أسوار مدينة مسقط القديمة

أ. الأسوار

كانت مدينة مسقط قديمًا وقبل مجىء البرتغاليين إليها، تُحاط بواسطة سور دفاعي قوامه مجموعة من القطع الخشبية مسنودة بواسطة كتل كبيرة من الأحجار، فيما كان يقع خلفه أيضًا سور آخر من الخشب مسنود أيضًا بواسطة الأحجار وكتل صخرية، حيث كان يصل ارتفاع هذا السور حوالي عشرين ذراعًا، فيما بلغ عرضه حوالي عشرة أذرع([1])، فضلا عن إحاطة المدينة بكتل كبيرة من الصخور والتلال الجبيلة العالية والتي كانت وما تزال حتي الان تشكل بهيئتها تحصينات طبيعة لها([2])، ولقد استطاعت هذه الأسوار ان تقاوم القوات البرتغالية ونيران مدافعهم لفترة وجيزة حتي تم لهم اقتحام المدينة([3])، وعقب دخول البرتغاليون عُمان (913هــ / 1507م) عمد " البوكيرك " قائد القوات البرتغالية حين ذاك، إلي إعادة إنشاء مجموعة من الأسوار تعمل علي حماية المدينة من الهجمات البرية، فتطلع "دوم جواو دا لسبوا " قائد قوات مسقط البرتغالي إلي بناء الأسوار التي كانت تحيط بمسقط من الجهة الجنوبية الشرقية حتي أقصي الشمال الغربي عند ملتقي الصخور، ولقد لعب هذا السور دورا بارز الأهمية في عملية التصدي لهجوم "مير علي بك التركي" إثر الحملة التي توجهت الي مسقط من ميناء عدن عام (988هـ/ 1580م)([4])، ومن الملاحظ أن أسوار مسقط التي شيدت قبيل هذه الفترة كانت تحتوي علي ثلاث بوابات للدخول، وعقب الهجوم السافر الذي لحق بالقوات البرتغالية علي يد "علي بك التركي"، تطلع قائد القوات البرتغالية إلي ضرورة حماية الخط الساحلي المطل علي بحر عُمان من أي هجوم آخر، فأصدر أوامره ببناء قلعتي الجلالي عام (995هــ/ 1587م) والميراني جهة الغرب عام (996هــ/ 1588م) (لوحة1).

ونتيجة لتدهور الأوضاع السياسية بالنسبة للبرتغاليين في منطقة الخليج العربي قبيل عام (1029هـ/1622) ميلادي، وذلك على إثر فقدانهم "هـــرمز" أحد النقاط الارتكازية الهامة للبرتغاليين في الخليج نتيجة اتفاقية فارسية انجليزية، تم تعين "روي" قائدًا عامًا للقوات البرتغالية في عُمان والخليج العربي، وبناء على ذلك اتخذا من مسقط ومدن الساحل العُماني قواعد عسكرية له كي ينطلق منها في محاولة لاستعادة هرمز مرة اخري([5]).

 ولذلك شرع روي خلال سنوات (1623 - 1626م)، في توسيع الإنشاءات الدفاعية وإعادة اصلاحها ممثلة في إعادة بناء السور الذي يحيط بمنطقة مسقط تتخلل أسواره ست معاقل دفاعية وله بوابتان فقط، ويتضح ذلك من الوصف العام الذي قام به (أنطونيو دي ماريز) والذي استعمل فيه لوحات الفنان العالمي (دي ريسنده) الذي وصف فيها مسقط قبيل عام (1042هـ/1635م)، وأرسل منها نسخة إلي ملك البرتغال فليب الثاني ضمن كتابات "بوكارو"([6]) يتضح من الوصف العام الذي رسمه "دي ريسنده" أن السور الذي بني قبيل عام (1623- 1626م) كان عبارة عن قوس يصل بين الجبلين علي طرفي المدينة الشرقي والغربي وبه ستة معاقل اثنين منها عند طرفي السور الشرقي والغربي، والاربعة معاقل الأخرى موزعة علي مسافات متساوية بامتداد السور(لوحة 4)، ومن الموكد أن سور مدينة مسقط قبل تجديدات روي عام (1623-1626م) كان به ثلاثة بوابات، إذا عندما هاجم علي بك شلبي أسور المدينة قسم قواته إلي ثلاثة مجموعات علي الأبواب الثلاثة للمدينة قبيل عام (988هـ/1581م)([7]).

ولكن هذا السور تغيّر جملة وتفصيلا عقب دخول اليعاربة مسقط، حيث أسفرت المفاوضات التي أجريت بين البرتغاليين والقوات العُمانية بقيادة "سعيد بن خليفة" على إثر حصاره مسقط ما يقرب من30 يوما عام (1648م)، والتي انتهت ونصت على إزالة سور مسقط من الوجود، وهو ما أكد على ذلك التقرير الذي قام به "كامبفر" عندما زار مسقط عام (1095هـ/1688م)، والذي اتضح من خلال هذا التقرير والصور الواردة فيه على عدم مطابقتها للسور الذي شيد عام (1623-1626م)، وانه أقرب منه إلى السور الحالي للمدينة ([8]) (لوحة 5).

أما السور الحالي لمدينة مسقط يتكون من ضلعين الغربي والجنوبي يتخللهما أبراج دائرية المسقط (لوحات 6-7ـ8ـ9)، فتحا بهما ثلاثة مداخل يقع الأول منها أقصى شمال الضلع الغربي ويسمي باب المثاعيب، والتي تمتد الأسوار من سمت جدرانه إلي أقصى سمت جدران المدخل الكبير أقصى جنوب الضلع ذاته بمسافة تصل حوالي (600 متر)([9]) وبنهاية الضلع الغربي يبدأ ضلع صغير يقطع زاوية التقاء الضلعين الغربي والجنوبي يبلغ طوله (200متر) يصل إلي برج كبريتا، فيما يمتد الضلع الثالث من برج كبريتا باتجاه الشرق حوالي (300متر)([10])، تم بناء هذا السور بواسطة قوالب حجرية مشذبة تم اقتطاعها من الصخر وتهيئتها بشكل يسمح لها في البناء بمداميك تعلو بعضها البعض مع استخدم مواد جيرية ورملية، فيما يصل ارتفاع السور ما يقارب الأربعة أمتار تعلوها شرافات.

تحتوي هذه الأسوار على ثلاثة مداخل، الأول منها يقع في الركن الشمالي الغربي أسفل قلعة الميراني ويعرف باسم (باب المثاعيب)([11]) تتألف هذه البوابة من مدخلين كبيرين ذاتا عقود مدببة يحدهما من الأركان فتحتي عقد مدببتين صغيرتين لأفراد المشاة، فيما يعلو البوابة من الناحيتين صف من الشرافات تزين الجزء العلوي لها (لوحة10)، يمتد من هذه البوابة جهة الشرق شارع عرف باسمها أسفل قلعة الميراني كما يؤدي إلي القصر الملكي بنهايته، علي نفس امتداد خط طول الأسوار جهة الجنوب بنهاية الضلع الغربي يوجد المدخل الكبير الذي تقع أمامه حارة الدخيل، يتألف هذا المدخل من فتحة متسعة يتوجها عقد مدبب الهيئة يوجد خلفه في السقف فتحة بسعة المدخل تستخدم في صب المواد الحارقة كما يكتنف المدخل من الأركان نصفًا برج([12]).

ولقد تغير اسم هذا الباب ليصبح مدخل الطويان بعد توسعيه قبيل عام (1355هـــ/ 1936م)، فيما يقع المدخل الثالث إلي جهة الشرق ويبتعد عن المدخل الرئيسي بمسافة تصل قرابة (300 متر) يتألف من مدخل توج بعقد مدبب يغلق عليه مصرعان من الخشب يمتاز ببروزه إلي الخارج قليلا عن سمت جدران السور، يعلو مدخله فتحة ذات عقد دائري يحدها من الأركان مزغلين مستطيلا الشكل فيما يعلوا ذلك صف من الشرافات مستطيلة الهيئة (لوحتان 11ــ 12)، يتخلل السور ثمانية أبراج مستديرة الشكل([13])، تتألف من طابقين الأول منها مصمت الشكل فيما يحتوي الطابق الثاني علي غرف ودهاليز لإقامة الجند، ويتخلل هذا الطابق مجموعة من فتحات المزاغل يعلوها صف من الشرافات[14](لوحة 13).

 

(2) حنظل، فالح (1997). العرب والبرتغال في التاريخ، الأمارة العربية المتحدة، أبو ظبي، الطبعة الاولي: منشورات المجمع الثقافي، ص175.

(3) ماهر، سعاد (1980). العمارة الإسلامية، ص202.

(4) انتهت خطة الهجوم على مسقط بقيادة "البوكيرك" بان يهاجم المدينة بواسطة محورين ورتلين من جنوده، المحور الأول يقوده هو بنفسه، والثاني تحت قيادة الضابط" افونسو لوباز" على أن يمهد لإقتحام المدينة بواسطة قصف مدفعي تقوم به السفن من جهة البحر، وفي صباح اليوم التالي باشرت مدفعية الأسطول قصف دفاعات مسقط ونزلت الوحدات المهاجمة فكانت وحدة " البوكيرك " على الجناح الايسر للمدينة ووحدات بقية الضباط على الجناح الأيمن، وعندما وصلت الوحدة التي يقودها "  افونسو لوباز"  إلي أسوار المدينة الخشبية، فتح نيران المدافع بتجاه الأسوار إلا أن طلقات المدافع لم توثر علي أسوار المدينة في بداية الامر، كما عمدا المدافعون من أهل مسقط علي يرشقون المهاجمين بواسطة الحجارة والسهام والمجانيق  حتي أصيب القائد "افونسو لوباز" بجرح فيما قتل خمسة من جنوده، فيما استطعت وحدة "البوكيرك" احداث ثغرة في سور المدينة واقتحامها واجبار المدافعين علي الانسحاب، الإمر الذي إدي إلي انسحاب القوات العربية التي كانت تدافع امام محور هجوم اليسار البرتغالي أيضا، فيما تعقب البرتغاليين العرب داخل ازقة المدينة وشوارعها عقب اقتحامها مباشرة، ولقد انسحب المدافعين من بني جابر الي الجبال والشعاب المحيطة بالمدينة وبقيت المدينة خالية الا من النساء والأطفال والشيوخ، حيث= =ارتكبت قوات "البوكيرك" افظع أنواع الجرائم في مسقط حين ذاك من قتل للنساء والاطفال والشيوخ وحرق للبيوت والمنازل. للمزيد انظر، حنظل، فالح (1997). العرب والبرتغال في التاريخ، ص-ص179،178،177،176.

(1) فقد نزل علي بك مع مائة وخمسين رجلا في مدخل الخليج وأرسل السفن إلى ميناء مسقط كي تقصف المدينة عند الفجر بغية صرف الأنظار عن الهجوم الرئيسي، فيما توجه علي بك وقواته إلى أسوار مسقط وانقسموا الي ثلاث مجموعات أسند إلى كل مجموعة مهمة خاصة بكل بوابة من البوابات الثلاثة إلى أن ينتظر إطلاق النيران من البحر كشارة للبدء، وقد تم له اقتحام البوابات بسرعة حيث كان الهدف الرئيسي له جمع الغنائم، الأمر الذي لم يستغرق أكثر من يوم واحد، للمزيد انظر، مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء (1994). القلاع والحصون في عُمان، ص79.

(2) بدر، حمزة عبد العزيز (2000). القلاع والحصون العُمانية وعلاقتها بالطرز البرتغالية، بحث منشور في المجلة العلمية لجمعية الآثاريين العرب، العدد الأول، القاهرة، ص66.

(1) القاسمي، سلطان بن محمد (2009). وصف قلعة مسقط وقلاع اخري علي ساحل خليج عمان، الامارات العربية المتحدة، منشورات القاسمي: مكتبة الشارقة، ص-ص 7،6،5.

(2) بدر، حمزة (2000). القلاع والحصون العمانية، ص63.

(3) وايز جربر، جي (1984). مسقط في عام 1688م، تقارير ورسومات انجلبرت كامبفر، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عُمان، سلسلة ترثنا، العدد 57، الطبعة الثالثة، ص11

(4) ماهر، سعاد (1980). العمارة الإسلامية، ص203.

(1) وزارة التراث والثقافة (2013). الموسوعة العُمانية، عشرة اجزاء،9، سلطنة عُمان، مسقط، ص3327.

(2) ماهر، سعاد (1980). العمارة الإسلامية، ص203.

(3) ماهر، سعاد (1980). العمارة الإسلامية، ص204.

(4) وزارة التراث والثقافة (2013). الموسوعة العُمانية، ص3328

(5) ماهر، سعاد (1980). العمارة الإسلامية، ص204.