أولا: البحث والعلم (Research and science)

  1. تعريف البحث

- لغة: الزيادة المتصلة. ومنه قولهم: مدَّه نهر آخر؛ أي زاده فيه وواصله، وهو الطلب والتفتيش والتتبع والتحري، قال الله تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ)، سورة المائدة: 131.

- اصطلاحا: المعلومات الناتجة والدراسة المبنية على تقص وتتبع لموضوع معين وفق منهج خاص لتحقيق هدف معين: من إضافة جديد أو جمع متفرق أو ترتيب مختلط أو غير ذلك من أهداف البحث العلمي.

والبحث هو تجميع منظم لجميع المعلومات المتوفرة لدى كاتب البحث عن موضوع معين وترتيبها بصورة جيدة بحيث تدعم المعلومات السابقة أو تصبح أكثر نقاء ووضوحا، وهو عملية استقصاء منظمة ودقيقة لجمع الشواهد والأدلة، بهدف اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة أو تكميل ناقص أو تصحيح خطأ، على أن يتقيد الباحث بإتباع خطوات للبحث العلمي وأن يختار المنهج والأدوات اللازمة للبحث وجمع المعلومات.

وللبحث العلمي ثلاثة أركان لا يقوم إلا عليها، و كل واحد منها يمثل أمرا مهما في ظهوره بالمظهر الذي ينبغي أن يكون عليه وهي الموضوع والمنهج والشكل:

أ. الموضوع (Subject)

هو محور الدراسة، وهو عبارة عن الفكرة أو المسألة أو القضية المقصودة بالبحث.

ب. المنهج (Approach)

يتمثل في ترتيب المعلومات ترتيبا محكما وفي التزام الموضوعية التامة واستعمال المعلومات استعمالا صحيحا في أسلوب علمي سليم، وفي طريقة العرض وتأييد القضايا المعروضة بالأدلة المقنعة وتوضيحها بالأمثلة دون إجحاف لبعضها أو تحيز للبعض الآخر .

أما مفهوم المنهج فيعتبر في جميع حقول المعرفة واحد، والهدف هو التوفيق بين النشاط الذاتي المبدع، والمعلومات الأولية والوسائل التي تظهر في سياق البحث، على أن فضائل البحث عامة، فهي فضائل متصلة بالتكوين السليم للإنسان، ومن ثم بالإنسانية جمعاء.

والمنهج العلمي هو الدراسة الفكرية الواعية للمناهج المختلفة التي تطبق في مختلف العلوم وفقا لاختلاف موضوعات هذه العلوم، وهي قسم من أقسام المنطق، والمنهج هو خطوات منظمة يتبعها الباحث أو الدارس في معالجة الموضوعات التي يقوم بدراستها، إلى أن يصل إلى نتيجة معينة، أي أن المنهج هو الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم المختلفة عن طريق جملة من القواعد العامة التي تسيطر على سير العقل.

يلعب منهج البحث دورا أساسيا في تدوين معلومات البحث، فهو يلزم الباحث على عدم إبداء رأيه الشخصي دون تعزيزه بآراء لها قيمتها، والتقيد بإخضاع أي رأي للنقاش مهما كانت درجة الثقة به، إذ لا توجد حقيقة راهنة بذاتها، وضرورة تقيد الباحث بالدقة في الاعتماد على الروايات والاقتباسات أو التواريخ غير الواضحة أو غير الدقيقة، وكذلك ضرورة الدقة في شرح المدلولات التي يسوقها الباحث، وباختصار ينبغي،  أن يتحلى الباحث بالصبر على ما قد يبعثه البحث أحيانا في النفس من شعور بالغربة والوحشة، وما قد يعنيه من وحدة وانعزال وتأمل.

والمعرفة العلمية هي معرفة يمكن إثباتها عن طريق كل من العقل والتجربة (الملاحظة)، كما أن الصلاحية المنطقية ووسيلة التحقق التجريبية هما المعياران اللذان يستخدمهما العلماء لتقويم المسعى في سبيل المعرفة، وهذان المعياران يُترجمان في أنشطة البحث التي يقوم بها العلماء من خلال عملية البحث، ومن هنا يمكن النظر إلى عملية البحث على أنها المخطط الشامل للأنشطة العلمية التي ينشغل فيها العلماء لتحقيق المعرفة، فهي النموذج المثالي للاستقصاء العلمي.

ج. الشكل (Shape)

وهو الطريقة التنظيمية للبحث التي تواضع العرف العلمي العام على السير عليها، ابتداء بتنظيم المعلومات على صفحة العنوان، وغير ذلك من طريقة استعمال الهامش وتوثيق المعلومات وكتابة التعليقات وتدوين فهرس المصادر وغيره من الفهارس الأخرى، وغير ذلك من علامات الترقيم والعناوين الجانبية.

2. مفهوم العلم (The concept of science)

تستخدم كلمة علم في عصرنا هذا، للدلالة على مجموعـة المعـارف المؤيدة بالأدلة الحسية، وجملة القوانين التي اكتشفت لتعليل حـوادث الطبيعة تعليلا مؤسسا على تلك القوانين الثابتة[1]، وقد تُستخدم للدلالة على مجموعة من المعارف لها خصائص معينة، كمجموعة الفيزياء أو الكيمياء أو البيولوجيا.

وإذا رجعنا إلى تعريفه في اللغة والاصطلاح، نجد أن كلمة "علم" في اللغة تعني إدراك الشيء على ما هو عليه، أي على حقيقته، وهو اليقين والمعرفة[2]، والعلم ضد الجهل، لأنه إدراك كامل. وأما في الاصطلاح فهو: جملة الحقائق والوقائع والنظريات ومناهج[3] البحث التي تزخر بها المؤلفات العلمية. أو هو كما جاء في قاموس وبستر (Webster's Dictionary)[4] (1758-1843): المعرفة المنسقة التي تنشأ عن الملاحظة والدراسة والتجريب، والتي تقوم بغرض تحديد طبيعة  وأصول وأسس ما تتم دراسته.

وجاء تعريفه في قاموس أكسفورد لعام (1974) بأنه: ذلك الفرع من الدراسة، الذي يتعلق بجسد مترابط من الحقائق الثابتة المصنفة، والتي تحكمها قوانين عامة، تستخدم طرق ومناهج موثوق بها لاكتشاف الحقائق الجديدة في نطاق الدراسة[5].

وقد عرفه جوليان هكسلي ((Julian Huxley[6] (1887-1975م) في كتابه: الإنسان في العـالم الحـديث، بأنه: هو النشاط الذي يحصل به الإنسان على قدر كبير من المعرفة لحقائق الطبيعة وكيفية السيطرة عليها، وتدور أغلب محاولات تحديد مفهوم العلم وتعريفه حول حقيقة أن العلم هو جزء من المعرفـة، يتضمن الحقائق والمبادئ والقوانين والنظريات والمعلومات الثابتة والمنسقة والمصنفة، والطرق والمناهج العملية الموثوق بها لمعرفة واكتشاف الحقيقة بصورة قاطعة يقينية.

3. وظائف وأهداف العلم

أ. الاكتشاف والتفسير (Discovery and interpretation)

إن الغاية والوظيفة الأولى للعلم، هي اكتشاف القوانين العلمية العامة والشاملة للظواهر والأحداث المتماثلة والمترابطة والمتناسقة، وذلـك عن طريق ملاحظة ورصد الأحداث والظواهر المختلفة، وإجراء عمليات التجريب العلمي للوصول إلى قوانين عامة وشاملة تفسر هذه الظواهر والوقائع والأحداث.

ب. التنبؤ (Prediction)

وهي التوقع العلمي والتنبؤ بكيفية عمل وتطور وسير الأحداث والظواهر الطبيعية وغير الطبيعية، المنظمة بالقوانين العلمية[7] المكتشفة، فهكذا يمكن التنبؤ والتوقع العلمي بموعـد الخسوف والكسوف، وبمستقبل حالة الطقس، وبمستقبل تقلبات الرأي العام سياسيا واجتماعيا، إلى غير ذلك من الحالات والأمور التي يمكن التوقع والتنبؤ العلمي بمستقبلها، وذلك لأخذ الاحتياطات والإجراءات اللازمة والضرورية.

ج. الضبط والتحكم (Settings and control)

بعد غاية ووظيفة الاكتشاف ووظيفة التنبؤ، تأتي وظيفة التحكم العلمي في هذه الظواهر والسيطرة عليها، وتوجيهها التوجيه المرغوب فيه، واستغلال النتائج والآثار لخدمة مصلحة الإنسانية.

أما وظيفة التحكم؛ فقد يكون نظريا، وذلك عندما يقتصر العلم على بيان وتفسير كيفية الضبط والتوجيه والتكييف للظواهر، وقد يكون عمليا، وذلك حين يتدخل العالم لضبط الأحداث والسيطرة عليها، كأن يتحكم في مسار الأنهار، ومياه البحار، والجاذبية الأرضية، وكذلك يتحكم في الأمراض، والسلوك الإنساني وضبطه وتوجيهه نحو الخير، والتحكم في الفضاء الخارجي واستغلاله عمليا.

 

4. المعرفة العلمية (Characteristics of scientific knowledge)

يمكن تعريف المعرفة على أنها معلومات لها معنى أي معلومات ذات علاقة (Relevant)، قابلة للتطبيق (Actionable) تعتمد - ولو على نحو جزئي - على الخبرات السابقة[8]، أما توربن[9] (Turban)  فعرفها: بأنها مجموعة من القدرات الرئيسية والأفكار والقوانين والاجراءات التي تبنى عليها أساليب العمل والقرارات.

إذ يمكن القول أن المعرفة عبارة عن معلومات تم تفسيرها وإعطاؤها معنى بحيث أصبحت مفيدة لحل مشكلة أو اتخاذ قرار. ومن الجدير بالذكر أن عملية معالجة هذه المعلومات وتفسيرها تتم من خلال قاعدة المعرفة التي يمتلكها كل شخص، ويمكن تصورها بأنها قاعدة تحتوي على الحقائق والخبرات والمعتقدات والاتجاهات والعلاقات، التي تربط هذه العناصر مع بعضها بعضا، فقدرة الشخص على التصرف وحل المشكلات هي جزء من كونه يمتلك المعرفة أولا.

مثال ذلك: قد نجد شخصين لديهما المعلومة نفسها ويعيشان المشكلة نفسها، لكنهما يختلفان في قدرتهما على استخدام هذه المعلومة في حل المشكلة أو اتخاذ قرار ناجح، وذلك لوجود اختلافات في قدرات الأفراد على إضافة قيمة للمعلومات وتفسيرها؛ هذا الاختلاف ناجم عن اختلاف الخبرات والتدريب؛ بمعنى آخر، فإن الفرق بين المعلومات والمعرفة يكمن في التفسير(Interpretation) وقدرة العقل على إعطاء معنى مفيد.

إذ يمكن القول أن التمييز بين البيانات والمعلومات والمعرفة أمر نسبي، يختلف باختلاف الشخص، وما يمتلكه هذا الشخص من خبرات وحقائق ومعتقدات واتجاهات، فأمر معين قد يبدو لشخص بيانات ولشخص آخر معلومة ولشخص ثالث معرفة، وهذا ما يؤيده هيت[10] (Hitt) بقوله إن ذلك يعتمد على قاعدة المعرفة التي يمتلكها كل شخص، وتكونت من خلال الخبرات والتعلم التي تتجدد ويتم تحديثها باستمرار التعلم وتراكم الخبرات، فكلما زادت معرفة الانسان زادت قدراته على اكتساب معارف جديدة، لأنه يصبح أكثر قدرة على تنظيم البيانات وتفسير المعلومات ومعالجتها وتحويلها إلى معرفة.

 

[1] رشوان، حسين (1982)، العلم والبحث العلمي، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، ص4.

[2] غانم، محمد عبد النبى السيد ) تنسيق).  المنجد في اللغة، ط 26، بيروت: دار المشرق العربي، ص527.

[3] العمر، عبد الله (1983)، ظاهرة العلم الحديث، الكويت: عالم المعرفة، ص276.

[4] Webster, Noah (2015). Webster's 1828 American Dictionary of the English Language, Waking lion press, West Valley City, UT USA.

[5] المغربي، كامل (2002)، قاموس وبستر الجديد للقرن العشرين، باللغة الانجليزية، نقلا عن كتاب أساليب البحث العلمي، ط1، عمان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص15.

[6] Huxley, Julian  (2006). Man in the Modern World, Kowloon, Hong Kong: Hesperides Press.

هكسلي، جوليان (1975) .الإنسان في العالم الحديث، ترجمة حسن خطاب، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.

[7] عاقل، فاخر (1979). أسس البحث العلمي في العلوم الـسلوكية، ط2، بيروت، دار العلم للملايين، ص ص14ـ 15.

[8] Leonard, Dorothy and Swap, Walter (September 2004). "Deep Smarts". Harvard Business Review, 82(9), p.43.

[9] Turban,  E. and others (2005). information technology for management in the digital economy, 5th ed. New York: John Wiley & Sons, p.45. 

[10] Hitt, M. R. and others (2001). Strategic management: Competitiveness & Globalization" 4th ed. Washington: South-Western College Publisher, p.44.