سمعنا جميعًا القول الذي يشير إلى أن الأطفال لا يأتي معهم دليل تعليمات، بل إن تربية الطفل كي يصبح شابًا سعيدًا ومنتجًا ومعافى أصعب وظيفة على وجه الأرض؛ وهو التصريح الذي سيؤكده أي أب وأم؛ فنحن تتاح لنا فرصة واحدة لتربية أي طفل. وليست هناك إعادة محاولة، لذلك من المُهم أن نحاول تنفيذ المهمة بطريقة سليمة.

لقد أصبحت التربية على مدار العقود القليلة الماضية أشبه بشراكة بين الوالد والطفل؛ حيث يملك الطفل القدرة على التملق والمساومة وأحيانًا السيطرة. وبالنسبة لي كطبيبة أطفال، فإن السلوكيات الوحيدة التي أتوقعها من الطفل في مكتبي هي احترامه للآخرين في غرفة الانتظار، وبالطبع، عدم إيذاء الطبيب أو المساعد أو الوالد في أثناء الفحص. ورغم ذلك أندهش كل يوم من السلوكيات التي أراها.

فعندما أسأل أحد المراهقين: ما الذي أتى بك إلى هنا اليوم؟ . في أحيان كثيرة لا يكلف نفسه عناء رفع عينيه عن هاتفه للإجابة عن سؤالي بينما أقف أنتظر الإجابة، أو قد يجيب بنبرة وقحة: كيف لي أن أعرف سبب وجودي.

 فيظل الآباء والأمهات يطلبون من أطفالهم لخمس أو ست مرات الآتي: توقفوا عن إطفاء النور، أو أطفئ الآيباد يا عزيزي، الطبيبة هنا، وذلك قبل أن يقر الطفل حتى بأن هناك شيئًا يطلب منه، ناهيك عن اتباع التعليمات الصادرة له، إلى جانب أن الآباء والأمهات يطرحون على الأطفال أسئلة تطلب منهم السماح بفعل شيء، مثل: هل تريد للطبيبة أن تفحصك اليوم؟، فيرفض الأطفال التعاون عند الفحص أو يطلبون طلبات مثل: سأفعل ذلك لكن يجب أن تأخذني إلى المتجر وتشتري لي لعبة فيديو.

وما ينبغي أن يقوله الأبوان هو: ستفحصك الطبيبة اليوم يا عزيزي أو افعل كما تقول لك الطبيبة يا عزيزي وافتح فمك، وذلك بنبرة حاسمة لكن هادئة؛ فهذا يجعل الطفل يدرك أنك أنت من يملك زمام الأمور ولا يوجد شيء للقلق بشأنه، ولن يحدث أي شيء مُفزع خلال زيارة الطبيب.

لا ينبغي أن تكون هُناك مساومة أو نقاش طويل في تلك المواقف؛ فحين يطلب من الطفل فعل شيء، فلا حاجة لقول ذلك أكثر من مرة. فإذا لم يسمع من المرة الأولى، فيجب عقابه.

يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا القادة وصنَّاع القرار. ولا بد أن تكون لديهم توقعات لسلوكيات أطفالهم، وأن يردوا بنتائج مناسبة حين لا يحدث ما توقعوه؛ فالعقاب الذي لا يزعج الطفل هو نتيجة غير فعالة لسلوك سيئ وتشجيع على تكرار السلوك- وفي حين أن هذه النتيجة ينبغي أن تزعج الطفل.

لا يجب مطلقًا اللجوء إلى العقاب الجسدي؛ فالنتيجة الأكثر فاعلية هي التي ينبغي أن تحدث في الحال - على سبيل المثال، أخذ الهاتف أو اللعبة من الطفل لفترة من الوقت. فإن لم يكن ذلك ممكنًا فهناك خيارات أخرى مثل إلغاء وقت اللعب، أو نشاط مرح آخر كان سيتم خلال اليوم.

هناك الكثير من المعلومات التي تتعلق بالتربية الجيدة في تلك الفصول، وإنه لأمر طبيعي أن يبدو من المستحيل اتباع كل الخطوات التي ستقدم، لكن أشياء قليلة في الحياة هي المستحيلة، ولا ينبغي أن يقف أي شيء في طريق محاولتك القيام بمهمتك كوالد على أفضل وجه.

الخطوة الأولى: هي التوقف عن إخبار أطفالك بأنهم مميزون (إلا بقدر ما هم مميزون بالنسبة لك ) .

الخطوة الثانية: تدفع الوالدين للتراجع والتوقف عن السيطرة والتدخل في التفاصيل الصغيرة لكل جانب من جوانب حياة أطفالهم.

الخطوة الثالثة: جملة دعهم يخفقوا، ربما تكون الأصعب؛ فالتحكم في الغرائز الانعكاسية التي تؤدي دائمًا إلى إمساك طفلك قبل أن يسقط أو يترنح سيسمح له بتجربة الشعور بالإحباط. وسيتعلم كيف يتعامل مع هذا الشعور حتى لا يكون جديدًا عليه حين يمر به وهو بالغ، ومن ثم لن يخشى الإخفاق، وهو ما سيسمح له بخوض المغامرة!

الخطوة الرابعة: تعزز قاعدة أن الوالد هو القائد؛ وهو ما يظنه كل الآباء والأمهات لكن الحقيقة هي أنهم... ليسوا كذلك.

الخطوة الخامسة: جملة كن معلماً ، واضحة عند قراءتها لكنها ليست سهلة عند تطبيقها؛ فهناك الكثير من الأمور التي ينبغي أن تفكر فيها كوالد، لكننا إذا أخذنا حدثًا واحدًا من كل يوم وحولناه إلى درس حياتي مهم، فسنُصبح أعظم معلمي أطفالنا.

الخطوة السادسة: تشير إلى أن تعليم الأطفال حل المشكلات أصبح فنًا مهملاً، وأننا من الأفضل أن نُسرع في التصرف إذا كنا ننوي جعل أطفالنا يعتمدون على أنفسهم. حل المشكلات أسلوب أساسي لا بد أن يتم تعزيزه ليصبح مهارة.

 الخطوة السابعة:  لها أهمية كبيرة وهي أن تكون قدوة جيدة لأطفالك؛ إن طفلك سيفعل بصورة شبه دائمة كما تفعل أنت، وذلك بدلاً من فعل ما تقوله له. فعيناه عليك دائماً - يستمع ويشاهد ويتعلم حتى عندما لا تكون مدرك ذلك.

فإذا كنت تقود السيارة وتمر عند إشارات المرور مُسرعاً عندما تصبح الإشارة صفراء، فلا تتوقع من طفلك أن يقود السيارة بطريقة مختلفة. وإذا كنت تستخدم باستمرار لغة سيئة في حديثك لكنك تطلب من طفلك ألا يستخدم ألفاظًا نابية، فكن مستعدا لاستخدامه تلك الألفاظ؛ لذا تذكر أن تكون الشخص الذي تريد لأطفالك أن يكونوا عليه!

الخطوة الثامنة: سهلة في تنفيذها وهي ألا تعطي أطفالك كل شيء يريدونه، وبذلك ستُحافظ على أموالك بينما تعزز القيم لدى أطفالك.

الخطوة التاسعة: هي تحذير للوالدين اللذين ربما لا يدركان أنهما يضيفان طابع الأبوة على أطفالهما (وهو حينما تتم استشارة شخص قاصر - الطفل - في أمر يتعلق بالأشخاص البالغين وإعطاؤه مسئولية رفاهيتنا). بسبب كوننا والديهم؛ فنحن لا نعامل الأصدقاء على أنهم آباؤنا، لذلك لا تعاملا أطفالكما على أنهم أصدقاؤكما! فهذا الأمر يفوق قدرتهم على التعامل، وفي الوقت ذاته ينزع السلطة من الوالد. لا تكن صديقًا لهم! أنت والدهم، لذلك تعلم أن تتصرف كوالد لهم.

الخطوة العاشرة:  تتحدث عن خطر محاولة الدفع بأطفالك ليصبحوا الشيء الذي يروقك. إنها تذكرة بألا تحاول عيش حياتك من خلال حياة أطفالك. لا تدفع بحلمك إلى حياة طفلك.

ها هي ذي الخطوات العشر لتربية شبه مثالية. فمن خلال تربية ثلاثة أطفال في المنزل وإرشاد آلاف من الآباء والأمهات في العمل، أدرك ضخامة المهمة بالنسبة للآباء والأمهات حديثي العهد بالتربية: وهي إعداد الجيل القادم لحياة فعالة وسعيدة.

وستساعدك قراءة هذا الكتاب على تحديد الجوانب التي قد تحتاج إلى بعض العمل عليها، وربما أيضًا تثبيت بعض الجوانب التي شكلتها بالفعل؛ فكل خطوة يستطيع الوالد أن ينفذها بنجاح ستمكنه من تنشئة طفل يستطيع فعل أشياء رائعة، صغيرة كانت أم كبيرة.

لا نستطيع دوما بناء المستقبل لشبابنا، لكننا نستطيع بناء شبابنا من أجل المستقبل.

-فرانكلين روزفلت

على مدار الأعوام الثلاثين الماضية انقسمت حياتي إلى قسمين كبيرين: التربية وممارسة طب الأطفال. فبينما كنت أرعى عائلتي وأتعامل مع الأزمات والتحديات التي تواجهها، تعاملت أيضًا مباشرة مع المُشكلات والصخب الذي يحدث في حياة مرضاي الأطفال: مخدرات، موت، مواجهة، طلاق، تنمر، عدم استقرار عاطفي ومادي - والقائمة لا تنتهي.

ونادرا ما تتضاءل قائمة المشكلات التي يجب التعامل معها جيلاً بعد جيل بل إنها تصبح أكبر وأغرب. إن التقدم التكنولوجي والتغيرات الاجتماعية غيرا مسار تفكير الجيل الجديد وقيمه، ورغم هذا التغيير تأتي موجة من النصائح التي تتعلق بكيفية تعامل الوالدين مع تلك الأمور.

لقد ربيت أطفالي الثلاثة، الذين أصبحوا الآن بالغين، بينما كنت ألاحظ في الوقت ذاته مرضاي الأطفال وهم يكبرون ويُصبحون آباء وأمهات، وخلال تلك الفترة كنت شاهدة على وجود نزعة مقلقة بين الوالدين والأطفال: صار الأطفال يتحكمون في الوالدين بدلاً من تحكم الوالدين فيهم.

فأنا أرى هؤلاء الذين يفرطون في الإطراء على أطفالهم، ويتعاملون معهم كأصدقاء وليسوا كآباء وأمهات ويعطونهم كل شيء يطلبونه، وفي الوقت ذاته يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة في حياة أطفالهم ويضرون بالجيل القادم. نحن بحاجة إلى تغيير، وكلما حدث سريعًا كان أفضل.

بينما تتشكل عقول الأطفال، يجب أن نتصرف سريعًا لنشكل طريقة تعلمهم وطريقة تعاملهم مع المشكلات. ومهما كان عمر الطفل، لم يفت الأوان للتأثير فيه، لذلك ابدأ من الآن في فعل ذلك. وهذا يعني أنك كوالد يجب أن تتغير. فسواء أكنا نحب ذلك أم لا نحبه، وسواء أكان ذلك في السراء أم الضراء، فإن هذا الأمر يبدأ مع مهارات الآباء والأمهات. إن هدف هذا الكتاب هو تعليم الآباء والأمهات كيفية تغيير بعض من سلوكياتهم وطريقة تعاملهم مع أطفالهم.

قد يكون من الصعب فهم هذا الآن، لكن وضع توقعات أكبر لأطفالك، وإعطاءهم المزيد من المسئولية، والسماح لهم بالإخفاق من حين لآخر، والتصرف كقائد حقيقي سيمنحهم النمو والاكتفاء الذاتي والسعادة الحقيقية.

يسير كل جيل جديد من الآباء والأمهات من خلال منحنى تعليمي، فعادة ما نتمسك بالنهج والأفكار التي استخدمها آباؤنا وأمهاتنا، كما فعلوا معنا، لكن مع هذا الإرث تأتي الأخطاء - الأخطاء التي نحاول بصورة طبيعية تصحيحها.

ورغم أننا نعيش مع بشر آخرين، فإنه عندما يتعلق الأمر بتربيتهم، فإن مفهوم الصواب والخطأ لا يبدو واضحاً.

قبل أن أكتب الكلمة الأولى في هذا الكتاب كنت أعرف بالفعل عنوانه، وكنت أمينة مع نفسي وسأكون أمينة معك - ليس هناك ما يضاهي أن تكوني أمًا مثالية - أو تكون أبًا مثاليًا، وهذا الكتاب لن يعلمك كيف تصبح كذلك، لكن بعد أن ندرك مفهوم أنه ليس كل ما تعلمناه على أيدي آبائنا وأمهاتنا خطأ، وأن غرائزنا الطبيعية ليست دائما صحيحة، سنستطيع البدء في أن نستجمع فكرة أين يجب أن تكون عقولنا كي نكون آباء وأمهات جيدين-

نجن بدرجات مُتفاوته كأباء وأمهات:

نحن بدرجات مُتفاوتة، لدينا الكثير من الامتيازات كآباء وأمهات في هذا العصر؛ فهذا زمن الراحة بالنسبة لمعظم الناس؛ لكن فيما مضى كانت العائلات تنشأ في أكثر الظروف خطرًا.

فقد عانى سكان المستعمرات الأمراض وخطر السفر عبر البحر، وعبر الرواد السهول الكبرى معًا؛ حيث عانوا وماتوا من أهوال العيش في القرون السابقة.

لكن في ظل تلك المخاطر، التي اختفت معظمها مع التقدم في التكنولوجيا، ظل الأطفال يزدهرون ويكبرون ويربون الأجيال التالية. وقد واجهوا الصعوبات بصلابة وقوة - إنها عقلية البقاء والنمو.

فما الذي فعلته تلك البيئة من أجل الإنسان البدائي؟

هل كانت تلك البيئة هي الأفضل لتربية الأطفال؟ بالطبع لا؛ لأن الأطفال كانوا ينشأون في ظروف محفوفة بالمخاطر، إذا كانوا ينهكون في العمل، ويُعانون سوء التغذية، ويتعرضون لخطر الإصابة بأمراض خطيرة؛ لذا لا ينبغي أن ينظر إلى الماضي دائمًا على أنه نموذج لكيفية التعامل مع المستقبل.

أنا لا أناصر نمط الحياة القاسي الذي يفرض الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة. فينبغي علينا دائمًا أن نحتفي بالامتيازات الحديثة، لكن كانت هناك بعض السمات الجيدة التي تعلمها الأطفال وتطورت نتيجة لحاجتهم الماسة إليها.

فقد كان يطلب من الأطفال في الماضي أشياء تساعد على تطور تقدير الذات، وأخلاقيات العمل، والمهارات الأساسية لحل المشكلات والبقاء على قيد الحياة. كان هذا شيئًا مفيدًا؛ حيث كان الطفل يخرج للحياة وهو مستعد لها. ولم يكن الشعور بالإحباط تجربة جديدة؛ لذلك حين كانت تطفو على السطح مواقف تنطوي على نوع من الإخفاق لم يكن ينظر إليها على أنها نهاية العالم.

وكان العمل الشاق والسلوكيات الأخرى المتوقعة من الطفل يعززان لديه غريزة البقاء على قيد الحياة التي كانت تصنع من الطفل فتى ناجحًا.

وحين تتطلب بعض الثقافات اكتفاءاً ذاتياً في وقت مبكر، فإن هذا يطور قدرة الأطفال على قبول "رفض" طلباتهم وتعلم التعامل مع الإحباط. ويساعد الآباء والأمهات أطفالهم على أن يكون لديهم شعور جيد نحو أنفسهم، وهذا الشعور مشابه للشعور بتقدير الذات والقيمة الذاتية. فحين ينمو داخل الطفل الشعور بالذات، فإن هذا يزيد من الثقة بالنفس التي تؤدي إلى مزيد من الاستقلالية والكفاءة.

التربية لا تعني أن تكون والدا لطفلك فحسب، بل أن تكون القائد والمرشد في حياته. إنك تضع له القواعد فحسب، وأنت هنا كي تعلمه وتقوده إلى الاتجاه الصحيح، وتقدم له النصيحة، وتعطيه الاستشارة، وتحميه إذا لزم الأمر. وعندما يكون الوالد قائدًا هادئًا ويتبع الطفل قواعده، فمن الطبيعي أن يعم بعد ذلك السلام والهدوء.

يقف المجتمع الحالي في مفترق طرق بين نقيضين فيما يتعلق بفلسفة التربية الجيدة، وقد حان الوقت للتمركز في المنتصف.

وتتراوح التوصيات بين السماح للأطفال الصغار باتخاذ قرارات حياتية مهمة وبين تدخل الوالدين في كل جانب من جوانب نشاطات طفلهما اليومية. ويبدو أيضًا أن الأطفال لا يحاسبون على أفعالهم، وغالبًا ما تكون هناك أعذار أبوية للسلوكيات التي لا ترتقي إلى المستوى المطلوب.

فهناك إعلان تجاري تمت إذاعته مؤخرًا على التلفاز يعطينا نظرة قاتمة عما أصبحت عليه التربية في هذه الألفية.

إليك السيناريو: تقف الأم في الممر الخاص بالمنزل بشاحنتها الصغيرة بعد عودتها من التسوق). ويجب الآن أن يتم تفريغ السيارة المليئة بسلع البقالة وإدخالها المنزل. يجلس ابناها الصغيران في الحديقة الأمامية: يلعب الابن الأكبر بلعبة فيديو محمولة بينما يتظاهر الأصغر بأنه راعي بقر، فتقول الأم وفي يديها كيسا بقالة كبيران: هل من الممكن أن تساعداني يا ولدى؟ .

فيرد ابنها الذي يلعب باللعبة المحمولة بإيماءة استنكار دون أن يرفع نظره ويقول: لا أعرف إذا ما كان بإمكاني مساعدتك أم لا! ثم يستمر في اللعب بلعبته دون حتى أن ينظر إلى والدته. لكن بمجرد أن تعده الأم بشراء وجبة سريعة له كمكافأة فإنه يهرع لمساعدتها.

إذن من أين نبدأ لتفسير الرعب الذي ينطوي عليه هذا السيناريو؟ في حين أن الإعلان التجاري ليس برنامجا تلفزيونيًا واقعيًا، فالحقيقة هي أن الأفكار الرئيسية الممثلة في هذا المشهد شائعة للغاية؛ ما جعل الإعلام يقدمها على أنها أسلوب للحياة اليومية حتى يبيع لنا الوجبات السريعة.

هذا النوع من السلوكيات التي يعتبرها الوالدان نوعًا من الذكاء والفكاهة شائع ومتوقع. إنهم أطفال ناضجون قبل أوانهم - هذه هي صيحة الدعم التي تكمُن وراء عقلية هؤلاء الآباء والأمهات، وسرعان ما ستُصبح سبب هزيمتنا.

يحكم معظم الآباء والأمهات بشكل أسرع على أقرانهم؛ فهم يحكمون على سلوكيات الأطفال الآخرين وأفعالهم وعلى ردة فعل الوالدين نحوها. وحين لا يكونون جزءًا من الموقف، مثل هذا الذي ظهر في الإعلان التجاري، يستطيعون الإدراك بوضوح أن الطفل لا يحترم والدته ويتصرف معها بسوء.

لكن عندما يكون طفلهم هو من يتصرف بهذه الطريقة، يصبح السيناريو حينئذ غير مرئي لأعين الأب والأم، ويا لها من مهمة صعبة جدًا أن ترى أن طفلك يتصرف بطريقة سيئة! فكل ما نراه هو ابننا الصغير الذي لا نريد أن نزعجه أو نجعله يحزن من خلال التعبير عن الاستنكار أو إفساد مرحه.

يمكن لحب الوالدين لطفلهما أن يغشي بصريهما عن الحقيقة:

فقد يقنع الوالد نفسه بأن إيماءة استنكار صغيرة ليست بالتصرف السيئ وغير المرضي بالمعنى الحقيقي لكنه لهو فحسب ولا يهدف إلى الإيذاء، لذلك يتغاضى عنه.

أو ربما من الأسهل أن يؤدي الأعمال الروتينية دون مساعدته؛ إن الطفل يضيف إليه عبئا آخر وأن أداءه هو للمهمة وحده سيكون أسرع. أو ربما ليس هناك توقع بأن الفتى مكتمل القدرة ينبغي أن يساعد والدته في حمل الأكياس وأن مرحه أهم من المساعدة في الأعمال الروتينية. ومهما كانت الأسباب، فإن أيًا منها لا يساعد الطفل، وفي الواقع نحن سننشئ بذلك جيلاً أنانيًا وغاضبًا ومحبطًا.

حين يرزق الوالد لأول مرة بطفل، فإنه يشعر بأحد أكثر المشاعر الجديدة متعة، وهو حبه لطفله. وقد يكون من الصعب أن تكون بالغًا عاقلاً بينما تنظر في عيني طفلك المولود جديدًا. إن مشاعرك تستيقظ كلها بطريقة لم تشعر بها من قبل، ويصبح قلبك هو المتحكم في حياتك بدلاً من عقلك. إنك تفعل وتقول أشياء لم تكن تظن مطلقًا أنها ممكنة، والآن أكثر من أي وقت آخر حان الوقت لتكون بالغًا عاقلاً وذكيًا؛ إن مسئولية هذه الحياة الجديدة تقع على عاتقك.

بدءاً من الجيل الذي عانى الكساد الكبير إلى الجيل الأول الذي تربى على التليفزيون، نستطيع أن نتعلم من الماضي وننير طريقًا للمستقبل كي نصبح آباء وأمهات أفضل. لكن إدراك أن هناك مشكلة هو الخطوة الأولى.

فلا يمكنك أن تفتقد الحرية إلا عندما تلاحظ القيود من حولك. ولكي تفعل ذلك،

يجب أن تكون أمينًا مع نفسك، وتلقي نظرة موضوعية على أفعالك، ومن هنا سوف نبدأ.