ندرك الآن حالة العالم والسبب فيما هو عليه. سوف يكون بالطبع قرداً محظوظاً جداً بالتأكيد إذا صارع وسقط مجهداً، ثم وقع نظره، وهو في حالته المرهقة، على الباب ورأى أمامه النور. لقد حصل معظم العالم على قدر من الموز كفيل بجعلهم يحبسون أنفسهم على الدوام في مكانهم ذاته، ولذلك ليس ثمة منافسة في عالم النجاح الحقيقي.

أريد أن أعزز هذه الفكرة: في عالم النجاح الحقيقي ليس ثمة منافسة. عندما نصل إلى قمة أي شيء، لا يكون هناك منافسة، بل يوجد قلة قليلة عند قمة

الهرم. إن العالم بالنسبة إلى أولئك الذين عند القمة هو محارتهم. ما المشكلة؟

إذا كان أحدهم يمتلك أفضل مطعم في المدينة، فهو ليس مضطراً لأن يصارع من أجل النجاح، فهو تلقائي، والأشخاص يقفون في الصف عند الباب. إذا كان شخص ما هو أفضل ميكانيكي في المدينة، هل سيكون لديه مشكلة في إيجاد عمل؟ كلا، فكواً مكان تصليح في المدينة سوف يعرض عليه فرصةالعمل لديه، لان الزبائن الذين اكتسبهم خلال تلك الفترة سوف يتبعونه.

لقد كان هناك ميكانيكي في المدينة الصغيرة حيث كنت أعيش، وكان يستطيع تقريباً الحصول على عمل في أي مرآب في المدينة‘ وكان لديه جمهور ضخم.

كان الزبائن يتبعونه أنى ذهب، فقد كان الأفضل، وكان الجميع يعلم ذلك.

يسوق الأشخاص أي عذر من أجل تجنب مواجهة القضايا الرئيسية المتضمنة هنا. سوف يسألون: «كيف أستطيع أن أكون ناجحاً في هذا العالم وأنا لم أحصل أي تعليم؟ ما أنا إلا مجرد نادل»، حسنا، دعونا ننظر إلى الندل. كنت أعرف بضع أشخاص من المنطقة الشرقية والذين يعملون رؤساء ندل في بعض أكثر نوادي البلد أهمية- أتذكر أنني في إحدى الليالي في الثانية صباحا كنت واقفاً في الخارج أتحدث إلى أحدهم عندما توقفت سيارة النادي.

لقد أدهشني كثيراً أن رئيس الندل كان من يركب في السيارة. لقد كانت سيارته «الليموزين»! أما مالك المطعم فقد غادر إلى المنزل قبل ذلك بساعات. كان رئيس الندل في المطعم يجني مئة ألف دولار في السنة. من أجل ذلك، إذا كنت ستصبح نادلاً، كن أفضل نادل شهده العالم على الإطلاق. عامل جميع الزبائن كما لو أنهم من الطبقة الملكية، وسوف يكون نجاحك مضمونا.

نستطيع أن نرى كيف أن نجاح رئيس الندل أت من «الطريقة التي يتعامل فيها مع الآخرين. بالطبع، إذ عليه معرفة آليات العمل، هذا شيء بديهي، ولكن الفارق هنا يتعلق كلياً بالسلوك، الطاقة، الحافز، والعمل انطلاقاً من «القوة».

يعمل النادل الفقير انطلاقاً من الطمع، فهو يصارع من أجل الموز، أما رئيس الندل الحقيقي فليس مضطراً للقلق حيال المال البتة. أليس كذلك؟ إنه يعطي، ويحقق الإتقان.

إذا قمنا بتحقيق الإتقان في العالم، لن يتوجب علينا القلق حيال المال على الإطلاق، فسوف يسعى العالم إلينا. لن يتوجب علينا البحث عن وظائف. سوف تتصل بنا الشركات الأخرى على نحو مستمر وسوف تلاحقنا لأننا نمتلك ما يريدونه، إننا نمتلك الدراية. حالما نعرف كيف نصبح ناجحين حقاً في ميدان من ميادين الحياة، نستطيع أن نصبح ناجحين في أي ميدان آخر إذا اخترنا ذلك وإن كان يسعدنا، فالتقنية هي ذاتها.

لقد كانت «إيديث بياف» واحدة من أعظم الفنانين الذين شهدهم العالم في أي وقت مضى، فقد كانت الفنانة الوحيدة على الإطلاق التي رأيتها تنال إعجاب جمهور نادي «نيويورك» صعب الإرضاء.

لم يكن هناك عين جافة في المسرح عندما كانت تغني، فقد امتلكت الجمهور بأكمله في راحة يدها لقد امتلكت «القوة»، وامتلكت القدرة على تحفيزنا، تشويقنا، أسرنا، بالإضافة إلى إعادة إيقاظ تجاربنا الشعورية الداخلية المنسية منذ زمن طويل. لم يكن أحد يفهم كلماتها حتى، لآنها كانت تغني بالفرنسية.

إن سر جميع الأشخاص الناجحين هو أنهم يمتلكون «ذاك» السر. إن غاية هذا الكتاب هي اكتشاف حقيقة «ذاك» السر. يملك بعض الأشخاص «ذاك»، لكنهم لا يعرفون أنهم يمتلكونه، وهم غير واعين وغير مدركين له.

جميعنا يعرف أشخاصاً يمتلكون هبات عظيمة في بعض الجوانب، وإذا سألناهم كيف يفعلونها، سوف يقولون إنهم لا يعرفون كيف يقومون بذلك، إنهم يقومون بذلك وحسب. بالنسبة إليهم ما من حال آخر يكونون عليه. إنها ببساطة حقيقتهم.

يعود سبب فشل الكتب التي تدور حول كيفية الوصول إلى النجاح في تحقيق أهدافها إلى أنها تحاول وصف نمط الدماغ الأيسر. إنها تتضمن آليات الانطلاق من السبب والنتيجة، لكنها لا تزال لم تضع إصبعها على السبب.

لقد قمت مره بحجز من أجل منظمة، إلا أن ممثلهم كان قلقاً من أننا لن نبيع جميع المقاعد في المسرح. لم أكن لأقوم بذلك في المقام الأول لو لم أكن متأكدا مئة في المئة من أن الأمر ناجح. لقد أخبرت الشخص أن يسترخي، على الرغم من أنني كنت أعلم أنه لا يستطيع ذلك. بالتأكيد، كان المسرح لاحقا عبارة عن غرفة للوقوف فقط وكان النجاح ساحقاً، ولم لا يكون؟

إن كل ما نفعله انطلاقاً من ميدان المعرفة الداخلية سوف يكون مؤكدا حتى قبل أن يحدث. عندما نكون على المسار الصحيح، يكون لدينا يقين المعرفة الداخلي المطلق وتكون النتائج واضحة مسبقاً بالنسبة إلينا. لقد تم تشييد مبنى «إمباير ستيت» منذ اللحظة التي تم فيها الاتفاق على التوحد خلف فكرة تشييد أطول مبنى في العالم "في ذلك الوقت".

لقد كان ذلك المفهوم، ذلك الاتفاق، تلك الفكرة، تلك الرؤية، يحوي في داخله «القوة» الكافية لحشد آلاف العمال وملايين الدولارات، كي يصبح ذا شهرة عالمية وأحد أهم المواقع السياحية في نيويورك. أما جمع الأموال من البنوك، وجمع العمال، المهندسين، المصممين المعماريين، ومواد البناء فلا يعدو كونه النتيجة التي تجلت في هذا العالم، والتي تم حشدها، تنظيمها، وترسيخها من خلال «القوة» الكامنة خلفها.

إن أحد الأمور التي نلاحظها فيما يتعلق بقوانين الفيزياء وقوانين الكون هو أن «الإكراه» يخلق قوة مضادة، وهناك يكمن السبب في كوننا متعبين. إذا نظرنا إلى الأمر، نستطيع أن ندرك أن الإكراه غير ممكن من دون قوة مضادة.

لا يمكن لأي شيء أن يضغط على شيء آخر، ما لم يكن هناك ما يقاومه. إذا لم يكن هناك مقاومة، ليس ثمة ضغط. تتولد الحركة من التوازن الدقيق بين هاتين القوتين. تأتي قوة دفع محرك الطائرة النفاثة من القوة الرافعة للفراغ الناجم عن سرعة الهواء عند السطح العلوي لأجنحة الطائرة في مقابل مقاومة الهواء في الغلاف الجوي. إن السرعة هي الفارق بين هاتين القوتين، ولذلك ينتج عن الإكراه قوة مضادة.

إن سر القوة هو أنه ليس ثمة مقاومة لها!

هناك أسطورة يونانية تتحدث عن «سيزيف» الذي يحاول دحرجة الصخرة إلى أعلى التل عكس قوة الجاذبية.

إن حركة الصخرة هو الفرق القابل للحساب رياضياً بين القوة التصاعدية للقوة العضلية والقوة التنازلية للجاذبية.

إذا تغلبت القوة الأولى على القوة الثانية، سوف تتحرك الصخرة إلى أعلى التل، وإذا تم عكس التوازن، تتدحرج الصخرة إلى أسفل التل.

إن محاولة تسلق سلم النجاح والوصول إلى الذروة من خلال «الإكراه» شبيه بالقيام بلعبة «سيزيف»، فكن ما حصل عليه كان حالة سيئة من داء البواسير.

بالطبع جميعنا نعلم النهاية الحقيقية لقصة «سيزيف» ، فقد بدأ يتعاطى المسكرات بشراهة بالإضافة إلى تعاطي الكثير من المخدرات، ومات بسبب جرعة زائدة.

ذهب قسط كبير من الناس في ذلك الاتجاه، أليس كذلك؟ لقد كان لديهم تلك الومضة من النجاح الظاهري ثم ضيعوا الفرصة.

لقد بدا لوهلة أنهم يمتلكونه لكنهم لم يكونوا كذلك في حقيقة الأمر. لماذا نقلدهم؟ إننا لسنا مهتمين بالنظر إلى الأمور بالمقاطع العرضية فقط، وانما بالمقاطع الطولية. إن دليل النجاح هو كيفية تجليه في النهاية.

إن الطيران عبر الهواء ثم الوصول إلى الانهيار ليست هي الطريقة التي نريد اتباعها. مع هذا فإن معظم الأشخاص في العالم يقومون بهذا، أليس كذلك؟ إنهم لا يطيقون الانتظار حتى يفرغوا من قراءة المجلات السخيفة كي يسارعوا إلى شراء الفستان ذاته، نوع السيارة نفسه، الذهاب إلى المطاعم نفسها، ذكر الأسماء نفسها، محاولة الظهور في الصحيفة نفسها التي يظهر فيها أولئك الذين يقرؤون عنهم. إن هذا الأمر عقيم، أليس كذلك؟

لا تأتي «القوة» من الوقائع، المواقف، أو امتلاك أي شيء «هناك في الخارج» .تأتي «القوة» من الموقف الداخلي المتعلق بتلك الأمور. إذا نظرنا إلى أي من الوقائع في العالم، سوف نرى أنه ليس ثمة «قوة» فيها.

إن ما منح تلك الوقائع «القوة» كان كيفية تفاعلنا معها، وشعورنا تجاهها، ومدى تأثيرها علينا. لقد كان سلوكنا بالمجمل تجاهها، هو ما حدد التجربة. إن الموسيقى الصاخبة مزعجة بالنسبة إلى بعض الأشخاص ومبهجة بالنسبة إلى البعض الآخر، والميزة ليست في «هناك في الخارج»، وإنما هي في داخل أنفسنا، ولذلك فإن النجاح هو أسلوب التعامل مع الأشياء. انه مجموعة من السلوكيات، وهو أسلوب. انه العزم على أن نكون محفزين على نحو صحيح ونتبنى الرؤية المناسبة. إن هذه العوامل سوف تضمن النجاح على نحو تلقائي، وليس علينا فعل أي شيء حيال الأمر. إذا امتلكنا السلوك الصحيح، سوف يسعى الجميع إلينا، وسوف يرغب الجميع في أن يكون معنا. سوف يترقب الجميع القدوم إلى حفلاتنا، وسوف نتوقف عن القلق إن كان الأشخاص سيأتون إلى الحفلة، كحال معظم المضيفين والمضيفات. سوف نعلم أن العكس هو الصحيح، ما لم نبقهم بعيداً، فسيكون المكان مزدحماً .

أنا واثق أننا حصلناً سابقاً على بعض الموز. لكن ما أنا قلق حياله هو أننا لا نمتلك أقراطاً منه. إذا عشنا على جزيرة استوائية من أشجار الموز غير
المتناهية، لن يكون هناك داع في الحقيقة لتخزينها. إذا جمعنا الموز أو خبأناه على نحو سري في مكان ما، فإن القرية بأكملها سوف تعتقد أننا مجانين.

حالما نفهم عما يتحدث هذا الكتاب وننظر حولنا، سوف نصاب بالذهول. إن جميع هؤلاء الأشخاص يقومون بتكديس الموز بينما نحن نمشي عبر أشجار
الموز. سوف نرى أيضاً كم أن هذا الأمر محزن، فجميع الأشخاص العطشى يجلسون في بركة من الماء، وجميع الأشخاص المفتقدين للحب محاطون

بالحب، وجميع الأشخاص الفقراء محاطون بالمال، وجميع الأشخاص الفاشلين محاطون بالنجاح، وجميع أولئك اليائسين محاطون بالفرص، الأمر
الوحيد هو أنهم ببساطة عاجزون عن رؤيتها - يقال في الأسطورة إن "بوذا " أهدى الاستنارة، دون التفوه بأي كلمة، إلى مريده «ماهاكاسيابا».

في تلك اللحظة العظيمة من التاريخ، قام «بوذا» بصمت بإعطائه زهرة، وفى تلك اللحظة، أصبح «ماهاكاسيابا» مستنيرا. لم يكن هناك سعي، محاولة، تدريب، أو بذل جهد من أجل الاستنارة. لم يكن ثمة ما يتعلق بأمر من أمور الدماغ الأيسر. لقد كانت لحظة «آها» مفاجئة،

وكانت «تجربة» على نحو كامل وتام. لقد جاء «بوذا» انطلاقاً من يقين المعرفة بأن «ماهاكاسيابا» كان مستنيرا

مسبقاً لكنه لم يدرك ذلك. حسناً، إننا لا نعلم إن قام «ماهاكاسيابا» بالخروج واقتناء سيارة ليموزين أم لا بعد أن «فهم الامر»، لكن من الواضح من القصة أن الأمر غير مهم. إذا اعتقد أنها تخدم هدفاً ما في هذا العالم، أنا متأكد أنه كان ليبتاع واحدة. إن البرهان الواضح مما حدث هو أننا عندما نمتلك كل شيء، فلا نحتاج إلى أي شيء. إن هذا يجعلنا ننظر إلى مجمل المأزق، الحصار، والعائق المتمثل في

« الحاجة» . إن الرغبة في جوهرها العميق هي إنكار لحقيقة أنفسنا. إنها تفيد أننا لا نعرف أمراً ما، بينما في الحقيقة نحن نعرفه، وكل ما هنالك أئنا
لسنا متصلين معه. عندما نملك كل شيء، لن نحتاج أي شيء. عندما نمتلك الوصفة، لن نكون في حاجة إلى تنفيذها، ومع ذلك، نحن أحرار تمام الحرية
في تطبيقها إذا ما رغبنا. مهما بذلنا من جهد وحركنا أعيننا في جميع الاتجاهات، فلن نستطيع رؤية

مؤخرة رؤوسنا. إن رؤية مؤخرة رؤوسنا تحصل من مبدأ مختلف تماماً، فهي تتطلب مرآة. هذه هي الغاية من العالم. إن العالم هو مجرد مرآة نستطيع من خلالها رؤية مؤخرة رؤوسنا. إن ما نراه على أنه عالمنا الخاص ما هو إلا نعكاس للمبادئ التي طالما كنا نتبناها على مستوى «السبب»، والذي هو

موجود داخل تفكيرنا. يحدث النجاح على نحو تلقائي من خلال معرفة أي تبحث. ليس عم تبحث، بل أين تبحث.

يجب ألا ننظر إلى ما نملكه، أو حثى إلى ما نفعله، بل ننظر إلى من نكون. حالما نجد في داخلنا ما كنا نبحث عنه، لن يكون علينا أن نتكلف عناء البحث «هناك في الخارج» . بطريقة غريبة، إن أقرب صلة بين الأمور في العقل اللاوعي هو النقيض بنسبة

180 درجة. إننا نحصل على حلول الكثير من المشكلات إذا قمنا فقط بالتبديل بين العربة والحصان.

إذا استطعنا للحظة واحدة إيقاف أنظمة معتقداتنا فيما يتعلق بالسبب والنتيجة، والافتراض لمصلحة التمرين أنهما معكوسان، فسوف تكشف الإجابات عن نفسها في لحظة. نحصل حينها على شعور «آها». لقد ذكر «فرويد» ذلك في كتابه عن الأحلام في مطلع القرن العشرين: لقد كانت إحدى أليات العقل اللاوعي هي تمويه الشيء على أنه نقيضه. إن قلب قطعة النقود المعدنية هو أحد أسرار النجاح.

حسناً، لقد أجهدنا تفكيرنا كثيرا فيما يبدو أنه نظرية. يبدو أن النظرية قد تكون غامضة، نفسية، غير عملية، أو وجودية، أو بعض المصطلحات الأخرى

التي يقوم تفكيرنا---