بريخت

بریخت هو مسرحي الماني شهير تخرج كطبيب رسمي ولكنه سرعان ما اعتزل الطب وانصرف انصرافاً كلياً إلى رحابة المسرح ، فاهتم بالنقد الإجتماعي والسياسي واتخذ من المسرح وسيلة للنقد .

 لقد كان بريخت هو الرائد والمؤسس والمنظر لمسرح التغيير الملحمي ، فهو في الفن المسرحي صاحب مدرسة متميزة : تنظيراً وتأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً وبذلك ذاعت شهرته في الآفاق وأصبح ذا مكانة عالمية ، وله أتباع كثيرون ليس في ألمانيا وحدها وإنما في الكثير من أقطار الأرض ، وأتباعـه هـؤلاء متعصبون لأفكاره ويعلنون ريادته ، وينشرون أعماله ويبالغون في تضخيم ابداعاته ، وهم ينسبون أنفسهم إليه ويحملون اسمه ( البريختيـون ) ، فهو عنـدهـم إمـام مـتبـوع ومعلـم مسـموع ، وبالمقابـل فـإن لـه نـاقـدون هـدامون وخصوماً لا يقلون حماسة عن الأتباع ، ولكن في الإتجاه المضاد ، وهذا هو شأن العظماء دائماً يتحمس لهم الناس في فئتين إمـا مـادح بالثناء أو قادح ، بالهجاء .

 لقـد كـان بريخت مهمومـاً بقضايا الإنسان ، يريـد أن يـوفـر لـه المعرفة والحرية والمحبة والعدالة والإزدهار ، لذلك كان يمقت التعميـة ويحارب حجب الحقائق ، ويندد بالتعصب ويكره ضيق العقل ويستهجن النفاق ويحاول كشـف أساليب التجهيل والتدليس والتمويه ، ويحتقر الممالئين للمتسلطين ، ويثيره انخـداع العامـة بالمظـاهـر وعـجـزهـم عـن أكتشـاف ، كمـا كـان يستبشـع الحماقـات الإنسانية في دلـع الحـروب الحقائق والصراعات ، ويتعاطف مع الفقراء والبائسين ، ويحزن لوقوع الجماهيري مصائد الدعاية والتجهيـل والتضليل ، ويحاول أن يستنفر عقـول النـاس ليفتحوا بصائرهم على الحقائق المرة وألا يبقوا أسرى للتضليل والعواطف • إن بريخـت ومـن خـلال مسـرحه يريد أن يجسـد تناقضـات المجتمـع وأن يكشـف للمتابعين أغـوار الواقـع ، فكأنـه يـريـد أن يقـول للنـاس : إن مواقفكم وآرائكم واتجاهاتكم التي كونت ثقافتكم العامة في الحياة قد تشكلت من عوامل ليست من أفعالكم ولن تعرفوا أسبابها إلا بتشريح الواقع وتعريته وتحليله ، وكشف آليات عمله من أجل الفهم أولا ثم من أجل التمكين من إعادة التكوين ثانياً .

 فهذا الطبيب – بريخت – لم يقدم نظرية في الطب الذي درسه في الجامعة وإنمـا قـدم نظرية في الأدب المسـرحـي الـذي أولاه اهتمامـه وانشغل بـه ، فعبقريته وإبداعه وتفوقه كان في المجال الذي استهواه ووجد نفسه فيه ، وحول هذا الموضوع هناك العديد والعديد من الشواهد الدالة علـى هـذه النظرية .