الأساليب الفنية في صناعة التحف الخشبية

1. التجميع والتعشيق

تعد هذه الطريقة من الطرق الأولى لتثبيت الحشوات المختلفة[1] فقد سادت طريقة المفحار والعرموس، وطريقة اللسان[2]، وتستخدم هذه الطريقة في تجميع الإسطامات (الرأسية)، والرؤوس (الأفقية) بالأبواب والشبابيك وغيرها، ولتنفيذ مجرى بالفخار في أحد وجهي سمك الحشوة الخشبية، ويجب عند تثبيت الحشوات ألا تسمر أو تزنق بقوة مع العظم بل يراعى أن تكون حرة الحركة حتى لا تتشقق عند الانكماش.

أ. الحشوات

حرص الفنان على الإكثار من الزوايا بالحشوات لتساعده على تثبيتها بسهولة ببعضها البعض وتسمى أجزاء الحشو (الحشوات): البقجة (حشوة مربعة)، والتاريخ (حشوة مستطيلة أفقية)، والتمساح (حشوة مستطيلة رأسية)، وإلى جانب الحشوات بأشكال هندسية مختلفة وكان النجارون يحرصون على ترك خلوص (مسافة) مناسب في الحلوق ليساعد على تمدد الخشب، دون إحداث أي انفعالات في أليافه وذلك لأن الخشب يتأثر بالتغيير المنتظم في درجة الرطوبة، وأن أليافه لديها القابلية للانكماش والتمدد.

كما أن الأسلوب الذي أتبع في تصميم الحشوات هو الفرجار والخيط حيث يتحدد المركز ويتم تكوين الدائرة التي ستضم الشكل المراد تنفيذه، ثم يثبت مسمار بالمركز المربوط به خيط لتكوين الخطوط المختلفة المكونة لهذا الشكل، وتسمى هذه الطريقة (رسم النجارة) و(ضرب خيط). كما انتشرت الحشوات الهندسية بأشكال مختلفة، وعرفت هذه الطريقة بمصر في العصر الفاطمي[3].

ب. السدايب المعشقة

انتشرت السدايب المعشقة على نطاق واسع، وهي عبارة عن سؤاسات (قنانات) معشقة تسمى (القشر)، والفرق بينهما وبين تعشيق الحشوات أنه في حالة الحشوات تكون القنانات في مستوى هذه الحشوات، وينفذ النقر بالقنان، وأحياناً تكون الحشوات أعلى من القنانات وتشطف حوافها، أما السدايب فتثبت على سطح الخشب وتكون نهايات القنانات مائلة لتكوين الزوايا.

وفي بعض الأحيان يتم تنفيذ السدايب مع بعضها بدون أرضية وتسمى (أبو جنزير) أو (عش النحل)، وأما أبو جنزير فهو عبارة عن شكل هندسي تخرج من مركزة سدايب تكون إشعاعات تلتقي مع أشكال أخرى، وقد أطلق عليه خطأ اسم (خرط أبو جنزير)، أما عش النحل فهو عبارة عن أشكال سداسية متشابكة معرج وأطلق عليه خطأ اسم معقلي معرج[4]. وقد استطاع الفنان إخراج عناصر هندسية عديدة بالتجميع والتعشيق للحشوات أو السدايب، كأشكال[5]:

- المعقلي

وهي طريقة ترتيب الحشوات بأشكال مربعة أو مستطيلة بزاوية (90) درجة أو (60) درجة ، أو (30) درجة، وتشمل:

  • المعقلي القائم

وهو عبارة عن حشوات طولية وعرضية تفصلها حشوات أخرى مربعة بشكل قائم على زاوية (90) درجة.

  • المعقلي المائل

وهو عبارة عن حشوات مستطيلة طويلة وعرضية تفصلها حشوات مربعة بشكل مائل على زاوية (45) درجة.

  • المعقلي المعقوف

وهو عبارة عن حشوات مستطيلة تلتف حول حشوة مربعة، وتنتهي الحشوات المستطيلة بزاوية، فيبدو الشكل وكأنه يشبه الصليب .

  • المعقلي نصف على نصف

يشبه قوالب الطوب.

- المفاريك

والمفروكة هي وحدة زخرفية عبارة عن مربع قائم أو على زاوية (30) درجة، وسؤاسه المحدد له يبدأ من ثلث ضلع المربع الجامع للحشوة كلها. تبدأ السؤاسات المائلة من نصف ضلع مربع الحشوة الأصلية أو من ثلثه، وتكون أضلاعه المربع على شكل حرف (T)، وتشتمل على المفروكة المائلة والمفروكة القائمة المعكوفة.

- الأطباق النجمية

تعتبر من أساسيات الزخرفة الإسلامية الهندسية، لما لها من روح وتعاشيق وترابط يبرز في الالتفاف المتداخل الجميل في بنيتها الهندسية. وهو وحدة فنية تتألف من ثلاثة أجزاء متميزة بغض النظر عن مدى تعقد أسلوب الجمع فيما بينها.

ولأسباب متعددة ربما يكون في مقدمتها عناية المسلمين بعلم الفلك احتلت الأشكال النجمية بأنواعها المختلفة موقع الصدارة بين الزخارف الهندسية الشائعة في الفن الإسلامي، إلى أن جاء القرن السادس الهجري ليضيف لقائمة الأشكال النجمية شكلا جديداً لم يسبق فن آخر إلى ابتكاره وهو الطبق النجمي.

والطبق النجمي تصميم زخرفي متكامل ومركب من أشكال نجمية مدببة الأطراف ومتعددة الأضلاع وتدور هذه الأشكال حول شكل نجمي أوسط، وقد بدا في ميلاده الأول كوحدة زخرفية تتألف من نجمة سداسية تحيط بأطرافها ست حشوات خماسية الأضلاع.

وتوصل الفنان الفاطمي لهذا الشكل الزخرفي المبتكر في خضم سعيه لإكساب الحشوات الخشبية التي كانت تتألف منها المنابر وقطع الأثاث طابعاً من الجمال الفني، بعد أن أعتمد تقنياً على أسلوب الحشوات المجمعة للتغلب على تمدد الأخشاب وانكماشها في فصول السنة المختلفة، وهو أمر كان يؤدي لتقوس قطع الأثاث وتشوهها خاصة لو كانت أخشابها من الأنواع العادية.

ومعنى ذلك أن الظهور الأول للطبق النجمي كان محض استجابة للنزعة الزخرفية الجمالية الكامنة في الفن الإسلامي، ولكن هذا الظهور ما لبث أن ارتقى بنفسه ليصل الطبق النجمي لأن يكون زخرفة مقصودة لذاتها وليست مجرد شكل جميل لغرض منفعي ووظيفي.

فالطبق النجمي يبدأ برسم مربع، داخله دائرة تمس أضلاعه، ومن ثم يبدأ التقسيم. تقسم الدائرة لتكون شكلا نجميا بعد التنصيف ورسم الأوتار والأقواس.

ففي الوسط من زخرفة الطبق النجمي نجد نجمة مركزية مسننة الأطراف وقد يصل عدد هذه الأطراف إلى (24) طرفاً مدبباً، ويعرف هذا العنصر المركزي الوحيد باسم الترس، فالطبق النجمي لا يوجد به سوى ترس واحد.

والعنصر الثاني هو الكندات ومفردها كندة، وهي عبارة حشوة ذات ستة أضلاع تبدأ بقاعدة مربعة يخرج منها ضلعان مستطيلان وينتهيان بشكل رأس مثلث حاد الزوايا، وتشكل هذه الكندات الحد الخارجي لشكل الطبق النجمي، ويتساوى عدد الكندات في كل طبق مع عدد أطراف الترس.

أما العنصر الزخرفي الأخير فهو اللوزات ومفردها لوزة وهي حشوات صغيرة تملأ الفراغ فيما بين الترس والكندات وتتألف اللوزة من شكل رباعي الأضلاع يقابل أطراف الترس في هيئة إشعاعية ويعادل عددها في الطبق النجمي عدد الكندات.

الأطباق النجمية لها مقاسات كثيرة، تبدأ من ثماني الأضلاع وتصل إلى (32) ضلعا، وجوهر تصميم الطبق النجمي بعد تمام نضجه الهندسي هو عبارة عن صورة إشعاعية تتحرك في اتجاه معين ولكن بصورة ثابتة في مركز الزخرفة ويدور في فلك دائري محوره أو قطبه هو الترس النجمي وشظاياه الكبرى هي الكندات والصغرى هي اللوزات، وتتواصل الأطباق النجمية مع بعضها عبر الكندات التي تلعب دور عناصر الفصل والوصل بآن واحد، وتلك عبقرية هندسية فنية أخرى تمنح زخرفة الطبق النجمي الطابع اللانهائي الذي ميز روح زخرفة الإسلامية النباتية على وجه خاص.

وقد عزز الفنان المسلم من الطابع الزخرفي للطبق النجمي باعتماده على تباين ألوان الحشوات أولا فلجأ إلى استخدام أخشاب من درجات ألوان مختلفة تراوحت بين البني بدرجاته واللون الأسود الأبنوسي، ثم اتبع ذلك باستخدام حشوات من العاج وخاصة في الترس واللوزات الصغيرة الحجم واكتست الأطباق النجمية ثوبا قشيباً من الثراء الزخرفي عندما لجأ الفنان لتطعيم الحشوات المختلفة بالعاج تارة وبالصدف تارة أخرى في إطار تعزيز الطابع اللوني للأطباق النجمية.

ولكن هذه الوحدات الزخرفية التي نشأت بالأصل في أحضان غرض وظيفي ومنفعي سرعان ما تحولت لعنصر زخرفي يستخدم ببراعة في تزيين منتجات فنية أخرى غير الأخشاب فظهر تقريباً في منتجات الفنون التطبيقية كافة.

وقد انتشرت الأطباق النجمية الثمانية والإثنى عشرية بعمائر مدينة رشيد خاصة على المنابر وأسقف المنازل كمنزل الأمصيلي.

 

[1] يطلق على هذه الطريقة اسم جمعية، وتسمى في تركيا ((kundekari. انظر: مرزوق، محمد عبد العزيز (1974). الفنون الزخرفية الإسلامية في العصر الإسلامي، القاهرة، ص 66. كشك، شادية الدسوقي. أشغال الخشب في العمائر الدينية بمدينة القاهرة، ص 80.

Arseven, G. A. (1935). Les arts decoratifs turc, Istanbul, p. 201.

[2] انظر كلوت بك (1930). لمحة عامة إلى مصر، جزءان، تعريب محمد سعود، القاهرة، 2، ص ص 3-479. عبد الحليم، محمد. الخشب والنجارة والنجا، ص ص 82-83. زكي، رشيد (1932). فن الآركت، ط1، القاهرة، ص 30. مرزوق، محمد عبد العزيز (1965). الفن الإسلامي تاريخه وخصائصه، بغداد، ص ص 146–147. شافعي، فريد (مايو 1974). الأخشاب المزخرفة في الطرازين العباسي والفاطمي بمصر، مجلة كلية الآداب - جامعة القاهرة، 1/16. عبد الجواد. توفيق أحمد. العمارة وإنشاء المباني، ص ص 109-172. الباشا، حسن. مدخل إلى الآثار الإسلامية، ص 440. إبراهيم، عبد اللطيف (1979). الوثائق في خدمة الآثار، دراسات في الآثار الإسلامية، القاهرة، ص 348. كشك، شادية الدسوقي. أشغال الخشب في العمائر الدينية بمدينة القاهرة، ص 408. هريدي، صلاح. الحرف والصناعات، ص 67.

[3] فكري، أحمد (1965). مساجد القاهرة ومدارسها، 1، العصر الفاطمي، القاهرة، ص 106. مرزوق، محمد عبد العزيز (1965). الفن الإسلامي تاريخه وخصائصه، بغداد، ص 149.

[4] أبو بكر، نعمت (1968). المنابر الخشبية في مصر حتى العصر المملوكي، ص 113.

[5] خليفة، ربيع حامد. فنون القاهرة في العهد العثماني، ص ص 175-176.