“ طاليس بلا شك، المعرفة هي ميزة لا غنى عنها في القيادة. من بين أمور أخرى، هي عنصر أساسي في معالجة المشاكل العديدة التي يواجهها القادة بشكل روتيني. بناء على ذلك، يزعم القادة السياسيون أن لديهم معرفة بكيفية قيادة الدولة، ويزعم قادة التعليم أن لديهم المعرفة التي يمكنها إعداد الطلاب لعالم ما بعد التخرج، ويزعم قادة الأعمال أن لديهم المعرفة والدراية لتطوير المنتجات والخدمات التي يمكنها تحسين وإثراء حياة الناس (ويكافئون حملة أسهم الشركات خلال العملية) . لكن، تجدر الإشارة إلى أن هناك نوعين من المعرفة: المعلومات الواقعية التي يمكن الحصول عليها من التعليم الرسمي وممارسات العالم الحقيقي، ومعرفة المرء لعالمه الداخلي خاصه. إنها الفئة الثانية التي تحدد بشكل فريد معيار القيادة الحقيقية. اعرف نفسك. افهم عالمك الداخلي، بجانبيه المشرق والمظلم، ونقاط قوتك فهم الذات هو شرط مسبق أساسي ضروري للقيادة الحقيقية. يقال إنه في القرن السادس قبل الميلاد أوصى طاليس، وهو أحد الحكماء السبعة في اليونان القديمة، بحكمته الشهيرة "اعرف نفسك" . هذه الفكرة بالبحث الذاتي كخاصية إلزامية من أجل حياة هانئة سرعان ما بلغت وضعها كأحد أمثال اليونانيين. في الواقع، اعتبر حتى أنها جديرة بالنقش على جدار معبد أبولو في دلفي. الأقوال القائمة على الحكمة العظيمة، مثل هذا القول، تشترك جميعا في شيء واحد، بغض النظر عن زمان ومكان وقوعها: أنها تشجع على الانخراط في سلوك متطلب وخارج عن المألوف ولكنه مع ذلك يقدم وعودا بجائزة عظيمة. تعليم طاليس هو توضيح كلاسيكي لهذه النقطة. إن "معرفة نفسك" بالمعنى الحديث للعبارة مهمة صعبة للغاية، لعدة أسباب: أولاً، يقدم العالم الحديث تشكيلة لا نهاية لها من المساعي التافهة التي تشجع على وجود سطحي غير تحليلي- حتى بالنسبة لأولئك الذين يميلون إلى البحث عن معنى وفهم أعمق، فإن حجم الإلهاء كبير لدرجة أن القليل جدا يقدرون على الانخراط في أي شيء يقترب من كونه برنامجا هادفا للاستجواب الذاتي. ثانيا، هناك العوائق النفسية التي نميل جميعا إلى أن ننصبها في محاولة لحجب أعيننا عن وهج الحقائق المزعجة. هذا العائق أمام الفهم الذاتي أكبر بكثير من العديد من إغراءات المجتمع المشتتة. هنا نتكلم عن ميل قوي لإبهام، وتشويه، وإضفاء طابع الخيال نيابة عن الواقع الملفق. إن الفشل في إزالة هذه العقبات يجعل من المستحيل تقصي الذات. علاوة على ذلك، أولئك الذين يفشلون في هذا الصدد لن يحوزوا أبدا الحدس والرؤى اللازمة للقيادة الحقيقية. لذلك، من الضروري أن يلتزم القائد المحتمل بجدول أعمال من التشكك الحماسي بالذات، لأن التشويش الأكثر فتكا لا يأتي من شفاه خصومنا أو منافسينا. بل إنه يميل للتدفق من قلوبنا، بدلا من ذلك. ثالثا، البشر بطبيعتهم يميلون للتلذذية - باحثين عن المتعة ويرغبون غريزيا في السهولة والراحة أكثر من التحدي والألم. هنا نحتاج لقول بضع كلمات فيما يتعلق بقضية الحقيقة. يقولون إن الحقيقة يمكنها تحريرنا. قد يكون هذا حقيقيا بشكل ما، لكن من الحقيقي كذلك أن الحقيقة ليست بالأمر الذي يسهل الحصول عليه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بفهم من وما نحن حقا، وما نقوم به، ولماذا نقوم به. هذه الفئة من الحقيقة، على وجه الخصوص، تتطلب النضال والانضباط والشجاعة. لماذا؟ لأنه هنا، الحقيقة تنطوي عاد على قدر كبير من الضيق وخيبة الأمل. "معرفة نفسك" تعني إضفاء شفافية جديدة على دوافعنا وهويتنا الخفية. وتنطوي على عملية الكشف للذات حيث يكشف المرء بلا هوادة الاحتيال والخداع اللذين يمنحاننا الراحة. هذا هو البحث عن الحقيقة الذي يحررنا، كتلذذيين مخلصين، نفهم أنه مسار مليء بالهواجس، ولذا هو طريق نادرا ما يسلك. رابعا، هناك عقبة متزايدة الأهمية تتمثل في تصوير وسائل الإعلام الجماهيرية. مع استثناءات قليلة جدا، يتم باستمرار قصفنا جميعا بصور لأنواع "الناجحين" الذين يزعم أنهم جديرون بأن نضاهيهم. إن انتشار هذه الصور في البث التليفزيوني والأفلام والإنترنت جعلها حقيقة لا مفر منها في الحياة العصرية. الصعوبة تكمن في حقيقة أن هذه النماذج المشبوهة تميل إلى تمجيد الحياة السطحية والتافهة وغير المتأملة. بسهولة، ننسى أن هذه الصور المذهبة لا تتعلق بالحقيقة بقدر ما تتعلق ببيع التذاكر وتعزيز تقييمات "نيلسن" Nielsen . ونتيجة لذلك، فإنها تروج ضلالاً يشير إلى أنه لا توجد حاجة ملحة خاصة للتفكير في الأسئلة الأكبر بالحياة، وأن النضال لمعرفة نفسك هو إلى حد كبير تافه وغير مهم. بدلاً من ذلك، نشجع على تبني الاعتقاد الثقافي الشائع للحياة الجيدة بلا تفكير دون أي اعتبار لمعنى واستحقاقية هذا الوجود. في ظل هذه الظروف، يوسم أولئك الذين يسعون إلى الحقيقة والمعنى الأسمى بوضعية كونهم غرباء عجيبي الأطوار. كيف يمكن للمرء أن يتبع مقولة "اعرف نفسك" في مجتمع يدعم بقوة حياة يتم عيشها في وضعية الطيار الآلي - أي حياة يتم عيشها بلا أو بالقليل من الالتزام بالفحص الذاتي؟