التواصل الإلكتروني" أم التواصل بالعين؟
"إن وسائل التواصل الكهربية لن تكون بديلاً أبداً عن وجه شخص له روح وضمير، يقوم بتشجيع الشخص الآخر على أن يكون شجاعاً ومخلصاً''.
تشارلز ديكنز‘ من رواية The Wreck of the Golden Mary
لا حاجة بك لفرك عينيك. نعم، إنها كلمات تشارلز ديكنز، إنه الرجل الرائع نفسه، الذي خمن المستقبل في تأملاته قبل أكثر من ١٥٠ عاماً، قبل اختراع الهاتف أيضاً.
لقد كان يشير من خلال شخصياته الأدبية إلى التواصل عبر التلغراف الكهربائي على متن سفينة خلال فترة الخطر. والنص يعكس شكوكه، وما شعرنا به في الماضي حول طريقة التحدث عن الأمور المهمة. (فكيف كان سيصف البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي في هذا العصر؟) .
كم مرة نجد أنفسنا أمام مصطلح التواصل بالعين ونقرأ عن مدى أهميته؟
ولكن بدلاً من أن يصبح الناس أكثر حذقاً، استبدل معظمهم التواصل الإلكتروني’’ بـ ’’التواصل بالعين’’.
في معظم تفاعلاتنا، ليس هناك من شك في أن التواصل بالعين يسهل التواصل مع الآخرين ويقوي العلاقات. (أتذكر العبارة: تلاقت نظراتنا واتفقنا ؟) فكر في الأطفال بدءاً من سن ستة أشهر أو نحو ذلك، وستجد الطفل منهم ينظر إلى عيون والديه كي يتمكن من فهمهما ٠ 
لقد أصبح التواصل مع الآخرين عن طريق الحاسوب، أو جهاز الآيفون أو الآيباد، أو غيرها من الأجهزة النقالة هو الطريقة المفضلة لمعظمنا الآن؛ حيث نترك الجهاز يتولى أمر الحديث!
وحتى في أثناء التواجد مع الآخرين، فإننا نتحدث معهم ونستمع إليهم بينما نحدق إلى هواتفنا الذكية وأجهزتنا الإلكترونية، حتى صار ذلك أمرا طبيعياً.
بل إننا تخطينا حدود اللياقة بشأن التوقيت المناسب لاستخدامنا إياها، فنحن نستخدمها سواء كنا في موعد عشاء، أو في موعد مع شريك الحياة، أو في اجتماع، أو أمام الكاشير في السوبر ماركت. ولكن ماذا عن التواصل الفعلي مع الناس؟
هل لاحظت أنه عندما يكون الناس وحدهم أو حتى مع الآخرين وحالما يتوقف الحديث، فإن كثيرا منهم سيمدون أيديهم بحثاً عن هواتفهم؟
عندما نتحدث وجهاً لوجه فإننا نقدم مدى إخلاص المستمع واهتمامه جزئياً من خلال النظر إلى عينيه لمعرفة إلى أين ينظر. أتذكر إلى أي مدى شعرت بالانزعاج والإهانة كلما رأيت أحدهم ينطر من فوق كتفك، أو في أرجاء الغرفة، أو إلى هاتفه النقال بينما تتحدث إليه. 
تشير الأبحاث المستمرة إلى أن التصورات الإيجابية التي يكونها الناس من خلال التواصل بالعين هي ما يجعل غرسها كمهارة أمراً مستحقاً للجهد (إذا لم تكن تحظى بها بالفعل) . فأنت بها تصبح محبوباً أكثر بين الناس، وكذلك أكثر جدارة بالثقة، والجاذبية، والثقة بنفسك، والقوة. إن قائمة الإيجابيات تطول (انظر الفصل ١٠). وبطبيعة الحال، فإنها تظهر لمن أمامك أنك منتبه إليه!
تظهر أعيننا قدراً هائلاً من المعلومات حول ما نفكر به في الأوقات المختلفة، فلغة جسدنا تظهر الكثير مما نشعر به، وفي حين أننا في كثير من الأحيان نستطيع إخفاء مشاعرنا الحقيقية أو الانزعاج الذي نشعر به باستخدام تعبيرات الوجه وغيرها من طرق التواصل غير اللفظية، فإن أعيننا تكشف الحقيقة دائماً ا.

إننا صرنا نتحدث باستمرار عن موضوع الافتقار إلى اللياقة في سلوكنا الخاص بالتعامل مع تكنولوجيا الهواتف النقالة. تشير الأبحاث والدراسات إلى أن هناك معايير مزدوجة فيما يتعلق بما يعتبر السلوك المناسب لاستخدام الهواتف في الأوساط الاجتماعية المختلفة. فيبدو أن أكثر من ٨٠/ من الناس يعتقدون أن استخدام هواتفهم أو الأجهزة الأخرى في أثناء
محادثتهم مع الآخرين يضر بالمحادثة، ولكنهم يجدون صعوبة في التوقف عن استخدامها. بل لقد اعترف البعض بـ أنهم يستخدمون هواتفهم عمداً للتوقف عن تبادل الحديث مع البعض.
بل ويبدو أن بعضنا لا يمكن أن يذهب إلى مطعم أو مقهى إلا إذا كان يوفر خدمة الواي فاي؛ فالسلوك الجديد هو إخراج الجهاز اللوحي أو الهاتف أو الحاسوب المحمول والجلوس هناك ضاحكين بصمت مع أناس لم نلتق بهم قط!
يشعر الآباء والمعلمون والمديرون بقلق متزايد من أن الشباب لم يعد يعرف ما يكفي عن التفاعلات الشخصية وكيفية التواصل مع شخص بالعين. أيمكن أن نتعجب بعد ذلك من أن معظم مظاهر نضجهم الاجتماعي لا تتجلى إلا من وراء لوحة المفاتيح؟
ذكر الأكاديميون الرواد الذين أجروا مقابلات مع معلمي المدارس الابتدائية في عام ٢٠١٥ أن: المزيد من الأطفال يواجهون صعوبات حقيقية عندما
يتعلق الأمر بالكلام واللغة... وفي قدرة الأطفال على الكلام واللعب والتفاعل. ورداً على سؤال ما إذا كان الوضع يزداد سوءا، فإنهم اتفقوا جميعاً على الإلقاء باللوم على الهواتف الذكية، وحقيقة أن المدارس وحدها هي التي تعالج تلك الفجوة المعرفية، في الوقت الذي ينبغي على الآباء أن يكونوا أكثر  انخراطاً مع أطفالهم: إن تهويدات الأطفال والحكايات الخيالية قد تكون أقل إثارة للاهتمام من موقع إنستجرام، ولكن نجاح الطفل على المدى الطويل يعتمد عليها
يعتمد بعض الناس على التكنولوجيا كوسيلة لتجنب الانزعاج الناجم عن المحادثة الحية أو الحديث وجهاً لوجه (أو حتى على الهاتف).
قضت شيري توركل الأستاذة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عدة عقود في إجراء الأبحاث حول الناس وعلاقاتهم بالتكنولوجيا. وقد كانت تبحث في الآونة الأخيرة حول مدى سرعة التقدم التكنولوجي وآثاره السلبية على السلوك البشري. إنها تقول: إن الرسائل النصية والبريد الإلكتروني والنشر على مواقع التواصل تظهر الشخصية التي نود أن نكون عليها. وهذا يعني أننا يمكننا إجراء تعديلات عليها، أو إذا أردنا يمكننا حذفها نهائيا. أما العلاقات الإنسانية فهي ثرية: فهي فوضوية ومتطلبة... والتوجه السائد الآن هو ترك الحديث مع الناس إلى التواصل الإلكتروني. والأسوأ من ذلك هو أننا مع مرور
الوقت نتوقف عن الاهتمام، وننسى أن هناك فرقا هائلاً بين الاثنين".
وفي حديثها في مجلة تايم في عام ٢٠١٢ (في مقال بعنوان نحن لم نعد نتحدث قط )، قالت توركل : إنه على الرغم من أن البالغين أقل عرضة لأن يعانوا رهاب الحديث مع الآخرين ، فإنهم يعانون تجنب الحديث مع الآخرين" . والسبب الرئيسي هو أن "ذلك الآمر أسهل وأيسر ".
وبطبيعة الحال، فإن تركيز الأبحاث ينصب على تأثير الرسائل النصية على الشباب تحديداً؛ فهم في عصر يحتاجون فيه إلى ممارسة مهارات التواصل مع الآخرين حيث يعدهم ذلك للتعامل بنضج في العالم الخارجي. في حين أن معظم البالغين ستكون لديهم ميزة وهي اعتبارهم التواصل وجهاً لوجه بمثابة القاعدة الأساسية ، ذلك قبل أن تأتيهم التكنولوجيا بأجهزة الهاتف المحمول،
فبالتالي يتمحور القلق هنا حول الشباب.
ومع ذلك، تلاحظ توركل أنه حتى مع البالغين أصبح من الواضح أن كفاءتهم على التحدث وجها لوجه تتدنى منذ الانفجار الإلكتروني.
إن إرسال رسالة نصية إلى صديق يعني عدم الحاجة إلى قول: كيف حالك؟ ، والأسوأ من ذلك، الحصول على إجابة لهذا السؤال! إنها تقول بحزن: "إن وجود الكثير من الرسائل النصية يعني عيش حياة افتراضية".
الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني لها وقت معين في العمل ومواقف شخصية معينة. ولكننا نسيء استخدامها، فنرسلها في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التحدث وجهاً لوجه أو على الهاتف حيث يكون ذلك أكثر ملاءمة، وهذه هي المشكلة.
يتسع نطاق سوء الفهم وعدم اللياقة في هذه الحالة، خاصة أن هذه الرسائل مكتوبة بإيجاز. ولكن سوء الفهم لا يحدث بالقدر نفسه عند إجراء مكالمة هاتفية بدلاً من ذلك. وإن حدث مثل هذا، فإنه يمكن معالجته فوراً.
عليك أن تعي طريقة التواصل التي عليك استخدامها. أي منها سيعمق من العلاقة المعنية