التوتر عند الأطفال

هناك سؤال يلوح في الأفق، وهو: متى يبدأ السلوك الخاطئ والمسبب للتوتر في الظهور لدى الطفل؟

إن جذور التوتر غالباً ما تمتد أصولها ولسوء الحظ إلى مراحل الطفولة المبكرة، وقد علمنا أن معظم العقد النفسية كحب الانزواء والتأتأة والشعور بالدونية والمخاوف الكامنة تترعرع بنفس الإنسان مبكرة في صغره، لكنها تظهر للعيان بعد أن يصير شاباً يافعاً، وهذا لا يضر باتزانه الشخصي ويُفقده إحساسه بالأمان فحسب بل كثيراً ما يؤخر نموه العقلي ويحده عن مساره الصحيح، على عكس ما يلاحظ من تنبه ذهني وتركيز عند من يعمد إلى الاسترخاء في أمور حياته. انظر إلى الرضيع وهو يبكي في مهده وكيف يحرك ذراعيه وساقيه، فهو أفضل مثال للاسترخاء الشامل والتنفس الكامل. جسده في أفضل تشكيل وعضلاته تتحلى بمرونة تامة، وتنفسه منسجم مع إيقاعه الذاتي، فالإرهاق والعصبية والتوتر والاضطراب تخلف آثارها على شكل تجاعيد وأخاديد وتعابير متوترة تملأ بشرتك وتزيد من عمرك الحقيقي. والسعيد الرضي يغبطه أقرانه لصفاء بشرته ونضارتها، لماذا؟ لأنه بكل بساطة تعلم كيف يحيا.

وتقلُّب الطفل بين الحزن والسعادة والدمع والابتسامة يتم خلال ثوان معدودة فتكشف عن تناسق بديع بين الأمزجة المتوازنة.

إذاً ما الذي يغير من إيقاعه الذاتي ويقيد من تنفسه ويخلق له توتراً عضلياً وذهنياً؟

خطأ الإسراع في الجلوس للطفل:

يبدأ الخلل في أغلب الأحيان بعد بلوغ الرضيع من عمره عدة أشهر ووالداه الفخوران به متلهفان على جلوسه. متعجلان في انتصاب قامته، مع أن الرضيع لو اتبع غريزته لجلس حينما يشعر أن عضلاته قادرة على فعل ذلك، وهذا الجلوس قبل أوانه يُضعف من عموده الفقري ويفقده غريزة التوازن والإحساس بالأمان، والذي يتأتى من قيامه بما هو غير مهيأ لفعله، فينتهي بالقلق الناجم عن الضعف العضلي والشعور باهتزاز الثقة بالنفس، وذات القصة تعيد نفسها في عملية المشي، فيستمتع الطفل بالحبو مدة طويلة، ويقف حين يشعر أنه قادر على هذا، ولذا وجب على والديه منحه الفرصة الكافية حيث يساعد الحبو على تنمية مجموعاته العضلية و تهيئتها للمهام الجديدة، وحين يُدفع الطفل ليمشي مبكراً فقد يسبب هذا ضعفاً في عضلات الساق منذ الخطوة الأولى، ومدرب الخيول الماهر لا يتعجل في تدريب المهر قبل أوانه، فيرخي له العنان في الجري بحرية تامة حتى تنمو عظامه وعضلاته بما فيه الكفاية. فلندع أطفالنا للطبيعة التي تبلغ الكمال في نتائجها إذا لم تدنّس بتغيير قوانينها، ولا نبدأ التدريب إلا حين يكون الطفل في أتمّ هيئته.

ضرورة اختيار الحذاء المناسب للطفل:

يجب أن تدعم خطوات الطفل الأولى بحذاء يشدّ مفصل كاحله ويتميز بالليونة، لأن هذا لا يقوي من أقدامه فقط بل يوفر عليه اضطرابات ذهنية هو في غنى عنها.

ولكن للأسف قلّما كان هناك التفات لأهمية الساق وسلامة أدائها ومدى تأثيرها على الصحة الجسدية والعقلية، فمتى لبس الطفل حذاء صلباً نعله، فَبَلت عضلات القدم عن النمو وحرية الحركة، وأضرّ بنمو الإحساسات العصبية فيها، حيث تلجم حركتها وحرية أصابعها مع أن هذا أساسي في نمو القدم الصغيرة نمواً طبيعياً سليماً.

وقد قورن بين الأطفال الذين انتعلوا أحذية لينة وأقرانهم ذوي الأحذية الصلبة، وكان الفرق ملحوظاً، ففي المثال الأول على عكس الثاني كانوا يقفزون ويتسلقون بلا وجل مغمورين بثقة متناهية في أنفسهم وأقدامهم طيعة تنحني تلقائياً متكيف مع كل جسم يقفون عليه بالإضافة إلى مرونة مفصل الكاحل فينثني موفراً على عضلات الساق إجهادها ويمنحهم ضماناً ضد الصداع في مستقبل حياتهم

الوقاية من القدم المسحاء للطفل:

إن الوقاية من القدم المسحاء يبدأ مبكراً، راقب طفلك عندما يتحرك ويحبو ويتنفس ويمشي خطواته الأولى، وابحث عن السبب، قد يُفترض أن القدم المسحاء مسألة وراثية لا علاج لها مع العلم أن ۸۰٪ من هذه الحالات يمكن شفاؤها بتدريب الطفل على الإحساس الصحيح بأعضائه والتوازن في وقوفه ومشية واختيار الحذاء المناسب لقدميه.

والطريقة المثلى لحماية طفلك من التوتر والعادات المسبة للأداء العضلي الخاطئ، هي مراقبته عن كثب، ليس لتلاحظ كيف يتحرك فقط ولكن لتتعرف أيضاً على ما يسمى بالانتظام الذاتي، حيث يرتكب الوالدان إثماً في إرباكها لهذا الانتظام حين يجبران الطفل على مجاراة انتظامها، وأفضل أوقات الملاحظة يحبذ خلال نومه، فتكتشف صفاته الخاصة مثل الحركة المستمرة أو التنفس عن طريق الفم أو التلفظ بكلمات غير مفهومة، وهذه كلها إشارات إلى توتر مخزون.

عيوب خلقية تسبب توتر الأطفال:

قد يكون توتر الطفل علامة على ضعف المقدرة على التركيز وخاصة في دراسة مادة الرياضيات أو لضعف في السمع، ومن الجائز أن يكون سببه ارتفاع غير طبيعي في سقف الحلق، مما يضغط على الأوعية الدموية التي تغذي الدماغ فينتهي هذا بالتوتر، وإصلاح ذلك العيب الخلقي ممكن، ويُفصّل قبل بلوغه سن الخامسة عشر، وقد يعتبر الطفل بطيئاً في أفعاله قليل التركيز أو عصبي المزاج لاضطراب غير ملحوظ في سمعه أو بصره، و كلا بكرنا في علاجه صار تكيفه مع بيئته أفضل وقضي على استفحال توتره.

التوتر أحد أسباب جعل الطفل مشاكساً:

أشار أحد خبراء التربية إلى أن الميل للجنوح عند معظم الأطفال المشاكسين قد يكون مردّه إلى ذلك التوتر الناتج عن إعاقة عضوية، خفيّة كانت أو مهملة أو يصعب حلها. والإعاقة الجسدية الواضحة في الطفل كالصمم أو صعوبة النطق أو الندب الجلدية وغيرها تثير سخرية بقية الأطفال وتشعره بالإحباط، فيلجأ إلى العزلة ويتقمصه الشعور بالدونية والنقص أو يحاول التعويض عنها بإظهار العداء للمجتمع الذي يسخر منه.

ولكن في أغلب الحالات لا يكون السبب واضحاً، فقد يتخفى العيب في الأعضاء الداخلية مما لا يثير ريبة والديه أو مدرسيه. وقد وجد أثناء مسح إحصائي أن 60% من طلاب فصل مدرسي واحد يعانون من عيوب خلقية في العمود الفقري مع أن نسبة بسيطة منهم كانت معروفة سابقاً. والتوتر في هذه الحالة خطير لأنه يربك التوازن النفسي والجسدي والذهني فتضطرب الشخصية ويزداد ميلها إلى الجنوح. الخوف من الظلام صفة أخرى تبزغ في الطفل مبكرة، وهي الخوف من الظلام، حيث يصيب عدداً لا يحصى من الأطفال تتراوح أعمارهم بين عدة أشهر حتى ست عشرة سنة، وعلى الأرجح في سن السادسة أو السابعة، وأسبابه متشعبة إلا أن سوء التغذية أهمها لأنه يؤدي إلى اختلال التوازن العصبي.

وقد يضر الوالدان بالطفل إذا حاولا مقاومة هذا المرض النفسي دون الاستعانة بالطبيب، وبما أن الطفل يعلم أن رد فعل والديه على احتجاجه لا يكون إلا التعجب أو التأنيب فهو يعمد غالباً إلى الصمت والكتان حتى يحمي نفسه. ومن الحكمة أن يراقب الطفل في نومه من غير علمه ليكشف عن اضطرابه أو قلقه أثناء غفوته ويعالج منها علاجا مناسبًا. ومسألة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار، وهي التبول أثناء النوم، فهذه العادة إذا استمرت ما بعد سن الرضاعة يكون سببها التوتر النفسي، ومرجعها على الأغلب نقص في اهتمام الأم من أن هذه طريقة غير محببة لكي يسترعي بها اهتمام أمه.

إيقاع الطفل الذاتي

عندما تتعرف بالملاحظة على إيقاع طفلك الذاتي، حاول أن تحافظ عليه، فالأب الذي يجذب طفله حتى يسايره في سرعة مشيه، يسيء إليه في آخر الأمر ويخلق له توتراً، كما أنه يحفز صفة العناد فيه عن غير قصد، لأن العناد ما هو إلا تعبير الصغير عن شعوره باليأس من الكبير لأنه لم يفهم مطالبه وحاجاته.

لا تجبر طفلك على تصرفاته:

فالطفل الذي يجبر على تصرفاته، يمسي كئيباً مجهداً، أما من تُترك له الحرية في اللعب فترة معينة بلا قيود يُنمّي في ذاته إحساساً بحرية الحركة فينتهي بنتائج مرغوبة في إيقاعه الطبيعي. فالمشي في الزحام يجلب الضجر وهذا ملاحظ على الأطفال بعد مشي طويل في شوارع المدينة، لأن الضوضاء والاندفاع والاحتكاك بالناس تزيد من عصبيته وتوتره.

لا تُخف طفلك

الآن بعد أن علمنا كيف تبدأ جذور العقدة النفسية مبكرة منذ الأيام الأولى وبعد أن مرّ كل منا بتجربة الشعور بالخوف الذي راوده في لحظة ما، يصبح من الضروري أن ننبه إلى مخاطر خلق الخوف في نفوس الأطفال، مع أن البعض يستغله كسلاح يؤدي به غرضه ويساعده على التحكم بطفله، كالخوف من الشرطي أو الطبيب أو الظلام أو حتى العقاب الشديد (كان مقصوداً أم لا).

وقد لوحظ أن الأطفال الذين تعرضوا لضغط نفسي وعقلي وجسدي أثناء الحروب كانوا قادرين على احتمالها مهما بلغت شدتها إذا رافقها شعور بحاية آبائهم وأمهاتهم ودفاعهم عنهم، بينما كان لها آثار نفسية كبيرة على هؤلاء الذين افتقدوا الحماية والرعاية. إن أفضل ما يقدم للطفل هو مساعدته على النمو بشكل صحي متزن في غمرة من الإحساس القوي بالأمان، فهذا هو حصنه الدفاعي الأول، وإذا سلب منه، تركته نصف مهزوم أمام العالم المحيط به.