الأرض الجديدة - بعد عشر سنوات

بل عشر سنوات، تم نشر كتاب الأرض الجديدة، ومنذ ذلك الوقت قرأه عدد كبير جدا من القراء بأربع وأربعين لغة في كافة أنحاء العالم. قمنا

باستكشاف المواضيع الرئيسية في الكتاب في نقاش معمق عبر الويب مع أوبرا وينفري، وحققت هذه النقاشات خمسا وثلاثين مليون مشاهدة. وكان السؤال الذي برز بشكل طبيعي هو: بعد عشر سنوات - أين نكون؟ هل ظهرت « الأرض الجديدة» ، هل ظهر العالم الذي تلاشت فيه تلك الحالة الأنوية للوعي الشاذة بطريقة مجنونة، أو لعلها انحسرت على الأقل على كلا المستويين الفردي والجماعي، وهل لم يعد البشر يخلقون معاناة غير ضرورية لأنفسهم، أو أحدهم للآخر، وهل ظهرت أنماط أخرى للحياة على هذا الكوكب؟ أم أن التغير الجوهري في الوعي الإنساني يبقى رؤية طوباوية غير واقعية، كما رأى أحد نقاد هذا الكتاب؟

لو نأخذ بالمعلومات التي تصلنا يوميا عبر التقارير الاخبارية وأجهزة الإعلام المنتشرة بصورة خاصة، فإن تقييما لحالة الشؤون الإنسانية في هذه الألفية الجديدة سوف يكون بالضرورة سلبيا إلى حد كبير، وسوف ننتهي على الأغلب إلى النتيجة الكئيبة بأن لا شيء قد تغير. مع ذلك، لا يزال الملايين من الناس يعتبرون أن الجزء الأعظم من المعاناة الإنسانية لا ينجم عن الكوارث الطبيعية، بل عن البشر الذين يسببون هذه المعاناة أحدهم للآخر. إن ما نستهلكه كأخبار يومية بالإضافة إلى التعليقات عليها، ليس الصورة الكاملة بأية حال من الأحوال- والطريقة التي يتم بها تحرير الأخبار والتعليق عليها من قبل حوانيت ما يسمى منافذ الأخبار المحترمة، تحتوي على تحيز وتشويه في كثير من الأحيان، ، لذلك يصبح مفهومنا عن العالم متكيفا دون أن ندرك.
وما هو أكثر أهمية أن الأخبار تميل إلى التركيز بشكل أكبر على الأحداث والمناطق من العالم التي تمثل الأشكال الأكثر تطرفا من عدم الوعي الإنساني ، والتي تنتج في كثير من الأحيان العنف والحرب، أو اختلالا حادا على الأقل. بالطبع، نحن لا ننكر بأن أشياء مريعة تحدث بشكل يومي، وأننا نواجه عددا متزايدا من الأزمات، لكنها ليست القصة الكاملة.

ثمة أشياء إيجابية كثيرة تحدث ولا تعتبر ذات أهمية إخبارية، لكنها في الحقيقة أعظم شأنا من تلك الأفعال اللاواعية التي تحدث بشكل يومي. بدأت هذه التغيرات بالظهور قبل فترة طويلة من كتابة الأرض الجديدة وقوة الآن.
لقد كتبت هذه الكتب لتسرع من وتيرة عملية اليقظة الروحية التي كانت بدأت قبل ذلك، ولتمكن عددا كبيرا من الناس كي يصبحوا جزءا من تلك العملية ويعثروا على معنى أعمق لحياتهم تتجاوز مجرد البعد الشخصي للوجود- ثمة إحساس مستجد بالعدالة الاجتماعية في العديد من أجزاء العالم لا يمكن لأسلافنا أن يحلموا به. إن إخضاع عرق من قبل عرق آخر، والهيمنة على النساء على امتداد آلاف السنين، والإنقاص من قيمة الناس على أساس الطبقة الاجتماعية، أشياء أصبحت كوابيس من الماضي بالنسبة إلى أعداد متزايدة منا. بدأ الناس بمختلف التوجهات والأجناس يجدون أنفسهم مقبولين كبشر ببساطة على نحو متصاعد. وبدأت الأجناس بالتزاوج والاختلاط ببعضها البعض بصعوبة أقل وأقل. ثمة إدراك متزايد بالتفرد الحقيقي لكل شيء موجود، لذلك نرى يقظة تتجه إلى الاهتمام أكثر وأكثر بزملائنا البشر، وبأعداد كبيرة من الحيوانات التي هي رفاقنا الجوالة، وبالكوكب نفسه. يشير مثل هذا الوعي ضمنا إلى ظهور التخفيف من الأنا لدى عدد متزايد من الناس في بعض الأجزاء من هذا الكوكب أكثر من غيرها. التقليل من قيمة الأنا يسبب التعاطف والشفقة أكثر مما تنطوي عليه العرقية والقومية والعشائرية والانتماءات الدينية. إن هذه الميزات هي من يجعلنا بشرا حقيقيين. كلما تخلينا أكثر عن تعريف أنفسنا بمكانتنا العقلية، أصبحتقدرتنا على المرونة حيال معتقدات ووجهات نظر الآخرين أكبر. بإمكاننا أن ننقل منظورنا الخاص بشكل مؤقت ونرى الأشياء من خلال عيونهم. بهذا تولد القدرة على المرونة في تفاعلاتنا مع الآخرين، والتي تشكل شرطا للتعايش السلمي. في الواقع، في تلك الأماكن من العالم حيث يكون فيها أكثر الناس عاجزين أو غير راغبين بالمرونة حتى الآن ، في هذه الأماكن يحدث العنف والخلل. إن الأنا - وعلى نحو خاص الأنا الجمعية - تقوي نفسها من خلال تأكيد «الغيرية» عن الآخرين. بكلمات أخرى، تحتاج الأنا «عدوا» لتستمر في البقاء. لذلك ترفض المرونة والتسامح.

إلى أن ينمو الوعي الجديد القائم على اليقظة، ويصبح أكثر تجذرا في النفس الإنسانية، فإن ارتدادا مؤقتا إلى الحالة الأنوية من الوعي (أو بالأحرى عدم الوعي) يمكن أن يحدث بسهولة. لاحظت بقلق شديد، على سبيل المثال، أن ليس سياسيون محددون فحسب، بل بعض المعلقين في المنشورات المحترمة أيضا، يصورون روسيا أو الصين كعدو على نحو متزايد ٠ إن الأفكار يمكن أن تنتشر كفيروس، وإذا توالدت هذه الأفكار في النفس الجمعية، سوف تشوه مفاهيمنا وتحملنا على التصرف وكأنها حقيقية، وهكذا تظهر وكأنها حقيقتنا بعد ذلك.

كما يصيب الخلل الوظيفي اليرقة قبل فترة قليلة من تحولها إلى فراشة، فإن حالة الأنوية للوعي، التي ما تزال سائدة أكثر من الوعي المتيقظ في معظم البلدان والمنظمات، سوف تصبح خللاً بشكل متصاعد وتسبب المزيد من الأزمات الحادة، بالإضافة إلى الاضطرابات والانهيارات التي ستؤثر على العديد من أجزاء الكوكب. وهذا ما يحدث تماما إلى حد ما . إنه شيء لا يدعو إلى الخوف. إذا بقيت حاضرا ولم تستسلم للخوف، إذا لم تصدق أجهزة الإعلام عندما تخبرك بأن عليك أن تكون خائفا، لن يكون تأثير هذه الأشياء عميقا. إن الأزمات والانهيارات الحادة تتزامن أو تسبق أي تقدم تطوري أو ازدياد في الوعي. وجميع أنماط الحياة تحتاج إلى العقبات والتحديات كي تتطور. في حالة الأنا، تكون غالبية التحديات التي تواجهها مخلوقة ذاتيا من خلال أنماطها اللاواعية. لكن الأنا، تجلب الفناء لنفسها في النهاية. بهذا المعنى، قد يعتبر إيقاظ الوعي بادر؛ ضرورية للمرحلة القادمة في التطور البشري، وبالرغم من أننا في مراحل مبكرة من عملية الإيقاظ هذه في الوقت الحاضر، فإنها عملية متسارعة. بمجرد القراءة هنا، تصبح جزءا رئيسيا من هذه العملية.

العامل الأساسي في كل ما تقدم هو أن تكون حال الوعي لديك دائما في: الآن! تأكد أن اللحظة الحالية هي صديقك، وليست عدوتك. احترمها بإعطائه انتتباهك الأكمل. قدرها قبل أن تكون شاكرا لها. كن مصطفا داخليا معها بالسماح لها أن تكون كما هي. ذلك هو ظهور العالم الجديد.