"هذا لن يؤتي ثماره علي أرض الواقع"، دائماً ما تسمع هذه العبارة عندما تخبر الناس بفكرة جديدة.

تبدو أرض الواقع مكاناً كئيباً لتعيش فيه؛ حيث تبدو كأنها المكان الذي تخسر فيه دائماً الأفكار الجديدة، والمناهج غير المألوفة، والمفاهيم الوافدة. والشيء الوحيد الرابح هو ما يعرفه الناس بالفعل ويفعلونه، وإن كان هذا الشيء معيباً وغير وكفء.

اخدش سطح" أرض الواقع" هذه، وستجد أن سكانها متشبعون بالتشاؤم والإحباط؛ فهم يتوقعون أن تخفق المفاهيم الجديدة، ويفترضون أن المجتمع غير مستعد للتغيير، أو غير قادر عليه.

والأسوأ أنهم لا يكتفون بذلك وإنما يريدون أن يجروك إلي مقبرتهم؛ فإذا كنت طموحاً ومفعماً بالأمل، فسيحاولون إقناعك بأن أفكارك مستحيلة، وسيقولون أنك تهدر وقتك.

لا تصدقهم؛ فتلك الأرض ربما تكون واقعية بالنسبة لهم، ولكن هذا لا يعني أن عليك الحياة عليها.

نحن نعرف ذلك؛ لأن شركتنا أخفقت في اختبار أرض الواقع بكل الطرق الممكنة، فعلي أرض الواقع، لا يمكن أن تكون لديك أكثر من عشرة موظفين منتشرين في ثماني دول مختلفة في قارتين، وفي أرض الواقع لا يمكنك جذب ملايين العملاء دون موظفي مبيعات أو دعاية، وفي أرض الواقع لا يمكن أن تكتشف عن معادلة نجاحك لبقية دول العالم. ولكننا فعلنا كل ذلك، ونجحنا.

أن أرض الواقع ليست مكاناً، وإنما هي مجرد عذر. إنها تبرير لعدم المحاولة، وليس لهذا أية علاقة بك.

هناك مبالغة في قيمة التعلم من الأخطاء

في عالم الأعمال، أصبح الفشل حدثاً؛ حيث تسمع طوال الوقت كيف أن تسعة من كل عشرة مشروعات جديدة تخفق، وأن فرص نجاح مشروعك ضئيلة أو منعدمة. وتسمع أن الفشل يقوي الشخصية، وينصحك الناس قائلين:" افشل مبكراً، وافشل كثيراً".

و عندما يكون الإيحاء بالفشل بهذه القوة، فإنه لا يسعك إلا أن تتأثر به. ولكن يجب عليك أن تقاوم هذا، لا تنخدع بالإحصاءات؛ فإخفاقات الآخرين لا تعني إلا إخفاقات الآخرين.

إذا لم يتمكن الآخرون من تسويق منتجتهم، فلا علاقة لذلك بك، وإذا لم يتمكنوا من تسعير خدماتهم بشكل مناسب، فلا علاقة لذا لك بك، وإذا لم  يتمكن الآخرون من تحقيق أرباح أكثر من نفقاتهم... حسناً، أعتقد أنك فهمت ما أعنيه.

وهناك مفهوم شائع آخر خطأ: يجب أن تتعلم من أخطائك. ما الذي تتعلمه حقا من أخطائك؟ ربما تتعلم ما يتوجب عليك عدم فعله مرة أخري، ولكن ما قيمة ذلك؟ فما زلت تجهل ما يجب عليك فعله في المرة المقبلة.

قارن هذا بالتعليم من نجاحاتك؛ حيث تمدك النجاحات بذخيرة حقيقية. فعندما ينجح شيء ما، تصبح علي دراية بالسبب في تحقيق هذا النجاح؛ وبإمكانية تكراره، وفي المرة القادمة ربما ستقوم به بشكل أفضل.

إن الفشل ليس شرطاً للنجاح؛ فقد أثبتت دراسة أجرتها كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد أن رواد الأعمال الناجحين أقرب لتكرار النجاح من غيرهم (فمعدل نجاح شركاتهم المستقبلية يبلغ 34%)، بينما يساوي معدل نجاح رواد الأعمال أصحاب الشركات التي أخفقت في المرة الأولي معدل نجاح رواد الأعمال المبتدئين الذين يؤسسون شركة لأول مرة: 23% فقط. إذن، الأشخاص الذين فشلوا سابقاً لديهم معدل نجاح يساوي معدل نجاح الذين لم يحاولوا من قبل 1؛ أي أن النجاح هو التجربة ذات التأثير الأكبر.

لا يجب أن تكون هذه النتيجة مفاجئة؛ فهذه هي الكيفية التي تسير بها الطبيعة، فالتطور لم يقم علي الإخفاقات السابقة، وإنما يعتمد دائماً علي ما نجح بالفعل، وكذلك يجب أ، تفعل أنت.

التخطيط مجرد تخمين

من المستحيل أن تعرف المستقبل، ولهذا فإن التخطيط طويل المدي للمشروعات مجرد خرافة؛ فهناك عوامل كثيرة جداً خارجة عن سيطرتك: ظروف السوق، والمنافسون، والعملاء، وحالة الاقتصادية، وما إلي ذلك. لذا فإن وضع خطة يشعرك بأنك تستطيع السيطرة علي أشياء لا يمكنك في الواقع السيطرة عليها.

إذن، لماذا لا نسمي الخطط بمسمياتها الحقيقية: تخمينات. ابدأ في التعامل مع خطط المشروعات باعتبارها تخمينات المشروعات، والخطط المالية باعتبارها تخمينات مالية والخطط الإستراتيجية باعتبارها تخمينات إستراتيجية. ويمكنك الآن أن تتوقف عن القلق حيالها؛ فهي لا تستحق التوتر.

عندما تحول التخمينات إلي خطط، فأنت تدفع نفسك إلي دائرة الخطر، إذ إن الخطط تجعل الماضي يقود المستقبل، كما أنها تحجب رؤيتك. فعندما تفكر في أنه "يجب أن نتواجه إلي حيث خططنا لنذهب"، فهذه هي المشكلة: فالخطط لا تتوافق مع الارتجال حسب الموقف.

يجب أن تكون قادراً علي الارتجال، والتصرف وفقاً للموقف الحالي، ويجب أن تكون قادراً علي اغتنام الفرص التي تلوح لك؛ لأنك أحياناً تحتاج إلي أن تقول:" سوف أسلك طريقاً جديداً؛ لا، هذا هو الأمر المنطقي اليوم".

كذلك يعتبر توقيت وضع الخطط طويلة المدي هراء؛ لأن أغلب المعلومات تتوافر لديك في أثناء قيامك بالشيء وليس قبلة، ومع ذلك، متي تضه الخطة؟ عادةً تضعها قبل أن تبدأ، وهذا أسوأ وقت تتخذ فيه قراراً مهماّ.

لكن هذا لا يعني أنه لا يتوجب عليك التفكير في المستقبل أو التأمل في كيفية تجاوز العقبات المقبلة، فهذا تدريب جدير بالاهتمام، غير أنه لا داعي لأن تشعر بأنك في حاجة إلي تدوين تلك الخطط، كما أنه لا يجب أن تدع هذه الخطط تسيطر عليك. إذا وضعت خطة مفضلة، فأنت علي الأرجح لن تعيد النظر فيها علي أية حال؛ لذلك فإن الخطط التي تحتاج إلي أكثر من بضع صفحات لا تمثل أكثر من مجرد أوراق مكدسة في درج مكتبك كالحفريات في التربة.

لذا تخل عن فكرة التخمين، وقرر ما تريد القيام به في هذا الأسبوع وليس في هذا العام، وحدد الشيء المهم التالي وافعله واتخذ القرارات قبل أن افعلها مباشرة، وليس قبلها بأمد طويل.

ومن المقبول أن تذهب إلي أي مكان دون تخطيط. استقل الطائرة وسافر، ويمكنك شراء قميص جميل، ومعجون للحلاقة، وفرشاة للأسنان عندما تصل إلي هناك، هذا كل ما في الأمر.

ربما يبدو العمل دون خطة مخيفاً، غير أن الاتباع الأعمي لخطة ليس لها علاقة بالواقع أمر أكثر خوفاً.