"بإمكان طفل في الخامسة من العمر أن يفهم ذلك؛ لذا أرسل من يحضرة".                                 

جروشو ماركس                                 

قال لي مؤخراً رئيس تنفيذي في شركة كبري تعمل في مجال التكنولوجيا: " نحن نحاول أن نكون أكثر إبداعاً وشمولاً؛ فلدينا موظفون أذكياء يعملون في شركتنا، إنهم أذكياء حقاً، ولكن كلما تحدثنا عن تبسيط أنظمتنا حتي نتمتع بالمرونة، وحتي نصبح أكثر استجابة، أو أكثر إبداعاً وشمولاً؛ فلدينا موظفون أذكياء يعملون في شركتنا، إنهم أذكياء حقاً، ولكن كلما تحدثنا عن تبسيط أنظمتنا حتي نتمتع بالمرونة، وحتي نصبح أكثر استجابةً، أو أكثر إبداعاً، يبدأ الموظفون في طرح أسئلة لا نهاية لها، فماذا يجب أن نفعل؟".

قد يبدو جوابي سطحياً، أو وقحاً، ولكنه، في الحقيقة، لم يكن كذلك.

قلت له:" لا توظف أي شخص يتجاوز عمره خمس سنوات!".

ماذا تري عندما تنظر إلي عمل فني ل "جاكسون بولوك" أو "بيكاسو" أو لأي فنان ينتمي إلي المدرسة التجريدية؟ وهل تبحث عن شيء محدد؟ أو ربما تبحث عن تفسير صحيح للصورة؟ هل تختلس النظر إلي وصف الصورة المكتوب علي الحائط أو كتاب الإرشاد؟

عندما ينظر طفل إلي لوحة قد تعجبه أو لا، سيقول: " توجد بها ألوان أكثر من اللازم، أو أنها مظلمة جداً، أو ليس بها مواضع ساطعة، أو بها الكثير من الخطوط، أو تبدو مثل امرأة قبيحة، أو إنني لا أفهمها!".

الأمر الممتع في الأطفال الصغار هو أنهم لا يعرفون أن عليهم أن يكونوا أذكياء أو – وهو الأمر الأكثر أهمية – علي صواب! إنهم فقط يستمتعون بالحياة وبما يفعلونه، ويحبون التفكير وطرح الأسئلة والكلام.

إن العالم مليء بالاحتمالات الاستثنائية.

وكثيراً ما أطلب من الجمهور والمجموعات التي أعمل معها ان ينظروا إلي اللوحات والصور، وأطلب منهم أن يخبروني بما يرون. وفي حين أن معظمهم لا يقول أي شيء، أستطيع أن أري في أعينهم أن لديهم أفكاراً، ولكن معظمهم لا يقول أي شيء؛ لأنهم لا يريدون أن يكونوا مخطئين، أو أن يبدوا كالحمقي؛ فهم لا يريدون أن يبدوا كأنهم فشلوا أمام أصدقائهم، وأقرانهم، وزملائهم.

وعندما كنت طفلاً صغيراً جداً، كان جدي لأمي يأخذني إلي معرض الصيف في الأكاديمية الملكية للفنون في لندن، وكنت أحب هذا المعرض كثيراً. وكنا نسير خلال صالات العرض، وننظر إلي اللوحات، والرسومات، والمنحوتات.

ولم نشتر قط كتيباً إرشادياً؛ لأننا أردنا فقط أن ننظر إلي المعروضات الفنية من أجل متعتنا الذاتية. وكنا نحب بعض هذه المعروضات، ونجد بعضها مملاً، وبعضها الآخر كنت أعتقد أنني يمكن أن أحدق إليه إلي الأبد. ولم أكن أعرف من هم الفنانون، ولا الوسائل التي استخدموها، وكثيراً ما كنت أجهل الرسالة التي أرادوا أن ينقلوها.

وكنت أحب التلوين والرسم في ذلك الوقت من العمر، وكنت أمارسهما لساعات. وأتذكر برنامجاً تليفزيونياً نهارياً مميزاً كان يدعي؛ قد اعتدت مشاهدته كلما سنحت لي الفرصة. ولقد كان بمثابة دليل بسيط، يشرح خطوة خطوة كيفية رسم المناظر الطبيعية والجمادات، لقد أحببت هذا البرنامج جداً في ذلك الحين.

 

واتضح أن هناك واحداً أو اثنين من أساتذتي كانا يعتقدان أنني كنت جيداً جداً في الرسم، وعندما تقدمت في العمر، أخبراني بأنه لا بد من أن أخوض اختبارات لأثبت مدى كفائتي في الرسم.

وحينها توقف حبي للرسم.

حيث تلقيت توجيهات تعلمني كيف أرسم وألون بطريقة معينة، باعتبار أنها الطريقة الصحيحة. واطلعت علي أعمال فنية أخري، وقيل لي إن هذه هي الطريقة التي ينبغي أن يكون عليها الرسم، وهكذا يجب أن يبدو.

وبعد ذلك بوقت قصير، توقفت عن الرسم والتلوين تماماً.

لقد فقدت حبي لهما.

وقبل عدة سنوات، في وقت قريب من بداية الألفية الجديدة، اكتشفت موقع إي باي. وفي هذا الوقت، كنا نجدد منزلنا، وأردنا تعليق بعض اللوحات علي الجدران، فاستحدمت موقع إي باي لإيجاد بعض الأعمال الفنية بأسعار معقولة. وبينما كنت أتصفح المعروضات، طرأت لي فكرة، حيث فكرت في إنتاج بعض الأعمال الفنية، وأن أحاول بيعها علي الموقع. وخرجت واشتريت بعض الألوان، وبعض ألواح الرسم الزيتية المستطيلة، وحاملاً. وكانت أول محاولة هي رسم لوحة زيتية ملونة بألوان متدرجة من الأرجواني مع خط أرجواني رفيع وساطع عبر منتصف اللوحة الزيتية. وأطلقت عليها اسم " الأفق الأرجواني" ورفعتها علي الموقع للبيع بالمزاد. والأمر المذهل هو أن سعرها تجاوز100 جنيه إسترليني، لقد كان الأمر بسيطاً . ولقد أحببت رسم هذه اللوحة وبضع لوحات زيتية أخري، وقد وجدت طريقها أيضاً للعرض علي الموقع . وكنت قد توقفت عن الرسم مدة تتجاوز عشر سنوات، وقد تطلب الأمر أن أصل إلي الثلاثينات من عمري حتي أتغلب علي الشعور بأن عملي قد يكون قيماً، إذا قرر شخص آخر أنه ذو قيمة. كما أنه عادت إلي ثقتي بنفسي أيضاً ، وأعتقد أن السبب يعود جزئياً لكون الأمر كان ممتعاً إلي حد ما، أعني أن ألتقط فرشاة وأنسى نفسي في عملية الرسم .

إن فكرة أن كل ما نفعله يجب أن يكون ذا قيمة بالنسبة إلي الآخرين تصبح مبدأ أساسياً في الطريقة التي ندير بها حياتنا. فأنا أعمل مع بضعة رياضيين محترفين. وجاء أحدهم، وهو لاعب كريكت، لزيارتي، عندما بدأت المشكلات تظهر في حياته المهنية، فعندما كان شاباً صغيراً، كان مرشحاً لتحقيق أقصي تفوق؛ لأنه يتمتع بأسلوب مميز وموهبة طبيعية عظيمة، لكن عندما وصل إلي المرحلة التي كان من المفترض أن تكون ذروة مسيرته، حدث شيء ما، ووصل إلي مستويات مقلقة من تدني الإنجاز؛ فهو لم يكن يفتقر إلي الشغف أو الالتزام، ولكن كان هناك شيء لا يسير علي ما يرام، ما جعل الموقف أكثر مدعاة للقلق؛ فكان يسعي إلي طلب المشورة كلما أمكنه ذلك، وكان مثابراً علي الاستماع إلي المدربين والمستشارين والزملاء، وهو مصرٌ علي أن يبحث عن الحل .

التقيت به وقد وصل إلي أدني مرحلة له؛ حيث لم يكن واثقاً ما إن كان سيتم تجديد عقده، أو سيستطيع مواصلة حياته المهنية في مجال الرياضة الاحترافية. لم نفعل أي شيء معقد في أثناء عملنا معاً؛ فقد كنا نتحدث في غالبية الوقت عنه، وعن طموحاته، وحبه للعبة، ومشاعره عندما كان لاعباً صغيراً ناجحاً مقارنةً بمشاعره الآن. وكانت لديه رغبة شديدة في النجاح ليس من أجل نفسه فحسب، ولكنه طٌور رغبة، خانقة في بعض الأحيان، للنجاح من أجل إرضاء الآخرين. وكان قد بدأ يفرط في التفكير في كل ما هو متعلق بحياته، وينظر دائماً من منظور الأخرين ليعرف ما سيتوقعونه منه، وماذا يريدون أن يفعل، وكيف يتوقعون منه أن يتصرف. ويمكن لهذا أن يكون معقداً بالنسبة إلي غالبية الناس. ومع ذلك، عندما تتضمن وظيفتك ضرب الكرة التي تُقذف إليك بسرعة160 كيلومتراً في الساعة تقريباً، فإن الشعور بعدم الثقة بالنفس أو بالتردد، ولو جزءاً من الثانية، يمكن أن يعرضك إلي الخطر. وساعتها قد لا تخفق فقط، بل قد تنتهي بك الحال وأنت مُعرضٌ لأذى خطير في هذه العملية.